( هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة).
عندما قرأت هذا الدستور للمرة الأولي ، و
فكرت في المقال الذي سأكتبه عنه صدمت للوهلة الأولي ؛لأنني سأعيد تقريبًا ما كتبته
في مقالي عن دستور 2012 ، و بدا لي أن المقالين سيبدوان متشابهين إلي حدٍ كبير، كأنني
أنقل تمامًا ما كتبته و أعيده مرة أخري. لا جديد.
لكنني
عندما أعدت قراءة الدستور وجدت أن مقالي سيكون مختلفًا إلي حدٍ ما، كما الدستور
مختلف إلي حدٍ ما.
يتم تسويق
هذا الدستور علي أنه الدستور المدني الذي
لم تصدره جماعة دينية منحازة لأفكارها و تنفذ مخططها لأخونة مصر. يتم تسويقه علي
أنه الدستور المدني الذي صاغه كل فئات الشعب بصبغة مدنية تكفل الحريات ،و توطد أسس
الدولة المدنية. تسويق كاذب . هذا الدستور
فيما يتعلق بالدولة و مقوماتها و مقومات المجتمع نسخة منقحة من دستور 2012
الإسلامي و لا توجد به إشارة واحدة للدولة المدنية مطلقًا!
كلمة
"مدنية" لم ترد بهذا الدستور سوي مرة واحدة في الديباجة بوصف
"حكومتها مدنية" . و الحكومة المدنية لا علاقة لها بالدولة المدنية.
فحكومة مرسي كانت حكومة مدنية. الحكومة المدنية جائزة تمامًا و اعتيادية في الدولة
الدينية المتطرفة حتي. فعبارة "حكومة مدنية " تعني أن الحكومة المصرية
المشكلة لا تحتوي علي عسكريين أو رجال دين. و لكن هذا لا يعني أن رجال الدين و
العسكريين لن يتولوا منصب الرئاسة أو رئاسة مجلس النواب . و لا تفترض أن رجال
الدين و العسكريين لن يتدخلوا في اللعبة السياسية بشكل اّخر. فالحكومة مجرد واجهة
سياسية للدولة و هوية الحكومة لا علاقة لها بهوية الدولة فعليًا. فربما -علي سبيل
المثال – رجال الحكومة مدنيون و لكنهم جميعًا ينتمون لفكر يؤمن بعسكرة الدولة أو
أسلمتها أو ربما هم مجرد أداة في يد سياسيين أو أحزاب أو رجال دين يؤمنون بتدين
الدولة أو عسكرتها. و كلمة "حكومة مدنية" ليست ك"دولة مدنية"
إنها لا تعني أبدًا أن سياسات الدولة لن تكون دينية أو عسكرية. و بذلك يصير
الدستور خاليًا تمامًا من أي إشارة حقيقية إلي مدنية الدولة.
المادة الثانية بقت كما هي في دستوري 1971 و
2012 تنص علي أن " مصر دولة إسلامية و الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي
للتشريع" و المادة الثالثة كما هي عن "مباديء شرائع المصريين من
المسيحيين و اليهود هي المصدر الرئيسي للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية و
اختيار قياداتهم الروحية" أما المادة الخاصة بالأزهر فتم تغيير رقمها من 4
إلي 7!، المادة الخاصة بتفسير الشريعة الإسلامية استبدلت بعبارة " مجموع
أحكام المحكمة الدستورية في هذا الشأن". هذا هو كل التعديل الذي حدث علي
المواد التي ترسم هوية الدولة و التشريع. إضافة إلي ذلك هذا الدستور أبقي علي
المادة الخاصة بحرية العقيدة كما هي (المادة 64) و التي تنص علي أن " حرية
الاعتقاد مطلقة. و حرية ممارسة الشعائر الدينية و إقامة دور العبادة لأصحاب
الديانات السماوية .حق ينظمه القانون"، و هي مادة ضد جوهرالحريات الدينية. و
مع كل ذلك يتم الترويج بهتانًَا إلي أن الدستور الحالي هو دستور مدني يكفل حقوق الأقليات
و مختلف جزريًا عن الدستور الإخواني الطائفي ! أنا ساكتفي بأن أنقل حرفيًا ما
كتبته العام الماضي عن هذه المواد (المنقولة من دستور 2012 ):
" الأزمة
الحقيقية هي أن هذه المواد مجتمعة تشكل أركان للدولة الدينية ، حيث هناك دين تستمد
من أحكامه الفقهية قوانين الدولة ، و هناك جهة وحيدة في الدولة تختص بتفسير هذا
الدين ، و تفرض أحكام هذا الدين الفقهية بتفسير هذه الجهة الوحيدة علي جميع أفراد
الدولة حتي غير المؤمنين بهذا الدين !
الأزمة هنا أن الأزهر يمثل جهة وحيدة تتحكم و تسيطر علي الدولة باسم الدين ؛لأنها
هي التي تتحكم بشريعة القوانين دينيًَا و أيضًا دستوريًا ، و هي بذلك تتقمص دور
السلطة الدينية المهيمنة و المتفردة بالحكم في الدولة الدينية . ليس هذا و حسب بل
إن هذه القوانين ذات المرجعية الدينية الإسلامية ستكون ملزمة جبرًا لكل أفراد
الدولة باسم الدين ( و بذلك يكفر من يرفض قانونًا من الأزهر ) ،و أيضًا باسم
الدستور الذي يحدد فقه الإسلام بالمصدر الرئيسي للتشريع. هذا يحول الأزهر بكل
بساطة لدولة فوق الدولة تحتمي من النقد و من رفض قوانينها بدرع الدين.
و هذا طبعًا يخسف من جهة أخري بقيمة العدالة لغير المسلمين ؛ لأنهم مجبرون علي
الإنصياع لقوانين تكتسب شرعيتها و أحكامها من الإسلام الذي لا يؤمنون به ، أنا
أرفض هذا الظلم و أتحدي أنه لو كان أي من الإسلامين أو حتي من المسلمين العاديين
الذين يؤيدون هذه المواد مكان المسيحيين و كنا في دولة مسيحية ، قرر فيها الدستور
أن تختص فيها الكنيسة الأم بتفسير أحكام المسيحية و تلزم جميع أفراد الدولة بما
فيهم نحن – المسلمين- بقوانين شرعيتها و أحكامها من المسيحية ، و تفسرها الكنيسة
أننا كنا سنقبل بهذا الدستور و نشعر أنه يمثلنا.
و نحن أيضًا هنا كاذبون ؛لأننا من جهة ندعي أمام الغرب أننا وطن واحد لا يوجد به
ما يسمي أقلية و أغلبية ، وثم نعود لنصيغ دستورًا يفرض أحكام و فقه ديننا نحن
-لأننا الأغلبية- ، علي من لا يؤمنون بديننا فقط ؛لأنهم الأقلية و نحن داخلنا نؤمن
بأنهم الأقلية لذلك يجب أن يخضعوا لنا و لديننا الذي نراه نحن الحق .
و في ذات السيق هناك مادة ( حرية العقيدة ) و التي تمنح أصحاب الديانات السماوية
فقط حق ممارسة شعائرهم الدينية و أيضًا (في الإطار الذي ينظمه القانون). و هذه
المادة كنت قد ناقشتها أصلاً في مقال سابق ؛ و لكني سأقول هنا اختصارًا أن هذه
المادة بكل بساطة تنكر حق مصريين في ممارسة شعائرهم ( مثل البهائيين) فقط ؛لأننا
لا نؤمن بدياناتهم ، و نري –نحن المسلمون الأغلبية- أن دينهم لم ينزله الله –عز و
جل- ؛و لأننا –نحن الأغلبية- لا نؤمن بدينهم لا يحق لهم أبدًا أن يمارسوا شعائرهم
الدينية ؛لأننا نؤمن و (يجب أن نخضعهم لإيماننا) أن دينهم مفتري و أنهم كفرة ، و
لذلك سنمنعهم لا بالقانون بل بالدستور من أن يمارسوا هذا الكفر ، و هذه هي حقيقة
هذه المادة . إننا بالدستور نعلن كفرنا بالحرية ، و نعلن أننا سنعطي الحرية
الدينية لمن نؤمن بكتبهم و حسب. و لكن لدي سؤال واحد ، لماذا نلوم الغرب علي
تقويضه لحرية ممارسة المسلمين لشعائرهم الدينية ، و نعلن العداء له و الجهاد عليه
؟ أليس هو أيضًَا بأغلبية مسيحية لا تعترف بالإسلام و تعتبره دين مفتري ، و بذلك
يحق له مثلنا أن ينكر علي معتنقي الدين الذي لا تؤمن به أغلبيته من ممارسة شعائرهم
الدينية ؟ "
لدي موقف رافض كتبته من قبل ضد المادة الثانية من
الدستور و هو ما سأدرجه هنا نقلاً عن مقال سابق لي بخصوص هذه المادة كتبته أيام
وثيقة السلمي الشهيرة تحت عنوان "المادة الثانية من الدستور بين دستور 1971 و
وثيقة السلمي (تفصيل وجهة نظر مضادة)":
" تنقسم المادة الثانية في وثيقة السلمي الي ثلاثة
أقسام . القسم الأول هو ( الاسلام و العروبة) و القسم الثاني هو (الشريعة
الاسلامية المصدر الرئيسي للتشريع ) والقسم الثالث( لغير المسلمين الاحتكام
لشريعتهم في أحوالهم الشخصية ) .
سأبدأ بالقسم الأول ، في دستور 1971 (مصر دولة اسلامية )و في وثيقة السلمي ( الاسلام دين الدولة) ، ربما يرضي المواطنون البسطاء بكلا الصياغتين فهم سيرون كلمة "اسلام" أو "اسلامية " و هذا يكفيهم و يكفي رغبتهم في الشعور بهيمة الاسلام و لكن كلا الصياغتان مختلفتين . الأولي تصبغ بالقوة الهوية السياسية الدينية علي الدولة ، فمقابلها ان كان الأكثرية مسيحين ( مصر دولة مسيحية ) فهي اذا تفرض هوية النموذج السياسي الديني الاسلامي علي مصر . هذه الصياغة مضادة ل (مصر دولة علمانية ) مثلاً و ربما يبدو هذا مفاجئاً و لكن قد يأتي بجوار مصر دولة علمانية أن الدين الرسمي للدولة هو الاسلام ! لأن هذه الصياغة تتحدث عن الهوية السياسية للدولة ، لا عن الدين المهيمن . و لنتذكر أن السادات و هو يضع هذه الصياغة كان يريد ارضاء التيار الاسلامي ليضرب به الاشتراكيين ؛لذلك وضع صياغة تجعل من مصر سياسياً دولة اسلامية ،لا مدنية أكثرها مسلمين . و لكن الصياغة الثانية التي وضعها السلمي تجعل (مصر دولة مدنية) و لكن تقول أن (الاسلام هو الدين الرسمي للدولة). هذه الصياغة في اعتقادي مقبولة ,و لكن بعد مليونية الجمعة اضطر السلمي علي التراجع الاصغاء قسراً الي (الحرية و العدالة ) التي رفضت صياغة أن (مصر دولة مدنية ديمقراطية ) و ألغت كلمة (مدنية )و أظن أن السبب واضح الاّن.
لماذا لا تكون الصياغة ( الديانات السماوية هي الديانات الرسمية للدولة )؟ في كثير من دول العالم يتم الاعتراف بأكثر من ديانة كديانات رسمية للدولة ، و أيضاً بأكثر من لغة كلغة رسمية لها . و لماذا يصر الكثيرون علي عدم الاعتراف بوجود غير مسلمين بمصر ؟ لماذا يصر الكثيرون علي أن أي غير مسلم بمصر ليس جزءاً ذا وزن من مصر و ليس سوي(أقلية) ليس من اللائق الاعتراف بها في الدستور ؟
الجزء الثاني هو ( الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسي للتشريع )و هو ذاته بنفس الصياغة في دستور 1971 و وثيقة السلمي.هذا القسم لم يجرأ أحد علي مناقشته طبعاً حتي الذين يرفضون علناً تطبيق الحدود الاسلامية . و لو عدنا ثانية الي الوراء لوجدنا أن السادات و هو يضع هذا القسم، كان يريد ايهام القوي الاسلامية التي يريد بها ضرب الاشتراكيين أنه يمهد بها لفرض الحدود الاسلامية و لكنه طبعاً لم يكن مستعداً لذلك و لكن بقي هذا القسم من المادة موجوداً لا تستطيع القوي الغير اسلامية مهاجمته بعد التحولات التي حدثت للمجتمع المصري و تحول المادة الثانية الي قراّن سياسي يعد المناقشة فيه -كما ذكرت سالفاً - انتحار سياسي .باختصار هذا القسم عبارة عن تمهيد لتطبيق الحدود الاسلامية و هنا نعود الي موضوع تطبيق الحدود الاسلامية. هل يجوز تطبيق الحدود الاسلامية علي غير المسلمين ؟ لو لا يجوز هل سنجعل غير المسلمين يحاكمون بقانون مدني و المسلمين بقانون علي أساس اسلامي ؟ هذا يعني وجود قانونين في الدولة و وجود قانونين في الدولة لم يحدث الا في حالتين (اما نظام التفرقة العنصرية ) أو (أقاليم الحكم الذاتي ) أما الخيار الأول فلا تعليق عليه و أما الخيار الثاني فهو غير وارد في مصر أصلاً فغير المسلمين في مصر ليسوا في مكان واحد ككثير من دول العالم و لكنهم موزعين علي أقطار مصر كلها . و لا ننسي أن كلا الخيارين يعنيان تعزيز الايمان -لا الشعور- بأن غير المسلمين أقلية بمصر يعاملون بطريقة خاصة ، و كل الدول التي بها أقاليم ذاتية يكون انفصال الأقاليم الذاتية عنها مسألة وقت لا أكثر .أما ان كان يجوز تطبيق الحدود الاسلامية علي المسلمين فنحن نري بجوارنا السودان و لكن فالنفكر للحظة ، لو كان الوضع معكوسأ و كان المسيحيون الأكثر و الحدود الاسلامية شريعة مسيحية هل كان المسلمون سيوافقون علي تطبيقها قسراً عليهم و ماذا كان شعورهم حينها ؟، هل المساواة؟ هل المواطنة ؟ هل الحرية ؟ أرجوكم أريد اجابة صادقة من القلب .
و من سيقول الكلام الانشائي عن (قيم الشريعة الاسلامية التي توافقها كل الأديان هي المصدر الرئسي للتشريع) كتفسير ل ( الشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع ) فليعلم أن الدستور ليس كتاباً أدبياً تذكر القيم و المباديء فيه ، و كل كلمة فيه لها معناً واضحاً و صريحاً يطبق بقانون ما.
أما القسم الثالث المبتكر ( لغير المسلمين الاحتكام الي شرائعم في الأحوال الشخصية ) فهو موضوع بجوار ( الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسي للتشريع ) ليس بشكل عشوائي و لكن ل(ارضاء الطرف الاّخر ) فمكانها الطبيعي في قانون الأحوال الشخصية لا الدستور.و هذا يعني أن (الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسي للتشريع ) تطبق علي غير المسلمين الا فيما يخص الأحوال الشخصية ، التي تخضع لشريعتهم الخاصة من قبل وضع دستور 1971 أصلاً. و هنا تتأكد النية علي فرض رؤية الشريعة الاسلامية علي غير المسلمين"
سأبدأ بالقسم الأول ، في دستور 1971 (مصر دولة اسلامية )و في وثيقة السلمي ( الاسلام دين الدولة) ، ربما يرضي المواطنون البسطاء بكلا الصياغتين فهم سيرون كلمة "اسلام" أو "اسلامية " و هذا يكفيهم و يكفي رغبتهم في الشعور بهيمة الاسلام و لكن كلا الصياغتان مختلفتين . الأولي تصبغ بالقوة الهوية السياسية الدينية علي الدولة ، فمقابلها ان كان الأكثرية مسيحين ( مصر دولة مسيحية ) فهي اذا تفرض هوية النموذج السياسي الديني الاسلامي علي مصر . هذه الصياغة مضادة ل (مصر دولة علمانية ) مثلاً و ربما يبدو هذا مفاجئاً و لكن قد يأتي بجوار مصر دولة علمانية أن الدين الرسمي للدولة هو الاسلام ! لأن هذه الصياغة تتحدث عن الهوية السياسية للدولة ، لا عن الدين المهيمن . و لنتذكر أن السادات و هو يضع هذه الصياغة كان يريد ارضاء التيار الاسلامي ليضرب به الاشتراكيين ؛لذلك وضع صياغة تجعل من مصر سياسياً دولة اسلامية ،لا مدنية أكثرها مسلمين . و لكن الصياغة الثانية التي وضعها السلمي تجعل (مصر دولة مدنية) و لكن تقول أن (الاسلام هو الدين الرسمي للدولة). هذه الصياغة في اعتقادي مقبولة ,و لكن بعد مليونية الجمعة اضطر السلمي علي التراجع الاصغاء قسراً الي (الحرية و العدالة ) التي رفضت صياغة أن (مصر دولة مدنية ديمقراطية ) و ألغت كلمة (مدنية )و أظن أن السبب واضح الاّن.
لماذا لا تكون الصياغة ( الديانات السماوية هي الديانات الرسمية للدولة )؟ في كثير من دول العالم يتم الاعتراف بأكثر من ديانة كديانات رسمية للدولة ، و أيضاً بأكثر من لغة كلغة رسمية لها . و لماذا يصر الكثيرون علي عدم الاعتراف بوجود غير مسلمين بمصر ؟ لماذا يصر الكثيرون علي أن أي غير مسلم بمصر ليس جزءاً ذا وزن من مصر و ليس سوي(أقلية) ليس من اللائق الاعتراف بها في الدستور ؟
الجزء الثاني هو ( الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسي للتشريع )و هو ذاته بنفس الصياغة في دستور 1971 و وثيقة السلمي.هذا القسم لم يجرأ أحد علي مناقشته طبعاً حتي الذين يرفضون علناً تطبيق الحدود الاسلامية . و لو عدنا ثانية الي الوراء لوجدنا أن السادات و هو يضع هذا القسم، كان يريد ايهام القوي الاسلامية التي يريد بها ضرب الاشتراكيين أنه يمهد بها لفرض الحدود الاسلامية و لكنه طبعاً لم يكن مستعداً لذلك و لكن بقي هذا القسم من المادة موجوداً لا تستطيع القوي الغير اسلامية مهاجمته بعد التحولات التي حدثت للمجتمع المصري و تحول المادة الثانية الي قراّن سياسي يعد المناقشة فيه -كما ذكرت سالفاً - انتحار سياسي .باختصار هذا القسم عبارة عن تمهيد لتطبيق الحدود الاسلامية و هنا نعود الي موضوع تطبيق الحدود الاسلامية. هل يجوز تطبيق الحدود الاسلامية علي غير المسلمين ؟ لو لا يجوز هل سنجعل غير المسلمين يحاكمون بقانون مدني و المسلمين بقانون علي أساس اسلامي ؟ هذا يعني وجود قانونين في الدولة و وجود قانونين في الدولة لم يحدث الا في حالتين (اما نظام التفرقة العنصرية ) أو (أقاليم الحكم الذاتي ) أما الخيار الأول فلا تعليق عليه و أما الخيار الثاني فهو غير وارد في مصر أصلاً فغير المسلمين في مصر ليسوا في مكان واحد ككثير من دول العالم و لكنهم موزعين علي أقطار مصر كلها . و لا ننسي أن كلا الخيارين يعنيان تعزيز الايمان -لا الشعور- بأن غير المسلمين أقلية بمصر يعاملون بطريقة خاصة ، و كل الدول التي بها أقاليم ذاتية يكون انفصال الأقاليم الذاتية عنها مسألة وقت لا أكثر .أما ان كان يجوز تطبيق الحدود الاسلامية علي المسلمين فنحن نري بجوارنا السودان و لكن فالنفكر للحظة ، لو كان الوضع معكوسأ و كان المسيحيون الأكثر و الحدود الاسلامية شريعة مسيحية هل كان المسلمون سيوافقون علي تطبيقها قسراً عليهم و ماذا كان شعورهم حينها ؟، هل المساواة؟ هل المواطنة ؟ هل الحرية ؟ أرجوكم أريد اجابة صادقة من القلب .
و من سيقول الكلام الانشائي عن (قيم الشريعة الاسلامية التي توافقها كل الأديان هي المصدر الرئسي للتشريع) كتفسير ل ( الشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع ) فليعلم أن الدستور ليس كتاباً أدبياً تذكر القيم و المباديء فيه ، و كل كلمة فيه لها معناً واضحاً و صريحاً يطبق بقانون ما.
أما القسم الثالث المبتكر ( لغير المسلمين الاحتكام الي شرائعم في الأحوال الشخصية ) فهو موضوع بجوار ( الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسي للتشريع ) ليس بشكل عشوائي و لكن ل(ارضاء الطرف الاّخر ) فمكانها الطبيعي في قانون الأحوال الشخصية لا الدستور.و هذا يعني أن (الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسي للتشريع ) تطبق علي غير المسلمين الا فيما يخص الأحوال الشخصية ، التي تخضع لشريعتهم الخاصة من قبل وضع دستور 1971 أصلاً. و هنا تتأكد النية علي فرض رؤية الشريعة الاسلامية علي غير المسلمين"
.
و لكن المادة الثالثة بصيغتها الحالية أسوأ من صيغتها
كجزء من المادة الثانية في وثيقة السلمي ؛لأنها تشير إلي المسيحيين و اليهود بشكل
خاص لا "غير المسلمين" و بذلك هي أكثر طائفية من طائفيتها ؛فهي لا تعترف
بحقوق أي مؤمن بغير الديانات السماوية مثل البهائيين أو الملحدين .
هذا الدستور الذي يدعي الكثيرون أن قوي ليبرالية
و مدنية هي التي صاغته و أعطته صبغة ليبرالية مدنية فيه كثير من المواد المعارضة
لجوهر الليبرالية و المدنية. فالليبرالية ترفض تدخل الدولة في الكيان الأسري
تمامًا ، و لكن هذا الدستور (نقلاً عن دستور 2012) يعطي الدولة دورًا في الكيان
الأسري المصري . هذا يظهر صادمًا في المادة 10 التي تنص علي أن " الأسرة أساس
المجتمع و قوامها الدين والأخلاق و الوطنية ، و تحرص الدولة علي تماسكها و
استقرارها و ترسيخ قيمها" . هنا الدستور قرر أن يحدد قوام الأسرة مع أن ذلك
ليس من اختصاص الدستور في شيء و لا اعتقد أن أحدًا منا سيكون الدستور دليله/ا في كيف
يكون / تكون أسرته و علي أي أساس يربي/ تربي أبناءه/ا. و لكن الأطرف من ذلك هو أن
الدستور يقرر أن الدولة "تحرص" علي تماسك الأسرة و قيمها ! ما هو الدور
المنوط بالدولة أصلاً فيما يخص الأسرة ؟ كيف ستحافظ الدولة علي الأسرة ؟ هل من
اختصاصات أحد أفراد الحكومة مثلاً توعية الأم بكيف تحافظ علي قيم أبنائها ؟! بغض
النظر عن كوميدية النص ، النص ضد أفكار الليبرالية التي تفصل الأسرة عن مسؤوليات
الدولة. و استكمالاً لتدخل الدستور في تربية الأفراد تتحدث المادة 24 (المنقولة من
دستور2012)عن فرض اللغة العربية و التربية الدينية و التاريخ الوطني علي مراحل
التعليم قبل الجامعي. من الطبيعي فرض اللغة العربية و التاريخ الوطني ؛لأن ذلك له
علاقة بتشكيل الهوية الوطنية و العربية للنشء المصري ، و لكن فرض التربية الدينية
أمر مختلف. فالتربية الدينية ليست فرضًا للهوية الوطنية أو الحضارية ؛لأن التربية
الدينية مختلفة من شخص للاّخر داخل مصر ، و طبعًا لا يمكن القول أنها مرتبطة
بالهوية الإسلامية ؛لأن التربية الدينية الإسلامية ليست مفروضة علي غير المسلمين.
بمعني اّخر فرض التربية الدينية هو فرض لرؤية واضعي المادة في ضرورة تربية
النشء(باختلاف دياناتهم) علي الدين ، و هذا فرض لرؤية تربوية لا علاقة لها البتة
بالدولة و لكن بالأسرة. الدولة غير مسؤولة عن ضمان تدين الشعب بمختلف دياناته ،
هذا اعتداء من الدولة علي حرية الأفراد في تربية أبنائهم سواء متدينين أم لا. و هي
تثير أزمة للبهائين و غير المؤمنين بالديانات السماوية الثلاث ؛لأنه لن تعترف
الوزارة بتوفير كتب دينهم لهم.
حقوق المرأة في هذا الدستور لا تختلف كثيرًا عن دستور 2012 ( رغم الترويج
الكاذب لعكس ذلك) ، فقط هذا الدستور في المادة 180 نص علي كوتة للمرأة في المجالس
المحلية تساوي ربع المقاعد و في المادة 244 نص علي أن "تعمل الدولة"
لتوفير تمثيل ملائم للمرأة في مجلس النواب القادم. هذان هما النصان اللذان زاد
فيهما جزء لحقوق المرأة. و لكنهما ليسا ضمانان نهائيًا للحقوق السياسية للمرأة كما
يبدوان ؛لأن تمثيل المرأة في المجالس المحلية ليس تمثيلاً سياسيًا مؤثرًا في دولة
مازالت مركزية لا قيمة فيها للمجالس المحلية و لا دور فعال تلعبه. و كلمة
"تعمل الدولة" لا توضح أي إجراء حقيقي سيتخذ لتمثيل المرأة في مجلس
النواب. و رغم أن فكرة الكوتة أصلاً خاطئة ؛لأنها تضمن تمثيل مرحلي لا يتغير و
بمجرد زوال الكوتة لا يعود للمرأة دور إلا أن الدستور لا ينص علي أية اّليات بديلة
لضمان دور سياسي قوي للمرأة. و المادة 11 التي من المفترض أن تتحدث عن المساواة
بين المرأة و الرجل منقولة هي الأخري من دستور 2012 و بها هذه العبارة :" و
تكفل الدولة تمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة و متطلبات العمل."
هذه المادة تعطي الدولة مرة أخري دور ليس لها في الحياة الأسرية ، إن الدولة
مسؤولية عن حماية المرأة من العنف الأسري ( و هو ما لا ينص عليه الدستور!) و لكن
الدولة ليس لها دخل البتة في الحياة الأسرية للمرأة و تنظيمها بين التزاماتها
الأسرية و العملية. هذا (مرة أخري) تدخل من الدولة في الحياة الأسرية و يعارض
مفهوم الليبرالية لدور الدولة.
حقوق المعاقين و المسنين و الطفل المنصوص عليها في هذا الدستور تعد خطوة
جيدة جدًا للأمام.
الدستور بالفعل به باب جيد عن
الحقوق و الحريات و أزيل من نهايته المادة الديكتاتورية الدينية التي تربط الحقوق
و الحريات "بما لا يخالف الشريعة الإسلامية". لكنه به مادة تعد اعتداء
جارفًا علي حق أساسي ؛أنها تكرس لفكرة محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية . المادة
204 تنص علي أنه "لا يجوز محاكمة مدني أمام القضاء العسكري إلا في الجرائم
التي تمثل اعتداء مباشرًا علي المنشاّت العسكرية أو معسكرات القوات المسلحة أو ما
في حكمها أو المناطق العسكرية أو الحدودية المقررة كذلك ، أو معداتها أو مركباتها
أو أسلحتها أو ذخائرها أو وثائقها أو أسرارها العسكرية أو أموالها العامة أو
المصانع الحربية ،أو الجرائم المتعلقة بالتجنيد ،أو الجرائم التي تمثل اعتداء
مباشرًا علي ضباطها أو أفرادها بسبب تأدية أعمال وظائفهم". هذه المادة تبدو
للكثيرين منطقية جدًا ، و لكنها في حقيقتها مادة هزلية! هذه المادة تخل بحق
المدنيين في تلقي محاكمة غير عسكرية ، و لكن الأغرب أنها تساوي في طريقة المساءلة
بين ضابط الجيش الذي يعصي الأوامر أو الذي يرتكب جريمة أثناء تأديته لعمله و بين
المواطن المدني الذي يسرق برطمان زيتون من مصنع صافي ! هذه المادة هزلية تمامًا
؛لأنها لا تؤمن فقط المنشاّت أو الوثائق العسكرية ، و لكنها تحصن عسكريًا كل
المصانع ذات الاغراض المدنية التي تحمل شارة عسكرية. الكارثة الحقيقية وراء هذه
المادة ليست في اعتدائها علي حق المدنيين في محاكمات مدنية و لكن في الرؤية التي
تغرسها. هذه المادة ترسي لفكرة أن كل ما هو عسكري محصن علي كل ما هو مدني. و هي
فكرة خطرة للغاية. إنها تجعل الاعتداء علي ضابط جريمة أكبر من الاعتداء علي موظف
مدني حتي و إن كان رئيس الجمهورية ذاته ، تجعل الاعتداء علي مصنع زجاجات مياه
عسكري أكبر من الاعتداء علي مصنع مياه مدني . المادة تجعل الجريمة في حق المنظومة
العسكرية أكبر منها في حق المواطنين العاديين. هذا ما هو
أبشع من عسكرة الدولة ، هذا هو تقديس العسكرية.
المواد 141 و 164 الخاصة باختيار رئيس الجمهورية و رئيس الوزراء هي ذاتها
منقولة من دستور 2012. هي ذاتها التي تمت معارضتها مرارًا و تكرارًا و التي تفرض
ألا يحمل المرشح جنسية دولة أخري لا هو و لا أبويه و لا زوجه ، و سأعرض ما كتبه عن
هذه المواد في دستور 2012:
" المواد (الأربعة و الثلاثين و المائة ) و (الستة و الخمسين و المائة) و
اللتان تتحدثان عن شروط اختيار رئيس الجمهورية و رئيس الوزراء تنكران حق ملايين
المصريين في مباشرة حقهم السياسي في السعي للوصول إلي المناصب العليا في الدولة
فقط لكونهم ولدوا ليجدوا والديهم قد اختارا حيازة جنسية دولة أجنبية ، أو ؛لأنهم
أحبوا ذات يوم طرف اّخر و اقترنوا به/ا و هو /هي ليس/ت مصري/ة. هل نؤمن أن كل
مصري/ة أباه أو أمه يحمل/تحمل جنسية دولة أخري لا يحمل/تحمل الانتماء و الولاء
الحقيقي لمصر ؟ هل كل من أحب/ت غير مصري/ة و قرر/ت إكمال حياته/ا معه/ا لا يحمل
/تحمل انتماًء حقيقيًا لمصر يعطيه/ا الحق في الترشح لرئاستها ؟ من قال أن من لم
يستطع لا هو و لا أبواه الحصول علي جنسية أخري مهما حاولوا أكثر انتماًء ممن عاش
في مصر و أحبها و هام بها عشقًا و لكن والده/والدته فضل/ت الحصول علي جنسية بلد
أخري؟ هل استطيع أنا أن أتحكم في والدي و منعهما من الحصول علي جنسية بلد أخري
قسرًا بسبب طموحي السياسي إن وجد ؟ هل سيكون من النبل أن أرفض رجلاً ليس مصريًا
نبيلاً يحبني و أحبه لمجرد طموحي أنا السياسي ؟ إن فعلت ذلك سأكون امرأة نذلة تفضل
طموحاتها السياسية علي من يحبها و حينها لن أصلح لرئاسة شركة لا لرئاسة مصر. و لكن
للأسف واضعوا هذه المادة من أؤلئك الذين يفضلون أن يحكم مصر مصري/ة لا يحمل/ لا
تحمل انتماًء حقيقيًا لمصر و لكنهم لم تسمح له/ا الفرصة لا هي/هو و لا أهلهم في
اقتناء جنسية دولة أخري ، و إنكار حق مواطنين مصريين اّخرين قد يكونون أكثر تيمًا
بمصر لمجرد أنهم ولدوا ليجدوا أهلهم يحملون جنسية أخري ."
أريد فقط أن أزيد علي ما كتبه العام الماضي ، أن هاتين
المادتين ما هما إلا نتاج لإيمان راسخ لدي أولئك الذين وضعوها باحتكارهم للوطنية و
ظنهم أنهم يملكون حق التفتيش في ضمير كل فرد و البحث عن مدي انتمائه لهذا الوطن .
هذا هو ذاته منطق المتطرفين الدينين الذين يجدون حقهم التفتيش في ضمائر البشر و
إيمانهم.
المواد 102 و 155 يتحدثان عن حقين للرئيس أراهما غير شرعيين. المادة 102
تعطي الرئيس حق تعيين 5% من نواب مجلس النواب. و أنا أري أن رئيس الجمهورية لا يحق
له كعضو في السلطة التنفيذية أن يختار مجموعة من ممثلي الشعب في السلطة التشريعية.
المادة 155 تنص علي أن "لرئيس الجمهورية بعد رأي مجلس الوزراء العفو عن عقوبة
،أو تخفيفها" هذه المادة هي إخلال بمبدأ
استقلال القضاء و اعتداء علي العدالة . تحقيق العدالة يقتضي ألا يحق لأي فرض في
الدولة (حتي رئيس الجمهورية) التدخل في أحكام القضاء سواء بتشديد العقوبة أو العفو
عنها أو تخفيفها أبدًا. العدالة تقتضي أن يكون القضاء وحده صاحب الحق في تقدير
العقوبة المناسبة لمن تثبت إدانته بدون أي تدخل من أي طرف.
لدي اعتراض علي المادتين 152 و 154 ؛لأنهما تتحدثان عن إجرائين شديدي
الخطورة هما "فرض الطوارئ" و "إعلان الحرب" ، و لا تتحدثان عن
استفتاء شعبي قبل هذين الإجرائين. المادة 152 تمنح رئيس الجمهورية الحق في إعلان
الحرب إن لم يكن مجلس النواب قائمًا بدون موافقته أو استفتاء شعبي بمجرد موافقة
مجلس الوزراء و مجلس الدفاع الوطني والمجلس الأعلي للقوات المسلحة! هذه المادة
كارثية ، و قد تهلك هذا الوطن. حياة المواطنين المصريين ليست لعبة في يد حاكم و حكومته
و جيش الوطن. المواطنون حق لهم في أن يقرروا إن كانوا سيعرضون حياتهم للخطر في حرب
أم لا. من الأولي أن يتم استفتاء الشعب علي الحرب من استفتائه علي المعاهدات كما
تنص المادة 151. لا يمكن أن يظن الجيش و الحاكم/ة أن من حريتهما التصرف في حياة
الشعب بهذا الاستهزاء . إن لم يكن هناك مجلس نواب قائم فلا يجب أبدًا إعلان الحرب
بدون استفتاء الشعب ؛لأن الحرب تمس حياة المواطنين ، و تعرض الوطن لخسائر مادية و
بشرية و معنوية عارمة. المادة 154 تتحدث عن فرض حالة الطوارئ و تكتفي بموافقة مجلس
النواب بدون استفتاء و هي بذلك خطوة للوراء من دستور 2012 الذي كان ينص علي ضرورة
استفتاء الشعب علي إتخاذ هذا الإجراء القمعي الذي يقيد الحريات و يقوض الحقوق قبل
تنفيذه.
المادة
35 عن الملكية الخاصة تنص علي أن " لا تنزع الملكية إلا للمنفعة العامة و
مقابل تعويض عادل يدفع مقدمًا وفقًا للقانون" ، هذه المادة ما هي إلا امتداد
لفكرة التأميم الظالمة . "منفعة عامة" تعبير مطاط جدًا و يمكن استغلاله
بطرق ملتوية لاغتصاب حقوق أصحاب رأس المال و تجريدهم من ممتلكاتهم التي عملوا
طويلاً لبنائها.
المواد الانتقالية بعضها جيد و البعض الاّخر شديد السوء. المادة 234 تكرس
لفكرة كارثية ، فهي تجعل تعيين وزير الدفاع "بعد موافقة الجلس الأعلي للقوات
المسلحة" لفترتين رئاسيتين ، هذا تكريس لفكرة خطرة و هي ضعف لسلطة الحاكم
المدني أمام السلطة العسكرية في الدولة و هو تقويض لمدنيتها. عندما يصير رئيس الجمهورية عاجزًا (و لو مجرد
فترتين رئاسيتين) من اختيار وزير الدفاع و السيطرة عليه و مقيدًا في هذا الاختيار
من سلطة عظمي عسكرية ، هذا مرة أخري وضع للسلطة العسكرية فوق الكيان المدني . هذا
يتصادم بشدة مع أسس الدولة المدنية و الديمقراطية.
المادة 237 تنص علي التزام الدولة بمكافحة الإرهاب. الغريب ليس نص المادة و
هو ربما نص عادي،و لكن الغريب هو كونها مادة انتقالية. وضعها كمادة انتقالية يثير
التساءل حول دلالة ذلك. فإن كان الغرض من المادة بيان مسؤولية الدولة في حماية
المواطنين من الإرهاب ، فهو التزام دائم علي الدولة ، و لكن إن كان المقصود هو أن
تكون هذه الفترة متسمة بطابع استثنائي لضمان تحقيق التزام الدولة بمكافحة الإرهاب
، فهذا المبدأ خطر جدًا و مطاط.
المادة 225 (منقولة من دستور 2012) بها العبارة الاّتية:" و لا تسري
أحكام القوانين إلا علي ما يقع من تاريخ العمل بها ، و مع ذلك يجوز في غير المواد
الجنائية و الضريبية ، النص في القوانين علي خلاف ذلك ، بموافقة ثلثي أعضاء مجلس
النواب" ، و هذا هو ما كتبته عن هذه العبارة
في دستور 2012 :
المادة الثالثة و العشرين و المائيتان تنص علي
أنه يجوز " في غير المواد الجنائية و الضريبة " النص علي أن تسري أحكام
القوانين علي ما يقع قبلها بموافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب.هذه المادة شديدة الخبث
؛ فهي –في رأيي- تقصد ( الجرائم السياسية) وإن كان الأمر كذلك فهي مادة شديدة الخطر
و لم ينتبه لها أحد ، فهي تخل بجميع الأعراف الدستورية و القانونية في العالم و
تسمح بمحاكمة المتهمين بأثر رجعي في الجرائم السياسية ، أي أن يصدر قانون جديد عن
الجرائم السياسية يطبق علي من تثبت عليهم الجرائم السياسية في السابق ، و هذا هو
منبع الفساد التشريعي و السياسي فهو يفتح الباب لتفصيل القوانين التي تحاكم كل
سياسي بأثر رجعي ، و هذا القانون قد يستخدم الاّن لتصفية رموز النظام السابق و
محاكمتهم سياسيًا و لكنها ستكون مستقبلاً وسيلة مثلي لتهديد و ترهيب و ربما تصفية
الرموز السياسين بتفصيل قوانين يتهمون بالفساد السياسي و يحاكمون علي أساسها بأثر
رجعي
المادتان 236 و 240 ليس من المفترض أن
تكونا مادتين انتقاليتين . المادة 236 تنص علي أن "تكفل الدولة وضع خطة
التنمية الاقتصادية و العمرانية الشاملة للمناطق الحدودية و المحرومة و منها
الصعيد و سيناء و مطروح و مناطق النوبة" و تضع سقفًا زمنيًا يقدر بعشر سنوات.
هذه المادة رائعة و لكنها لا يجب أن تكون بعقلية مادة انتقالية لفترة محددة ؛لأن
"المناطق المحرومة" يجب أن تكون جزًء من الدولة و جزًء من خطة تنميتها ،
لا أن تنعزل عنها ، و يتم تنميتها وحدها لفترة انتقالية فقط. تنمية هذه المناطق
يحب أن يكون سياسة دائمة للدولة متوازية مع سياستها الدائمة لتنمية مصر بأكملها.
المادة 240 تنص علي أن "تكفل الدولة توفير الإمكانيات المادية و البشرية
المتعلقة باستئناف الأحكام الصادرة في الجنايات ، و ذلك خلال عشر سنوات من تاريخ
العمل بهذا الدستور، و ينظم القانون ذلك"، فكرة توفير الدولة للدعم لاستئناف
أحكام الجنايات ليست فكرة انتقالية و لكنها يجب أن تكون منهجًا ثابتًا للدولة.
باختصار ، إنه دستور مائل إلي الدينية و
المحافظة و العسكرية و يروج له كذبًا كدستور ليبرالي مدني. و كعلمانية رافضة
للهوية الدينية للدولة ، و كليبرالية رافضة بتدخل الدولة بحياة الفرد و رافضة
لتقديس العسكرية ، سأرفض هذا الدستور.
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق