الجمعة، 6 يونيو 2014

لن أترك قلمي

 (هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة ).

      ربما ظننتني خفت فعدوت بعيدًا، و تركت قلمي خلفي، و توقفت عن التدوين. ربما ظننتني قلقت من خبر مراقبة الشبكة العنكبوتية أو ارتعبت أن يصير مصيري كثلاثة و أربعين ألفًا من الشباب و الفتيات و الأطفال في معتقلات و سجون النظام الإجرامي القمعي الحالي وأن أواجه الاغتصاب أو التعذيب أو "الإجراء الروتيني" –كما يراه السيسي- المسمي كشوف العذرية.
     ربما ظننت الخوف هزمني، و قمعوا به قلمي، أو ربما ظننت أن اليأس غلبني، و جعلني أودع قلمي قائلة أن لا شيء سيغير.
     لكني لن أترك قلمي مهما حدث، لا للخوف و لا لليأس. أنا يئست في لحظة، و كنت علي شفا الانتحار بسبب ما حدث و يحدث و قد يحدث. تألمت و جرحت وبكيت و لطمت خدي و كدت أمزق ثيابي و أنا أبكي ؛لأنني أعيش اللاإنسانية. أعيش الرقص وسط الدماء، و التصفيق للقمع، و التهليل للقتل قبل القاتل. أعيش صناعة الإله، أعيش بناء أركان دولة القمع، أعيش النسخة المصرية من فاشية الشعب الألماني و عبوديته لهتلر. أعيش القمع، أعيش الطغيان، و لكن الشيء الوحيد الذي كاد يدفعني لليأس كان اللاإنسانية.
      رأيت حولي أصدقائي تعتقل عائلاتهم و أصدقاؤهم، بل يواجهون أنفسهم خطر القتل و التعذيب و الاعتقال. سمعت منهم حكايات مقززة، و مستفزة، و مخيفة عن اغتصابات و تعذيب و قتل وحشي، و دعم شعبي لكل ذلك. لا أنكر أنني في لحظات يتسرب إليَ الخوف، لكن الخوف لم يوقفنِ، لم يجعلن أتراجع أو أيأس، ما دفعني نحو اليأس هو اللاإنسانية التي رأيتها و سمعتها و عشتها. واجهت من برروا قتل الأطفال باسم محاربة الإرهاب.
         ربما يئست و لكني بطابعي مهما يئست لا أتراجع، أؤدي واجبي حتي إن اّمنت أنه لا أمل. ربما خفت لكني لم و لن أسمح للخوف يومًا أن يجعلني أتراجع عن قلمي. قلمي روحي، حلمي، شرفي، أنا، لا يمكنني أن أخسر قلمي بالخوف، و إلا فقدتني. مهما حاولوا تخويفي، بل مهما خفت، لن أترك القلم.
         بعدت عن الكتابة المقالية لفترة؛ و أتجهت إلي كتابة القصة القصيرة التي أفتقدتها طويلاً. لا أملك سلطانًا قويًا علي قلمي، هو يختار متي أكتب ماذا. و خلال هذه الفترة ركزت في النشاط السياسي و في دراستي، لم أكن أملك ميلاً علي الكتابة المقالية. لا أعرف كثيرًا ماذا أكتب، هل أتحدث عن انتهاكاتٍ و جرائم للنظام الإجرامي القمعي الذي نعيش تحته الاّن و انتقده ؟ لم أجد سببًا لذلك كلنا نعرف جرائمه حتي أغلب مؤيديه. هل أتحدث عن نظريات سياسية و عن أفكاري السياسية و الاجتماعية ؟ ستكون نظرياتٍ بعيدة عن الواقع؛ لأن النظم القمعية لا تسمح بالتفكير أو بالنقاش حول الأفكار علي اليمين أو علي اليسار. النظم القمعية لا تقبل أن يكون هناك أحد علي يمين إتجاهها أو يساره، الكل يجب أن يكون خاضعًا لنظامها لا يميل مليمتر واحد لفكرة أكثر تحررًا أو أخري أكثر تشددًا.
         لكنني لن أترك الكتابة سأظل أكتب و إن كنت لا أعرف ماذا سأكتب. سأكتب أفكاري و أقاوم حتي و إن بدت بلا قيمة، و نظريات غير قابلة للتطبيق خلف أسوار الدولة القمعية. تلاشي الحوار السياسي بمصر بين الأفكار و النظريات السياسية و الاجتماعية و الدينية ليحل مكانه صراع بين الدولة القمعية و أصوات شباب و فتيات تربوا علي حلم الحرية و لم يقبلوا بالتنازل عنه. كنت أكتب وسط بيئة مثلي للحوار السياسي بين مختلف الأفكار عقب 25 يناير. كتبت باسم فكري السياسي الخليط بين العلمانية و اليسارية و الليبرالية. الأّن بات الفكر السياسي، بل الفكر أصلاً عورة.
          و لكن لن يصمت فكري، لن يخرس صوتي،
            لن أترك قلمي. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق