الجمعة، 28 يوليو 2017

تساؤلات (14): هل يجب أن ينزل الإله منهجًا؟ هل الإله حاكم؟ ألا يمكن أن يكون الإله في موقع المحاكم؟

         الحجة الشهيرة لفكرة إتباع الدين هي أنه منهج من الإله، وأن الإله يجب أن ينزل منهجًا دائمًا، وأن الحكمة الإلهية من الخلق هي اختبار البشر، ومدي إتباعهم للمنهج، وفي حالة عدم إنزال المنهج لن يكون الإله عادلاً. لقد تمت مناقشة فكرة الحساب، والاختبار، والجنة والنار في مقالات سابقة من سلسلة تساؤلات يمكن العودة إليها في هذه المدونة.
          السؤال هذه المرة هو هل البشر كلهم في حاجة إلي منهج بصورة الدين أم لا؟ هل يجب أن ينزل الإله منهجًا؟ وهل هذه حكمة من الإله؟ هل الشخص الحكيم في الحياة اليومية للأفراد يذهب لكل شخص يعرفه بغض النظر عن ظروفه، وحياته الشخصية، وينصحه بنصيحة عامة ينصحها لغيره؟ هل الشخص الحكيم في الحياة يعتبر تصرفًا واحدًا صوابًا دائمًا؟ هل ينصح الحكيم شخصًا في مجتمع غربي بالتعدد الزوجي مثل شخص في مجتمع سعودي؟ هل ينصح الحكيم شخصًا في مجتمع أفريقي بارتداء نفس الملابس التي يرتديها شخص أخر في أسيا؟ هل ينصح الحكيم شخًصًا في مجتمع ظروفه حربية دائمة بنفس نصائح شخص في مجتمع حالته دائمًا سلمية؟ هل الشخص الحكيم يكتب رسالة واحدة ويرسل هذه الرسالة لكل البشر في زمنه فقط (لا كل الأزمنة) ويدعي أن كل موقف في الحياة ستطبق فيه هذه الرسالة ستكون حكيمة؟ هل أصلاً أي حكم في الكون عادل في كل المواقف؟ فكرة المنهج قائمة علي وجود مانويل يرسل للبشر ليسيرون عليه، ويكون ملائمًا لكل ظروفهم، وهذه الفكرة تدعو للتساؤل: هل يكون الإله حكيمًا إن أرسل هذا المنهج أصلاً؟ أم يكون سطحيًا، وجاهلاً؟
         إن كان البشر في حاجة إلي مساعدة أوإرشاد؛ ألا يكون من الأحكم أن يرسل لكل شخص في ظروفه الشخصية إرشادات ملائمة له؟ ألا يكون الأحكم أن يخاطب كل شخص وحده بشكل مستقل عن فكرة منهج عام؟ ألا يناسب كل شخص أصلاً طريقة قرب وعلاقة مختلفة مع الإله؟ هل الأفضل أصلاً أن يكون الإله منزلاً لمنهج أم أن يكون صديقًأ مصاحبًا للشخص الواحد في كل موقف، ومعينًا له في كل موقف حياتي يحتاج فيه معونة علي حدي؟
         فكرة المنهج مرتبطة بفكرة الحاكم، وفكرة أن الإله دائمًا في موقف الحاكم الذي يحاسب البشر علي إتباع القانون الذي فرضه أو علي الخروج عليه، وكما ذكرت فقد تمت مناقشة هذه الفكرة من قبل في مقالات لاحقة لكن المهم هنا هو: هل الإله دائمًا في موقف الحاكم (إن كان أصلاً بهذه الصورة) أم أنه يكون كثيرًا في موقف المحاكم من الإنسان في علاقة تبادلية؟ حتي الأديان تدعي أن الإنسان يجب أن يفكر ويتساءل، ويبحث حتي يعرف الدين الصحيح، وهذه هي الحجة التي تستند عليها الأديان (علي الأقل الإبراهيمية) حتي تبرر معاقبة غير المؤمنين بها علي رفضهم لصورة الإله فيها حتي من لم يعرفوا شيئًا عنها. ولكن حتي يختار الشخص بين الأديان المختلفة، ويبحث يجب أن يكون حاكمًا علي صور مختلفة للإله، ويختار بينها، وفي هذه المحاكمة يكون الإله في صورة المحاكم. وسؤال اّخر: ألا يمكن أن يكون الإله دائمًا في موقع المحاكم في علاقة مع الإنسان؟ في العلاقات التبادلية بين البشر يكون الأفراد في موقف متبادل من المحاكمة التبادلية إن أخطأ أحدهم في حق الاّخر أو إذا شك شخص في خطأ الاّخر في حقه، ألا يصح أن تكون العلاقة مع الإله علاقة تبادلية أيضًا؟ لو كانت الإجابة ب"لا" مستندة علي ارتفاع مكانة الإله في العلاقة؛ ففي هذه الحالة سيكون تحرر الإله من موقع المحاكم نتيجة لقوته، ومكانته، لا نتيجة لأي معيار أخلاقي، وإن كان الإله هو من يضع المعايير الأخلاقية؛ فألا يعني ذلك أن الإله ليس إلا  ديكتاتور يضع قواعد، ويلزم بها البشر، ويجبرهم علي إتباعها، ويكتسب الحصانة من المحاكمة حتي بمعاييره من موقف القوة، ومن موقف المشرع؟ هل من يحتمي بالقوة، والمكانة ليتحرر من المحاكمة أخلاقي حتي بمعايير الأخلاق التي تتفق عليها الأديان؟ وهل من يتحرر من المعايير التي وضعها بنفسه هو أخلاقي؟
           ألا يمكن أن يكون الإله هو الأخلاق النبيلة (أو لنستعمل تعبير "القيم")  ذاتها لا واضعها؟ ألا يمكن أن يكون الإله دائمًا في موقف الحاكم، والمحاكم في علاقة تبادلية مع الإنسان؟