أول معرفتي بالله، و أنا صغيرة كانت
حديث أمي و جدتي عنه، قالتا لي أنني لا يجب أن أتخيله أو أرسم له صورة، لكنني عجزت
عن ذلك، و رسمت له صورة بخيالي قريبة من القراّن. و في مدرستي، لم يتحدثوا أبدًا
عن الله، فقط حدثوني عن عذابه، و جنته. علمونا و نحن في السابعة من العمر أننا إلم
نصلِ، فيلقي بنا في النار، و تفننوا في تصوير النار، و عذابها، و وصف الأفاعي التي
ستهبط بنا إلي الجحيم. أتذكر يوم وصفت لنا مدرسة اللغة العربية في أكثر من نصف
الفصل العذاب إلم نصلِ، و كيف عدت إلي المنزل و صليت، و بقيت منذ حينها أصلي بشكل
منتظم لا تفوتني صلاة. أتذكر أنني رغم أنني صليت خائفة إلا أنني دعوت الله، و أنا
أصلي دعوات معينة دائمة، و أنني حدثته بقرب، و بثقة أنه سيسمعني، و لم يرفض لي
طلبًا قط تمسكت به، بل و حتي ما تمنيته، و لم أطلبه منه، وجدته يأتيني.
أديت
الفروض سنوات، و حاولت أن ألتزم بكل خلق تربيت علي أنه صحيح. علاقتي بالله كانت
مباشرة، و بدون حواجز. و لم أفكر حينها في كم التناقضات التي غذوها فيَ عن الله.
بقيت هكذا سنوات حتي بدأت أفكر بمنطق، و قررت ألا أمس الدين أو الله بأفكاري
أبدًا، وضعتهم في مكان بعيدًا لا أقربه، لكنني قررت أن أصنع لنفسي نظامًا أخلاقيًا
مستقلاً عن الدين، و معتمدًا علي عقلي. بقيت أكون في هذا النظام الأخلاقي سنوات،
حينها حاولت أن أحاكم الأخلاق بالمنطق لا بالدين، و ما قررته كنظام أخلاقي، ثبتت
عليه، مهما دفعت من ثمن باهظ لأجله. ظللت حينها أؤدي العبادات، و حافظت علي علاقة
مع الله خاصة، لكنني لم أجرأ أن أمس الدين أو الأفكار العقائدية أو صورة الله.
مضي
عامان (ما بين السادسة عشرة و السابعة عشرة)، و أنا أحاكم الأخلاق، و لا أمس
الدين. و أظن أنني قرأت أول كتاب عن أسئلة عقائدية في تلك الفترة كتاب مالوش
اسم. حينها رفضت أغلب أفكار الكتاب عن الله، و الاّخرة، و ظننته كتابًا
تافهًا، لكنني عدت لأفهمه سنوات بعدها. كنت مستعدة حينها أن أتبع نظامًا أخلاقيًا
يختلف عن (و أحيانًا يتناقض مع) الدين، لكنني لم أستعد لمحاكمة أي فكرة كالاّخرة
أو صورة الله أو كون دين معين أفضل من الإسلام الذي تربيت عليه. بعد العامين، حدثت مجموعة أحداث شخصية جعلتني
أفتح الملف المقدس الذي لم أفتحه قط، و جعلتني أبدأ في محاكمة الدين، و الأفكار
العقائدية، و الفقهية. و مع الوقت، كان المزيد داخلي، و حولي يحدث يدفعني لأفكر فيما
أرعبني مجرد الاقتراب منه.
مع
الوقت بدأت أواجه وجعًا داخلي من الدين. بدأت أواجه ما أراه ظلمًا في الدين. كبت
طويلاً وجعًا داخلي؛ شعوري أنني أنثي لذلك حكم علي أن أمنع المساواة الكاملة مع
الرجل، و أعامل كأضعف منه. عندًا صمت رمضان، و لعبت رياضات قتالية، و أنا حائضة
دون مسكن ألم. أردت أن أثبت أن كوني امرأة لا يجعلني ضعيفة أو عاجزة عن القتال و
العبادة. تألمت؛ لأنني لا أساوي الرجل في الشهادة أو الميراث، و أن حتي جسدي ينظر
له كشيء مثير يجب تخبئته حتي لا يثير الرجال. تألمت؛ لأن سارة أعز صديقاتي، لن
تشاركني الجنة، و أنني أخجل أن أدعوها للإسلام حتي لا تذهب إلي النار. تألمت؛
لأنني شعرت بالظلم، فمن يولدون مسلمين يتمتعون برفاهية الذهاب للجنة دون تعب أما
من لا يختار الله له أسرة مسلمة، فيحاسب علي أنه لم يبحث عن الإسلام.
مع الوقت
زاد ألمي؛ لأنني بت أؤمن بأشياء أكثر تعارضًا مع الدين، و أري أن الدين ظالم فيها
مثل رفض الدين للمثليين، و لأنني بت أفكر في أسئلة أعمق، و بدأت أري الأمور من
زاوية مختلفة. و بدأت أتساءل إن كان الله ظالمًا و شريرًا أم لا. لم أشك للحظة أن
الله موجود؛ خاصة أنه استجاب لكل دعاء من قلبي، لكن صورته التي رسمت أمامي من
الدين جعلتني أتساءل أهو شرير أم خير. فكرت أن الرب الذي يكره من لا يؤمنون به، و قد
اختار لهم أهلهم، و دينهم، و يعذبهم، و يأمر بتعذيبهم رب شرير. فكرت أن الرب الذي
يأمر يتعذيب الزناة رب قاسٍ، وشرير. فكرت أن الرب الذي يسلب المرأة حقوقها، و
يخلقها أنثي ليكتب عليها حقوقًا دون الرجل، و يأمرها أن ترضي، و تخضع للظلم رب
ظالم. و فكرت أن الرب الذي يأمر بتغذيب المثليين، رب شرير. و بدأت أفكر أن الرب
الذي يضع قوانين للناس، و عبادات عليهم إتباعها، و إن خالفوها يلقهم بالناررب شرير
و تافه. بات يشبه في عيني ديكتاتور شرير و مغرور و تافه يأمر الناس بأوامر، و
عندما لا يطيعونها، يغضب لكبريائه، و يعذبهم.
كتبت قصة هي في الحقيقة خطابًا مني لله، و شرحت
فيه كل غضبي، و ثورتي عليه، و جاءني منه رد ما توقعته قط. لا أريد أن أحكي كيف رد
عليَ، لكنه قال لي أنه خير، طيب، و يحبني. حينها تغيرت علاقتي به، و نظرتي إليه.
اّمنت
أنه لا يكره بشرًا، و لا يظلمهم. لم أعد أراه تافهًا أو شريرًا، و بت أؤمن أنه لن
يظلم أحدًا قط. اّمنت أنه لا يمكن أن يلقي ببشر في نار أو يعذبهم؛ لأنهم خالفوا
قوانين وضعها. اّمنت أنه ليس ديكتاتورًا مستبدًا يريد إرضاء غروره. بت أؤمن أنه
يحبني، و يجب الناس، و لا يكرههم بسبب دينهم أو جنسهم أو عرقهم أو مكانتهم
الاجتماعية أو ميلهم الجنسي، و الأهم أنه لا يري أحدًا فيهم أفضل من الاّخر لسبب
من هؤلاء. رأيت الله يصل لناس مختلفين علي أديان مختلفة –حتي أديان غير سماوية-
بطرق مختلفة. و رأيته يمد يده و يساعد حتي الملحدين مساعدة حقيقية. إنه لا يكره
أحدًا. ربما يحقق العدالة ضد الظالم، لكنه لا ينحاز ضد أي إنسان. لا أعرف تمامًا
ماذا ينوي أن يفعل بنا بعد الموت، لكنني أثق فيه، و في حبه، و في عدله، و حكمته. أري
أنه يحبني، و يحب الناس جميعًا، و يريد أن يمد يده للجميع بطرق غير مباشرة، بطرق
غريبة لا يمكن أن تكون إلا باختيار و ترتيب منه. حررني كثيرًا، و أرسل لي بشرًا
برسالات من عنده إليَ؛ أرسل إليَ بشرًا غيروا حياتي، و رأيته فعل مثل ذلك مع
اّخرين.
إني
أحب الله، و لا أؤمن بأي صورة مشوهة رسموها داخلي عنه، لا أؤمن بالرب الجلاد أو
الديكتاتور أو الوحش الشرير أو الظالم. إني أحب الله، أحب الرب المحب، المعطي الذي
لا ينتظر شيئًا من المحبوب. أحب الرب العادل. أحب الرب الرحيم. أحب الرب المتواضع؛
و أحب ربًا يجب الجميع.
ربي
ليس تافهًا، ربي عظيم، ربي ليس جلادًا، ربي رحيم، ربي محب؛ ربي أعظم
محب.