الأحد، 15 مارس 2015

كلاكيت ثاني مرة (عن المؤتمر الاقتصادي)

       (هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة).

      في عصر أحمد نظيف شهدت مصر أعلي معدلات نموها الاقتصادي في الأرعين عامًا الأخيرة، حيث بلغت نسبة النمو7% و هي نسبة خيالية لأي دولة نامية، بل إن مصر حافظت علي نموها في ظروف الأزمة الاقتصادية العالمية، و بينما كانت اقتصادات العالم المتقدم تنهار، حافظ الاقتصاد المصري علي ثباته بل و حقق نسبة نمو ملحوظة. و مع ذلك جاءت الثورة، لماذا؟ قد تقدم تحليلات سياسية كثيرة (سواء تؤيد نظرية المؤامرة أو تدين النظام) لكن في كل الأحوال و بعض النظر عن السبب، ما كانت هذه الثورة لتجد زخمًا شعبيًا و من الطبقات الوسطي و الدنيا إلم يكن هناك سخط علي النظام الاقتصادي الذي تغيب فيه العدالة.
       مع ازدياد النمو الاقتصادي المصري ازداد حجم الفقر ليبتلع 40% من سكان مصر، و ازدادت نسبة الجريمة لتبلغ أرقامًا غريبة علي المجتمع المصري، مع ازدياد جرائم العنف و الجرائم الجنسية بالذات. و ذلك -من إحدي قراءات علم الاجتماع- يرجع لازدياد الفجوة الشاسعة بين الأغنياء فاحشي الثراء و الفقراء مدقعي الفقر. اقتصاد نظيف هو اقتصاد ال7% نموًا و 40% تحت خط الفقر.
         الأزمة الحقيقية في قراءة الحكومات التي تتبع منظومة أحمد نظيف (الخاضعة لرؤية صندوق النقد و البنك الدوليين) أنها تغفل الجانب الاجتماعي و تركز علي الجانب الرقمي، تولي اهتمامًا مبالغًا فيه بأرقام النمو الاقتصادي و زيادة الاستثمارات و لا يعنيها انعكاس ذلك علي حياة المواطنين و لا تحقيق الرفاهية إلا للأقلية الرأسمالية. هذا المنظومة تقدم الوسيلة علي الغاية، تؤثر الاقتصاد علي المجتمع.
          هذه المنظومات هي الخطر الحقيقي علي أمن المجتمع. إنها تبني علي أساس هش من الثروة المركزة في أيدي أقلية و المنظومة الأمنية التي تحمي هذه الأقلية. إنها قائمة علي ظلم. و القائم علي ظلم أرضيته أسفلها حمم تنتظر الهزة لتنفجر. هذه المنظومات تولد كل ما يهدد سلام المجتمع حتي و إن بنيت علي استقرار زائف. هذه المنظومات تزكي كل احتقان بين طوائف المجتمع التي يغيب بينها العدالة الاجتماعية مثل الأغنياء و الفقراء و مختلفي العقائد الدينية.
            كلاكيت ثاني مرة،
                                    نعيد استنساخ المنظومة
          عندما عرفت بأمر المؤتمر الاقتصادي، رأيت المشهد أمامي يتكرر. نحن لا نتعلم من الأخطاء. نعيد إنتاج ذات المنظومة.
           بعيدًا عن الحديث عن الغايات وراء المعونات الاقتصادية، أو انتقاد ظهور مصر بمنظر الدولة الشحاذة، فهناك بعد أكثر خطورة لا يبدو أن أحدًا إنتبه له. نحن نعيد ذات الخطأ. الاّن نحاول أن نعيد النمو الاقتصادي الذي حققه أحمد نظيف بذات المنهج. نحاول أن نعيد الاستثمارات التي تحقق دخلاً اقتصاديًا يصب في جيوب الأقلية الأكثر ثراءًا، و بدون ضمانات للعمال أو الطبقات الأكثر فقرًا. نحن ندخل مزيدًا من الدخل، و نضعه في أيدي الأكثر ثراءًا و لا نعادل ذلك بدخل يحصل عليه الأكثر فقرًا، مما يعني زيادة الفجوة بين الأثرياء و الفقراء. و هذه الفجوة في حد ذاتها أكثر خطورة من الفقر.  الفقير/ة سيجد/ستجد أزمة الفقر أقل وطئة إن كان المجتمع بأكمله فقيرًا لكن ما يضخم وطئة الفقر، هو شعور الفقير/ة بغياب العدالة و وجود طبقة تتمتع بامتيازات هو/هي محروم/ة منها. هذا الشعور هو منشأ كثيرمن الأزمات الاجتماعية (السابق ذكرها مثل الجريمة و الاحتقان الاجتماعي و الطائفي).
       هل معني ذلك أن جذب الاستثمارات أو المعونات خطأ؟ ليس بالضرورة، لكن المشكلة هي رؤية ذلك كحل بدون وجود منظومة علاج اجتماعي لأزمة غياب العدالة الاقتصادية. جذب الاستثمارات بدون رؤية لتوزيع اجتماعي عادل للنمو الاقتصادي هو زيادة للأزمة لا طريقة حل. مع الأخذ في الاعتبار أن كثير من الدول التي تنوي الاستثمار في مصر تأخذ في اعتبارها أنها ستتمكن من استغلال العمال و الدعم مما يعني أن ظروف وجودها هي ظروف استغلال لوضع اقتصادي و اجتماعي غير عادل.
         إن كنا نريد حلاً حقيقيًا علينا أن نبدأ في علاج الورم الحقيقي (غياب العدالة الاجتماعية)، لا أن نلجأ لمسكنات قد تزيد تفاقم الأزمة مثل زيادة النمو الاقتصادي. لا يعني ذلك بالضرورة أننا يجب أن نتنازل عن الحل الاقتصادي، لكن يجب أن نوازنه بحل اجتماعي حقيقي حتي لا نكرر ذات الأخطاء، و من يدري؟ فقد يكون الثمن الذي سيدفعه المجتمع بأكمله (لا النظام فقط) هذه المرة أثمن كثيرًا من ثورة، قد يكون ثمنًا نبكيه جميعًا دون جدوي.


الجمعة، 13 مارس 2015

أكثر ما يحتاجونه ( التأثير الحقيقي)

         (هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة).

         نربي علي أفكار سلطوية تغوص عميقًا داخلنا. تغرس داخلنا أفكار أكثر تعقيدًا من مجرد إيمان بحاكم/ة سلطوي/ة، بالنظام السلطوي، بالنغوذ الأبوي، بالديكتاتورية في الأسرة، و المجتمع و النظام السياسي، و التغيير الفوقي. الأفكار تغوص عميقًا داخلنا حتي تجعلنا نؤمن بأفكار عنا، عن داخلنا و داخل غيرنا أقرب  للسلطوية. نؤمن أن التغيير الاّخر بمنهج سلطوي
    نؤمن أننا لنغير من حولنا علينا أن نغرس داخل عقولهم بالقوة أفكار (حتي و إن كانت ضد طبيعتهم). نؤمن أن التغيير يأتي بالقوة، بالفرض، بل حتي و إن اقتنعنا أنه يأتي بالإقناع، نؤمن أنه يجب أن يكون إقناعًا فوقيًا. الإقناع الفوقي نموذج له الكاتب/ة الذي/التي يكتب/تكتب أفكاره/ا في كتب و يصفق له/ا في مرحلة ما، فيقتنع الجمهور بأن كتاباته/ا قيمة و تصلح لإرساء منهج للمجتمع. نموذج اّخر هو مدرس/ة يدرس/تدرس منهجًا دراسيًا يتميز بقدرته علي تنمية المهارات اللغوية أو العلمية أو الفكرية للطلاب. و النموذج الأكثر شهرة هو الناشط/ة السياسي/ة الذي/التي يتحدي/تتحدي السلطة، و يسجن/تسجن لأرائه/ا، و يصير/تصير بذلك بطلاّ/ةَ.
     كل هذه النماذج لنا تحدث تغيرًا و تؤثر و نحترمها و نقدسها، و نتمني أن نحقق ما نراه نهضة بها. هذه النماذج هي التي نراها تؤثر و تغير في حياة المجتمعات و الشعوب. هكذا اّمنت أنا أيضًا، و هكذا حاولت و مازلت أحاول أن أحدث التغيير.
           لكن في هناك خطأ واحد في الفكرة القابعة خلف تلك النماذج. هناك خطيئة في فهمنا للبشر.

      مثل الجميع ظننت أنني أتأثر بالكاتب/ة العظيم/ة، بالمدرس/ة الذي/التي يؤثر/تؤثر فيَ منهجه/ا، علمه/ا. و ظننت بالتبعية أنني لأغير يجب أن أؤثر بكتابتي الفوقية الفلسفية المنطقية المقنعة، و أن أشارك في أنشطتي الثورية و أدفع الثمن غاليًا لإحداث التغيير السياسي. ظننت أن من غيروا أفكاري بكتابتهم و منهجهم المنطقي هم الذين أثروا في تكويني و أنني لأؤثر، يجب أن أفعل مثلهم.
           حينها لم أذق معني التغيير داخلنا. حينها لم أعرف أن الأفكار جزء مهم و عميق منا، لكن الأهم منها بكثير ما يجعلنا بشرًا، مشاعرنا. لم أعرف أن من يغير/تغير يؤثر/تؤثر في مشاعر من يتغير/تتغير، لا مجرد أفكاره/ا. لم أعلم أن الفكرة تتغير بشيء إنساني، بتجربة إنسانية عميقة. أن ما يحتاجه البشر هو المشاعر، هو الحب، بل حتي الأفعال التي يحتاجونها، يحتاجون أن تنبع من مشاعر أو ترتبط بمشاعر. أن أعمق ما يحتاجونه هو الإنصات، و القبول، و الحب غير المشروط، و إشعارهم بعدم الحكم عليهم.
            لم أعرف؛ لأنني لم أحيا تلك المشاعر بل لأنني لم أعي حياة تلك المشاعر.   
            ما دفعني لأغير نفسي، و علاقاتي، و مشاعري و أفكاري، بل حياتي بأكملها كان بشرًا قليليين إستمعوا إليَ، قبلوني، أحبوني حبًا غير مشروط، و لم يحاكموني، لم يحكموا عليَ.  أمسكوا بيدي، و أعانوني أن أواجه مجتمعًا و دولة بأكملهما، و الأصعب أن أواجه نفسي.  لم يكتبوا كتبًا عميقة غيرت أفكاري، جزء مما فعلوه لي كان جعلي أجادل و أنقد، و أري التناقد (خاصة أستاذي)، لكن ما فعلوه لي و قواني لأغير نفسي و بالتالي حياتي بأكملها كان إنصاتهم، حبهم، صبرهم عليّ، قبولهم لي، عدم محاكمتي. هذا ما أثر فيَ بصدق. هذا ما علمني المعني الحقيقي للتأثير، التأثير الذي يغوص عميقًا داخلنا، التأثير الإنساني.
               أعمق و ربما أهم ما يحتاجه من حولنا منا أن نحبهم، أن نستمع إليهم، أن نقبلهم كما هم، ألا نحاكمهم. كل تغيير حقيقي، هو تغيير إنساني.
               تعلمت أنني لأغير، بل لأؤثر، يجب أن أستمع، أحب، أقبل، ألا أحاكم.  تعلمت أن أعمق ما يحتاجه من حولي مني هو أبسط ما يحتاجونه.  أعمق ما يحتاجونه أن أبقي بقربهم ببساطة، أفتح نفسي عليهم، أحكي لهم، أجعلهم يؤثرون فيَ، أحبهم، أصدق معهم، و أفتح الباب لهم ليدخلوا بثقة. تعلمت أن الصدق، والبساطة،  الصراحة،  الرقة، الحساسية تلمس البشر، و تجعلهم يستجمعون شجاعتهم و ينفتحون، و يحكون. حينها يكون كل ما يحتاجونه ألا يوصد الباب أمامهم، أن ينصت إليهم، أن يحبوا و ألا يحاكموا. أحيانًا نملك إجابة، و أحيانًا يكفي مجرد أن نستمع.  تعلمت أن أغلب الوجع البشري متقارب، لكن الكبرياء و الرفض و الكراهية يحولون دون خروجه و حله.
             التغيير الحيقيقي العميق البشري يحدث عندما نملك شجاعة أن نقبل، ألا نحاكم، أن نحب، أن نصدق مع أنفسنا، و ألا نخاف أن نواجه ضعفها و حقيقتها. عندما نحاكم أو نرفض نكذب علي أنقسنا نأبي أن نري المشترك بيننا و بين من نرفض أو نحاكم. حينها نأبي أن نؤثر في غيرنا أو حتي (الأهم) في أنفسنا.

               التغيير الحقيقي في هذا المجتمع لن يأتي إلا عندما يتشجع أفراد أن يقبلوا و يحبوا، ألا يحاكموا و أن يصدقوا مع أنفسهم و من حولهم. الغيير الحقيقي سيأتي عندما نقبل أننا جميعًا بشرًا، و أن كل ما يؤثر فينا إنساني.