(هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة).
في عصر
أحمد نظيف شهدت مصر أعلي معدلات نموها الاقتصادي في الأرعين عامًا الأخيرة، حيث بلغت
نسبة النمو7% و هي نسبة خيالية لأي دولة نامية، بل إن مصر حافظت علي نموها في ظروف
الأزمة الاقتصادية العالمية، و بينما كانت اقتصادات العالم المتقدم تنهار، حافظ
الاقتصاد المصري علي ثباته بل و حقق نسبة نمو ملحوظة. و مع ذلك جاءت الثورة،
لماذا؟ قد تقدم تحليلات سياسية كثيرة (سواء تؤيد نظرية المؤامرة أو تدين النظام)
لكن في كل الأحوال و بعض النظر عن السبب، ما كانت هذه الثورة لتجد زخمًا شعبيًا و
من الطبقات الوسطي و الدنيا إلم يكن هناك سخط علي النظام الاقتصادي الذي تغيب فيه
العدالة.
مع ازدياد
النمو الاقتصادي المصري ازداد حجم الفقر ليبتلع 40% من سكان مصر، و ازدادت نسبة
الجريمة لتبلغ أرقامًا غريبة علي المجتمع المصري، مع ازدياد جرائم العنف و الجرائم
الجنسية بالذات. و ذلك -من إحدي قراءات علم الاجتماع- يرجع لازدياد الفجوة الشاسعة
بين الأغنياء فاحشي الثراء و الفقراء مدقعي الفقر. اقتصاد نظيف هو اقتصاد ال7%
نموًا و 40% تحت خط الفقر.
الأزمة
الحقيقية في قراءة الحكومات التي تتبع منظومة أحمد نظيف (الخاضعة لرؤية صندوق
النقد و البنك الدوليين) أنها تغفل الجانب الاجتماعي و تركز علي الجانب الرقمي،
تولي اهتمامًا مبالغًا فيه بأرقام النمو الاقتصادي و زيادة الاستثمارات و لا
يعنيها انعكاس ذلك علي حياة المواطنين و لا تحقيق الرفاهية إلا للأقلية
الرأسمالية. هذا المنظومة تقدم الوسيلة علي الغاية، تؤثر الاقتصاد علي المجتمع.
هذه
المنظومات هي الخطر الحقيقي علي أمن المجتمع. إنها تبني علي أساس هش من الثروة
المركزة في أيدي أقلية و المنظومة الأمنية التي تحمي هذه الأقلية. إنها قائمة علي
ظلم. و القائم علي ظلم أرضيته أسفلها حمم تنتظر الهزة لتنفجر. هذه المنظومات تولد
كل ما يهدد سلام المجتمع حتي و إن بنيت علي استقرار زائف. هذه المنظومات تزكي كل
احتقان بين طوائف المجتمع التي يغيب بينها العدالة الاجتماعية مثل الأغنياء و
الفقراء و مختلفي العقائد الدينية.
كلاكيت ثاني مرة،
نعيد
استنساخ المنظومة
عندما عرفت بأمر المؤتمر الاقتصادي،
رأيت المشهد أمامي يتكرر. نحن لا نتعلم من الأخطاء. نعيد إنتاج ذات المنظومة.
بعيدًا عن الحديث عن الغايات وراء المعونات الاقتصادية، أو انتقاد ظهور مصر
بمنظر الدولة الشحاذة، فهناك بعد أكثر خطورة لا يبدو أن أحدًا إنتبه له. نحن نعيد
ذات الخطأ. الاّن نحاول أن نعيد النمو الاقتصادي الذي حققه أحمد نظيف بذات المنهج.
نحاول أن نعيد الاستثمارات التي تحقق دخلاً اقتصاديًا يصب في جيوب الأقلية الأكثر
ثراءًا، و بدون ضمانات للعمال أو الطبقات الأكثر فقرًا. نحن ندخل مزيدًا من الدخل،
و نضعه في أيدي الأكثر ثراءًا و لا نعادل ذلك بدخل يحصل عليه الأكثر فقرًا، مما
يعني زيادة الفجوة بين الأثرياء و الفقراء. و هذه الفجوة في حد ذاتها أكثر خطورة
من الفقر. الفقير/ة سيجد/ستجد أزمة الفقر
أقل وطئة إن كان المجتمع بأكمله فقيرًا لكن ما يضخم وطئة الفقر، هو شعور الفقير/ة
بغياب العدالة و وجود طبقة تتمتع بامتيازات هو/هي محروم/ة منها. هذا الشعور هو
منشأ كثيرمن الأزمات الاجتماعية (السابق ذكرها مثل الجريمة و الاحتقان الاجتماعي و
الطائفي).
هل معني
ذلك أن جذب الاستثمارات أو المعونات خطأ؟ ليس بالضرورة، لكن المشكلة هي رؤية ذلك
كحل بدون وجود منظومة علاج اجتماعي لأزمة غياب العدالة الاقتصادية. جذب
الاستثمارات بدون رؤية لتوزيع اجتماعي عادل للنمو الاقتصادي هو زيادة للأزمة لا
طريقة حل. مع الأخذ في الاعتبار أن كثير من الدول التي تنوي الاستثمار في مصر تأخذ
في اعتبارها أنها ستتمكن من استغلال العمال و الدعم مما يعني أن ظروف وجودها هي
ظروف استغلال لوضع اقتصادي و اجتماعي غير عادل.
إن كنا
نريد حلاً حقيقيًا علينا أن نبدأ في علاج الورم الحقيقي (غياب العدالة
الاجتماعية)، لا أن نلجأ لمسكنات قد تزيد تفاقم الأزمة مثل زيادة النمو
الاقتصادي. لا يعني ذلك بالضرورة أننا يجب أن نتنازل عن الحل الاقتصادي، لكن يجب
أن نوازنه بحل اجتماعي حقيقي حتي لا نكرر ذات الأخطاء، و من يدري؟ فقد يكون الثمن الذي
سيدفعه المجتمع بأكمله (لا النظام فقط) هذه المرة أثمن كثيرًا من ثورة، قد يكون
ثمنًا نبكيه جميعًا دون جدوي.