(هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة).
لكل مجتمع ودولة ما منظومة أفكار مترابطة ومتجانسة اجتماعية وسياسية ودينية واقتصادية تخدم بعضها البعض. ولكل دولة ومجتمع رموز تعبر بشكل واع أو غير واع عن هذه المنظومة. هذه الرموز تبدو من الخارج ضمن حكام وموجهي المنظونة لكنها في حقيقتها ليست إلا لاعبا في دور محدد داخل هذه المنظومة مهما عظمت مكانتها بل حتي لو تولت الرئاسة الأسمية لها. وتقوم هذه الرموز بدور الأبطال الرئيسيين الذين يعبرون عن أفكار السيناريست. وإن كان السيناريست في المجتمعات والدول ليس شخصا بعينه إنما هو وعي (أو لا وعي) جمعي.
المجتمع المصري والدولة المصرية ليسا استثناءا من هذه القاعدة. مصر الان تحكمها مجموعة أفكار سياسية واقتصادية واجتماعية ودينية يعبر عنها في رموز كثيرة منها كنيسة ميلاد المسيح في العاصمة الإدارية الجديدة والبابا تواضروس وكلمته في القداس اليوم.
مجموعة رموز متناثرة ظهرت اليوم بتحليل عميق لها يمكن أن نري إنعكاس المنظومة الحاكمة المصرية الان بكل جوانبها. الرمز الأول هو كنيسة في العاصمة الإدارية الجديدة بتكلفة نهائية مليار و٢٠٠ مليون جنيه؛ الرمز الثاني هو صلاة داخلها بحضور محدد وعدد ومحدود؛ الرمز الثالث هو صف العسكر في صفها الأمامي، الرمز الرابع هو اسم الكنيسة "ميلاد المسيح"؛ الرمز الخامس هو حديث البابا في قداس عيد الميلاد الذي يكون غالبا موضوعه قصة ميلاد المسيح أو مريم عن الإلحاد و"الشذوذ" والإرهاب؛ الرمز السادس هو الأية والتفسير الذي اختاره البابا متي(18 : 3).
فلنبدأ بالمنظومة الاقتصادية؛ المنظومة الاقتصادية التي تتبناها الدولة الان هي امتداد وتطور للمنظومة التي تبناها مبارك منذ التسعينات وهي إتباع برامج إعادة الهيكلة التي يمليها صندوق النقد والبنك الدوليين والتي حققت لمصر قبل ٢٥ يناير معدل نمو اقتصادي بلغ ٧% من الأعلي عالميا واحتياطي نقد أجنبي صخم، مع قروض قاربت التريليون جنيه و نسبة فقر قاربت ال٤٠% حسب دراسات مركز دعم إتخاذ القرار أنذاك.
هذه المنظومة الاقتصادية كانت وراء نهضة ضخمة في كثير من الدول النامية ومن أشهر نماذجها البرازيل لكن تقريبا جميع الدول التي إتبعتها من الدول النامية حققت نموا اقتصاديا مرتفعا، واحتياطي نقد أجنبي ضخم لكن مع زيادة مرعبة في الفجوة بين الطبقة شديدة الثراء والطبقة الأفقر وارتفاع مرعب كذلك في عدد المواطنين تحت خط الفقر، مع ازدياد ثروة طبقة محددة ونخبة ثقافية واقتصادية. هذه المنظومة بدأت تؤتي ثمارها بتعويم الجنيه والاستفادة الذي عاد بها هذا القرار علي المستوي الإئتماني للدولي وعلي الطبقات الأكثر ثراء والنتائج المذرية لهذا القرار علي الطبقات الأشد فقرا أو الطبقة المتوسطة بشكل أساسي. وتعلم الدولة ذلك جيدا لكنها تعلم أولوياتها أيضا، تعلم أن أولوياتها هي النمو الرقمي وليس الاجتماعي، وتعلم أن الطبقة الأشد ثراء هي الأساس الذي تخدمه. لذلك تعلم أنعا تحتاج لتوجيه مليارات لتحسين وأنشاء طرق للتجمعات والمجتمعات الثرية المغلقة وللاحتياجات التجارية لطبقة رجال الأعمال والمخدمين عليهم بدلا من تعديل طرق القري أو المحافظات الفقيرة أو بدلا من تحسين العشوئيات مثلا. وتعلم ذات الدولة أن الأولوية ليست لمسيحيي الصعيد في القري الأشد فقرا التي لا يوجد بها كنيسة أو التي أغلقت كنائسها أو لمسيحيي حلوان. تعلم أن الأولوية لمجتمع التجمع والشعب المسيحي الأكثر ثراء الذي سينتقل للعاصمة الإدارية الجديدة.
تحاول الدولة كذلك أن تخلق كوادر من شباب هذه الطبقة تستطيع أن تكمل مشوار المنظومة الاقتصادية وتقيم الدولة لهذه الكوادر المؤتمرات. هؤلاء ضرورة لاستمرار المنظومة. وأحيانا تخلق تلك المنظومة رموزا لإيهام الطبقات الأقل حظا أن هناك أمل لهم داخل هذه المنظومة؛ رموزا مثل محمد رمضان ومحمد صلاح؛ وتهتم كثيرا بالاحتفاء بهم.
المنظومتان الدينية والاجتماعية لهما ضوابطهما أيضا؛ فهذه المنظومة التي تحكم مصر تريد صورة واحدة محددة للمجتمع بأكمله لا يميل عنها يسارا أو يمينا. هذه الدولة لا تريد مجتمعا متدينا ومحافظا إسلاميا كما أنها لا تريد مجتمعا فيه مثلية جنسية أو إلحاد أو حتي تعدد ديني حقيقي مثل البهائية. هذه المنظومة عبارة عن نسخة مصرية محددة بمفهوم محدد عن التدين المصري الوسطي الجميل بشقيه الإسلامي والمسيحي ولكن تدين تحت السيطرة وداخل إطار المنظومات الأخري السياسة والاقتصادية للدولة. هناك اختلافات أيضا داخل قالب محدد؛ فمثلا الكنيسة الإنجيلية مختلفة عن الكنيسة الأرثوزدكسية في مواجهتها ل"خطري" الإلحاد والمثلية وتحاول أن تتصرف بذكاء أكثر لكنها تبقي داخل المنظومة الوسطية. هذه المنظومة يعبر عنها بصورة فتاتان ترتديان ثيابا غالية؛ واحدة ترتدي تنورة فوق الركبة رسمية والثانية ترتدي حجابا. لا ترتدي إحداهما نقابا ولا تتعري. حتي قبول الاخر المختلف بدرجة صغيرة يكون بقواعد؛ قواعد تجعل المسيحيين يحصلون علي إجازة عيد الميلاد المجيد لكن ليس علي عيد القيامة.
المنظومة السياسية تكمن في نظام سياسي يرفض النقد والاختلاف، ويرفض وجود هامش من الحرية والتنفس. نظام سياسي قمعي سمته الأولي الأبوية. لا أحد يحق له أن يختار فيه أي شيء، ولا حتي أن يسأل. الكل يؤدي دوره وينفذ فقط، والكل يؤمن بدون تساؤل، لا يشك حتي لو كل القرائن مضادة لما يقال له. هذه المنظومة لن تحكم إذا شك الفرد في الدين أو "نظام الطبيعة" لذلك لا يجب أن يسمح بسلوكيات كالإلحاد أو المثلية وتواجه بقوانين جبرية وقبضة قمعية. لا يسمح بطرق رقيقة مثل التحدي الفكري؛ يجب أن تعبر المنظومة الأبوية عن نفسها في الأب السطوي القوي الذي يفرض كل شيء بقوة وحسم وقانون وسجن. وفي هذه المنظومة يجب أن يكون طريق السماوات أن يكون المؤمن كالصغير شديد الثقة ولا يشك، ويكون كل من يحاول العبث بثقة وإيمان الصغير مصيره الهلاك.
هذه المنظومات كلها متشابكة ولن تصمد إحداها بدون الأخري، ولن تصمد إحداها بدون أباء وصغار.
لكل مجتمع ودولة ما منظومة أفكار مترابطة ومتجانسة اجتماعية وسياسية ودينية واقتصادية تخدم بعضها البعض. ولكل دولة ومجتمع رموز تعبر بشكل واع أو غير واع عن هذه المنظومة. هذه الرموز تبدو من الخارج ضمن حكام وموجهي المنظونة لكنها في حقيقتها ليست إلا لاعبا في دور محدد داخل هذه المنظومة مهما عظمت مكانتها بل حتي لو تولت الرئاسة الأسمية لها. وتقوم هذه الرموز بدور الأبطال الرئيسيين الذين يعبرون عن أفكار السيناريست. وإن كان السيناريست في المجتمعات والدول ليس شخصا بعينه إنما هو وعي (أو لا وعي) جمعي.
المجتمع المصري والدولة المصرية ليسا استثناءا من هذه القاعدة. مصر الان تحكمها مجموعة أفكار سياسية واقتصادية واجتماعية ودينية يعبر عنها في رموز كثيرة منها كنيسة ميلاد المسيح في العاصمة الإدارية الجديدة والبابا تواضروس وكلمته في القداس اليوم.
مجموعة رموز متناثرة ظهرت اليوم بتحليل عميق لها يمكن أن نري إنعكاس المنظومة الحاكمة المصرية الان بكل جوانبها. الرمز الأول هو كنيسة في العاصمة الإدارية الجديدة بتكلفة نهائية مليار و٢٠٠ مليون جنيه؛ الرمز الثاني هو صلاة داخلها بحضور محدد وعدد ومحدود؛ الرمز الثالث هو صف العسكر في صفها الأمامي، الرمز الرابع هو اسم الكنيسة "ميلاد المسيح"؛ الرمز الخامس هو حديث البابا في قداس عيد الميلاد الذي يكون غالبا موضوعه قصة ميلاد المسيح أو مريم عن الإلحاد و"الشذوذ" والإرهاب؛ الرمز السادس هو الأية والتفسير الذي اختاره البابا متي(18 : 3).
فلنبدأ بالمنظومة الاقتصادية؛ المنظومة الاقتصادية التي تتبناها الدولة الان هي امتداد وتطور للمنظومة التي تبناها مبارك منذ التسعينات وهي إتباع برامج إعادة الهيكلة التي يمليها صندوق النقد والبنك الدوليين والتي حققت لمصر قبل ٢٥ يناير معدل نمو اقتصادي بلغ ٧% من الأعلي عالميا واحتياطي نقد أجنبي صخم، مع قروض قاربت التريليون جنيه و نسبة فقر قاربت ال٤٠% حسب دراسات مركز دعم إتخاذ القرار أنذاك.
هذه المنظومة الاقتصادية كانت وراء نهضة ضخمة في كثير من الدول النامية ومن أشهر نماذجها البرازيل لكن تقريبا جميع الدول التي إتبعتها من الدول النامية حققت نموا اقتصاديا مرتفعا، واحتياطي نقد أجنبي ضخم لكن مع زيادة مرعبة في الفجوة بين الطبقة شديدة الثراء والطبقة الأفقر وارتفاع مرعب كذلك في عدد المواطنين تحت خط الفقر، مع ازدياد ثروة طبقة محددة ونخبة ثقافية واقتصادية. هذه المنظومة بدأت تؤتي ثمارها بتعويم الجنيه والاستفادة الذي عاد بها هذا القرار علي المستوي الإئتماني للدولي وعلي الطبقات الأكثر ثراء والنتائج المذرية لهذا القرار علي الطبقات الأشد فقرا أو الطبقة المتوسطة بشكل أساسي. وتعلم الدولة ذلك جيدا لكنها تعلم أولوياتها أيضا، تعلم أن أولوياتها هي النمو الرقمي وليس الاجتماعي، وتعلم أن الطبقة الأشد ثراء هي الأساس الذي تخدمه. لذلك تعلم أنعا تحتاج لتوجيه مليارات لتحسين وأنشاء طرق للتجمعات والمجتمعات الثرية المغلقة وللاحتياجات التجارية لطبقة رجال الأعمال والمخدمين عليهم بدلا من تعديل طرق القري أو المحافظات الفقيرة أو بدلا من تحسين العشوئيات مثلا. وتعلم ذات الدولة أن الأولوية ليست لمسيحيي الصعيد في القري الأشد فقرا التي لا يوجد بها كنيسة أو التي أغلقت كنائسها أو لمسيحيي حلوان. تعلم أن الأولوية لمجتمع التجمع والشعب المسيحي الأكثر ثراء الذي سينتقل للعاصمة الإدارية الجديدة.
تحاول الدولة كذلك أن تخلق كوادر من شباب هذه الطبقة تستطيع أن تكمل مشوار المنظومة الاقتصادية وتقيم الدولة لهذه الكوادر المؤتمرات. هؤلاء ضرورة لاستمرار المنظومة. وأحيانا تخلق تلك المنظومة رموزا لإيهام الطبقات الأقل حظا أن هناك أمل لهم داخل هذه المنظومة؛ رموزا مثل محمد رمضان ومحمد صلاح؛ وتهتم كثيرا بالاحتفاء بهم.
المنظومتان الدينية والاجتماعية لهما ضوابطهما أيضا؛ فهذه المنظومة التي تحكم مصر تريد صورة واحدة محددة للمجتمع بأكمله لا يميل عنها يسارا أو يمينا. هذه الدولة لا تريد مجتمعا متدينا ومحافظا إسلاميا كما أنها لا تريد مجتمعا فيه مثلية جنسية أو إلحاد أو حتي تعدد ديني حقيقي مثل البهائية. هذه المنظومة عبارة عن نسخة مصرية محددة بمفهوم محدد عن التدين المصري الوسطي الجميل بشقيه الإسلامي والمسيحي ولكن تدين تحت السيطرة وداخل إطار المنظومات الأخري السياسة والاقتصادية للدولة. هناك اختلافات أيضا داخل قالب محدد؛ فمثلا الكنيسة الإنجيلية مختلفة عن الكنيسة الأرثوزدكسية في مواجهتها ل"خطري" الإلحاد والمثلية وتحاول أن تتصرف بذكاء أكثر لكنها تبقي داخل المنظومة الوسطية. هذه المنظومة يعبر عنها بصورة فتاتان ترتديان ثيابا غالية؛ واحدة ترتدي تنورة فوق الركبة رسمية والثانية ترتدي حجابا. لا ترتدي إحداهما نقابا ولا تتعري. حتي قبول الاخر المختلف بدرجة صغيرة يكون بقواعد؛ قواعد تجعل المسيحيين يحصلون علي إجازة عيد الميلاد المجيد لكن ليس علي عيد القيامة.
المنظومة السياسية تكمن في نظام سياسي يرفض النقد والاختلاف، ويرفض وجود هامش من الحرية والتنفس. نظام سياسي قمعي سمته الأولي الأبوية. لا أحد يحق له أن يختار فيه أي شيء، ولا حتي أن يسأل. الكل يؤدي دوره وينفذ فقط، والكل يؤمن بدون تساؤل، لا يشك حتي لو كل القرائن مضادة لما يقال له. هذه المنظومة لن تحكم إذا شك الفرد في الدين أو "نظام الطبيعة" لذلك لا يجب أن يسمح بسلوكيات كالإلحاد أو المثلية وتواجه بقوانين جبرية وقبضة قمعية. لا يسمح بطرق رقيقة مثل التحدي الفكري؛ يجب أن تعبر المنظومة الأبوية عن نفسها في الأب السطوي القوي الذي يفرض كل شيء بقوة وحسم وقانون وسجن. وفي هذه المنظومة يجب أن يكون طريق السماوات أن يكون المؤمن كالصغير شديد الثقة ولا يشك، ويكون كل من يحاول العبث بثقة وإيمان الصغير مصيره الهلاك.
هذه المنظومات كلها متشابكة ولن تصمد إحداها بدون الأخري، ولن تصمد إحداها بدون أباء وصغار.