الاثنين، 20 أبريل 2015

لماذا مقاطعة إسرائيل؟

(هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة).

  اليوم المؤتمر الصحفي لحركة BDS لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية و الشركات الداعمة لإسرائيل.

   عندما كنت في الصف السادس الإبتدائي، تحدثت معلمتي عن مقاطعة أمريكا أثناء حرب العراق قبلها بعامين. في تلك اللحظة، فكرت لأول مرة في المقاطعة، و خلال عامين دربت نفسي لعلي الابتعاد عن المنتجات الأمريكية، و في الصف الثاني أو الثالث الإعدادي (لا أذكر بالضبط) نفذت قراري و بدأت المقاطعة فعليًا.

     جاءتني لحظات، رغبت فيها شيئًا أو كدت أضعف (خاصة عندما أحتاج مياهًا و لا أجد سوي مياه تتبع شركات أمريكية أو أوروبية داعمة لإسرائيل، لكنني في تلك اللحظات ذكرت نفسي بأنني لأجل لذة بسيطة أو عطش، أدفع أموالي و أتسبب في دماء إنسان/ة. و في خلال ست أو سبع سنوات، لم أخرج عن المقاطعة سوي ثلاث مرات في ظروف بعينها.

       استمراري علي المقاطعة نابع من كوني إنسانة، لا عربية أو مسلمة أو ذات ميول يسارية. لا أريد أن أحمل دم أحد. لا أريد أن أشارك في إسالة دماء أحد.

        ضرورة المقاطعة تكمن في كون أحد أهم أسباب قوة إسرائيل سياسيًا هو رؤوس الأموال الداعمة لها، و ما تمارسه من ضغط علي السياسيين في أمريكا عن طريق تمويل الحملات الانتخابية. إدراك رؤوس الاموال الداعمة لإسرائيل أنهم يخسرون من دعمها، سيجعلهم غالبًا يتراجعون ، خاصة إن شعروا بأن المقاطعة تمثل خسائر اقتصادية حقيقية لهم. و نحن نستطيع أن نحقق هذا التأثير؛ بسبب ضخامة الاستهلاك العربي و بالتالي عمق تأثير انخفاضه.

        مسار الحل السلمي أهم أركانه التظاهر السلمي و العصيان المدني، لكن ما ربما يزيد عليهم أهمية في الحالة الفلسطينية هو المقاطعة. في الحالة الفلسطينية بالذات، خيار التركيع الاقتصادي لإسرائيل و الداعمين لها بالمقاطعة أهم كثيرًا؛ لأن قوة إسرائيل السياسية و تأثيرها علي السياسية الأمريكية عماده اقتصادي بالأساس.
     
         أنا أرفض خيار المقاومة المسلحة في القضية الفلسطينية و كتبت أسبابي في مقال من قبلن لكن بغض النظر عن دعم أو رفض الخيار السلمي، كافة الراغبين و الفاعلين في المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني يجب عليهم دعم المقاطعة بل و الاشتراك فيها. حتي و إن رأي أحد أن خيار المقامة المسلحة هو الخيار الصواب، فهذا لا يعني أنه ينكر أن أحد أهم أساليب تركيع عدوك هو خنقه اقتصاديًا.

          أيًا كان موقفك من الطريقة الأكثر فاعلية لمقاومة إسرائيل، فعليك أن تقاطع. بل حتي إلم تكن القضية الفلسطينية ذات أولية لك، فعلي الأقل، لا تشارك/ي في قتل أحد بأموالك.  لا تدعم/ي جريمة إسرائيل.

           الفيلسوف الأمريكي ثورو دعي لعدم دفع الضرائب للحكوم الأمريكية أثناء الحرب الأهلية، و قال حينها أن واجب الفرد ليس مقاومة كل ظلم يقع في العالم، لكن واجبه ألا يدعمه. ثورو رأي أننا إن توقفنا عن دعم الظلم، هذا سيكفي ليسقط حتي إلم نقاومه.

           لا تحمل/ي دماء أحد
            قاطع/ي



        

الجمعة، 17 أبريل 2015

أغلبنا أقلية

(هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة).

(ملحوظة:   
           Intersectionality (
نظرية باتريكا هيل كولنز و شرحها علي يد دكتور علم الاجتماع/ مايكل راين عن كون الأفراد يحتلون أماكن مختلفة في المنظومات الاجتماعية هي ما قاد تفكيري لكون  الأغلبية أقلية)  
      كثيرون قالوا لي أن أهرب و أترك هذا المجتمع الذي لا يقبل اختلافي عنه. لم يعرفوا حينها أنهم يجرحونني،  لم يخطر لهم أن كلامهم يمكن أن يعني لي أنني أطرد من هذا الوطن؛ لأنني مختلفة و لا يقبلني، و ألا مكان لأمثالي فيه. لم يدركوا أنهم يجرحونني بتجريدي من حقي أن أحيا كما أنا في وطني ككل مواطنيه.
       و الأعمق أنهم لم يعرفوا أن هذا المجتمع أغلبه أقليات علي كل شكل من أقصي اليمين إلي أقصي اليسار تريد الهرب إلي مجتمع اّخر يقبلها. صعب أن نجد فردًا في هذا المجتمع لا ينتمي/تنتمي إلي أقلية أو مجموعة مضطهدة. صعب أن نجد النموذج الكامل لفرد من الأغلبية تمامًا؛ ذكرًا يتميز بلعب دور الرجل اجتماعيًا جيدًا، مصريًا (غير مزدوج الجنسية)، غنيًا، مسلمًا، من القاهرة، غيريًا، والداه لم يطلقا (لم يترب مع طرف واحد) و من جنسية و دين واحدين، متزوجًا من مسلمة، موالٍ للنظام، بشرته أقرب للبياض، ليس من أصول نوبية أو سيناوية، لا يعاني من إعاقة، تعلم تعليمًا عال المستوي، يتقن الإنجليزية، من خلفية اجتماعية مرموقة. هذا الفرد و من مثله (و هم الأقلية العددية) فقط هم من لا ينتمون إلي أقلية أو مجموعة مضطهدة أما غالبية الأفراد (عدديًا) في المجتمع يعانون من كونهم جزءًا من أقلية أو مجموعة مضطهدة أو أكثر. الشائع أكثر  هو وجود أفراد بعيدين عن النموذج الكامل. الشائع وجود غنية متعلمة تعليمًا جيدًا، من وسط اجتماعي راقٍ لكنها أنثي و مسيحية،  أو فقير و مثلي لكنه ذكر و لا يعاني عجزًا جسديًا و من القاهرة، أو نوبي و فقير لكنه مسلم و ذكر أو مسلمة و غنية و متعلمة تعليمًا جيدًا لكنها معاقة و أمها مطلقة و تريد الارتباط بمسيحي أو متوسط المستوي الاجتماعي متعلم و غير معاق، و مسلم لكنه إخواني و من أسيوط أو قاهرية غنية و غير عاجزة و متعلمة و والداها متزوجين و مسلمين و بيضاء و غيرية  لكنها أنثي و ملحدة  أو متعلمة و غنية و مسلمة و موالية للنظام و لا تعاني عجزًا و إسكندرانية لكنها امرأة في جسد ذكر (ترانس) و المجتمع يفرض عليها أن تكون رجلاً أو متعلمة و مسلبمة و غيرية و غير عاجزة و مسلمة و من مستوي اجتماعي مرتفع لكنها أنثي و ترتدي نقابًا.
          المجتمع أغلبية أفراده العددية أقليات لكنه  ينكر ذلك و يعاملهم كأنهم مجموعة صغيرة واحدة، و كأن أغلبية أفراده ليسوا بطريقة أو بأخري أقلية. المجتمع هو أصلاً مجموعة الأفراد الذين يشكلون بطريقة أو بأخري الأقليات و هؤلاء هم من يضطهدون بعضهم و يخلقون الاضطهاد و يشكلون مؤسساته. المسيحي الذي يقمع زوجته أو بناته و هو مضطهد من الأغلبية المسلمة. النوبي المسلم الفقير الذي يقصي المسيحي و لا يصادقه و يوافق علي منعه من ممارسة شعائره الدينية و هو مضطهد؛ لأنه نوبي و فقير. القاهرية الغنية المتعلمة ذات الوالدين المسلمين المصريين التي ترفض و تقصي المنتقبة و هي مرفوضة اجتماعيًا لكونها ملحدة. و القاهري المسلم الذي لا يعاني عجزًا لكنه يرفض أخاه المعاق و يراه بلا قيمة بل عبء و هو مثلي و مرفوض اجتماعيًا لكونه مثلي. و الترانس التي تؤيد بطش النظام باليسار و الإخوان؛ لأنها تختلف عنهم  و هي مرفوضة اجتماعيًا بل و يبطش هذا النظام بأمثالها لكونها ترانس، و المجتمع يفرض علي الذكر أو يكون رجلاً و الأنثي أن تكون امرأة.
           الأفراد هم خالقين اضطهاد بعضهم، و بخلقهم لاضطهاد بعضهم يخلقون نظامًا اضطهاديًا جماعيًا، و الأفراد وحدهم القادرين علي تغيير هذا المجتمع، هم وحدهم القادرين علي إنهاء اضطهاد بعضهم و كسر دائرة القمع.  كسر دائرة الاضطهاد و القمع يتطلب الإدراك أولاً أن أغلبنا عدديًا أقلية، و أننا جميعًا خالقين للاضطهاد كمنظومة باضطهادنا لبعضنا.
           الخيار الاّخر أن نهرب جميعًا من المجتمع الذي خلقنا اضطهاده بأنفسنا إلي مجتمع اّخر أكثر عدالة للجميع، يحمينا من الاضطهاد و القمع بأن يجبرنا ألا نضطهد أو نقمع أحدًا. هذه المجتمعات التي قد نفر إليها جميعًا بدور الضحية، سنلتقي فيها جميعًا؛ لأننا جميعًا ضحايا و مجرمين.
        
         

        

الجمعة، 3 أبريل 2015

كيف تصنع مواطنًا متنحًأ؟

(هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة).

ملحوظة: عنوان المقال من اقتراح : أمنية فرج (محررة بالقسم العربي من مجلة الجامعة الأمريكية AUC Times)

كيف تصنع مواطنًا متنحًا؟
لماذا يموت ضمير الشعب؟
من قاتل/ة الإنسانية؟
عندما نبحث عن الفاعل/ة في العلوم الشرطية نبحث عن المستفيد/ة، و كثيرًا ما تكون الدولة الديكتاتورية هي المنتفعة الرئيسة في جريمة قتل الإنسانية، لذلك كثيرًا ما يتم توجيه أصابع الإتهام إليها، لكنها ليست وحدها المنتفعة، بل ربما هي ليست إلا أداة في يد الفاعل الرئيسي، المجتمع. المجتمع هو الذي يخلق الدولة، تركيبة الدولة ذاتها تنبع من التكوين الاجتماعي، لا توجد دولة ديكتاتورية لمجتمع تكوينه ديمقراطي. لا توجد دولة أبوية في مجتمع أسقطت فيه صورة الأب. لا توجد دولة فاشية في مجتمع متقبل للاختلاف. الدولة ما هي إلا انعكاس المجتمع، و أداته في تطبيق مبادئه، و عندما تتواجد جريمة المتهم الأول فيها الدولة، يجب العلم أن الدولة هي في أحسن الحالات هي المنفذ، لكن صاحب الإرادة الحقيقة في الفعل هو المجتمع.
و رغم ذلك، فعلاقة المجتمع بالدولة شديدة التعقيد، فكما يصنع المجتمع الدولة، تروض الدولة المجتمع، و عندما ينتشر شعور أو مبدأ في المجتمع فخلفه تتواجد مؤسسات للمجتمع و الدولة تغذيه، إلم تكن هي صانعته. فإن كان الفاعل الدولة أو المجتمع فأداة تنفيذ الفعل هي هذه المؤسسات. إن كان الفعل هو قتل الإنسانية، و المجرم الدولة أو المجتمع، فإن أداة تنفيذ الجريمة هي مؤسسات غرس أو اجتثاث الوعي، هذه المؤسسات هي سلاح الجريمة.
يمكن استخدام السلاح بطرق مختلفة لتنفيذ ذات الجريمة، و الطريقتان اللتان استخدمهما المجتمع و الدولة في قتل إنسانية المجتمع هما "تغييب الوعي" و "نشر الإيمان بمبدأ يستأهلوا".
واحدة من أشهر عبارات ماركس أن الدين أفيون الشعوب. ما قصده ماركس بهذه العبارة مباشر، أن الدين يستغل في تغييب الشعب، بجعله يفكر في الحياة الأخري، فلا يهتم بواقعه المأساوي و لا يثور قط. ماركس تحدث عن مجتمع سادت فيه قراءة للدين المسيحي تزيد الإهتمام بالأخرة و تتجاهل أهمية الدنيا، تواجد في مجتمع الدين فيه ربما يكون المؤسسة الأكثر أهمية في تزييف الوعي. العلماء الماركسيين عاشوا في حقبة تاريخية مختلفة لم يعد فيها الدين المؤسسة الوحيدة التي تملك سلطانًا علي الوعي. لذلك طوروا فكرة ماركس، فضموا للمؤسسات التي تملك القدرة علي تغييب الوعي "الإعلام"، و مؤسسات أخري مثل "الرياضة".
هذا ليس توجه العلماء الماركسيين وحدهم، بل كثير من علماء الإعلام و المثقفين. علم كامل للنظرية الإعلامية نشأ في النصف الثاني من القرن العشرين لدراسة الإعلام و الرأي العام، بعد ظهور دوره في خلق شعبية عالمية لهتلر علي يد وزارة البرباجندا التي رأسها جوبلز، حيث بلغت تلك الشعبية حدًا مرعبًا جعل للفاشية مؤيدين حتي داخل دول الحلفاء.  خرجت نظريات إعلامية كثيرة بعضها يبالغ لدرجة تصوير الإعلام بطلقة سحرية يمكنها تغيير وعي الشعب مباشرة و تمامًا.
كيف يتم تغييب الوعي و نشر الإيمان بفكرة "يستأهلوا":
1-الإعلام:
في مجزرة رواندا، لعب الإعلام دورًا محوريًا في غرس الكراهية. مذبحة رواندا حدثت للتيتسو الأقلية العرقية علي يد الأغلبية العرقية الهوتو.  ما بين نصف المليون و المليون  من التيتسو و الهوتو الذين رفضوا قتل التيتسو ماتوا خلال مائة يوم.  خلال هذه الفترة حرض  الإعلام علي قتل التيتسو و أشار إليهم بكلمة رمزية هي "الصراصير". هذه الواقعة كانت وراء سابقة قانونية بمحاكمة أفراد مؤسسة إعلامية أمام القضاء الجنائي الدولي.
الإعلام المصري يلعب دورًا مشابهًا حيث يرسم صورًا ذهنية عن الأقليات السياسية و العرقية و الدينية و الجنسية تجعل كل جريمة ترتكب ضدهم مقبولة بل مصفقًا لها.  هذا ليس جديدًا بل هناك كثير من الأقلام التي كتبت من قبل عن دور الإعلام في إذكاء الكراهية بين المسلمين و المسيحيين. الجديد هو تطور دور الإعلام ليصير مؤسسة منوطًا بها زرع الكراهية ضد كل ما هو مختلف بغض النظر عن نوع الاختلاف. الدولة تستغل ذلك لمصلحتها، والمجتمع كذلك يستغله ليبرر لنفسه الفتك بكل أقلية.
نماذج ذلك كثيرة منها تحول الأجندة الإعلامية لتغطية قضايا المثليين و الملحدين و مضطربي الهوية الجنسية خاصة قصص القبض عليهم، و تصويرهم كمجرمين مستحقين لكل بطش، و كل إمتهان لإنسانيتهم. حتي في تغطية قصص المثليين و الملحدين، يتغاضي الإعلام عن نقل القصة كاملة و ينقل منها فقط الجزء الخاص باعتقالهم، لا ينقل أي أخبار عن الانتهاكات التي يتعرضون لها بعد القبض عليهم و لا يحاول من حيث الحيادية نقل الصورة من جهتهم كما ينقلها من جهة الدولة و المجتمع.   و ربما أشهر تلك القصص واقعة مني العراقي الشهيرة، لكنها مجرد واحدة من عشرات. الإهتمام المفاجيء بقصص إلقاء القبض علي المثليين و مضطربي الهوية الجنسية و الملحدين ليس سببه مجرد إذكاء مشاعر الكراهية ضدهم، و دفع المجتمع لتقبل كل الانتهاكات التي يتعرضون لها حتي التعذيب و الاغتصاب، بل خلفه أيضًا قتل الوعي، و في بعض التحليلات الإعلامية، التغطية علي ملفات سياسية أخري.
نموذج أخر سياسي بالدرجة الأولي هو دور الإعلام في صياغة صورة الأقليات العرقية كأهل النوبة و سيناء، و دوره في صياغة صورة الأقليات السياسية كالإخوان، و اليسار  بل و حتي الأقليات المنظمة ذات الطبيعة الشبه سياسية سياسية مثل الألتراس. صياغة صورة الأقليات العرقية كخونة و عملاء يريدون تقسيم مصر (كأهل النوبة) أو كخونة  و متطرفين و إرهابيين (أهل سيناء) يجعل أي جريمة ترتكبها الدولة ضدهم مبررة، لا تهميشهم وحده و يبرر استراتيجية الدولة العنيفة التي أثبتت فشلها معهم. دور الإعلام في صياغة صورة الإخوان كإرهابيين و خونة و عملاء لا يحتاج إلي التدليل عليه، لكن دوره في صياغة صورة اليسار يحتاج إلي حديث أكثر تطويلاً. فمن ناحية رسمت صورة الخونة لكثير من النشطاء لكن في حالات استثنائية يتم الهجوم علي الدولة لطريقة تعاملها مع بعضهم كقضية شيماء الصباغ. ربما يرجع ذلك لرغبة بعض المؤسسات الإعلامية في إشعار الدولة بقوتها، و قدرتها علي شحذ الرأي العام ضدها وقتما تريد. و ربما بسبب كون ممتلكي رؤوس أموال المؤسسات الإعلامية أقرب شكلاً لفكر اليسار عنهم لفكر الإخوان. أما الألتراس كمنظمة ذات طبيعة شبه سياسية، فتم تشويه صورتهم ليبدوا مجرمين و بلطجية؛ لتبرير كل جريمة قد ترتكبها الدولة لإخراسهم خوفًا من قوتهم و قدرتهم علي تكديرها في الشارع بلعبة القط و الفأر.
2- لقمة العيش:
ماركس رأي أن الطبقة الدنيا هي الأكثر مقاومة للتغيير، و أن النظام يحتاجها لتأمينه. ما يمكن أخذه و تطبيقه علي واقعنا من نظرية ماركس هو أن فكرة الاستقرار و تأمين لقمة العيش هي أداة هامة لإلهاء المجتمع عن الشعور بالأقليات أو من يقاومون النظام، و ورقة كذلك لجعله يقتنع بأنهم "يستأهلوا".  تغييب المجتمع الدائم بالاحتياج للقمة العيش، و تخويفه من فقدانها يجعله متقبلاً لكل إجراء تتخذه الدولة لتأمين الاستقرار، خاصة و أن جزءًا كبيرًا من عمل هذه الطبقة هو نشاطات تعتمد عليه أساسًا كالسياحة.
3-  الدين:
الدين ليس بالضرورة مؤسسة لتأمين النظام أو تبرير الجرائم ضد الأقليات. الدين يمكن أن يلعب دورًا في الثورة أو لنصرة أقليات معينة، لكن الطريقة التي يتم بها توظيف الدين في مصر تذكي فكرة "يستأهلوا"، سواء من جانب الدولة أو المعارضة الإسلامية. فالدين يلعب دورًا في تبرير الفتك بالأقليات التي تعد خارجة عن أحكامه كالملحدين، و اللادينيين و المثليين و مضطربي الهوية الجنسية و حتي الإخوان (في القراءة الأزهرية الدينية السياسية).
4- التعليم:
دور النظام التعليمي في تغييب الوعي ليس غرس أفكار سياسية أو دينية محددة بفرضها في عبارات ملقنة فقط بل بطريقة التفكير التي يروض النشء عليها، التي تقبل كل ما يقال دون نقد، و لا تعرف التفكير المستقل. ما يغرس بنظام التعليم أن الحقيقة واحدة، و أن المختلف/ة عن الرأي الواحد علي خطأ. تلك الطريقة مرتبطة برفض الجدال ضد السلطة، و مرتبطة كذلك برفض الأقليات؛ لأنهم يمثلون المختلف عن الشكل الأوحد المقبول، عن "الإجابة النموذجية".

            الحل لأزمة الأقليات و موت الإنسانية لدي المجتمع يكمن في توجيه ذات المؤسسات لتنتصر لحق الأقليات و لتغرس قيم الإنسانية و الحرية. الحل في غرس فكرة النقد و تعدد الرأي في التعليم لا الرأي الأوحد. الحل باستغلال الإعلام لطرح قضايا الأقليات من زاوية الأقليات لا من زاوية الأغلبية وحدها. الدين مؤسسة أخيرة تتأثر بالتغيير الذي يحدث في مؤسسات المجتمع الأخري، و يتغير التفسير الشائع فيها بتغير تركيبة المجتمع.  و نقطة شديدة الأهمية هي ضرورة أن يجد معارضوا النظام مشروعًا اقتصاديًا بديلاً للنظام الحالي قادر علي حماية "لقمة العيش"؛ فالمجتمع لن يتقبل تهديده اقتصاديًا مهما بدي الثمن مبدئيًا.