الثلاثاء، 17 مايو 2016

لماذا يجب أن تحب نفسك مهما وصمها المجتمع؟-منشور بمجلة الجامعة الأمريكية AUC TIMES عدد مايو 2016

   (هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة). 

  خلال العامين الماضيين من حياتي مررت بصراعات شخصية كثيرة تعلمت خلالها الكثير من الدروس عن البشر، و صراعاتهم مع المجتمع. واحد من أهم الدروس التي تعلمتها أن واحدًا من أشرس الصراعات المشتركة بين البشر بمختلف مجتمعاتهم هو صراع قبول الذات في مجتمع يرفضها.هذا الصراع أكثر من يمرون به هم الأقليات.
      عندما تكون/ين من إحدي الأقليات بالمجتمع (خاصة الأقليات الأكثر رفضًا اجتماعيًا كالملحدين في الدول المدعية للتدين)، تعاني/ن من صراعات كثيرة دائمة، مثل صراع مواجهة المجتمع، صراع تحدي المجتمع، صراع استجداء حب- بل وحتي قبول المجتمع- لاختلافك. أحيانًا تصل/ين لمرحلة تحدي للمجتمع، و إعلان للهوية، و رغبة التمرد علي المجتمع بأي طريقة، و أحيانًا يحدث العكس، فتحاول/ين ارتداء قناع الأغلبية حتي تنال/ين الحب أو حتي أدني قبول.
       هذا يحدث مع الكثيرين من مختلف الأقليات، و الجماعات المضطهدة؛ يحدث مع المتحولين الدينيين و الملحدين و أصحاب ديانة الأقلية في المجتعات المدعية للتدين، و مختلفي الميول الجنسية و الجندرية في المجتمعات التي تدعي المحافظة، المطلقات و العاذبات في المجتمعات التقليدية، الأقلية العرقية، المعاقين، النساء، الطبقات الأكثر فقرًا؛ إلي اّخره. كل هؤلاء قد يجدون أنفسهم مضطرين إلي التمرد، و الثورة علي المجتمع أو الانصياع له أو ارتداء الأقنعة التي ترضيه، و تجعله يحن عليهم بالقبول المشروط، لا الحب. سواءًا كان الخيار التمرد و الثورة أو الانصياع أو ارتداء أقنعة، في كل هذه الحالات، يواجه الأفراد صراعًا أعمق هو صراع قبول الذات، و حبها.
      كيف تقبل متحولة جنسية نفسها في مجتمع يرفضها، و يسخر منها، و في أحسن الفروض يراها مريضة نفسية تحتاج العلاج؟ كيف يقبل مسيحي نفسه في مجتمع "مسلم" يتعرض فيه في كثير من الأماكن بدءًا من المدرسة للتخويف من الجحيم؛ لأنه ليس مسلمًا؟ كيف تقبل معاقة نفسها في مجتمع يراها عالة علي غيرها، و تسبب التعب لكل من حولها إن كان لها طموح؟ كيف يقبل شاب من الطبقات الأكثر فقرًا نفسه في مجتمع يقول له أن قيمته كإنسان يحددها ما يملكه، و أن حياة أمثاله لا تساوي شيئًا لأحد؟
        كل هؤلاء و غيرهم يعرفون معني صراع تقبل الذات، و حبها، و بعضهم لا يصلون لذلك الحب قط.
        قد تسألني: لماذا يجب أن تحب/ي نفسك مهما وصمها المجتمع؟ لماذا إن كنت أيًا من هؤلاء أو غيرهم يجب أن تحب/ي نفسك رغم أن الكل لا يراها مستحقة للحب، و لا حتي القبول علي مضض؟ هل تستحق/ين الحب؟ هل الحب حق لك؟
         سأسلك أنا: "هل كنت سترفض/ين الاّخرين إن كانوا مختلفين مثلك؟"
          إن كانت الإجابة ب"لا"؛ فأنت تظلم/ين نفسك لأنك لا تطبق/ين عليها نفس المعيار الذي تطبقه/تطبقينه علي الاّخرين؛ ترفض/ين نفسك لسبب، ما كنت لترفض/ي الاّخرين عليه.أما إن كانت الإجابة ب"نعم"، فهنا يجب أن نتناقش بعمق: "هل الاختلاف يجعل الفرد مستحقًا للرفض أو لسلبه/ا حق الحب؟"
        أكره الوعظ، أكره أن أحدث غيري عن ما يجب أن يفعلوا، أكره التحدث لأحد وكأنه/ا أدني مني، و يحتاج/تحتاج مني لنصيحة. أنا لست أعلي من أحد، أنا مررت برفض الذات، و كراهيتها من قبل بسبب ضغط المجتمع، و أعرف كم يصعب قبولها، و حبها وسط كراهية الجميع لها، لكنني تعلمت بعض الدروس، و وجدت بعضها الإجابات التي استطيع أن أشاركها معك.
         تعلمت أن الحب حق لكل إنسان لمجرد كونه إنسانًا بغض النظر عن أي شيء اّخر. كيركجارد الفيلسوف المسيحي تحدث عن ذلك الحب غير المشروط الذي يستحقه كل إنسان كفكرة مسيحية. لكن حتي إن كان كيركجارد مخطئًا في مصدر فكرته المسيحية، لكن الفكرة نفسها صحيحة. كل إنسان/ة يستحق/تستحق الحب. أنت إنسان/ة؛ لذلك تستحق/ين الحب. قد لا يمنحك المجتمع بأكمله حقك في الحب، لكن لا تظلم/ي نفسك، و تحرميها من حقها عليك في الحب.
         يمكن أن تجادلني/تجادلينني، و تقول/ين أن البشر ليسوا متساووين ليستحقوا جميعًا الحب؛ فبعض البشر مجرمين لا يستحقون ما يستحقه الاّخرون. لكنني سأرد أن قيمة البشر لا علاقة لها بهوياتهم أو بأفعالهم حتي، بل مصدرها مجرد كونهم بشرًا، و هذه القيمة واحدة من الأسباب الأساسية لاستحقاقهم جميعًا للحب. حتي إن أجرم البشر، و استحقوا العقوبة علي جريمة ما؛ فهذا لا يسبلهم قيمتهم كبشر، و لا يسلبهم حقهم في الحب لمجرد كونهم بشرًا. حتي إن كنت تري/ن نفسك اّثم/ة أو حتي مجرم/ة، فهذا لا يعطيك الحق لتسلب/ين نفسك الحب أو القيمة الإنسانية، فما بالك إلم تكون/ي أصلاً مجرمًا/مجرمةً بل مجرد مختلف/ة يرفض المجتمع قبول اختلافه/ا. الاختلاف مهما كان حجمه لا يمكن أن يبرر سلب البشر حق الحب. الاختلاف حتي لو حول البشر لبشر سيئين -و هو أمر لا أؤمن به-؛ فإنه لا ينتزع منهم صفة "البشرية".
           هل ما يفعله المجتمع معيار للحق؟ هل يفترض بك أن تفعل/ي ما يفعله المجتمع لمجرد أن المجتمع يفعله؟ المجتمع مجموعة بشر قد يخطؤن و قد يصيبون، و ليسوا مصدرًا مطلقًا لأي حقيقة أو حق. أن المجتمع يرفضك أو يكرهك، لا يجعل رفضك حقًا. لا يجب عليك أن تسير/ي علي هوي المجتمع أو تقديراته أو أفعاله أو مشاعره. أن المجتمع يرفضك أو يكرهك، لا يجب أن يكون مصدرًا لرفضك أو كراهيتك لنفسك. تذكر/ي، المجتمع ليس الحق. إن كرهك العالم كله، سيبقي حقك أن تحب/ي، سيبقي حق نفسك عليك أن تحبها/تحبيها.
            هل حب الذات يعني ألا تسمح/ين أبدًا لها أن تتغيير؟ علي الإطلاق؛ ذاتنا تتغيير في أوقات، و ظروف مختلفة في حياتنا، و عندما تتغيير يجب أن نقبلها، و نحبها حتي في تغييرها. من نحبهم لا يثبتون أبدًا بل يتغييرون باستمرار؛ لأنهم بشر، و البشر متغييرون. نحن أيضًا بشر، و قد نتغيير، و يجب أن نحب أنفسنا مهما تغييرت. أحيانًا يمكنننا أن نساعدها حتي تصير أفضل-إن كان ذلك في إيدينا-؛ كي لا تظلمنا، و لا تظلم أحدًا سوانا، و لكن في كل الأحوال، كل الأوقات، كل الظروف، و كل الصور يجب أن نظل نحبها؛ لأنها في كل صورة، نفس إنسان/ة.
            
        

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق