(هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة).
نربي علي أفكار سلطوية تغوص عميقًا داخلنا. تغرس داخلنا أفكار أكثر تعقيدًا من مجرد
إيمان بحاكم/ة سلطوي/ة، بالنظام السلطوي، بالنغوذ الأبوي، بالديكتاتورية في
الأسرة، و المجتمع و النظام السياسي، و التغيير الفوقي. الأفكار تغوص عميقًا
داخلنا حتي تجعلنا نؤمن بأفكار عنا، عن داخلنا و داخل غيرنا أقرب للسلطوية. نؤمن أن التغيير الاّخر بمنهج سلطوي
نؤمن أننا لنغير من حولنا علينا أن نغرس داخل
عقولهم بالقوة أفكار (حتي و إن كانت ضد طبيعتهم). نؤمن أن التغيير يأتي بالقوة،
بالفرض، بل حتي و إن اقتنعنا أنه يأتي بالإقناع، نؤمن أنه يجب أن يكون إقناعًا
فوقيًا. الإقناع الفوقي نموذج له الكاتب/ة الذي/التي يكتب/تكتب أفكاره/ا في كتب و
يصفق له/ا في مرحلة ما، فيقتنع الجمهور بأن كتاباته/ا قيمة و تصلح لإرساء منهج
للمجتمع. نموذج اّخر هو مدرس/ة يدرس/تدرس منهجًا دراسيًا يتميز بقدرته علي تنمية
المهارات اللغوية أو العلمية أو الفكرية للطلاب. و النموذج الأكثر شهرة هو
الناشط/ة السياسي/ة الذي/التي يتحدي/تتحدي السلطة، و يسجن/تسجن لأرائه/ا، و
يصير/تصير بذلك بطلاّ/ةَ.
كل هذه النماذج لنا تحدث تغيرًا و تؤثر و
نحترمها و نقدسها، و نتمني أن نحقق ما نراه نهضة بها. هذه النماذج هي التي نراها
تؤثر و تغير في حياة المجتمعات و الشعوب. هكذا اّمنت أنا أيضًا، و هكذا حاولت و
مازلت أحاول أن أحدث التغيير.

مثل
الجميع ظننت أنني أتأثر بالكاتب/ة العظيم/ة، بالمدرس/ة الذي/التي يؤثر/تؤثر فيَ
منهجه/ا، علمه/ا. و ظننت بالتبعية أنني لأغير يجب أن أؤثر بكتابتي الفوقية
الفلسفية المنطقية المقنعة، و أن أشارك في أنشطتي الثورية و أدفع الثمن غاليًا
لإحداث التغيير السياسي. ظننت أن من غيروا أفكاري بكتابتهم و منهجهم المنطقي هم
الذين أثروا في تكويني و أنني لأؤثر، يجب أن أفعل مثلهم.
حينها لم أذق معني التغيير داخلنا.
حينها لم أعرف أن الأفكار جزء مهم و عميق منا، لكن الأهم منها بكثير ما يجعلنا
بشرًا، مشاعرنا. لم أعرف أن من يغير/تغير يؤثر/تؤثر في مشاعر من يتغير/تتغير، لا
مجرد أفكاره/ا. لم أعلم أن الفكرة تتغير بشيء إنساني، بتجربة إنسانية عميقة. أن ما
يحتاجه البشر هو المشاعر، هو الحب، بل حتي الأفعال التي يحتاجونها، يحتاجون أن
تنبع من مشاعر أو ترتبط بمشاعر. أن أعمق ما يحتاجونه هو الإنصات، و القبول، و الحب
غير المشروط، و إشعارهم بعدم الحكم عليهم.
لم أعرف؛ لأنني لم أحيا تلك المشاعر
بل لأنني لم أعي حياة تلك المشاعر.
ما دفعني لأغير نفسي، و علاقاتي، و
مشاعري و أفكاري، بل حياتي بأكملها كان بشرًا قليليين إستمعوا إليَ، قبلوني،
أحبوني حبًا غير مشروط، و لم يحاكموني، لم يحكموا عليَ. أمسكوا بيدي، و أعانوني أن أواجه مجتمعًا و دولة
بأكملهما، و الأصعب أن أواجه نفسي. لم
يكتبوا كتبًا عميقة غيرت أفكاري، جزء مما فعلوه لي كان جعلي أجادل و أنقد، و أري
التناقد (خاصة أستاذي)، لكن ما فعلوه لي و قواني لأغير نفسي و بالتالي حياتي
بأكملها كان إنصاتهم، حبهم، صبرهم عليّ، قبولهم لي، عدم محاكمتي. هذا ما أثر فيَ
بصدق. هذا ما علمني المعني الحقيقي للتأثير، التأثير الذي يغوص عميقًا داخلنا،
التأثير الإنساني.
أعمق و ربما أهم ما يحتاجه من
حولنا منا أن نحبهم، أن نستمع إليهم، أن نقبلهم كما هم، ألا نحاكمهم. كل تغيير
حقيقي، هو تغيير إنساني.
تعلمت أنني لأغير، بل لأؤثر، يجب أن أستمع، أحب،
أقبل، ألا أحاكم. تعلمت أن أعمق ما يحتاجه
من حولي مني هو أبسط ما يحتاجونه. أعمق ما
يحتاجونه أن أبقي بقربهم ببساطة، أفتح نفسي عليهم، أحكي لهم، أجعلهم يؤثرون فيَ،
أحبهم، أصدق معهم، و أفتح الباب لهم ليدخلوا بثقة. تعلمت أن الصدق، والبساطة، الصراحة،
الرقة، الحساسية تلمس البشر، و تجعلهم يستجمعون شجاعتهم و ينفتحون، و
يحكون. حينها يكون كل ما يحتاجونه ألا يوصد الباب أمامهم، أن ينصت إليهم، أن يحبوا
و ألا يحاكموا. أحيانًا نملك إجابة، و أحيانًا يكفي مجرد أن نستمع. تعلمت أن أغلب الوجع البشري متقارب، لكن
الكبرياء و الرفض و الكراهية يحولون دون خروجه و حله.
التغيير الحيقيقي العميق البشري
يحدث عندما نملك شجاعة أن نقبل، ألا نحاكم، أن نحب، أن نصدق مع أنفسنا، و ألا نخاف
أن نواجه ضعفها و حقيقتها. عندما نحاكم أو نرفض نكذب علي أنقسنا نأبي أن نري
المشترك بيننا و بين من نرفض أو نحاكم. حينها نأبي أن نؤثر في غيرنا أو حتي
(الأهم) في أنفسنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق