الاثنين، 6 يونيو 2016

قوانين رمضان: عندما تتشوه العلاقة مع الله بالنفاق و الرغبة في السيطرة وقمع الاّخر

     عندما كنت طفلة، كان رمضان هو شهري المفضل الذي أترقبه من العام للاّخر، و أفرح و أحتفل بقدومه بل حتي ببدء احتفالي أيامًا قبله؛ لتحمسي بقربه. كنت أعشق جو رمضان الدافيء، كنت أعشق طعمه المختلف عن كل شهور السنة، لكنني لم أكن أفهم في هذه السن تمامًا معني الصيام لله رغم أنني كنت أصوم مذ كنت في الثامنة. و عندما كبرت، و صرت أفهم معني الصيام لله، و الامتناع عن شيء تحبه لأجل أحد تحب، و تريد التعبير له عن حبك، كان قد بني بيني و بينه الكثير جدًا بسبب الصورة المشوة لرمضان، وز الدين، و العبادة التي دمرت شعوري بأنني أعبد الله بصيامي؛ جعلتني أشعر أنني أعبد المجتمع أو الناس أو الدولة أو المؤسسات الدينية بصوط القمع.

         رمضان صار فرضًا من المجتمع، و يستعمل أقصي صور تنكيل الدولة لفرضه، رمضان لم يعد اختيار الفرد العابد لله. الدولة و المجتمع  يستخدمون القانون، و السلطة الإدارية، و القضائية لأجل فرض النفاق، و الازدواج. معني أن الفرد لا يملك الجهر بالفطر هو أن الفرد لا يملك حرية الصيام، و لا عبادة الله. كيف تعبد/ي الله  بأمانة و هناك من يفرض عليك العبادة؟ هل العبادة له وحده أم للمجتمع و الدولة؟ لا أعتقد أن نية الفرد في العبادة يمكن أن تكون صافية، و هناك صوط يفرضها. لكن عبادة الله الأمينة لا تعني المجتمع أو الدولة في شيء؛ كل ما يعنبهم هو أن يطمئنوا أنهم يفرضون أحكام الدين، و نمط الحياة الذي يعبر عن هوية الأغلبية المسلمة.

          لماذا يفرض الصوم و يجرم الجهر بالفطر؟ لماذا تفتح الملاهي الليلية، و محال بيع الخمور طوال العام و تغلق في رمضان؟ السبب المدعي هو احترام رمضان، و لكن هذا السبب كاذب؛ لأن من يقول باحترام رمضان يفترض أن رب رمضان ليس رب بقية الشهور، و أن قداسة الرب تدنو قداسة شهر! السبب الحقيقي هو الرغبة في السيطرة، و القوة، و فرض الهوية علي الاّخر. السبب الحقيقي هو الرغبة في فرض الدين الإسلامي (لا كدين) و لكن كهوية للأغلبية علي الجميع (حتي الأقلية غير المسلمة). السبب الحقيقي هو ازدواج، و نفاق المجتمع الذي اعتاد أن يكون الدين مظهرًا اجتماعيًا، و سياسيًا لقوة القبيلة الأكثر عددًا، و لفرضها لمقدساتها علي الجميع. 

         إن كان هذا المجتمع يريد تطبيق الدين الإسلامي قهرًا (و هو ما أحاربه عمري كله بشدة)؛ فعلي الأقل، كان سيفرض أحكامًا واحدة لكافة شهور السنة، لكن الحقيقة أن هذا المجتمع يريد فرض مظاهر الهوية الإسلامية، و فرض علي الجميع احترامها بالإكراه. رمضان رمز للهوية الإسلامية، و التدين الإسلامي تريد الأغلبية فرضه علي الجميع. إنها مسألة استعراض قوة، و سيطرة، و قمع، و فرض لهوية مجموعة بالقسر علي الجميع، و ليست أبدًا مسألة عبادة حقيقية لله. 

        عقوبة الجهر بالإفطار في نهار رمضان مبنية علي أساس من قمع حرية العقيدة، و إقامة التمييز بين المصريين. هذه التهمة تقمع حرية العقيدة؛ لأنها لا تسمح للفرد أن يختار الالتزام بالدين بالصوم أو رفض هذا الالتزام، و الجهر بفطره. و هي تقيم التمييز بين المصريين علي أساس الدين؛ لأن المسيحيين بمصر لا يصومون صيام المسلمين، و بالتالي تناولهم للطعام، و الشراب لا يعتبر فطرأً أصلاً. و في حالة فرض الصيام الإسلامي علي المسيحيين سيكون ذلك قهرًا للحرية الدينية و تمييزًا ضد المسحيين؛ لأن المسلمين غير ملزمين بالصوم المسيحي. و في حالة عدم تطبيق قانون الجهر بالإفطار في نهار رمضان علي المسيحيين؛ فإنه يصير قانونًا ضد المواطنة؛ لأنه يميز بين فعل المسلم و المسيحي من حيث كونه جريمة أو لا؛ فإذا أكل المسلم أو شرب في نهار رمضان توقع عليه عقوبة،و إذا أكل المسيحي أو شرب، فلا جريمة عليه أصلاً. 
           باختصار، صار رمضان شهر فرض إرادة، و إظهار لقدرة الأغلبية المسلمة علي فرض الالتزام شكلاً بأحكام ما تؤمن به علي الجميع الذين يواجهون السجن إن خرجوا علي أحكام العبادات (لا حتي المعاملات) الإسلامية. رمضان صار شهرًا العبادة فيه ليست لله، و لكن خشية المجتمع، و الدولة.
   
           لدي أصدقاء يفطرون سرًا، و هم خائفون من المجتمع و أحكامه، و سجن الدولة. أعلم أن الكثيرين يعتبرون أصدقائي هم المجرمون، و الدولة هي الحريصة علي الدين، لكن الواقع أن أصدقائي هو المظلمون، و المقهورون من طغيان الدولة؛ لا يحق لهم اختيار الصدق مع من حولهم، و اختيار عبادة الله من عدمها. سلبت منهم حرية عبادة الله، و حق الحياة الصادقة بدون نفاق، و هذا من أبشع صور سلب الحرية. 

             أنا أشعر أنني يسلب مني أنا الأخري حقي في أن أشعر أنني أعبد الله. إن الدولة، و المجتمع، و كل مؤسساتهم (و منها الأزهر)، يقفون بيني و بين الله. إنهم يفرضون علي العبادة، فما عدت أشعر أن عبادتي لله سليمة النية له. لم أعد أثق بنفسي أو بما أفعله له. صارت قيمة صومي خارج شهر رمضان حقيقية، و موثوقًا فيها أكثر من صومي برمضان. و في أحيان أخري أيضًا، اكتشف أن كثيرًا من علاقتي بالله يحجبها المجتمع، و الدولة، و جورهم، و انحشارهم في العلاقة. كيف أعبد الله مخلصة -و أثق بإخلاصي- و أنا أشعر أن العبادة تحت التهديد؟ أنا أريد أن أختار عبادة الله. أنا أريد أن أصدق أنني أعبده لوجهه. أنا أريد ألا أري أحدًا بيني و بينه، أريد أن أكون معه وحدي؛ لتكون بيننا علاقة صادقة حقيقية. أنتم تقفون حائطًا منيعًا أمام علاقتي بالله؛ أنا ثائرة عليكم. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق