الجمعة، 17 أبريل 2015

أغلبنا أقلية

(هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة).

(ملحوظة:   
           Intersectionality (
نظرية باتريكا هيل كولنز و شرحها علي يد دكتور علم الاجتماع/ مايكل راين عن كون الأفراد يحتلون أماكن مختلفة في المنظومات الاجتماعية هي ما قاد تفكيري لكون  الأغلبية أقلية)  
      كثيرون قالوا لي أن أهرب و أترك هذا المجتمع الذي لا يقبل اختلافي عنه. لم يعرفوا حينها أنهم يجرحونني،  لم يخطر لهم أن كلامهم يمكن أن يعني لي أنني أطرد من هذا الوطن؛ لأنني مختلفة و لا يقبلني، و ألا مكان لأمثالي فيه. لم يدركوا أنهم يجرحونني بتجريدي من حقي أن أحيا كما أنا في وطني ككل مواطنيه.
       و الأعمق أنهم لم يعرفوا أن هذا المجتمع أغلبه أقليات علي كل شكل من أقصي اليمين إلي أقصي اليسار تريد الهرب إلي مجتمع اّخر يقبلها. صعب أن نجد فردًا في هذا المجتمع لا ينتمي/تنتمي إلي أقلية أو مجموعة مضطهدة. صعب أن نجد النموذج الكامل لفرد من الأغلبية تمامًا؛ ذكرًا يتميز بلعب دور الرجل اجتماعيًا جيدًا، مصريًا (غير مزدوج الجنسية)، غنيًا، مسلمًا، من القاهرة، غيريًا، والداه لم يطلقا (لم يترب مع طرف واحد) و من جنسية و دين واحدين، متزوجًا من مسلمة، موالٍ للنظام، بشرته أقرب للبياض، ليس من أصول نوبية أو سيناوية، لا يعاني من إعاقة، تعلم تعليمًا عال المستوي، يتقن الإنجليزية، من خلفية اجتماعية مرموقة. هذا الفرد و من مثله (و هم الأقلية العددية) فقط هم من لا ينتمون إلي أقلية أو مجموعة مضطهدة أما غالبية الأفراد (عدديًا) في المجتمع يعانون من كونهم جزءًا من أقلية أو مجموعة مضطهدة أو أكثر. الشائع أكثر  هو وجود أفراد بعيدين عن النموذج الكامل. الشائع وجود غنية متعلمة تعليمًا جيدًا، من وسط اجتماعي راقٍ لكنها أنثي و مسيحية،  أو فقير و مثلي لكنه ذكر و لا يعاني عجزًا جسديًا و من القاهرة، أو نوبي و فقير لكنه مسلم و ذكر أو مسلمة و غنية و متعلمة تعليمًا جيدًا لكنها معاقة و أمها مطلقة و تريد الارتباط بمسيحي أو متوسط المستوي الاجتماعي متعلم و غير معاق، و مسلم لكنه إخواني و من أسيوط أو قاهرية غنية و غير عاجزة و متعلمة و والداها متزوجين و مسلمين و بيضاء و غيرية  لكنها أنثي و ملحدة  أو متعلمة و غنية و مسلمة و موالية للنظام و لا تعاني عجزًا و إسكندرانية لكنها امرأة في جسد ذكر (ترانس) و المجتمع يفرض عليها أن تكون رجلاً أو متعلمة و مسلبمة و غيرية و غير عاجزة و مسلمة و من مستوي اجتماعي مرتفع لكنها أنثي و ترتدي نقابًا.
          المجتمع أغلبية أفراده العددية أقليات لكنه  ينكر ذلك و يعاملهم كأنهم مجموعة صغيرة واحدة، و كأن أغلبية أفراده ليسوا بطريقة أو بأخري أقلية. المجتمع هو أصلاً مجموعة الأفراد الذين يشكلون بطريقة أو بأخري الأقليات و هؤلاء هم من يضطهدون بعضهم و يخلقون الاضطهاد و يشكلون مؤسساته. المسيحي الذي يقمع زوجته أو بناته و هو مضطهد من الأغلبية المسلمة. النوبي المسلم الفقير الذي يقصي المسيحي و لا يصادقه و يوافق علي منعه من ممارسة شعائره الدينية و هو مضطهد؛ لأنه نوبي و فقير. القاهرية الغنية المتعلمة ذات الوالدين المسلمين المصريين التي ترفض و تقصي المنتقبة و هي مرفوضة اجتماعيًا لكونها ملحدة. و القاهري المسلم الذي لا يعاني عجزًا لكنه يرفض أخاه المعاق و يراه بلا قيمة بل عبء و هو مثلي و مرفوض اجتماعيًا لكونه مثلي. و الترانس التي تؤيد بطش النظام باليسار و الإخوان؛ لأنها تختلف عنهم  و هي مرفوضة اجتماعيًا بل و يبطش هذا النظام بأمثالها لكونها ترانس، و المجتمع يفرض علي الذكر أو يكون رجلاً و الأنثي أن تكون امرأة.
           الأفراد هم خالقين اضطهاد بعضهم، و بخلقهم لاضطهاد بعضهم يخلقون نظامًا اضطهاديًا جماعيًا، و الأفراد وحدهم القادرين علي تغيير هذا المجتمع، هم وحدهم القادرين علي إنهاء اضطهاد بعضهم و كسر دائرة القمع.  كسر دائرة الاضطهاد و القمع يتطلب الإدراك أولاً أن أغلبنا عدديًا أقلية، و أننا جميعًا خالقين للاضطهاد كمنظومة باضطهادنا لبعضنا.
           الخيار الاّخر أن نهرب جميعًا من المجتمع الذي خلقنا اضطهاده بأنفسنا إلي مجتمع اّخر أكثر عدالة للجميع، يحمينا من الاضطهاد و القمع بأن يجبرنا ألا نضطهد أو نقمع أحدًا. هذه المجتمعات التي قد نفر إليها جميعًا بدور الضحية، سنلتقي فيها جميعًا؛ لأننا جميعًا ضحايا و مجرمين.
        
         

        

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق