(هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة).
التحول لدولة القمع يتم تدريجيًا في مصر
الاّن، بدأ بسلب حرية التظارهر و الاعتصام التي دفع المئات بل ربما الاّلاف حياتهم
ثمنًا لانتزاعها ، ثم مضي لقمع حرية الدعوة الفكرية بالخطب الدينية أو بحمل
اللافتات أو حتي بتوزيع الملصقات ثم الاّن يباشر واحدة من أقوي حملاته
"السيطرة علي الكلمة".
الكلمة هي
الوسيلة الوحيدة التي اّمن الفلاسفة منذ أرسطو أنها تحترم العقلية و المنطق
البشريين . الكلمة وحدها ترقي بالإنسان تجعل الإيمان حقيقيًا ، وحدها الكلمة تخلق
إنسانًا حرًا . الإقناع وسيلته الكلمة ، أما الإجبار وسيله العنف الحيواني ، و
الرشوة وسيلتها الإغراء الوضيع ما بين ضعف الإنسان و طابع الحيوان.
النظام
الاّن يعلم جيدًا قوة الكلمة ، و بعد أن استغلها لتحقيق ماّربه في صناعة " المنقذ"
و تضخيم العدو المرعب "الإخوان" يعمل في ترويضها و السيطرة عليها بحبل يشده
و يرخيه وقتما يريد. النظام يفعل ما فعله بحرية التظاهر، النظام الحالي جاء
بمظاهرات مليونية و أول قراراته فور الوصول كانت سلب حق التظاهر السلمي الذي جاء
به. و الاّن بعدما شارف دور الإعلام علي الانتهاء و توطيد دعائم النظام بوصول
"السيسي" للسلطة بعد أشهر من تطبيل الإعلام و تضخيم البعو الإخواني حان
وقت سلب الحرية التي جاءت بالنظام.
كيف يصدر
ميثاق الشرف الإعلامي من وزارة الإعلام ؟
كيف يصدر
من الحكومة ؟
ميثاق الشرف
الإعلامي في صورته العالمية لا يصدر من حكومات بل يصدر من الإعلاميين ؛لأنه ليس
قانونًا كقوانين البث داخل حدود الدولة التي تنفذها الحكومة ، و لكنه مجموعة
مباديء عامة يتوافق عليها الإعلاميون ، و يلتزمون بها من وازع أخلاقي لا قانوني. القيم
لا تحددها الدولة ، الحكومة معنية بتطبيق القانون لا بفرض القيم ، القيم المهنية
شيء يتوافق عليه أهل المهنة لا تفرضه الحكومة ، و إلا وجب تعريفه باسمه السليم
"قانون" لا "ميثاق شرف".
أولاً:الأمن
القومي:
المادة :" تقديرنا واجب لمقومات الأمن القومي المصري و وحدة الوطن و سلامة أراضيه."
المادة :" تقديرنا واجب لمقومات الأمن القومي المصري و وحدة الوطن و سلامة أراضيه."
عانينا عقودًا طويلة من القمع باسم حماية
"الأمن القومي" الذي يتم نحته بسهولة ليأخذ شكل حماية كل نظام يحكم. مع
الوقت لا نفكر ب"القومي" علي أنه يرمز ل"الشعب المصري" بل
نفكر فيه علي أنه يرمز للرموز الوطنية التي نعتبرها "النظام الحاكم". و
مع الوقت تصيرمهاجمة النظام تهديد ل"الأمن القومي" ؛لأنها تهدد النظام.
و لكن حتي و إن لم يتم الربط ما بين الأمن القومي و أمن النظام الحاكم ؛فإنه يمكن
استغال عبارة حماية "الأمن القومي" لمهاجمة كل فكرة و كل كلمة يتم
تفسيرها علي أنها تهدد "وحدة الوطن و سلامة أراضيه" مثل الحديث عن حقوق
أهل النوية أو أهل سيناء و التي يتم التعامل معها علي أنها تهديد بالإنفصال يهدد
"سلامة أراضي الوطن" و كتهديد ل"وحدته".
ثانيًا:"الدين":
المادة: "الامتناع عن بث ما يسيء إلي الذات
الإلهية أو الأديان السماوية و الرسل و المذاهب و الرموز الدينية و الالتزام بالقيم
التي تحددها الأديان السماوية و الامتناع عن تقديم الدعوات الإلحادية أو تحبيذ
أعمال الشعوذة."
كانت هناك
مادة في دستور 2012 تشابه هذه المادة بل تأخذ منها ذات التعبيرات و تم حذفها في
دستور 2013 ؛لأنها هوجمت بضراوة من من يسمون "الليبراليين".
الإهانة
بوجه عام لمقدسات الاّخرين سلوك مرفوض تمامًا حتي في الدساتير الأكثر ليبرالية ،
نظرًا ؛لأن الإهانة تعد اعتداء علي الاّخرين ،و لكن هناك فارق كبير ما بين الإهانة
و النقاش و النقد. و يجب أن يكون رفض الإهانة موجه بشكل عام ضد الديانات السماوية
وغير السماوية ؛لأنه حتي الديانات غير السماوية هي مقدسات لأشخاص الاعتداء عليها
بالتجريح مؤذي لهم. أما الرموز الدينية فهي أشخاص يمكن لهم رفع قضايا دفاعًا عن حقهم
كأشخاص لا كرموز في عدم إهانتهم.
هذا في
شأن الإهانة أما النقد و النقاش فيجب أن تتاح فرصته. النقاش حول الأديان السماوية
و غير السماوية وحتي الإلحاد (الذي يرفض الميثاق الدعوة له) حق و حرية. ألم يكن
ديدات يناقش الديانات السماوية بحرية ويعرض وجهة نظر الإسلام بشكل منطقي محترم لا
يهين أهل الديانات الأخري؟ هل عرض نقاشات ديدات يمثل إساءة للمسيحية؟ و بشكل موازي
فإن أي حوار أو نقاش فكري منطقي موضوعي يتعرض للإسلام بالانتقاد لا يمثل إهانة أو
إساءة للإسلام و لذلك لا يفترض منعه أو محاسبة صاحبه/صاحبته عليه.
النقاش
حول الإله أو الأديان حق و حرية لكل فرد ،حق كل فرد أن يسمع/تسمع أراء مختلفة
عقائدية و دينية –بما فيها رفض وجود الإله- ليشكل/تشكل فكرته/ا الحرة عن العقيدة و
الفقه الصحيحين.ومن حق و حرية كل فرد التعبير عن العقيدة و الفقه اللذين يؤمن/تؤمن
بهما و عرض رأيه/ا في العقائد الأخري ما دام/ت لم يهن/تهن العقائد الأخري و رموزها
و أهلها. حتي الإلحاد هوعقيدة فكرية يجب احترام متبعيها و عدم إهانتهم و السماح
لهم بالاشتراك في النقاش العقائدي و الفكري باحترام و دون إهانة لأي عقيدة ،أو
أهلها.
أحد أهم
أدوار الإعلام هي عرض الأراء الفكرية –ومنها- الدينية المختلفة و انتقاداتها
لبعضها حتي يتم الحوار العقائدي الفكري الإنساني الحر المحترم للاختلاف.
أما الجزء
الخاص ب"الاتزام بالقيم التي تحددها الأديان السماوية" فهو جزء مطاط
قمعي اّخر يمثل قمع الحرية و فرض التدين علي الأفراد جبرًا. بغض النظر عن تعارض
ذلك مع الحرية الفردية الدينية فإنه يمثل نافذة واسعة للقمع باسم الدين، وفرض قيم
الديانات السماوية حتي علي الأفراد الذين لا يؤمنون بها مثل البهائيين و هو شكل من
أشكال التمييز.
ثالثًَا: القيم الاجتماعية: "مهمتنا ترتبط بضمير الشعب و تكتسب
شرفها من ولائها للحقيقة و تمسكها بالقيم الوطنية و الدينية و الأخلاقية
للمجتمع المصري و محافظتها علي اللغة العربية."
"للإعلاميين حرية الإبداع و تشكيل المحتوي الإعلامي
في إطار من المهنية و الذوق و الأخلاقيات و الاّداب العامة."
"احترام القيم المثالية للعائلة و الامتناع عن عرض
مشاهد تتنافي مع الاحترام الواجب للوالدين ما لم يقصد بها الموعظة الحسنة."
"الامتناع عن بث المشاهد الخليعة أو الخارجة عن
اللياقة و الحشمة أو العبارات أو الإيحاءات أو الإشارات أو المعاني البذيئة أو
الإباحية و الجنسية الفجة التي تخرج عن الذوق العام أوتتسم بالسوقية."
حماية القيم الاجتماعية من أكثر النقاط التي
تكررت في المقترح. حماية القيم الاجتماعية مسألة فضفاضة جدًا و يصعب تحديدها. و
لكن حتي و إن كان ذلك ممكنًا فإنه قمع الفرد من جانب المجتمع في أسوأ صوره تكمن في
خرس المجتمع لصوت الفرد و حقه/ا في التعبير عن أراء مرفوضة اجتماعيًا. المجتمع ليس
كيانًا مثاليًا بل ربما يمكن وصفه في أوقات و ظروف كثيرة باللإنساني و اللاأخلاقي.
المجتمع لقرون طويلة رفض حرية المرأة و اّمن بالقمع و العبودية. لوعدنا بالزمن
للوراء لوجدنا أن قاسم أمين و حتي محمد عبده مثلا حركات مرفوضة اجتماعيًا و راّها
المجتمع حينها دعوة للخروج علي "الاّداب العامة" و "القيم الدينية
و الأخلاقية" . تغيير المجتمع يتطلب حوار فكري و نقاش يتم في عصرنا الحالي عن
طريق وسائل الإعلام، لنشر الأفكار الاجتماعية و الأخلاقية المختلفة عن النمط
السائد في المجتمع. قمع حرية الفرد في عرض الأراء الفكرية المرفوضة اجتماعيًا و
أخلاقيًا (طبقًا لمعايير المجتمع) هي بمثابة تحصين للكيان الاجتماعي بكل ما فيه من
قيم نبيلة من ناحية و لكن من ناحية أخري من عور و ظلم ،علاوة علي سلب حق و حرية
الفرد لأجل تقديس فكرالمجتمع.
ما
تعريف "الموعظة الحسنة"؟
ما معني
هذه العبارة؟
الموعظة الحسنة فكرة نسبية جدًا ؛لأن ما هو حسن أصلاً
شيء نسبي. هذا النص يذكرني بمشهد مواجهة الأب للابن في فيلم"اسرار
عائلية" ، هذا المشهد يمثل خروج علي القيم الاجتماعية للحديث للأبوين ، لكن
يمكن تفسيره علي أنه يهدف للموعظة الحسنة عن ضرورة وجود الأب في العائلية و يمكن
تفسيره علي أنه لا يؤدي لأي مواعظ حسنة. أحد
الأفكار الاجتماعية هي طريقة الحوار بين الأبوين و الأبناء و هي فكرة اجتماعية
كغيرها قد تكون صوابًا أو خطأ و يحق لكل فرد رفضها و انتقادها و الدعوة الفكرية
الاجتماعية لتغيير أسلوبها ، كجزء من الحوار حول القيم الاجتماعية.
المادة
المتحدثة عن الامتناع عن عرض مشاهد أو عبارات معينة مادة بلا قيمة نظرًا لوجود مادة
عن التصنيفات العمرية للأفلام و المسرحيات و المواد الفنية، يمكن توسيع الدائرة
التي تغطيها المادة لتشمل كل المحتوي الإعلامي بوجه عام بدلاً من المنع.
رابعًا: الإحباط:
المادة: "البعد عن إثارة الشك و الشائعات و الأأخبار
الكاذبة و عدم إذاعة ما يدعو للإحباط أو تثبيط الهمم و الروح المعنوية
للشعب."
هذه
المادة شديدة الغرابة ؛لأنها تقريبًا كفيلة دونًا عن غيرها بحذف كل محتوي وسائل
الإعلام، فيمكن تعريف نشرة الأخبار بأنها "تدعو للإحباط و تثبيط الهمم و
الروح المعنوية للشعب" ، يمكن تعريف
مجرد نشر أخبار عن وفيات أو إصابات أو أزمات مالية أو حتي إنقطاع الكهرباء بشكل
متكرر بأنها أمور تثير الإحباط. يمكن تعريف كل كتابة كئيبة أو حتي فيلم عن
العشوائيات و الفقراء كأمور تثير الإحباط و تثبط الروح المعنوية للشعب".
و أخيرًا
يأتي في الميثاق الجزء الخاص بتطبيقه حاليًا قبل تشكيل المجلس الأعلي لتنظيم
الإعلام ليكون كارثة الختام:
"لضمان
تطبيق الميثاق يلزم-مبدئيًا- تشكيل مجموعة مصغرة من إعلاميين مرموقين و من شخصيات
عامة تحظي بقبول شعبي تكون مهمتها تلقي شكاوي انتهاك الميثاق طبقًا لمبادئه و
مراجعتها لإقرار الانتهاك من عدمه."
"كما
يلزم تحديد عقوبات سابقة من جانب نفس المجموعة أو اللجنة المصغرة لتوقيعها علي
المخالفين لميثاق الشرف الذين يجب أن يتحدد من البداية من هم (مالك الوسيلة
الإعلامية أو مديرها أو الإعلامي ذاته)، علمًا بأنه بالقوانين المصرية الحالية
العديد من العقوبات المتصلة بما يمكن تسميته بجرائم الإعلام كالسب و القذف و
التعرض للحياة الشخصية و التشهير..إلخ التي يمكن الاستناد إليها في الفترة
الانتقالية لحين تشكيل مؤسسة إعلامية دائمة."
كيف يمكن
إعطاء سلطة المحاسبة الأخلاقية للإعلاميين ل"مجموعة مصغرة من إعلاميين
مرموقين ومن شخصيات عامة" غير منتخبة من الإعلاميين ؟
من الذي
يعطيها هذه السلطة ؟
إن كانت
الحكومة فتلك كارثة تمثل السلطوية بفجاجة.
من
الذي يعطيها هذه السلطة؟
هذه هي بعض مواد الميثاق و التي
تكشف عن القمع القادم للإعلاميين باسم العبارات المطاطة "الدين"
،"القيم الاجتماعية" و "الأمن القومي".
الرابط المعتمد عليه كمصدر لمواد الميثاق:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق