الجمعة، 6 مايو 2016

عن حماية الهوية الجندرية لهويات أخري-منشور بمجلة الجامعة الأمريكية AUC TIMES عدد إبريل 2016

      (هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة).

     الهويات باختلافها مرتبطة ببعضها وتعمل على حماية أحدها الاّخر. مؤسسات الهويات المختلفة في مجتمع ما تقوي بعضها،وتحمي أحدها الاّخر من التلاشي أو الوهن. مؤسسة الدولة مثلاً تحمي مؤسسة الأسرة في كل مجتمع مهما اختلف تعريف هذا المجتمع للأسرة، وإيمان الأفراد بانتمائهم لمجتمع معين -بأفكار معينة عن الأسرة-يحمي الهوية السياسية للدولة. على سبيل المثال، إيمان الأفراد بهويتهم الاجتماعية المصرية التقليدية بما تحويه هذه الهوية منأفكار سلطان وجبروت وتحكم الأب يجعلهم متقبلين أحيانًا لسلطان وجبروت الحاكم الديكتاتور إذا أتقن تمثيل دور الأب مثل عبد الناصر. الحفاظ علي إيمان الأشخاص بهويتهم الاجتماعية المصرية يكفل الحفاظ على الهوية السياسية للدولة، والهوية الفكرية السياسية لشعب يؤمن بفكرة الحاكم الديكتاتور الأب. في حالة انهيار فكرة انتماء الأفراد للأفكار الاجتماعية المصرية، وشعورهم بانتمائهم لأفكار مجتمع اّخر، قد تتأثر بشكل أو باّخر الهوية السياسية للدولة، والهوية الفكرية السياسية للأفراد بحيث يفقدون الإيمان بالديكتاتور الأب؛ لأنهم ما عادوا يؤمنون أصلاً بالصورة المصريةللأب في الأسرة.
         هذا نموذج على حماية الهويات المختلفة لبعضها البعض. الهوية الجندرية أيضًا مؤسسة اجتماعية تلعب دورًا في حماية هويات أخري، وتحميها هويات أخري كذلك.
الهوية الجندرية في رأي كثير من علماء الاجتماع ليست طبيعية، بمعني اّخر المجتمع هو الذي يختار تشكيلها. هي مختلفة عن الجنس البيولوجي الذي يولد الفرد به، هي صفات مكتسبة اجتماعيًا–تختلف حسب المجتمع والفترة الزمنية-لكيف يجب أن يبدو الأفراد ذوي الجنس البيولوجي المعين. على سبيل المثال: الملبس؛ الزي الذكري والأنثوي أمر يختلف من مجتمع لأخر، فجلباب الرجل في المجتمع المصري يعتبر ثوبًا أنثويًا بالنسبة للأوروبي الذي لم ير رجلاً يرتديه من قبل. نموذج اّخر هو الأعمال التي يفرضها المجتمع على الذكر والأنثى والأعمال التي يحرم الذكر أو الأنثى منها في المجتمع. في المجتمعين الفارسي والمصري القديمين كان مقبولاً (بل في حالة المجتمع الفارسي القديم شائعًا) أن تتولي المرأة مناصب قيادية في الجيش، ولم يكن ينظر لذلك كعلامة تقليد للرجال لكن الأمر تغير في فترات تاريخية لاحقة في إيران، وبات مرفوضًا رفضًا باتًا في مصر حتى الاّن، وعلامة شديدة على تشبه المرأة بالرجل.
      ومن الجاذب للانتباه أن بعض المجتمعات في أوقات وظروف تاريخية معينة تقبل تبادل أدوار الرجل والمرأة وفي حالات أخري تقبل جندر ثالث. الحركة النسوية وحركة الدفاع عن حقوق الترانسجندر نماذج حديثة، بدأت من أوروبا وأمريكا، وهذا هجوم تقليدي عليها في المجتمعات العربية والأفريقية، لكن توجد تغييرات أخري حدثت تاريخيًا في مجتمعات أخري وفي أوقات تاريخية مختلفة. على سبيل المثال، خلال الفترة العثمانية تم منع الرقص الشرقي للإناث في مصر، وظهر مجموعة من الذكور يتخصصون في ارتداء ملابس الراقصات الشرقيات وتأدية العروض الشرقية، وتم تسميتهم ب “الخولات" وهذا هو المصدر التاريخية لهذه الكلمة التي استخدمت لاحقًا لإهانة المثليين.مثال اّخر هوفن الأوبرا في الصين؛ حيث يوجد ذكور يؤدون الأدوار النسائية في الأوبرا الصينية منذ بدايتها. مثال ثالث هو الهجرا في الهند، وهم طائفة من الذكور ميلادًا الذين يرتدون ملابس نسائية، وهم طائفة تاريخية هندوسية موجودة منذ مئات السنين.مثال رابعهو الجندر الثالث في تايلند؛ عرفت تايلندفكرة الجندر الثالث كجزء من الثقافة لعقود طويلة.
         السؤال هو لماذا رغم اختلاف الأفكار عن الجندر حسب المجتمع والفترة الزمنية تحرص المجتمعات بشدة على الحفاظ على الهوية الجندرية؟ ربما تكون الإجابة أن الهوية الجندرية تحمي هويات، ومؤسسات أخري. الحفاظ مثلاً على فكرة أن الأب هو صاحب القوة والسيطرة والتخويف، وأن الأم هي مصدر الحنان يحافظ على الهوية السياسية للدولة القائمة علي الحاكم الأب الديكتاتور. وحتى إن تغيير المجتمع ليقبل تولي المرأة الرئاسة (وهو احتمالضعيف) أو تولي المرأة لإدارة الأسرة في حالة غياب الأب، فيجب أن تلعب الجندر الذكوري، بمعني اّخر يجب أن تقدم نفسها كرئيسة فولاذية أو كأم قاسية في المنزل تستطيع السيطرة على أبنائها. بهذه الطريقة يتم الحفاظ على المؤسسات الأخرى الاجتماعية رغم التلاعب بمؤسسة الجندر. هل يعتبر هذا التلاعب تحطيم لمؤسسة الجندر؟ لا؛ إنه تغيير سطحي وفي حالات محدودة لمن يقوم بالدور الذكوري، لكنها ليست تحطيمًا للدور الذكوري. تحطيم فكرتا الذكورة والأنوثة يتطلب عدم حرص الرئيسة أو الأم على الظهور بمظهر معين يعكس أفكارًا اجتماعية معينة عن القوة والعنف، ولكن هذا يعني إهمال أفكار سياسية واجتماعية عن القوة والعنف هي جزء من الهوية السياسية والاجتماعية للدولةوالأفراد، وهنا تظهر حقيقة قوة الهوية الجندرية، فإذا سقطت الهوية الجندرية تمامًا سقطت معها هويات أخري اجتماعية وسياسية.
 الحفاظ على الهوية الجندرية ليس حكرًا على الفكر الاجتماعي التقليدي أو المحافظ بل هو سمة أيضًا في بعض أصحاب الاتجاهات اليسارية أو الليبرالية. بعض النساء اللاتي شاركن في الحركة النسائية حرصن على لعب الجندر الذكوري كنوع من التمرد على قمع المرأة. وبعض المثليينومزدوجي الميل الجنسي حرصوا على المبالغة في لعب الجندر الأنثوي كنوع من التمرد والتحدي للمجتمعات التقليدية التي ترفض المثلية وتربط بينهاوبين “التخنث" (بلغة هذه المجتمعات). بل إن بعض اليساريات واليساريين من خارج الحركات النسائية،والدفاع عن حقوق المثليين،ومزدوجي الميل الجنسي، حرصوا على تحدي الشكل التقليدي للجندر الذكوري والأنثوي من خلال تفاصيل معينة في الشكل ولغة الجسد، على سبيل المثال: تطويل الرجال للشعر، وقص النساء له. هنا الجندر هو أداة لحماية هوية سياسية معارضة للمجتمع، وجزء من منظومة فكرية تحارب الفكرالتقليدي. هنا الهوية الجندرية المختلفة والمتمردة أيضًا تحمي هويات أخري.
        أعتقد أن الأفراد يجب أن يختاروا بحرية الأشياء التي يردونها بصدق، ولا ينظرون إلى الجندر الذي تنتمي إليه. طالما في عقلهم الجندر الذي ينتمي إليه ما يختارونه فهم ليسوا أحرارًا بل حتى ثورتهم قيد على حريتهم. الهوية المحددة التي تختار لمجرد حماية هوية أخري هي قيد علي الحرية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق