الأحد، 17 مايو 2015

اخلع/ي قناعك-اليوم العالمي ضد رهاب المثلية

       (هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة).

      الخوف من الاّخر/ي دائمًا خلفه درجات مختلفة من الجهل. مجتمعنا يجبرنا أن نرتدي أقنعة تحجب وجوهنا الحقيقية عن بعضنا البعض، لنظل جميعًا مناسبين للصورة الواحدة المفروضة التي نرسمها علي القناع. و أحيانًا يصل قمع المجتمع إلي ضغطنا لنرتدي هذه الأقنعة أمام المراّة، لنخادع أنفسنا و نجعلها تؤمن أن صورتنا الحقيقية هي الصورة المرسومة علي القناع، الصورة التي يريدها المجتمع.  تظل حقيقتنا سجينة خلف القناع، لذلك يصعب أن نعرف بعضنا، أن نعرف صورتنا الحقيقية.
         أغلب أزمات اضطهاد الأقليات سببها الجهل بحقيقتها. الأقليات تنغلق في مجتمعات صغيرة و ترتدي أمام المجتمع الكبير أقنعة، بل أحيانًا تطمس حقيقتها و تدعي أنها جزء من الأغلبية (وهذا يحدث مع الأقليات الجنسية و الجندرية بالذات). هذا يسهل علي المجتمع الكبير اضطهادها، بل و أحيانًا إنكار وجودها. الخوف خلفه الجهل بالأقلية و التفكير فيها كعدو خطير يهدد الأغلبية لا كبشر من لحم و دم نقابلهم كل يوم، و ربما جزء منا يشابهم.
           الأقليات الجنسية و الجندرية في العالم العربي تعيش في الغالبية الكاسحة من الحالات في الظلام، تجبر علي ارتداء أقنعة كاذبة أمام المجتمع و أحيانًا أمام مراّتها. أحيانًا يعاني المثليون و المثليات من خوف من أنفسهم هو انعكاس لخوف المجتمع منهم. المجتمع يراهم خطرًا يهدد أمنه، يراهم أقلية صغيرة تختار الفسوق و تهدد بنيانه. الأفراد يظنونهم بالضرورة متحرشين و منحرفين. لا أحد يتخيل/تتخيل أن علي الأقل واحد/ة من كل عشرة يعرفهم/تعرفهم مثلي/ة أو مزدوج الميل الجنسي أو مضطرب/ة الهوية الجندرية.
            ما يعمق الخوف أنه نادرًا ما يواجه/ تواجه مثلي/ة أو مزدوج الميل الجنسي أو مضطرب/ة الهوية الجندرية المجتمع. نادرًا ما يمنح الأفراد فرصة معرفة إنسان/ة من لحم و دم من الأقلية التي يظنونها بعيدة و منحرفة و شاذة و متحرشة. نادرًا ما يمنح الأفراد فرصة الشعور بمعاناة مختلفي الميول الجنسية و الجندرية و حقيقة أوضاعهم و اّلامهم. نادرًا ما يمنح الأفراد فرصة التواصل الإنساني مع المختلف/ة.
             أعلم أن هذا صعب، و لا يناسب الجميع، لكن الحل الحقيقي أن يظهر مختلفي الميول الجنسية و الجندرية و يواجهوا المجتمع و يعرفوا من حولهم أنفسهم كبشر لا كمجرد فكرة يحتقرونها. الحل أن نبدأ حوارًا حقيقيًا مع من حولنا حول إنسانية مختلفي الميول الجنسية و الجندرية. المواجهة صعبة، لكن المواجهة بإنسانيتنا هي الخيار الوحيد ليعرفنا المجتمع كبشر، و فقط عندما يعرفنا كبشر سيمكن أن يتخطي كثيرًا من خوفه منا.


الجمعة، 1 مايو 2015

فتح الجيتوهات

      (هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة).

      عاش اليهود في المجتمعات الأوروبية طويلاً في مجتمعات صغيرة مغلقة تسمي "الجيتو". هذه المجتمعات أغلقت تمامًا عليهم، و عيشتهم أغلبها بقت ضمن هذه المجتمعات المغلقة الصغيرة. و رغم اضطهادهم داخل تلك المجتمعات إلا أنه سمح لهم بالعمل في إقراض النقود بالربا، و قد حلل د.عبد الواهاب المسيري ذلك بأن المجتمعات الأوروبية في تلك الفترة احتاجت "جماعة وظيفية" (كما أسماها د. عبدد الوهاب المسيري) تقوم بأداء العمل الضروري المرفوض اجتماعيًا لكن تظل منبوذة اجتماعيًا.
           تجربة الجيتو اليهودي ليست تجربة شديدة التفرد بل هي تجربة نشأت في مجتمعات كثيرة في أوقات متعددة اضطهدت فيها الأقليات و تم نبذها، فأنشأت مجتمعات صغيرة تعيش فيها بمعزل عن الأغلبية، و في بعض الأحيان تتعقد المجتمعات بحيث يصير الأفراد قادرين علي أن يكونوا جزءًا من أقلية (أو مجموعة مضطهدة) و أغلبية في نفس الوقت، مثل المسلم الإخواني؛ فهو ضمن الأغلبية المسلمة لكنه ضمن الأأقلية الإخوانية  أو اللادينية الثرية، فهي ضمن الأاقلية لكونها لادينية، لكنها ليست ضمن المجموعة المضطهدة (الفقراء)؛ لأنها ثرية. في مثل هذه الحالات يضطر الفرد لأن  يتواجد/تتواجد داخل المجتمع و يلعب/تلعب دورًا وسط الأقلية و وسط الأغلبية، بل ربما يتواجد/تتواجد ضمن عدة جيتوهات في نفس الوقت.
           لنأخذ نموذج مسيحي بروتستنتي متشكك، من عائلة ثرية، يعمل في شركة والده، متعلم و يساري معارض للنظام. هو يلعب دورًا داخل جيتو المسيحيين البروتستنت و يذهب إلي الكنيسة و يحضر الاجتماعات و مدارس أحد و يشارك في تنظيم الحفلات و الرحلات. يلعب دور المتشكك في جيتو المتشككين و اللادينيين و الملحدين و يجتمع بأصدقائه من هذا الجيتو و يتحدثون و يستمع إليهم حتي يكون رأيه النهائي تجاه الدين. يلعب دور معارض النظام و يجتمع بأصدقائه المعارضين علي مقاهي وسط البلد و في مقرات الحركات الثورية و ينزل معهم المظاهرات و أحيانًا يسافرون أو يخرجون معًا كمجموعة أصدقاء. و في محيط عائلته الثرية يجبر أحيانًا علي التعامل مع أصدقاء عائلته من جيتو الأثرياء (مع أنهم ليسوا مجموعة مضطهدة إلا أنهم يعيشون في جيتو).
           عيشة هذا الشخص ليست غريبة تمامًا؛ كثيرون في المجتمعات يعيشون عيشة يبدلون أدوارهم فيها بين أفراد في جيتوهات مختلفة.  لكن الأبشع أن هؤلاء الأفراد يصعب أن يلتقوا بل يخافون الإلتقاء. لنتخيل إخواني يعيش في جيتو الإخوان أو مثلي من عائلة صعيدية يعيش في جيتو المثليين (عيشة ظلامية) و جزء من جيتو الصعايدة . صعب أن نجعل إخوانية تتعامل مع يساري أو مثلية مع غيري (و المثلية لا تخفي هويتها) أو مسلمة متشددة  مع ملحدة أو ضرير مع مبصرين. الجيتوهات مغلقة إلي حدٍ بعيد و لا يسمح لأحد بالاقتراب منها، و هذا يعمق غياب الفهم و الكراهية بينها.
           الأزمة الحقيقية تكمن في الخوف و الكراهية و الجهل. الأقليات تخاف التعامل مع بعضها. الأفراد يخافون التعامل مع مختلفين عنهم، يخافون اضطهادهم و رفضهم. تخاف الملحدة أن تتعامل مع منقبة؛ لأنها تظنها سترفضها و ستراها مستحقة لحد الردة (رغم أن المنتقبة ليست بالضرورة متشددة أو مقتنعة بحد الردة). يخاف المسلم المتشدد التعامل مع مسيحي متشدد؛ لأنه قد يراه مهددًا لإيمانه. تخاف المثلية إعلان مثليتها لغيري؛ لأنها تخاف أن يحتقرها أو يظنها عاهرة أو يقول لها أنها تستحق النار.  الجهل بالاّخر/ي يسهل الخوف منه/ا، و الخوف و الجهل يصنعان كراهية الاّخر، و ما يغذي هذه الكراهية و الخوف هما الجهل، و ما يسمح باستمرار الجهل هو عدم التعامل مع الاّخر/ى، هو الانغلاق في جيتوهات.
             منذ ما يزيد عن عامين كتبت مقالاً تحت عنوان "لن أحيا في جيتو"، قلت فيه أنني لن أخاف و أعيش حريتي في مجتمعي الصغير (الجيتو) بل سأواجه المجتمع الكبير و سأعيش كما أنا، و أرتدي ما أريد في الشارع و لم أكن أعلم حينها إلي أين سأصل في عدم خوفي  و مواجهتي للمجتمع  الكبير. و لم أكن أعي حينها عمق ما قد يوصل إليه انقسام المجتمع إلي جيتوهات متباعدة غريبة لا تعرف بعضها و تكره بعضها. لم أكن أعي حينها أن ذلك طريق نهايته الدماء، بل و الفرح في دماء الأّخر/ي.

           و أعرف الاّن أن جزءًا من الحل يكمن في فتح الجيتوهات. أعلم الاّن أو جزءًا من الحل هو جعل أفراد هذه المجتمعات الصغيرة يتشجعون و يعرفون أفراد المجتمعات الأخري، لكني أعلم جيدًا أن ذلك يحتاج شجاعة نادرة. اخترت أن أنفتح علي كل المجتمعات و تقريبًا لدي أصدقاء أو أقارب في الغالبية الكاسحة من هذه الجيتوهات، و أدخلها و أحاول أن أجعل أفرادها يعرفون بعضهم. أريد أن يفعل الكثيرون ذلك. أري ذلك حلاً, لكني أدرك كم يحتاج ذلك شجاعة لا يمتلكها الكثيرون، لكن استمرار انغلاق الجيتوهات قد يعنس استمرار الجهل بالاّخر/ي، الخوف و الكراهية و بالتبعية الدماء و الرقص علي الدماء.