الأربعاء، 22 يونيو 2016

كيف أري الله؟

           أول معرفتي بالله، و أنا صغيرة كانت حديث أمي و جدتي عنه، قالتا لي أنني لا يجب أن أتخيله أو أرسم له صورة، لكنني عجزت عن ذلك، و رسمت له صورة بخيالي قريبة من القراّن. و في مدرستي، لم يتحدثوا أبدًا عن الله، فقط حدثوني عن عذابه، و جنته. علمونا و نحن في السابعة من العمر أننا إلم نصلِ، فيلقي بنا في النار، و تفننوا في تصوير النار، و عذابها، و وصف الأفاعي التي ستهبط بنا إلي الجحيم. أتذكر يوم وصفت لنا مدرسة اللغة العربية في أكثر من نصف الفصل العذاب إلم نصلِ، و كيف عدت إلي المنزل و صليت، و بقيت منذ حينها أصلي بشكل منتظم لا تفوتني صلاة. أتذكر أنني رغم أنني صليت خائفة إلا أنني دعوت الله، و أنا أصلي دعوات معينة دائمة، و أنني حدثته بقرب، و بثقة أنه سيسمعني، و لم يرفض لي طلبًا قط تمسكت به، بل و حتي ما تمنيته، و لم أطلبه منه، وجدته يأتيني.
           أديت الفروض سنوات، و حاولت أن ألتزم بكل خلق تربيت علي أنه صحيح. علاقتي بالله كانت مباشرة، و بدون حواجز. و لم أفكر حينها في كم التناقضات التي غذوها فيَ عن الله. بقيت هكذا سنوات حتي بدأت أفكر بمنطق، و قررت ألا أمس الدين أو الله بأفكاري أبدًا، وضعتهم في مكان بعيدًا لا أقربه، لكنني قررت أن أصنع لنفسي نظامًا أخلاقيًا مستقلاً عن الدين، و معتمدًا علي عقلي. بقيت أكون في هذا النظام الأخلاقي سنوات، حينها حاولت أن أحاكم الأخلاق بالمنطق لا بالدين، و ما قررته كنظام أخلاقي، ثبتت عليه، مهما دفعت من ثمن باهظ لأجله. ظللت حينها أؤدي العبادات، و حافظت علي علاقة مع الله خاصة، لكنني لم أجرأ أن أمس الدين أو الأفكار العقائدية أو صورة الله.
         مضي عامان (ما بين السادسة عشرة و السابعة عشرة)، و أنا أحاكم الأخلاق، و لا أمس الدين. و أظن أنني قرأت أول كتاب عن أسئلة عقائدية في تلك الفترة كتاب مالوش اسم. حينها رفضت أغلب أفكار الكتاب عن الله، و الاّخرة، و ظننته كتابًا تافهًا، لكنني عدت لأفهمه سنوات بعدها. كنت مستعدة حينها أن أتبع نظامًا أخلاقيًا يختلف عن (و أحيانًا يتناقض مع) الدين، لكنني لم أستعد لمحاكمة أي فكرة كالاّخرة أو صورة الله أو كون دين معين أفضل من الإسلام الذي تربيت عليه.  بعد العامين، حدثت مجموعة أحداث شخصية جعلتني أفتح الملف المقدس الذي لم أفتحه قط، و جعلتني أبدأ في محاكمة الدين، و الأفكار العقائدية، و الفقهية. و مع الوقت، كان المزيد داخلي، و حولي يحدث يدفعني لأفكر فيما أرعبني مجرد الاقتراب منه.
         مع الوقت بدأت أواجه وجعًا داخلي من الدين. بدأت أواجه ما أراه ظلمًا في الدين. كبت طويلاً وجعًا داخلي؛ شعوري أنني أنثي لذلك حكم علي أن أمنع المساواة الكاملة مع الرجل، و أعامل كأضعف منه. عندًا صمت رمضان، و لعبت رياضات قتالية، و أنا حائضة دون مسكن ألم. أردت أن أثبت أن كوني امرأة لا يجعلني ضعيفة أو عاجزة عن القتال و العبادة. تألمت؛ لأنني لا أساوي الرجل في الشهادة أو الميراث، و أن حتي جسدي ينظر له كشيء مثير يجب تخبئته حتي لا يثير الرجال. تألمت؛ لأن سارة أعز صديقاتي، لن تشاركني الجنة، و أنني أخجل أن أدعوها للإسلام حتي لا تذهب إلي النار. تألمت؛ لأنني شعرت بالظلم، فمن يولدون مسلمين يتمتعون برفاهية الذهاب للجنة دون تعب أما من لا يختار الله له أسرة مسلمة، فيحاسب علي أنه لم يبحث عن الإسلام.
        مع الوقت زاد ألمي؛ لأنني بت أؤمن بأشياء أكثر تعارضًا مع الدين، و أري أن الدين ظالم فيها مثل رفض الدين للمثليين، و لأنني بت أفكر في أسئلة أعمق، و بدأت أري الأمور من زاوية مختلفة. و بدأت أتساءل إن كان الله ظالمًا و شريرًا أم لا. لم أشك للحظة أن الله موجود؛ خاصة أنه استجاب لكل دعاء من قلبي، لكن صورته التي رسمت أمامي من الدين جعلتني أتساءل أهو شرير أم خير. فكرت أن الرب الذي يكره من لا يؤمنون به، و قد اختار لهم أهلهم، و دينهم، و يعذبهم، و يأمر بتعذيبهم رب شرير. فكرت أن الرب الذي يأمر يتعذيب الزناة رب قاسٍ، وشرير. فكرت أن الرب الذي يسلب المرأة حقوقها، و يخلقها أنثي ليكتب عليها حقوقًا دون الرجل، و يأمرها أن ترضي، و تخضع للظلم رب ظالم. و فكرت أن الرب الذي يأمر بتغذيب المثليين، رب شرير. و بدأت أفكر أن الرب الذي يضع قوانين للناس، و عبادات عليهم إتباعها، و إن خالفوها يلقهم بالناررب شرير و تافه. بات يشبه في عيني ديكتاتور شرير و مغرور و تافه يأمر الناس بأوامر، و عندما لا يطيعونها، يغضب لكبريائه، و يعذبهم.
        كتبت قصة هي في الحقيقة خطابًا مني لله، و شرحت فيه كل غضبي، و ثورتي عليه، و جاءني منه رد ما توقعته قط. لا أريد أن أحكي كيف رد عليَ، لكنه قال لي أنه خير، طيب، و يحبني. حينها تغيرت علاقتي به، و نظرتي إليه.
           اّمنت أنه لا يكره بشرًا، و لا يظلمهم. لم أعد أراه تافهًا أو شريرًا، و بت أؤمن أنه لن يظلم أحدًا قط. اّمنت أنه لا يمكن أن يلقي ببشر في نار أو يعذبهم؛ لأنهم خالفوا قوانين وضعها. اّمنت أنه ليس ديكتاتورًا مستبدًا يريد إرضاء غروره. بت أؤمن أنه يحبني، و يجب الناس، و لا يكرههم بسبب دينهم أو جنسهم أو عرقهم أو مكانتهم الاجتماعية أو ميلهم الجنسي، و الأهم أنه لا يري أحدًا فيهم أفضل من الاّخر لسبب من هؤلاء. رأيت الله يصل لناس مختلفين علي أديان مختلفة –حتي أديان غير سماوية- بطرق مختلفة. و رأيته يمد يده و يساعد حتي الملحدين مساعدة حقيقية. إنه لا يكره أحدًا. ربما يحقق العدالة ضد الظالم، لكنه لا ينحاز ضد أي إنسان. لا أعرف تمامًا ماذا ينوي أن يفعل بنا بعد الموت، لكنني أثق فيه، و في حبه، و في عدله، و حكمته. أري أنه يحبني، و يحب الناس جميعًا، و يريد أن يمد يده للجميع بطرق غير مباشرة، بطرق غريبة لا يمكن أن تكون إلا باختيار و ترتيب منه. حررني كثيرًا، و أرسل لي بشرًا برسالات من عنده إليَ؛ أرسل إليَ بشرًا غيروا حياتي، و رأيته فعل مثل ذلك مع اّخرين.
            إني أحب الله، و لا أؤمن بأي صورة مشوهة رسموها داخلي عنه، لا أؤمن بالرب الجلاد أو الديكتاتور أو الوحش الشرير أو الظالم. إني أحب الله، أحب الرب المحب، المعطي الذي لا ينتظر شيئًا من المحبوب. أحب الرب العادل. أحب الرب الرحيم. أحب الرب المتواضع؛ و أحب ربًا يجب الجميع.
            ربي ليس تافهًا، ربي عظيم، ربي ليس جلادًا، ربي رحيم، ربي محب؛ ربي أعظم


محب.

الاثنين، 6 يونيو 2016

قوانين رمضان: عندما تتشوه العلاقة مع الله بالنفاق و الرغبة في السيطرة وقمع الاّخر

     عندما كنت طفلة، كان رمضان هو شهري المفضل الذي أترقبه من العام للاّخر، و أفرح و أحتفل بقدومه بل حتي ببدء احتفالي أيامًا قبله؛ لتحمسي بقربه. كنت أعشق جو رمضان الدافيء، كنت أعشق طعمه المختلف عن كل شهور السنة، لكنني لم أكن أفهم في هذه السن تمامًا معني الصيام لله رغم أنني كنت أصوم مذ كنت في الثامنة. و عندما كبرت، و صرت أفهم معني الصيام لله، و الامتناع عن شيء تحبه لأجل أحد تحب، و تريد التعبير له عن حبك، كان قد بني بيني و بينه الكثير جدًا بسبب الصورة المشوة لرمضان، وز الدين، و العبادة التي دمرت شعوري بأنني أعبد الله بصيامي؛ جعلتني أشعر أنني أعبد المجتمع أو الناس أو الدولة أو المؤسسات الدينية بصوط القمع.

         رمضان صار فرضًا من المجتمع، و يستعمل أقصي صور تنكيل الدولة لفرضه، رمضان لم يعد اختيار الفرد العابد لله. الدولة و المجتمع  يستخدمون القانون، و السلطة الإدارية، و القضائية لأجل فرض النفاق، و الازدواج. معني أن الفرد لا يملك الجهر بالفطر هو أن الفرد لا يملك حرية الصيام، و لا عبادة الله. كيف تعبد/ي الله  بأمانة و هناك من يفرض عليك العبادة؟ هل العبادة له وحده أم للمجتمع و الدولة؟ لا أعتقد أن نية الفرد في العبادة يمكن أن تكون صافية، و هناك صوط يفرضها. لكن عبادة الله الأمينة لا تعني المجتمع أو الدولة في شيء؛ كل ما يعنبهم هو أن يطمئنوا أنهم يفرضون أحكام الدين، و نمط الحياة الذي يعبر عن هوية الأغلبية المسلمة.

          لماذا يفرض الصوم و يجرم الجهر بالفطر؟ لماذا تفتح الملاهي الليلية، و محال بيع الخمور طوال العام و تغلق في رمضان؟ السبب المدعي هو احترام رمضان، و لكن هذا السبب كاذب؛ لأن من يقول باحترام رمضان يفترض أن رب رمضان ليس رب بقية الشهور، و أن قداسة الرب تدنو قداسة شهر! السبب الحقيقي هو الرغبة في السيطرة، و القوة، و فرض الهوية علي الاّخر. السبب الحقيقي هو الرغبة في فرض الدين الإسلامي (لا كدين) و لكن كهوية للأغلبية علي الجميع (حتي الأقلية غير المسلمة). السبب الحقيقي هو ازدواج، و نفاق المجتمع الذي اعتاد أن يكون الدين مظهرًا اجتماعيًا، و سياسيًا لقوة القبيلة الأكثر عددًا، و لفرضها لمقدساتها علي الجميع. 

         إن كان هذا المجتمع يريد تطبيق الدين الإسلامي قهرًا (و هو ما أحاربه عمري كله بشدة)؛ فعلي الأقل، كان سيفرض أحكامًا واحدة لكافة شهور السنة، لكن الحقيقة أن هذا المجتمع يريد فرض مظاهر الهوية الإسلامية، و فرض علي الجميع احترامها بالإكراه. رمضان رمز للهوية الإسلامية، و التدين الإسلامي تريد الأغلبية فرضه علي الجميع. إنها مسألة استعراض قوة، و سيطرة، و قمع، و فرض لهوية مجموعة بالقسر علي الجميع، و ليست أبدًا مسألة عبادة حقيقية لله. 

        عقوبة الجهر بالإفطار في نهار رمضان مبنية علي أساس من قمع حرية العقيدة، و إقامة التمييز بين المصريين. هذه التهمة تقمع حرية العقيدة؛ لأنها لا تسمح للفرد أن يختار الالتزام بالدين بالصوم أو رفض هذا الالتزام، و الجهر بفطره. و هي تقيم التمييز بين المصريين علي أساس الدين؛ لأن المسيحيين بمصر لا يصومون صيام المسلمين، و بالتالي تناولهم للطعام، و الشراب لا يعتبر فطرأً أصلاً. و في حالة فرض الصيام الإسلامي علي المسيحيين سيكون ذلك قهرًا للحرية الدينية و تمييزًا ضد المسحيين؛ لأن المسلمين غير ملزمين بالصوم المسيحي. و في حالة عدم تطبيق قانون الجهر بالإفطار في نهار رمضان علي المسيحيين؛ فإنه يصير قانونًا ضد المواطنة؛ لأنه يميز بين فعل المسلم و المسيحي من حيث كونه جريمة أو لا؛ فإذا أكل المسلم أو شرب في نهار رمضان توقع عليه عقوبة،و إذا أكل المسيحي أو شرب، فلا جريمة عليه أصلاً. 
           باختصار، صار رمضان شهر فرض إرادة، و إظهار لقدرة الأغلبية المسلمة علي فرض الالتزام شكلاً بأحكام ما تؤمن به علي الجميع الذين يواجهون السجن إن خرجوا علي أحكام العبادات (لا حتي المعاملات) الإسلامية. رمضان صار شهرًا العبادة فيه ليست لله، و لكن خشية المجتمع، و الدولة.
   
           لدي أصدقاء يفطرون سرًا، و هم خائفون من المجتمع و أحكامه، و سجن الدولة. أعلم أن الكثيرين يعتبرون أصدقائي هم المجرمون، و الدولة هي الحريصة علي الدين، لكن الواقع أن أصدقائي هو المظلمون، و المقهورون من طغيان الدولة؛ لا يحق لهم اختيار الصدق مع من حولهم، و اختيار عبادة الله من عدمها. سلبت منهم حرية عبادة الله، و حق الحياة الصادقة بدون نفاق، و هذا من أبشع صور سلب الحرية. 

             أنا أشعر أنني يسلب مني أنا الأخري حقي في أن أشعر أنني أعبد الله. إن الدولة، و المجتمع، و كل مؤسساتهم (و منها الأزهر)، يقفون بيني و بين الله. إنهم يفرضون علي العبادة، فما عدت أشعر أن عبادتي لله سليمة النية له. لم أعد أثق بنفسي أو بما أفعله له. صارت قيمة صومي خارج شهر رمضان حقيقية، و موثوقًا فيها أكثر من صومي برمضان. و في أحيان أخري أيضًا، اكتشف أن كثيرًا من علاقتي بالله يحجبها المجتمع، و الدولة، و جورهم، و انحشارهم في العلاقة. كيف أعبد الله مخلصة -و أثق بإخلاصي- و أنا أشعر أن العبادة تحت التهديد؟ أنا أريد أن أختار عبادة الله. أنا أريد أن أصدق أنني أعبده لوجهه. أنا أريد ألا أري أحدًا بيني و بينه، أريد أن أكون معه وحدي؛ لتكون بيننا علاقة صادقة حقيقية. أنتم تقفون حائطًا منيعًا أمام علاقتي بالله؛ أنا ثائرة عليكم.