الجمعة، 20 يونيو 2014

الحريات الدينية بين الدولة الليبرالية و العلمانية و القمعية

     (هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة).

     نموذج الدولة العلمانية قائم علي رفض التداخل بين الدولة و الدين. الدولة العلمانية لا يتدخل فيها السياسيون في الحريات الدينية للأفراد، و لا يتدخل رجال الدين في السياسة. الدولة العلمانية تأبي العدوان علي الحريات الدينية لأي فصيل ديني و تعتبره تدخل من السياسة في الدين، و ترفض أي شعار سياسي ذي مرجعية دينية و تعتبره زج للدين في السياسية. الدولة العلمانية ليست أبدًا دولة قمعية تعتدي علي الحريات الدينية. الاعتداء علي الحريات الدينية ضد مباديء العلمانية؛ لأنه يمثل تدخلاً من رجال السياسية في الحريات الدينية.
       نموذج الدولة الليبرالية قائم علي الحرية و المساواة. و يتصادم تمامًا مع أي صورة من صور الاعتداء علي أي حريات شخصية أو سياسية و منها الحريات الدينية.  الدولة الليبرالية لا تقبل بقيام أي تقييد لأي حريات، بما في ذلك الحريات الدينية. الدولة الليبرالية تحفظ حقوق الأفراد في ممارسة شعائرهم الدينية، و في الدعوة لدينهم.
       نموذج الدولة القمعية نموذج يتشكل طبقًا لأيديولوجيتها. بعض الدول القمعية تفضل ترك الحريات الدينية كجزء من الحريات الشخصية و الاكتفاء بالتضييق علي الحريات السياسية، و بعضها يطلق الحريات الدينية لدين بعينه دون دياناتٍ أخري، غالبًا بسبب كونها دولة قمعية دينية أو دولة قمعية تمارس القمع ضد الأقليات، و بعضها يقمع الحريات الدينية  لكل الفصائل الدينية بجوار قمعه للحريات السياسية لخوفه قوة الدين السياسية.
        النموذج الحالي بمصر نموذج قمعيٍ تتشكل ملامحه. هو الآن يشن هجمة علي الحريات الدينية غالبًا خوفًا من قوة الدين السياسية خاصة و قد استغلته تيارات الإسلام السياسي من قبل في زيادة قاعدتها الشعبية ،و في الترويج لنفسها، و في مهاجمة معارضيها. هذه الهجمة هي اعتداء صارخ علي الحريات الدينية للأفراد بمصر، فقد أغلقت الكثير من المساجد أمام المصلين، و منعت الدروس الدينية و حاليًا تشن هجمة علي الملصقات الدينية علي السيارات و حتي داخل المساجد ! هذا الاعتداء الصارخ علي الحريات الدينية لا يتم حتي في الدول العلمانية المتطرفة التي انتهجت خطًا قمعيًا ضد قيم العلمانية و تفرض فصل الدين عن الحياة. فهذه الدول مثل فرنسا لا تتدخل إطلاقًا في ما يلصق داخل المسجد.

         لا يمكن لأي ليبرالي/ة، علماني/ة، أو لأي مدافع عن الحريات الدينية أن يقبل/تقبل بحملة الاعتداء علي الحريات الدينية التي تمارس من قبل السلطة. لا يمكن القبول بها إلا إذا خنا قيم الحرية.

السباحة

    ماما لم ترض أبدًا أن تجعلني أتعلم السباحة؛لأنها تخاف عليَ، لكنها أخيرًا، وافقت، ليس هذا و حسب بل وجعلتني أنزل حمام السباحة في الجزء العميق مع كابتن عاصم مدربي الجديد!
     كابتن عاصم يضايقني أحيانًا؛ لأنه يصيح بي، لكنه يقول عني أني شجاعة لم أخف من المياه مثل الأطفال. السباحة جميلة، في البداية لم أصدق كابتن عاصم عندما قال أنني لن أغرق إن تركت أسوار الحوض و دفعت الماء بقدمي و يدي كالعجلة، و لكنني عندما جربت، لم أغرق، وقفت وسط الماء!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
       مرنا قالت لي أن الفكرة كلها في السباحة ألا أخاف. مرنا معها حق، فعلاً عندما لا أخاف أجد العوم سهلاً جدًا. كابتن عاصم علمني عومات غريبة جدًا، هناك عومة تسمي الضفدعة، أجل الضفدعة ! ماما تقول أنني أعومها بطريقة تجعلني أبدو كالكلب لا الضفدعة ! أنا لست كلبًا ، أوووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووف!
          تعرفت علي فتاة في مثل عمري اسمها وردة. وردة قالت لي أنها تريد أن تصير رسامة، و لكن والدها يريدها أن تصير طبيبة. أخبرتها أنها يجب أن تسعي وراء حلمها، زرعتي لن تنمو إلا بمن يسقونها بأحلامهم التي يؤمنون بها لا بأحلام لا يصدقون فيها. لوفي رفض أن يسير وراء حلم جده أن يصير ضابط بحرية مثله، و سار وراء حمله أن يصير زعيم القراصنة.
            وردة سخرت من عومي هي الأخري وقالت عنه إنه "عوم كلابي". غضبت جدًا من وردة، و أخبرتها أنني عندما أتعلم العوم تمامًا سأباريها في المياه العميقة و سوف أغلبها.
              لوفي لا يستطيع العوم، و كاد يهزم من قبل بسبب ذلك. أصدقاء لوفي هم من يقومون بإنقاذه. أنا سأكون سباحة ماهرة حتي استطيع أن أنقذ أصدقائي.
              السباحة تشعرني أنني أقوي،و علمتني أشياء كثيرة. تعلمت أن الخوف وحده يجعلنا نهزم. في السباحة، مجرد دفع الماء يكفي للصمود علي سطحه، و لكن من يخافون غالبًا يغرقون؛ لأنهم لا يستطيعون دفع الماء بهدوء. زرعتي ربما لا تحتاج منا مهارة فائقة لنرويها و نجعلها تكبر و تعلو، ربما أهم ما تحتاجه منا ألا نخاف. مجرد عدم خوفنا يجعلنا قادرين علي أن نقاوم و نجعلها تقاوم. مجرد عملنا بجد بعد ذلك يجعلنا قادرين علي أن نجعلها تكبر وتعلو أكثر و أكثر و تصير أعلي زروع العالم.
               السباحة علمتني أنني أصير أقوي ، و أكثر إتقانًا خطوة خطوة. عندما بدأت لم استطع أن أقف حتي في المياه العميقة، لكنني الآن استطيع أن أسبح بطرق مختلفة، حتي و إن لم تكن سباحتي متقنة الآن و لكني أصير أكثر إتقانًا في كل حصة أكثر. كابتن عاصم قال لي أنه سيتركني المرة القادمة أنزل إلي المياه العميقة وحدي دون أن يكون معي. أنا متحمسة جدًا جدًا جدًا لحصتي القادمة.

                سأصير أكثر إتقانًا في سباحتي خطوة خطوة، و سأصير قادرة أن أنقذ أصدقائي إن احتاجوا إليَ. كابتن عاصم قال لي أنني تخطيت التحدي الأصعب ألا أخاف من المياه.                  



السبت، 14 يونيو 2014

الشرطة كجماعة وظيفية

  ( هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة ).

  عام 2002 أنتج فيلم برازيلي اختير ضمن أفضل أفلام وثائقية عالميًا يسمي "الحافلة 174". الفيلم تناول واقعة حدثت عام 2000 في البرازيل عندما احتجز واحد من أولاد الشوارع رهائن في حافلة تحت تهديد السلاح ليجذب الأنظار إلي قضية مذبحة اركتبها الأمن ضد أولاد الشوارع في البرازيل قتل خلال أحد عشر طفلاً. الفيلم يتحدث عن التعامل الأمني مع ظاهرة أطفال الشوارع، و لكن أعمق ما في الفيلم هي عبارة المخرج الأخيرة. المخرج يقول أن البرازيليين يكرهون أولاد الشوارع و يودون التخلص منهم، و الشرطة بالنسبة إليهم هي القائم بهذا الدور دور لا يريدون أن يفعلوه بأيديهم ، و يحتاجون من يفعلوه لهم، و هو الشرطة.
     بعيدًا عن موضوع الفيلم و قصته المأساوية التي تحكي واقعًا مريرًا إلا أن الفيلم ينبه لفكرة كارثية قابعة في اللاوعي الجمعي للمجتمعات التي تصفق للحلول الأمنية. الفكرة الكارثية هي "الشرطة كجماعة وظيفية". عبد الوهاب المسيري تحدث عن استغلال اليهود كجماعة وظيفية في الغرب في القرون الوسطي . اليهود كانوا جماعة تعيش علي الربا، الربا الذي احتقره المجتمع الغربي في القرون الوسطي و لكنه احتاج إلي مجموعة تؤديه، و هنا ظهر اليهود كجماعة وظيفية. باختصار الجماعة الوظيفية هي مجموعة تؤدي العمل الذي يحتقره المجتمع و لكنه يحتاج إليه أو يريده علي الأقل.
       الشرطة دورها الأخلاقي المقبول بل المحترم اجتماعيًا هو أن تتصدي للمجرمين، و تحفظ أمن المواطنين، و تساعد في الإمساك بالمجرمين ليمثلوا بين يدي القضاء. أما الشرطة كجماعة وظيفية تقوم بدور غير أخلاقي لا يقبله المجتمع، و لكنه يريد من يقوم به، هي جهاز أمني مهمته القضاء علي فصيل أو فصائل بعينها لا يحبها المجتمع، و يراها تهددًا أمنه لمجرد وجودها، احتياجها أو هويتها. الشرطة حينها تصير محض أداة قمع، أو ظلم لا في يد حاكم أو نظام بل في يد مجتمع بأكمله. علي سبيل المثال إن أراد مجتمع متدين أن يتخلص من الملحدين، و لا يستطيع القضاء عليهم بيديه، تصير مهمة الشرطة أو أحيانًا جهاز أمني أخر هي قمع، و ظلم و تعذيب و سجن و قتل الملحدين. الشرطة حينها تصير جماعة وظيفية مهمتها التخلص من الملحدين دون أن يضطر المتدينون المدنيون أن يلوثوا أيديهم بدماء الملحدين.
      يمكن تحليل ما يحدث في مصر الاّن من انتهاكاتٍ تقوم بها قوات الأمن إلي تحويل لوظيفة الشرطة من جهاز أمني للتصدي للمجرمين، إلي أداة في يد نظام قمعي ثم إلي جماعة وظيفية يستغلها المجتمع للقضاء علي المختلفين معه سياسيًا، دينيًا، و أخلاقيًا. عمق الكارثة في تحول الشرطة من جهاز أمني يكافح المجرمين إلي أداة في يد نظام قمعي ثم أخيرًا جماعة وظيفية يكمن في أن جهاز الشرطة قد ينحدر تدريجيًا في مرحلة ما إلي مجرد مقصلة في يد نظام أو مجتمع فاشي يريد التخلص من فصيل أو فصائل بعينها لمجرد هويتهم و اختلافهم. الخطر الحقيقي هو اندراجه إلي مستنقع جهاز هتلر الأمني، ضلوعه في هولوكست جديد.

      

الجمعة، 6 يونيو 2014

لن أترك قلمي

 (هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة ).

      ربما ظننتني خفت فعدوت بعيدًا، و تركت قلمي خلفي، و توقفت عن التدوين. ربما ظننتني قلقت من خبر مراقبة الشبكة العنكبوتية أو ارتعبت أن يصير مصيري كثلاثة و أربعين ألفًا من الشباب و الفتيات و الأطفال في معتقلات و سجون النظام الإجرامي القمعي الحالي وأن أواجه الاغتصاب أو التعذيب أو "الإجراء الروتيني" –كما يراه السيسي- المسمي كشوف العذرية.
     ربما ظننت الخوف هزمني، و قمعوا به قلمي، أو ربما ظننت أن اليأس غلبني، و جعلني أودع قلمي قائلة أن لا شيء سيغير.
     لكني لن أترك قلمي مهما حدث، لا للخوف و لا لليأس. أنا يئست في لحظة، و كنت علي شفا الانتحار بسبب ما حدث و يحدث و قد يحدث. تألمت و جرحت وبكيت و لطمت خدي و كدت أمزق ثيابي و أنا أبكي ؛لأنني أعيش اللاإنسانية. أعيش الرقص وسط الدماء، و التصفيق للقمع، و التهليل للقتل قبل القاتل. أعيش صناعة الإله، أعيش بناء أركان دولة القمع، أعيش النسخة المصرية من فاشية الشعب الألماني و عبوديته لهتلر. أعيش القمع، أعيش الطغيان، و لكن الشيء الوحيد الذي كاد يدفعني لليأس كان اللاإنسانية.
      رأيت حولي أصدقائي تعتقل عائلاتهم و أصدقاؤهم، بل يواجهون أنفسهم خطر القتل و التعذيب و الاعتقال. سمعت منهم حكايات مقززة، و مستفزة، و مخيفة عن اغتصابات و تعذيب و قتل وحشي، و دعم شعبي لكل ذلك. لا أنكر أنني في لحظات يتسرب إليَ الخوف، لكن الخوف لم يوقفنِ، لم يجعلن أتراجع أو أيأس، ما دفعني نحو اليأس هو اللاإنسانية التي رأيتها و سمعتها و عشتها. واجهت من برروا قتل الأطفال باسم محاربة الإرهاب.
         ربما يئست و لكني بطابعي مهما يئست لا أتراجع، أؤدي واجبي حتي إن اّمنت أنه لا أمل. ربما خفت لكني لم و لن أسمح للخوف يومًا أن يجعلني أتراجع عن قلمي. قلمي روحي، حلمي، شرفي، أنا، لا يمكنني أن أخسر قلمي بالخوف، و إلا فقدتني. مهما حاولوا تخويفي، بل مهما خفت، لن أترك القلم.
         بعدت عن الكتابة المقالية لفترة؛ و أتجهت إلي كتابة القصة القصيرة التي أفتقدتها طويلاً. لا أملك سلطانًا قويًا علي قلمي، هو يختار متي أكتب ماذا. و خلال هذه الفترة ركزت في النشاط السياسي و في دراستي، لم أكن أملك ميلاً علي الكتابة المقالية. لا أعرف كثيرًا ماذا أكتب، هل أتحدث عن انتهاكاتٍ و جرائم للنظام الإجرامي القمعي الذي نعيش تحته الاّن و انتقده ؟ لم أجد سببًا لذلك كلنا نعرف جرائمه حتي أغلب مؤيديه. هل أتحدث عن نظريات سياسية و عن أفكاري السياسية و الاجتماعية ؟ ستكون نظرياتٍ بعيدة عن الواقع؛ لأن النظم القمعية لا تسمح بالتفكير أو بالنقاش حول الأفكار علي اليمين أو علي اليسار. النظم القمعية لا تقبل أن يكون هناك أحد علي يمين إتجاهها أو يساره، الكل يجب أن يكون خاضعًا لنظامها لا يميل مليمتر واحد لفكرة أكثر تحررًا أو أخري أكثر تشددًا.
         لكنني لن أترك الكتابة سأظل أكتب و إن كنت لا أعرف ماذا سأكتب. سأكتب أفكاري و أقاوم حتي و إن بدت بلا قيمة، و نظريات غير قابلة للتطبيق خلف أسوار الدولة القمعية. تلاشي الحوار السياسي بمصر بين الأفكار و النظريات السياسية و الاجتماعية و الدينية ليحل مكانه صراع بين الدولة القمعية و أصوات شباب و فتيات تربوا علي حلم الحرية و لم يقبلوا بالتنازل عنه. كنت أكتب وسط بيئة مثلي للحوار السياسي بين مختلف الأفكار عقب 25 يناير. كتبت باسم فكري السياسي الخليط بين العلمانية و اليسارية و الليبرالية. الأّن بات الفكر السياسي، بل الفكر أصلاً عورة.
          و لكن لن يصمت فكري، لن يخرس صوتي،
            لن أترك قلمي.