أكثر ما أحببته في الأردن هو شعبها؛ هذا الشعب مميز لأن لديه تقبل، واحترام، وحب للأخر علي عكس الدول المحيطة به. الأردن بها تعددية كبيرة فشعبها يتألف من خمسة ملايين من الأردنيين، والفلسطينيين، ومليون ونصف لاجيء عراقي، ومليون ونصف لاجيء سوري علاوة علي مليون مصري يعملون هناك، ومؤخرًا يعمل بها عدد كبير من الأافارقة، والأسيويين. ورغم أن هذا التعدد موجود كذلك في دول أخري عربية مثل لبنان أو الإمارات وغير عربية مثل فرنسا، والولايات المتحدة إلا أن ما يميز الأردن هو وجود تقبل، واحترام للأخر كبير هناك. فلا يوجد فرق كبير بين أماكن سكني الأردنيين، وأماكن سكني اللاجئين والعاملين من دول أخري كما أنه لا يلحظ فرق كبير في مستوي معيشة الأردنيين عن غيرهم من الشعوب في الأردن. كذلك فلا يوجد رفض لأي شكل للملبس لأي شخص داخل الأردن من الأكثر عري حتي النقاب. ولا يتصف الشعب الأردني بالتطفل علي الغير بل يراعي المساحة الشخصية للأفراد. ومع ذلك فشعب الأردن ليس شعبًا متغربًا بل إنه يتصف بالصفات العربية الأصيلة خاصة الكرم، والنبل، وحسن الضيافة، واحترام الكبير. والأردن هي المكان الوحيد الذي سافرته حتي الاّن غير كينيا الذي لاقت أمي فيه احترامًا خاصًا لكبر سنها. والأردنيون يعشقون المصريين، ويقدرون جدًا الميراث الفني المصري، ويعامل المصريون معاملة تمييزية في الأسعار بالأردن عن غيرهم من الشعوب.
الأردن محاطة بمجموعة من أكثر الأماكن صراعًا في العالم؛ فهي تتشارك الحدود مع العراق، والسعودية، وإسرائيل، وسوريا، وتأثرت دائمًا بكل الأزمات السياسية، والإنسانية التي نشبت في هذه المناطق ولكن رغم ذلك نجحت الأردن في التعامل مع اللاجئين الوافدين عليها من كل هذه المناطق، ومع كل الأزمات المحيطة بها مع حفاظها علي أمانها السياسي، والاجتماعي؛ فيشعر الفرد في الأردن بأمان من التعرض لأي نوع من الجرائم.
صور العائلة المالكة، وأسماء أفرادها منتشرة بكل مكان حتي المطاعم، والفنادق. العملة الأردنية قوية للغاية وتفوق قوتها الجنيه الاسترليني فهي تساوي أربعة وعشرون جنيهًا مصريًا لكن قوتها الشرائية ضعيفة، وتكاد تساوي أربع جنيهات فقط، وعمان ضمن أغلي مدن العالم، ورغم شهرة باريس كواحدة من أغلي مدن العالم فعمان ليست أقل غلاءًا من باريس! وما يسهل الضغط الاقتصادي الصعب علي الشعب هو توفير رعاية صحية، وتعليم بجودة مرتفعة لكل أفراد الشعب مجانًا من قبل الدولة. ومن الغريب في الأردن أن شهرة استخدام البطاقات الائتمانية قليلة، والتعامل أغلبه نقدي.
الفنون، والحرف اليدوية تحتل مكانة خاصة في الأردن، وهي مبهرة في جمالها خاصة فن الفسيفساء، وفنون التطريز الأردني، وفن الخزف، والسيراميك، والصدف. والأردنيون يحبون الجمال والأناقة، ويقدرونها. وأسعار المنتجات الحرفية خاصة الفسيفساء والصدف مرتفعة بشكل خيالي فيمكن بسهولة إنفاق ما يوازي 20000 جنيه مصري علي قطعتي فسيفساء أو صدف متوسطتان في الحجم!
الأردن غنية جدًا تراثيًا، وسياحيًا؛ فبها مكان تعميد المسيح من قبل يوحنا المعمدان "المغطس"، وهو نقطة حج مسيحي مهمة لكن للأسف فمياه نهر الأردن التي تعمد فيها المسيح تجف بسبب استنزاف إسرائيل لها. وبالأردن كذلك كنائس تاريخية مهمة، ومقامات كثيرة للأولياء، وبها أماكن دفن كثير من الأنبياء، وبها مدينة رومانية كاملة هي مدينة جرش الأثرية. وطبيعة الأردن خلابة خاصة في منطقة عجلون. وأشهر معلم سياحي علي الإطلاق في الأردن هو البتراء، وهي عاصمة النبطيين، والذين كانوا من أهم الشعوب العربية التي أتقنت الهندسة، والري، والتجارة، ونحت الجبال! وكثير من أثار النبطيين مازالت حية وتسلب الوجدان في مدينة البتراء. والبحر الميت هو معلم أخر مميز في الأردن شديد الجمال، وبها نسبة ملوحة من الأعلي عالميًا، وطينه يعالج البشرة.
هناك في الأردن أماكن قديمة ومناطق حديثة أسست في السنوات العشرة الأخيرة. وقد كهرت بشدة المناطق الجديدة التي تشبه التجمع في مصر، وتمتليء بالمباني العالية الزجاجية. وتخسر الأردن كثيرًا من طبيعتها الخلابة مع الزحف العمراني علي الخضار. وهناك كثير من العقارات المعروضة للبيع في الأردن، وعقلية المقاول تغزو الأردن تدريجيًا مثلما غزت مصر ولكن ما يحسب للأردن أنها فرضت قانون بناء موحد يفرض أن تكون كسوة المباني كلها من حجر الأردن الأبيض، وهذا حافظ علي رونقها، وجمالها. وأجمل المباني، والقصور الحديثة التي رأيتها موجودة بالأردن؛ فهذا الشعب يعشق الجمال ورونق البيت فعلاً.