السبت، 14 يونيو 2014

الشرطة كجماعة وظيفية

  ( هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة ).

  عام 2002 أنتج فيلم برازيلي اختير ضمن أفضل أفلام وثائقية عالميًا يسمي "الحافلة 174". الفيلم تناول واقعة حدثت عام 2000 في البرازيل عندما احتجز واحد من أولاد الشوارع رهائن في حافلة تحت تهديد السلاح ليجذب الأنظار إلي قضية مذبحة اركتبها الأمن ضد أولاد الشوارع في البرازيل قتل خلال أحد عشر طفلاً. الفيلم يتحدث عن التعامل الأمني مع ظاهرة أطفال الشوارع، و لكن أعمق ما في الفيلم هي عبارة المخرج الأخيرة. المخرج يقول أن البرازيليين يكرهون أولاد الشوارع و يودون التخلص منهم، و الشرطة بالنسبة إليهم هي القائم بهذا الدور دور لا يريدون أن يفعلوه بأيديهم ، و يحتاجون من يفعلوه لهم، و هو الشرطة.
     بعيدًا عن موضوع الفيلم و قصته المأساوية التي تحكي واقعًا مريرًا إلا أن الفيلم ينبه لفكرة كارثية قابعة في اللاوعي الجمعي للمجتمعات التي تصفق للحلول الأمنية. الفكرة الكارثية هي "الشرطة كجماعة وظيفية". عبد الوهاب المسيري تحدث عن استغلال اليهود كجماعة وظيفية في الغرب في القرون الوسطي . اليهود كانوا جماعة تعيش علي الربا، الربا الذي احتقره المجتمع الغربي في القرون الوسطي و لكنه احتاج إلي مجموعة تؤديه، و هنا ظهر اليهود كجماعة وظيفية. باختصار الجماعة الوظيفية هي مجموعة تؤدي العمل الذي يحتقره المجتمع و لكنه يحتاج إليه أو يريده علي الأقل.
       الشرطة دورها الأخلاقي المقبول بل المحترم اجتماعيًا هو أن تتصدي للمجرمين، و تحفظ أمن المواطنين، و تساعد في الإمساك بالمجرمين ليمثلوا بين يدي القضاء. أما الشرطة كجماعة وظيفية تقوم بدور غير أخلاقي لا يقبله المجتمع، و لكنه يريد من يقوم به، هي جهاز أمني مهمته القضاء علي فصيل أو فصائل بعينها لا يحبها المجتمع، و يراها تهددًا أمنه لمجرد وجودها، احتياجها أو هويتها. الشرطة حينها تصير محض أداة قمع، أو ظلم لا في يد حاكم أو نظام بل في يد مجتمع بأكمله. علي سبيل المثال إن أراد مجتمع متدين أن يتخلص من الملحدين، و لا يستطيع القضاء عليهم بيديه، تصير مهمة الشرطة أو أحيانًا جهاز أمني أخر هي قمع، و ظلم و تعذيب و سجن و قتل الملحدين. الشرطة حينها تصير جماعة وظيفية مهمتها التخلص من الملحدين دون أن يضطر المتدينون المدنيون أن يلوثوا أيديهم بدماء الملحدين.
      يمكن تحليل ما يحدث في مصر الاّن من انتهاكاتٍ تقوم بها قوات الأمن إلي تحويل لوظيفة الشرطة من جهاز أمني للتصدي للمجرمين، إلي أداة في يد نظام قمعي ثم إلي جماعة وظيفية يستغلها المجتمع للقضاء علي المختلفين معه سياسيًا، دينيًا، و أخلاقيًا. عمق الكارثة في تحول الشرطة من جهاز أمني يكافح المجرمين إلي أداة في يد نظام قمعي ثم أخيرًا جماعة وظيفية يكمن في أن جهاز الشرطة قد ينحدر تدريجيًا في مرحلة ما إلي مجرد مقصلة في يد نظام أو مجتمع فاشي يريد التخلص من فصيل أو فصائل بعينها لمجرد هويتهم و اختلافهم. الخطر الحقيقي هو اندراجه إلي مستنقع جهاز هتلر الأمني، ضلوعه في هولوكست جديد.

      

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق