( هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة).
استراتيجية النظام الحالي للقمع:
النظام القمعي الحالي أمكر قليلاً من النظم
القمعية السابقة . تعلم قليلاً من تجاربهم ، و طور في أسلوبه حتي يضمن الصمود أمام
تغير المناخ السياسي في مصر خلال الأعوام القليلة الماضية، لكنه ككل النظم القمعية
عندما تصل إلي مرحلة معينة من الاستقرار الزائف أو الشعبية تبدأ في الاغترار و
تكرار أخطاء سابقاتها. و هذا هو ما ظهر جليًا في طريقة تعامل النظام الحالي مع
مظاهرات الأمس، ذات التعامل الأمني الأغشم و بشكل مفضوح جدًا و غير محسوب.
حتي
الأمس ، كان النظام نسبيًا يتحرك طبقًاً لخطي محسوبة . أولاً بدأ بالحصول علي
شعبية واسعة بإظهار نفسه بمظهر منقذ الشعب من الإخوان ، ثم باللعب علي وتر الوطنية
، و دمج تأييد النظام بتأييد الجيش بالوطنية. ثم بخلق تدريجيًا صورة ذهنية للإخوان
علي أنهم إرهابيون ، ثم تضخيم هذه الصورة لتصير فزاعة لكل من يفكر في تحدي النظام
(نحن أو الإرهاب)، ثم استغلال الشعبية الواسعة في أوج التهابها للحصول علي دعم
شعبي واسع للتفويض بالقضاء علي "الإرهاب" و بذلك القضاء علي أقوي فصيل
سياسي مواجه له. ثم خلق كاريزما سياسية قوية "السيسي" بالمواصفات التي يقدسها العقل الجمعي المصري
للأب ( القوة ، الحزم ، الشدة ، الضرب بيد من حديد ، الابتسامة، الزي العسكري، اللهجة
الهادئة الوقورة الحميمة)ثم تفصيل قوانين تضمن السيطرة علي أي فرصة معارضة من أي
فصيل سياسي، ثم تطبيق هذه القوانين بشدة و في إطارعسكري حازم و متساوٍ يضمن
"الانضباط" و عدم الخروج علي النظام.
توازي مع تطبيق هذه الاستراتيجية مرحليًا ، السيطرة علي كل بؤر يمكن أن
يخرج منها صوت معارض ، يخترق منظومة الانضباط العسكرية. الإعلام المصري الحكومي بطابعه منحاز لكل من في
السلطة ، أما الإعلام الخاص فهو ملك لرجال الأعمال. هؤلاء أغلبهم لديهم مصالح
اقتصادية في وجود نظام يوحي بأنه مشابه لنظام مبارك ، و لديهم ميول شخصية ضد نموذج
الإسلام السياسي. في البداية كان بعضهم يرفض كلا النظامين و لكن بعد أن وجدوا أن
الإخوان قد صعدوا للسلطة فضلوا نظامًا عسكريًا علي نظام ديني. و من ناحية ثالثة ،
الإعلام لم يكن يستطيع أن يغرد خارج القطيع ، و هو يري شعبية السيسي تعلو بشكل خطر
داخل مجتمع يعشق تأليه الكاريزما. أما الإعلام المائل للإخوان فقد تم إغلاق قنواته
الإعلامية بإجراء قمعي لاقي (ككل الإجراءات القمعية لهذا النظام) تصفيق عالٍ من
الإعلام و الشارع.
بؤرة أخري كان يمكن أن تصدع النظام ،
كانت خلية النحل السياسية المسماة
الجامعة. عمل النظام علي شلها أولاً بإصدار قانون الضبطية القضائية ثم ببدء حملة
اعتقالات لطلاب الجامعات و أعضاء هيئة التدريس ثم أخيرًا بالتعامل الأمني الخشن
أمس الذي يهدف لإرهاب الطلاب لعدم الإقدام علي أي نشاط سياسي معارض للنظام. إنه
محاولة لشل الحراك الطلابي الذي يعلم النظام جيدًا خطره السياسي تارخيًا.
قيد النظام بسرعة البؤرة الدينية الأقوي التي يمكن أن تواجه حكمه ، و يمكن أن يستخدمها الإسلاميون أو غيرهم ضده بتحكمه بالخطاب الديني الديني داخل المساجد. الخطاب الديني داخل المساجد سبب تاريخيًا و حتي بعد الثورة مباشرة و في عصر مرسي قاعدة قوية لتأجيج الثورة و العصيان ، في مجتمع الدين فيه محرك عاطفي أساسي . فرض خطاب ديني لا علاقة له بالسلطة و يتم توجيهه في إطار محكم كانت طريقة النظام المثلي لسد هذه البؤرة.
قيد النظام بسرعة البؤرة الدينية الأقوي التي يمكن أن تواجه حكمه ، و يمكن أن يستخدمها الإسلاميون أو غيرهم ضده بتحكمه بالخطاب الديني الديني داخل المساجد. الخطاب الديني داخل المساجد سبب تاريخيًا و حتي بعد الثورة مباشرة و في عصر مرسي قاعدة قوية لتأجيج الثورة و العصيان ، في مجتمع الدين فيه محرك عاطفي أساسي . فرض خطاب ديني لا علاقة له بالسلطة و يتم توجيهه في إطار محكم كانت طريقة النظام المثلي لسد هذه البؤرة.
حاول النظام كذلك الفوز بأوسع قاعدة تأييد ممكنة من مختلف الطوائف لتقليل
فرص معارضته ، و لتسهيل فكرة تصدير أنه لا يواجه سوي الإرهاب (الإخوان). أولاً
بالفوز بالمسيحيين ؛لأنه تخلص من نظام أقل ما يوصف به أنه همشهم ، ثم بالفوز
بالإتحادات النسائية بدفع أموال الغارمات ، و بوضع بعض النساء كواجهة في مناصب
قيادية ، ثم بربح السلفيين بإدراجهم في السياسة و استغلالهم كواجهة ممثلة
للإسلاميين الرافضين لل"إرهاب" ، ثم باستعاب بعض الليبراليين و
اليساريين داخل نظامه ، و من أهم النقاط كانت فوزه بالسلطة القضائية إلي صفه بعدم
محاولته إصدار أي قوانين بدون الرجوع إليها و ضمان دستوريتها ، و وضعه لأحد رموزها
علي رأس السلطة التنفيذية في مصر " عدلي منصور".
هذه كانت استراتيجية النظام القمعي الحالي
في توطيد أسسه داخل مجتمع مشتعل. لكن رغم كل المكر الذي تمتع به هذا النظام ، و
رغم براعة و ذكاء خطته ، و مهارته في تنفيذها بسكل مرحلي و فعال ، إلا أن نقطة
الضعف التي لم ينتبه لها هو كسابقيه ، هي الغرور. النظم السابقة سواء في حقبة حكم
مبارك أو مرسي ، غرها الاستقرار علي حافة الهاوية ، و تأييد الأغلبية لها ، و كانت
تلك بداية النهاية ، هذا النظام لم يتعلم
من النظم السابقة و يبدو أن الغرور أعماه بما فيه الكفاية ليعود للتعامل المتهور
المفضوح مع المعارضة. إصدار قانون التظاهر في لحظة هدوء مرحلي و مع رفض الغالبية
له ، ثم تفعيله فورًا بطريقة همجية متهورة بأحد أنيابه هو تصرف يوحي ببوادر غطرسة
السلطة ، و الغطرسة مختلفة عن القهر و الطغيان ، الغطرسة فيها جزء من الكبرياء و
الثقة المبالغ فيها بالذات ، و هاتان الصفاتان هما مفتاح مدفن الأشخاص و النظم.
خطايانا نحن:
الظاهر
أن النظم ليست وحدها من لا يتعلم من أخطائه ، نحن أيضًا لا نتعلم من أخطائنا ، نحن
صناع الأنظمة. أسقطنا مبارك لنأتي بالمجلس العسكري ، ثم جئنا بمرسي ثم أسقطناه
لنأتي بالنظام الحالي الذي نجسده في السيسي و نتجاهل عدلي منصور. أول أخطائنا أننا
نختزل كل نظام في فرد أو جماعة أو حزب. مبارك هو نظام ، طنطاوي هو نظام، مرسي و
إخوانه هم نظام، السيسي هو نظام. النظم ليست واجهات و مجرد إسقاط الأشخاص أو حل
الجماعات أو الأحزاب ليس إسقاطًا لنظم و حتي هدم النظم لا يكفل إنشاء أخري أفضل ،
و ما عشناه بأنفسنا أثبت ذلك ، فنحن مضينا نسقط الفرد تلو الفرد و التنظيم تلو
التنظيم و نحاول هدم النظام تلو الاّخر و النتيجة في كل مرة أن نأتي بالأسوأ. كل
مرة نأتي بديكتاتور أقوي ، كل مرة نصنع إلهًا جديدًا يتحصن داخل حصنٍ متينٍ من
النظم الأمنية المتينة ، الأغلبيات الانتخابية ، أو الشعبية الجارفة.
الاستمرار في هذا النهج لا يجعلنا نصل إلي أي شيء سوي مزيد من التجارب في
مختلف النظم القمعية بمختلف إيديولوجياتها و مناهجها. الهدف لا يجب أن يكون انتقاميًا
فقط ، يجب أن ندرك أن مجرد هدم النظام القمعي يأتي بنظام قمعي جديد و لكن في ثوب
مختلف.
خطأنا
الاّخر الذي نصر علي تكراره هو أننا نسمح لأنفسنا أن نتغاضي عن أي جريمة ترتكب في
حق الطرف الاّخر، بل و تبريرها بجرائمه أو حتي أخطائه. ظهر ذلك جليًا في استخفاف
الإخوان بأحداث محمد محمود ثم عندما دارت الدائرة في استخفاف بل و تبرير ما حدث
للإخوان و مؤيديهم بعد 30 يونيو بل ووصل الأمر للتفويض العلني بأي إجراء ضدهم.
بغض النظر عن البعد اللاأخلاقي و اللا
إنساني في مثل هذه الخطيئة المتكررة ، فإن تكرارها يجعلنا ندور في حلقة مفرغة .
الموقف الثابت مما يعد مرفوضًا ضد أي تيار هو الضمان الوحيد للجميع . الكيل
بمكيالين و الظلم الانتقامي ما هو إلا طاحونة نربط أنفسنا فيها لنظل دائرين في ذات
دائرة الطغيان ، فقط نتبادل الأماكن دوريًا.
ثالثًا ، التصفيق.
نحن لا
نتعلم أبدًا. يمكن أن نعطي دورات تدريبية تحت عنوان" كيف تصنع طاغية؟"
نحن نصنع الطغاة، نصنعهم و نشكلهم بأيدينا . نصفق لهم علي كل شيء ، علي أتفه صنيعٍ
لهم ، ننسب كل إنجازٍ لهم ، و نبرر لهم خطاياهم ، بل ربما حولناها لبطولات !
التصفيق الذي تم للسيسي بعد 30 يونيو كأنه هو الثائر الأعظم ، و ربط النظام
العسكري ببطولات 6 أكتوبر ، ثم تعظيم صورته ككاريزما و مثل أعلي كلها خطوات لصناعة
الفرعون. حتي عندما طلب منا القتل صفقنا بصفاقة للدم، بل وحولنا الدم لبطولة حماية
الأمن. و في خضم كل ذلك نسبنا له كل شيء و صفقنا له علي كل شيء و أي شيء ، كأنه
وحده يبني في هذا الوطن. حتي الدماء نسبناها له وحده و صفقنا له عليها!
و
نعود لنقول أننا نحكم بفراعين !
نحن
صناع الفرعون
....................................................................................
نحن بشر:
سأقولها مجددًا وسأظل أقولها مادمت مؤمنة بها. نحن بشر. يحق لنا أن نحلم ،
الحرية و العدالة حق لنا ، كما الحياة. سلبنا الحرية و العدالة من النظام تلو
الاّخر طغيان . يحق لنا ألا نحكم بظلم و لا قمع من أي طرفٍ كان ، من أي فكر ، من
أي إيديولوجيا، من أي فرد ، جماعة ، حزب، فصيل، تنظيم . الحرية و العدالة حقنا
؛لأننا بشر ، و أيً من كان يري أن العيش فقط هو ما نستحقه ، لا يرانا كبشر و لا
كحيوانات حتي . نحن بشر ، حقنا الحرية و العدالة ، و التنازل عنهما قبول بالتنازل
عن إنسانيتنا ، احترامنا و حقوقنا؛ لأننا بشر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق