( هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة).
ملحوظة: " مصدر النص الكامل لقانون التظاهر هو بوابة الشروق).
مرحبًا بنا مجددًا ، و دائمًا في دولة
القمع. مرحبًا بنا في دولة عرفت كيف توطد دعائمها بالتأييد الجماهيري الأعمي ،
بالكاريزما السيسية ، بالفزاعة الإرهابية ، بالقوة العسكرية، و أخيرًا بالقوانين
المفصلة علي مقاسها ، مقاس يحصنها ، يضمن إنغراس أوتادها بحيث يحال اجتثاثها .
قانون
الضبطية القضائية لم يكن سوي خطوة أولي ، ربما تجربة لمدي لياقة ترزية القوانين
بعد فترة طويلة من الراحة ، و الاّن جاءت المبارة الحقيقية الأولي لهم ، "قانون
التظاهر" .
هذه ليست المحاولة الأولي لطرح قانون للتظاهر
قمعي ، فقد كانت هناك محاولة سابقة (أقل جرأة) في عصر مرسي و فشلت فشلاً ساحقًا ،
و لم تستحق حتي أن يسلط عليها ضوء ساطع. هذه المحاولة أشرس ، أبجح كثيرًا ، صادمة
يصعب تخيلها في أي نظام مر بعد الإطاحة بمبارك ، فهي محاولة لا يجسر عليها إلا نظام مستبد مغتر
بضعف و قلة المتصدين له.
الأسلوب حتي الاّن يعتبر منحازًا ؛ لذلك يجب تحليل القانون لدفع تهمة
الانحياز ، و إثبات حقيقة قمعية و بجاحة هذا القانون في اعتدائه علي الحرية ، و
تحصينه للطغيان.

أولاً:
القانون يكرس لمفهوم التعامل الأمني:
من
أركان الغباء التي تميز النظم السياسية القمعية ( و خاصة المحافظة و الديكتاتورية)
، التعامل الأمني مع المعارضة السياسية ، و استخدام ما يعرف ب( الحل الأمني) بدلاً
من ما يعرف ب (الحل السياسي). نادرًا جدًا ما تلجأ الدول القمعية لحلولٍ سياسية ،
بل تضع الحلول الأمنية في الواجهة ، و لا تفيق لضرورة الحل السياسي إلا بعد فوات
الأوان. هذا القانون يعتبر من القوانين التي تضع الحل الأمني في المقدمة بل و
المؤخرة .
التظاهر و الاعتصام و الاضراب ، و غيرها من صور التعبير السلمي عن الرأي
تستهدف غالبًا أهدافًا سياسية يرتبط بها استمرار أو انتهاء الاحتجاج. في الدول
الديمقراطية ، حرية الأفراد و حقهم في اختيار القرارات السياسية بالدولة يقتضيان
الاستجابة للمطالب أو علي الأقل وضعها علي الأجندة السياسية . أما في الدول
القمعية الديكتاتورية ، فلا مكان لحرية الافراد أو حقهم في تشكيل القرار السياسي ،
و لذلك يتم التعامل معهم إما بالإهمال ( إن كان تأثيرهم هامشي) أو بالحل الأمني
الغشيم.
أشار سيد المصري رئيس حزب الدستور إلي أن هذا
القانون يعطي الشرطة مسؤولية إيجاد حلول لأسباب التظاهر ، هذه وظيفة للشرطة لم
يسبق لها مثيل( بوابة الأهرام).
الدلائل
علي أن هذا القانون يكرس لفكرة التعامل الأمني كثيرة ، أولها أنه يلزم المتظاهرين
بإخطار الشرطة لا بموعد المظاهرة أو خط مسيرها فقط للتأمين ، ولكنه يلزمهم أيضًا
بتوفير معلومات عن موضوع المظاهرة و مطالبها و أسماء المشاركين فيها و من ينظمها و
كيفية التواصل معهم (طبقًا للمادة السادسة). بغض النظر أن هذه اللائحة من البيانات
تعيد إلي الأذهان عصر أمن الدولة ، حيث تتم مراقبة كل نشاط سياسي و أعضائه و المسؤولين
عنه ( و هو ما يعارض فكرة الحرية)، إلا أنه أيضًا يعطي الشرطة دورًا خارج نطاق
اختصاصها ( الأمن) بحيث يحق لها أن تحصل علي معلومات ذات طابع سياسي بالأساس. و ما
يؤكد سوء النية ، هو المادة التي تليها (السابعة) التي تفعل ما أشار إليه المصري.
المادة السابعة تجعل وزير الداخلية أو من ينوب عنه وسيطًا سياسيًا ، فهو مسؤول عن
إخطار الجهة التي تقوم المظاهرة ضدها بمطالب المتظاهرين لتتواصل معهم و تلبية
مطالبهم. هذا الدور ليس مجرد دور جديد و غريب كما يصفه المصري ، لكنه قبل ذلك دور سياسي
. في أي دولة غير بوليسية أو عسكرية يختص وزير الداخلية بدور الوسيط بين
المتظاهرين و من يتم التظاهر ضدهم ؟ الوساطة دور سياسي بالدرجة الأولي ، و منحه
للداخلية لا يعني أي شيء سوي تسيسها ،و التقدم خطوة في طريق الدولة البوليسية.
لزيادة تأكيد فساد النية ، و المضي قدمًا علي صراط دولة القمع تأتي المادة
العاشرة لتمنح الحق للشرطة في إخلاء المظاهرات ، و الحق للمتظاهرين بالتظلم لدي
قاضي الأمور الوقتية لإلغاء قرار وزير الداخلية. رغم أن قانون التظاهر السابق
لأحمد مكي وصف بالقمعية إلا أنه كان أرحم من هذا ، حيث كان يلزم الداخلية لا
المتظاهرين باللجوء إلي قاضي الأمور الوقتية لإلغاء المظاهرة (بوابة الشروق). هذه المادة تعطي الشرطة حق إلغاء المظاهرات
طبقًا لتقديرها ، و أصلاُ هذا ليس حق أي مستبد ، ليس من حق أحد أن يسلب الأفراد
حريتهم في التظاهر كأسلوب للتعبير عن رأيهم طبقًا لتقديره ، و إن قبلنا حتي هذه
الفكرة الطاغية من حيث المبدأ ، فلن يكون ذلك الحق للداخلية من حيث التنفيذ.
ثانيًا:
القانون يكرس للقمع البوليسي:
المادة العاشرة تقول أن حق إلغاء المظاهرات يكون
في حالة امتلاك الشرطة معلومات كافية و أدلة حول الإخلال بالأمن أو النظام العام ،
أوتعطيل مصالح المواطنين أو تعريضهم للخطر أو تجاوز الوقت المخصص للتظاهر . بغض
النظر عن المساواة بين تجاوز الوقت المخصص للتظاهر و كل النقاط السابقة التي تندرج
تحت (البلطجة) ،إلا أن هناك كارثة أخري بهذه المادة فهي تعطي لمدير الأمن الحق في
طلب ندب من يراه قاضي الأمور الوقتية لإثبات الجريمة. قد يبدو هذا النص عاديًا بل
ضمانًا لعدم استغلال القانون ، لكنه ليس كذلك ، فلمدير الأمن الحق في طلب إثبات
الواقعة ، ولكن لا يوجد ما يلزمه بذلك. بمعني أخر إن أراد مدير الأمن إلغاء
المظاهرة و تحجج بوقوع جرائم لم تحدث هو حر في أن لا يثبت حدوثها إلا إن وجد نفسه
مضطرًا نتيجة لتظلم المتظاهرين.
و عندما يقرر مدير الأمن الفض فيحق له أن
يلجأ (طبقًا للمادة الثانية عشرة) إلي الإنذار ،ثم المياه ، ثم الغازات المسيلة
للدموع ، ثم الهروات ، و لا يلجأ للسلاح إلا فيما وصف ب" حالات الدفاع الشرعي
عن النفس و المال و طبقًا للقواعد المنصوص عليها في قانون الشرطة ، أو بناء علي
أمر قاضي الأمور الوقتية" . مجددًا قد تبدو المادة وردية و تحقن الدماء ، و
لكنها ليست كذلك ، فما الذي يميز بين تعريض المواطنين للخطر و حالات الدفاع الشرعي
عن النفس و المال ؟ ما الذي يحدد طبيعة الجرائم التي تواجه بالهروات و تلك التي تواجه
بالسلاح الناري ؟ كما أن النص –كما ذكر سابقًا- يساوي بين تعريض المواطنين للخطر و استمرار المظاهرات بعد الأوقات المخصصة لها ،
مما يعني أن المعتصم يساوي البلطجي ، و يحق ضربه بالهروات .
ثالثًا :
من القمع إلي تحصين الطغيان :
هذا يقودنا لأخطر بنود هذا القانون "منع الاعتصام" ، هذا البند مذكور في المادة التاسعة التي
تمنع الاعتصام بتاتًا ، و المادة الخامسة عشرة التي لا تكتفي بتحديد أماكن و أعداد
معينة للتظاهر غير المخطر عنه ، بل تمنع الاعتصام داخل هذه الاماكن. بمعني أخر لا
يوجد ركن واحد في هذا الوطن يحق فيه لمواطنيه الاعتصام كأسلوب للاحتجاج السلمي بل
و يعاقب المنظمين للاعتصام بغرامة بين ألف و خمسة اّلاف جنيه . لو كانت مباديء هذا
القانون صحيحة ، فكل الملايين التي اعتصمت في 25 يناير أو أثناء حكم المجلس الأعلي
للقوات المسلحة أو حكم مرسي أو في 30 يوينو و التي أتت بالنظام الحالي مجرمة و
تستحق العقاب .
هذا القانون يحصن الطغيان ، يمنع كل صور التهديد التي قد تزلزل الكراسي
المتسلطة. هذا القانون يمنع أي صورة من صور الضغط السلمي الفعال علي السلطة ، فهو
يجعل التعبير عن الرأي بالتظاهر مجرد واجهة أنيقة خادعة عن ديمقرطية و حرية
الدولة. التظاهر ممنوع بدون إخطار إلا في الأماكن المخصصة لها و التي يختارها
المحافظ و يحدد عدد من يسمح لهم بالتواجد فيها. بمعني أخر التظاهرات المليونية بل
ربما الألفية ممنوعة تمامًا بدون إخطار. التظاهر بإخطار أيضًا ممنوع فيه الاقتراب
من المجالس التشريعية و مجالس الوزراء و المحافظات (التي ترمز للسلطة) بأكثر من 50
إلي 100 متر ( طبقًا للمادة الرابعة عشرة) ،و هو محدد بفترة زمنية معينة و يمنع
الاعتصام نهائيًا ، و في حال " تعطيل مصالح المواطنين" فيجوز فض
المظاهرة. بمعني أخر ورقات الضغط التي استخدمت ضد مبارك للتنحي ، و ضد المجلس
الأعلي للقوات المسلحة لإصدار خارطة واضحة للطريق ، و ضد مرسي لإيقافه من مشوار ما
وصف في حلقة باسم يوسف ب"توحيد السلطات" ، ثم لخلع مرسي ممنوعة جزريًا
بل جرائم يجوز التعامل معها بالفض العنيف الذي يصل للغزات المسيلة للدموع و
الهروات و اعتبار المنظمين لها مجرمين تجوز محاكمتهم و تغريمهم.
عندما يتم تحويل وسائل الضغط السلمي من التظاهر و الاعتصام السلميين إلي
جرائم يعاقب عليها القانون ، فهذا يعد وسيلة مفضوحة لخنق المعارضة الساخطة علي
الطغيان داخل ثوب ضيق محبوك فصله ترزية القوانين. إنها بناء صلب لقلاع الدولة
القمعية الديكتاتورية.
هذا القانون عامود أساسي وضعه بناء بجح في بناء دولة
القمع .
روابط مصادر: