الاثنين، 17 ديسمبر 2018

سلسلة خبرات السفر- كينيا

كينيا

         لاحظت داخلي فراغ دائم وقلق وجودي في كل أوروبي سافرته. لاحظت داخلي شعور بغياب المعني؛ شعور أنها حياة سعيدة لكن فارغة ولا تستطيع مليء روحي. برودة؛ كل شيء نظيف ومنظم وبارد وكل شيء داخل قالبه المخصص المصمم له، ولا شيء يتخطي حدوده. كنت أتمزق بين توقي لحضن، ودفء ومعني، وإحساس بالقيمة وبين خوف شديد من العودة لالام بلد لا يوجد فيها معن للعدل أو الحرية أو الإنسانية أو حقي علي جسدي.

        وجدت في كينيا شيئا اخر مختلف تماما وجدت فيها احترام جسدي وحرية ملابسي وأنوثتي ومسافتي الشخصية وفي نفس الوقت دفء وحضن وابتسامة نقية حقيقية. كينيا ليست بلدا غربيا باردا بل هي بلد منغرس فيه قيم احترام الكبير وتقديس الأمهات بالذات فالكل هنا يسأل عن أمي وينحني لها ويقول لها: "ماما". الشعب هنا طيب وحنون، وقريب، ويفتح حوارا مع الغرباء بسهولة ويبتسم في وجوههم، ويسأل عن أحوالهم بلطف

          رغم أن البلد مشهور بالجريمة خاصة السرقة والخطف إلا أن الشعب بوجه عام ليس شعبا مفتقر للخلق أو التربية بل هو بوجه عام شعب مهذب في تعاملاته وطباعه وبشوش. ولا يلجأ لطرق استغلال السياح مثل رفع الأسعار عليهم كثيرا. والذي صدمني أن الشعب يعمل بجد وخدوم جدا ومخلص ولا يتوقع أبدا بقشيشا مثل المصريين!
  
             وضع المرأة في كينيا يحمل احتراما كبيرا. فهناك حرية ملبس كبيرة للنساء والثقافة هنا ارتداء تنورات وأثواب قصيرة ضيقة جدا وتفصل بشكل أساسي المؤخرة، والنساء يرتدين ما يشأن بحرية من ما يظهر البطن حتي النقاب، والدولة نسبيا فقيرة وفيها غياب فج للعدالة الاجتماعية لكن لا يوجد بها تحرش ولا معاكسة! فدعونا نلطم في صمت.

            والنساء يشاركن الرجال في كل الأعمال؛ وضابطات الشرطة والجيش كثيرات ومنتشرات. وأغلب الوقت أقابل نساء ترتدين ملابس عمل رسمية في الشوارع. ومن المميز أنه رغم أن الشعب دافيء ويسأل عن الاخرين ويعقد الصدافات معهم بسرعة إلا أنه يحترم حدود الاخر ويحترم التعددية، ولا يتدخل في ملابس أحد ولا يراقب سلوكيات النساء والرجال ويمسك لهم الكرباج. والنساء تظهر أنوثتها وجمالها الفاتن في مختلغ الملابس الملونة بألوان فاقعة وفي تسريحات الشعر المختلفة جدا والمميزة وألوان الشعر الفاقعة مثل الملابس كالأزرق! ورغم ذلك فلا يشيع هنا مساحيق التجميل فالنساء جميلات بطبيعتهن وروحهن.

             ويحافظ المجتمع إلي حد كبير علي هويته الثقافية الأفريقية من خلال الحفاظ علي أسلوب الملبس الأفريقي وانتشار أعمال كادت تنقرض من دول كثيرة مثل ملمع الأحذية والترزي. ومن خلال الأنشطة الثقافية مثل سوق مساي مارا لبيع المنتجات الحرف التقليدية لقبيلة المساي الشهيرة ومثل مشوع بوماس كينيا لحفظ الرقصات المميزة للقباىل ال ٤٢ المختلفة في كينيا

               وعلاقة الشعب بالطبيعة مقدسة فهناك مشروعات مثل دار أيتام الفيلة لإنقاذ الفيلة وود القرن الذين يفقدون أمهاتهم ويهددون بالموت ومثل مركز الزرافات لرعاية الزرافات في بيئتها الطبيعية ومثل المحميات الطبيعية الضخمة. و قد سبقوا أوروبا في هجر البلاستيك وباتوا يستخدمون أكياس القماش في كل مكان فحتي البائعون الذين يفرشون في الشارع لا يستخدمون إلا أكياس القماش. والحيوانات منتشرة في كل مكان خاصة النسانيس التي تري علي الطريق السريع بين المدن.

         وهذا الشعب مخلص ويتذكر كل من أحسن له، وأقام متحفا لكارن بليكسن الأديبة الدنماركية التي أحسنت للشعب في زمن العبودية و التي كتبت الكناب الشهير "خارج أفريقيا". وأعطي جناحا في المتحف القومي لأعمال جوي أدمسون التي وهبت حياتها لرسم نباتات وشعوب كينيا.

       الفن الكيني مميز للغاية وثري ومتمرد وبلا قيود، وهو بالنسبة إلي الفن الأكثر تعبيرا عن أكثر شعوبالعالما للحياة. الافارقة يعشقون الحياة؛ يعشقون الألوان، المرح، المزاح، المشاعر، الجنس، الجمال، الطبيعة، البساطة، الحركة، الطعام، والقوة. وكل هذه المعاني ينبض بها فنهم الثري. فنهم من الأكثر ثراءا علي الاطلاق ومع ذلك لا يأخذ حقه. أنفقت ثروة علي قطعهم الفنية ولست نادمة.

        يحبون الإنجاب كثيرا وأطفالهم مزعجون وليسوا ملتزمين كالطفل الأوروبي، بلدهم مفتقر للنظام والبنية التحتية في كل شيء. إنهم يكرهون النظام إلا أنهم يقدسون النظام السياسي ومازال داخلهم تقديس لقادتهم موروث من أفكارهم عن زعماء القبائل إلا أنهم يسيرون نحو الديمقراطية فرؤساءهم لا يبقون حتي الموت ولديهم مفهوم التسليم الديمقراطي للسلطة


        ترك المستعمر خلفه بلدا يؤذيها بشدة الفجوة العميقة بين مكانه ومكان شعبها، وبقي الأجانب والحكام يقيمون في مناطق ثرية رائعة الجما، وغالبية الشعب يعاني من الفقر. وترك خلفه أيضا فكر المباني العملاقة والتصنيع في البلد الزراعي العظيم. لكن ما تركه هو قبح يتسع ويهدد الجمال؛ كتل قذرة ضخمة تهدد الخضار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق