السبت، 16 نوفمبر 2013

ديكتاتورية أو

      ( هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة).

     النظم الديكتاتورية لا تستطيع أن تحكم بالمنطق ، المنطق يتطلب حرية فكرية حقيقية و هي متصادمة تمامًا مع الوجود الديكتاتوري. لذلك فالنظم الديكتاتورية تلجأ غالبًا لنشر الجهل ، و معاداة المنطق لتوطيد دعائمها. النظم الديكتاتورية تخاف حرية الفكر ، حرية الفكر و التفكير المنطقي قد يصلان بالأفراد إلي العصيان و الثورة و مجابهة جبروت الديكتاتورية و السعي للحق البشري في الحرية. و لذلك تغرس النظم الديكتاتورية أسس قيامها علي الخوف ، و الجدال ضد المنطق.
         النظم الديكتاتورية غالبًا تبني عدوًا خياليًا و تضخمه رويدًا رويدًا حتي يبدو كالوحش الشرس الذي يصعب تقييد أنيابه. تفعل ذلك لتحكم الشعب بالخوف ، ليكون الشعب خائفًا من الثورة ،لا لخوف بطش الطغاة و حسب ، و لكن كذلك بسبب الخوف من البديل ، من الخوف. مع الوقت تصير أسطورة الوحش داخل وجدان الشعب و عقله الباطن . النظم الديكتاتورية هنا تستغل خطيئتين منطقيتين لتلجيم الشعب. الخطيئة الأولي هي الإقناع بالخوف ، و الخطيئة الثانية هي الإقناع علي أساس أن هناك خياران فقط ، الطاغية أو الوحش الكامن.
          فلنعود بشريط ذاكرتنا  بشكلٍ بطيء و مرتب إلي ما قبل ثورة 25 يناير و حتي هذه اللحظة.  مبارك كان يحكم بالخوف ، بدولته البوليسية ، و لكنه أيضًا كان يحكم بالخوف من الوحشين الأسطوريين (الفوضي و الإخوان). تلاه مرسي ، الذي حكم مصر بديكتاتورية الأغلبية الهشة و الدين ، و بالتخويف من الوحشين الأسطوريين ( الفلول و أعداء الإسلام). ثم أخيرًا جاء السيسي و منصور ليحكمان بالتخويف من الوحشان الأسطوريان المترادفان (الإخوان والإرهاب).
         الخطر الحقيقي ليس في طريقة حكم السيسي  و منصور الاّن المتسمة بتقييد للحريات المدنية و الدينية و السياسية مثل  تقييد حرية الصلاة في المساجد و حرية التظاهر السلمي بفزاعة الإرهاب. الخطر الحقيقي هو ما يحصل الاّن من غرس لفكرة إما القمع أو الإرهاب داخل وعي الشعب.  الخطر في الاستمرار في " ديكتاتورية  أو" . الخطر الحقيقي في أن يصير مستقبلنا هو القمع بالتخويف من البديل الوحش المسمي "الإرهاب" بعد أن نبني دعائم دولتنا القادمة.
        يتم الاّن الترويج لحكم السيسي.  الترويج لا يتم فقط علي أساس كاريزمة السيسي و رسمه كزعيم  تشبيهه بعبد الناصر، و بالطبع ليس علي أساس مشروعه أو فكره ( الغير معروف إن وجد أصلاً) ، بل يتم ذلك الترويج أيضًَا علي أساس تصويره علي أنه الرجل العسكري القوي الذي يستطيع السيطرة علي مصر.  الخطر في هذه الصورة ، هي كونها تحتوي ضمنيًا علي فكرة ( السيسي أو الفوضي ) . و من جهة أخري فيتم دائمًا تصوير كل معارضي السيسي علي أنهم إخوان ، مما يعني ضمنيًا ( السيسي أو الإخوان).
       إن وصل السيسي ( أو أي شخص اّخر) إلي السلطة بهذه الطريقة ، فسيكون من السهل بناء نظام ديكتاتوري قوي علي أساس التخويف من الوحش الكامن ( الخلايا النائمة). سيتم دائمًا تشميع اّذان الشعب تجاه أي معارضة بحجة أنها تنتمي إلي مؤيدي الوحش. و مع إغلاق الشعب اّذانه للمعارضة ، و إنصاته لصوت السلطة وحدها تصبح الديكتاتورية سهلة و فعالة . السيسي إن صار رئيسَا حينها سيستطيع أن يمد حالة الطوارئ كيف يشاء و أن يمنع أي مظاهرات معارضة لأي قرار له مهما كان مجحفًا أو مستبدًا و أن يحجب أي عمل فني معارض لفكره ، بل ربما أن استطاع أن يعدم علنًا كل صاحب/ة فكر أو كلمة تقف أمامه بحجة انتمائه/ا لحزب الوحش ، لخلاياه النائمة ، للإرهاب.
      ما يمكن قبوله و التغاضي عنه في فترة انتقالية مثل قوانين الطوارئ و حظر التجوال و إغلاق الميادين في وجه المتظاهرين السلميين و غير ذلك من الإجراءات القمعية ،لا يمكن أبدًا التسامح فيه في دولة ديمقراطية حرة بعد وضع دستور و انتخاب رئيس و برلمان لها. إن وصل السيسي للسلطة بالخوف و حكم بالخوف و استمرت الإجراءات القمعية في عصره باسم "محاربة الإرهاب" فهذا لا يعني شيئًا سوي أننا لم نتغير منذ عصر مبارك ، لم ننبنِ دولة ديمقراطية ، بل استكملنا مشوارنا الديكتاتوري التاريخي . هذا يعني أننا مازلنا نحكم ب"ديكتاتورية أو " ، مازلنا نحكم بالخوف من الوحوش البديلة ، مازلنا عبيدًا.
           أجل مازلنا عبيدًا؛ لأننا أسري ندور داخل ذات الدائرة المفرغة. مازلنا كما نحن. في عصر مبارك ، أمام خياران في كل الانتخابات (المزورة) إما مبارك أو الإخوان. بعد ثورة 25 يناير في الانتخابات البرلمانية  الفلول أو الإخوان ، و في الانتخابات الرئاسية مرسي أو شفيق ، و اليوم يتم الترويج لكونهما خيارين السيسي أو الإرهاب ( لقب جديد للإخوان). مازلنا عبيدًا ؛لأننا مازلنا نخضع لأسطورة الديكتاتورية العسكرية أو الديكتاتورية الدينية . عبيدًا ؛لأننا مازلنا لا نملك الخيار ، مازلنا

نخاف الديكتاتورية الدينية فنتحامي في الديكتاتورية العسكرية ، أو نخاف الديكتاتورية العسكرية و خسارة الدين فنعدو إلي الديكتاتورية الدينية. عبيدًا ؛لأننا لا نؤمن أننا نملك الحق في الحرية ،لا في مجرد انتقاء الديكتاتورية التي تناسب مقاسنا.  
        إن كنا نريد حقًا أن نكون أحرارًا ، ألا نضيع دماء شهدائنا سدي ، أن نصل إلي الديمقراطية ؛ فيجب أولاً أن نملك حرية الخيار. أولاً يجب أن نختار بلا خوف ، بحرية حقيقية ، بإيمان دائم أننا لسنا مجبرين قسرًا علي الاختيار بين السيء و الأسوأ ، بين القمع و الخوف. أولاً يجب أن نعلم أننا بشر يحق لنا كلا الأمن و الحرية ، يحق لنا أن نحكم  بديمقراطية حقيقة لا بديكتاتورية دينية و لا بديكتاتورية عسكرية.
         

هناك تعليق واحد:

  1. كل دول العالم أصبحت تحكم بالقوانين ونحن ما زلنا محكومين بالمراسيم التي يصدرها الحاكم بعيدا عن البرلمانات وراء كل ديكتاتور مجرم" عائلة مجرمة

    ردحذف