الجمعة، 26 سبتمبر 2014

تجربتي

   ( هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة ).

             مجتمعنا يجبرنا أن نعيش في الظلام. يختار لنا أن نأثم (كما يعرف هو الإثم) كما نشاء و لكن سرًا. مجتمعنا يسلبنا الحق في أن نحيا، في أن نشم نسيم الحرية.
             عندما نعيش وسط الظلام نتعذب، نعيش وسط وساوسنا و أوهامنا، لا نعرف أنفسنا حقًا، نضخم مخاوفنا، و قد يتملكنا ضعفنا.
            عشت باّلامي وسط الظلام. عشت بوجوهين كأغلب أفراد هذا المجتمع، وجه يراه المجتمع، و وجه أواريه، و أقاومه. حتي أمي –أقرب إنسانة لي- لم تعرفه إلا بعد ست سنوات من معاناتي وحيدة، ثم عرفه خمسة من أقرب أصدقائي بعدها بعام. عشت صراعي وحدي؛ لذلك عرفت معني عذاب العيشة في الظلام.
، ميلي الجنسي لكلا الذكور و الإناث. تعذبت طويلاً بسبب ذلك. لم أقاوم الإقرار طويلاً، و لكني قاومت طويلاً   Bisexualأنا      نفسي و لم أقبل بها أو أتسامح معها، بل ربما شعرتها عقابًا لي. بكيت طويلاً بسبب احتلامي بالنساء. بكيت طويلاً بسبب عذابي من الحواجز التي فرضتها بيني و بين النساء؛ لأنني ظننتني خطرًا عليهن. المجتمع يفرض علي النساء درجة انفتاح مبالغ فيها بين بعضهن مقابلة لدرجة إنغلاق مبالغ فيها مع الرجال. لم أشعر أنني أستحق درجة القرب التي يسمح بها المجتمع لي مع النساء. شعرت انني لا يحق لي أن أقبلهن أو أحضنهن، لا يحق لي أن أسبح معهن في أوقات النساء، لا يحق لي أن أجعل امرأة تزيل شعر حاجبي أو تغسل لي شعري، لا يحق لي أن أبقي في غرفة واحدة مع امرأة وحدنا. شعرت أن الامتيازات التي يعطيها المجتمع للمرأة مع المرأة ليست حقًا لي؛ و لذلك حاولت أن أضع حواجز بيني و بين النساء. حاولت أن أقاوم و أتفادي أن حضنهن أو قبلتهن، لم أسبح في وقت النساء سوي مرة واحدة، لم أذهب لمحل تصفيف الشعر سوي قبل الأفراح، أغلب الوقت هربت من مكان أجد فيه نفسي برفقة امرأة وحدنا.
               نظرة المجتمع لي علي أنني خطر جعلتني أخاف علي النساء بالذات مني، حتي أختي الصغيرة، لم أسمح لنفسي أن أبقي بجوارها في غرفة وحدنا. داخلي خفت نفسي، و بكيت، بكيت بألم، و حاولت أن أغلق الأبواب علي نفسي أكثر و أكثر، و أقيد نفسي أكثر و أكثر حتي أحمي من حولي من "خطري". أخفيت و عشت وسط الظلام أتعذب وحيدة، لا استطيع حتي أن أصرخ، و حتي عندما بكيت، بكيت وحدي في الحمامات حتي لا أسأل عن سبب دموعي.
               كبتي لرغبتي زاد عذابي. كلما أثارني جسد امرأة أو شعرت بلمسة من امرأة أو رجل لا تصل حتي للإثارة، ضربت جسدي بعنف حتي يغلب الألم الإثارة. أحيانًا إحتجت أن استعمل أكثر ألم ممكن (دون أن أجرح نفسي) حتي يهزم تركيزي بالألم تركيزي بالرغبة. و مهما قاومت و مهما تمكنت من إيقاف رغبتي، هاجمتني منتقمة مني في احتلامي؛ لأنني قمعتها وبعنف.
               لا أحد بإمكانه/ا تخيل كيف كانت عيشتي. تخيل كم مرة خفت  كلما حضنتني أو قبلني فتاة (بعدد مرات الحضن المصرية)، كم مرة أغض بصري كلما رأيت امرأة تخلع حجابها في الحمام، كم مرة ارتجفت كما وجدت أنني سأتواجد في موقف ما مع امرأة في مكان مغلق وحدنا، كم مرة أرفض نزول حمام السباحة لمعرفتي كونه ميعاد سيدات، بإضافة حقيقة أنني في مجتمع يفرض تلك المواقف. لا أحد بإمكانه/ا تخيل معني أن يكون وجوده/ا ضد البنيان الاجتماعي للتفاعل بين الأفراد اعتمادًا علي جنسهم.
                وعانيت لعذاب شعوري أن كل من حولي بمجرد معرفة الجزء المخفي مني (ميولي الجنسية) سيتركونني، تعذبت لشعوري أنهم يريدون لأمثالي الرجم، و شعرت أن علاقتي بهم بها كذبة. أردت أن أتحرر، أن أخبرهم بمن أكون و أخسر من أخسر و فقط أصير حرة بأي ثمن. أردت بجوار الحرية أن يبقي بجواري من يقبلونني كما أنا، لا يقبلون الصورة المرسومة في خيالهم عني.
                 بمساعدة اثنين أعرفهم، فهمت ما أحتاجه لأتحرر و إتخذت قراري.
                  كتبت علي حسابي الشخصي علي الفيسبوك حالة بها ميولي الجنسية و عذابي لصراعي لشعوري أن كل من حولي سيتركونني لو عرفوا حقيقتي، و أنني مستعدة للخسران. توقعت أن أخسر أغلب أصدقائي، و لا يبقي معي إلا الستة الذين عرفوا من قبل، لكن هذا لم يحدث. مخاوفنا تجعلنا نعيش في وهم مضخم، تجعلنا نتخيل الواقع وحشًا أسطوريًا.
                    كثيرون وقفوا بجواري في تلك الفترة و أثبتوا أنهم أصدقاء حقيقيون. و قليلون جرحوني، و هناك من تمكنت أن أعود إلي صداقتهم، و هناك من خسرتهم تمامًا (شخصان فقط!). و لكنني علي الأقل أدركت أن من حولي لن يتخلوا عني بسهولة، و يقبلونني كما أنا، لا كالصورة المرسومة في خيالهم عني. 
                     لكن الأهم هو أنا، الأهم هو ما تغير داخلي بسرعة خارقة بعد تحرري. 
                    تدريجيًا لم أعد اخاف علي النساء مني؛ لأنني وجدت –صديقاتي منهن- لا يبتعدن عني و لا يخشينني.  لم أعد أضع ذات الحواجز، صرت أحضن صديقاتي بإرادتي، صرت لا أجد ألمًا في جعل امرأة تصفف شعري أو تزيل شعر حواجبي، صرت لا أخاف بقائي مع امرأة في مكان مغلق وحدنا. لم أعد أراني خطرًا عليهن، و لا أظن أنني قد أتحرش بهن كما يظن المجتمع.
                     لم أعد أقمع رغبتي، صرت لا أتقبلها كقدر ابتليت به، بل أحبها. و عندما قبلتها، و لم أقاومها رحمت من العذاب، و قل صراعي معها، و قل ضغطها علي، حتي مرات احتلامي لفترة طويلة قلت. رغبتي لم تعد تعذبني عندما تسامحت معها، و تسامح معها أغلب من حولي، و أحببتها.
                    و بعيدًا عن رغبتي أشياء كثيرة داخلي تغيرت. صرت أري نفسي و أعرفني أكثر. عرفت قوتي و ضعفي. عرفت كم أنا هشة تطعنني الكلمات، و كم أنا عنيدة استفز لأقاوم بأي ثمن، و كم أنا قوية استطيع أن أوقف ضعفي عن التحكم بي. عرفت يسرا و أحببتها أكثر، و استطعت أن أبصر فيها ما كان جليًا و لا أراه. و شعرت بأنني شفافة و صادقة، لا كاذبة و مزدوجة و أرتدي قناعًا كهذا المجتمع. صدقي جعلني أحب نفسي، و أشعر أن من حولي يحبونني بصدق، يحبونني و هم يعرفون كل شيء عني. و لم أعد أخاف أن يأتي يوم يعرفون فيه شيء عني فيتركونني. هم الاّن يعرفون كل شيء و أي شيء  قد أفعله سيتوقعونه، و لن يكون مفاجأة لهم.
                       و الاّن أكتب مقالاتي و قصصي و رواياتي و أذكر فيها مشاعري و موقفي من الميول الجنسية بحرية، و "  Bisexual و لا أخاف أن يوجه لي "تهمة" كوني مثلية؛ لأني أعلنت حقيقتي ك "
                        أنا لم أشفي تمامًا بعد، فمازلت أشعر ببعض المشاعر غير المنطقية من رواسب الأفكار الاجتماعية و الدينية مثل شعوري بالذنب لدفاعي عن قضية الميول الجنسية أو كتابتي لقصة عن حب مثلي. و لم أتحرر تمامًا كذلك، فأنا مازلت أخاف معرفة والدي.
                      لكني الاّن  أكثر حرية، و حياة و حبًا لنفسي، و هذا وحده يستحق ثمنًا باهظًا.
                       لي رسالة واحدة، كل منا لديه/ا سر يجبره/ا المجتمع علي إخفائه و العيشة في الظلام، و الأفضل لنتحرر جميعًا أن نتصارح بحقيقتنا، و أن نقبل بعضنا باختلافنا و بما نراه في بعضنا خطأ أو خطيئة. الأفضل لنا و لمن حولنا أن نتحرر و ألا نكون مجتمعًا نستعبد فيه بعضنا.

الجمعة، 19 سبتمبر 2014

رحيل عمو منيب

  ماما كان تحدث بابا عن عمو منيب، ذهبت لأسألها عنه، فقالت لي أنه متعب قليلاً. بدا علي ماما أنها مختلفة، رأيتها حزينة من قبل و لكن تلك المرة شيء في ملامحها الحزينة كان مختلفًا، لكني حينها لم أفهم.
    وجدت ماما ليلاً تغير ملابسها للأسود، استغربت ؛لأن ماما لا ترتدي الأسود عادة، سألت ماما : "هل مات عمو منيب؟"
     ماما لم ترد في البداية، فقلقت، و سألتها مجددًا: " هل مات عمو؟"
      ماما قالت بهدوء: "مات."
       صدمت للحظة، ثم لم أصدق، ظننت ماما تمزح.  لم استطع التصديق، تذكرت وجه عمو، و لم أصدق أنه مات.
       بكيت في أول لحظة، لكني بعد البكاء قليلاً صمت. لم أصدق بعد.
       ذهبت إلي المدرسة حزينة، أخبرت مرنا أن عمو مات. مرنا لم تتركني، ظلت بجواري و كتبت لي رسائل كثيرة. قالت لي أنها لن تتركني و أن عمو ربما ليس حزينًا كما أظن، ربما يراني الاّن و سعيد، بل ربما قريب حتي و إن لم استطع أن أراه. خرجت من الفصل و ذهبت لأبكي في الحمام و عندما عدت وجدت أية و كريستين تتجهان نحوي. أية قالت لي أنه حتمًا في مكان أفضل الاّن، و أنني لا يجب أن أحزن. أخبرتني  أن والدتها قالت لها أننا سنري من نحب في الاّخرة؛ فربما ليست اّخر مرة أراه.
      أمير و بطيخة و سامي حاولوا أن يمثلوا أدوارًا كوميدية ا و يجعلونني أضحك، شعرت أنني ممتنة لهم، لا يتركوني. تذكرت عندما فقد لوفي أخاه إس، لوفي حزن، و لكنه استطاع أن يقاتل و يسير خلف أحلامه من جديد عندما تذكر أنه مازال لديه أصدقاؤه. أنا أيضًا لدي أصدقائي الذين لا يتخلوا عني أبدًا و يقفون إلي جواري ، يقاتلون معي.
        لا أعلم إن كانت أية علي حق أم لا. لا أدري إن كنت سأقابل عمو ثانية أم لا، أود أن يكون ذلك صحيحًا؛ لا استطيع تخيل انني لن ألقاه ثانية أبدًا، أنها النهاية. لا أظن أن ربي الذي أحبه سيفرقني أبدًا عن عمو، هو الذي منحني ماما و بابا و عمو و أصدقائي و دائرتي؛ لأجد من أحبهم و يحبونني. 
      عمو منيب وعدني أن يأخذني معه إلي المتحف المصري؛ لأنه درس اّثار و سيستطيع أن يشرح لي كل شيء عن رواة زرعتي القدماء. إتفقنا أن نذهب الشهر القادم، لكنه الاّن مات و لم  أسمعه يشرح لي قبل رحيله. ماما قالت لي أن الحياة قصيرة جدًا و لا يجب أن نضمن فيها أي شيء، فكلنا قد نرحل في أي لحظة، لم أفهم ماما حينها لكنني أفهمها الاّن جيدًا.
      بكيت طويلاً، ومازلت لا أصدق تمامًا أنني لن أري عمو ثانية، و لن أسمع منه مجددًا كلامه عن رواة زرعتي القدماء الذين يحبهم، لكنني مازلت أملك أصدقائي، و أظن أن ربي سيجعلني أراه، أظنها  ليست النهاية بيني و بين عمو .
       

       

الجمعة، 5 سبتمبر 2014

من تقنين القمع إلي دسترة الديكتاتورية

          ( هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة ).   

          تم الترويج في الخطوات الأولي لإحياء دولة الفرد الديكتاتورية بمصر لدستور 2014 و الزعم بأنه دستور الحريات و الأكثر ليبرالية في تاريخ مصر. و لم يفاجأ إلا القليلون بأن الدستور ليس سوي حبر علي ورق، و أنه كما توقع الكثيرون سيحدد بقوانين سالبة للحريات، تحول القانون و القضاء المجبر علي الامتثال له، لمجرد  سور من أسوار الزنزانة.  و الاّن لا يشبع النظام النهم الجشع أنه قيد الحريات كما يحلو له في ظل وجود دستور ورقي بل يريد أن يرتفع من مرحلة تقنين القمع إلي دسترة الديكتاتورية.
           النظام الأّن يرمي فقاعته كما يفعل دائمًا قبل كل مصيبة كبيرة، يجس نبض الشارع و يمهد لها. النظام يسرب جزًء من مخططته لتعديل الدستور الورقي ليجعل ديكتاتورية الفرد دستورية. هو طبعًا قادر علي دهس الدستور متي شاء، لا مجرد التحايل عليه. لكنه يريد أن يجعل طغيانه و قمعه أقوي قانون، يريد أن يجعل تملكه للدولة و من فيها دستورًا. يريد بطريقة رسمية فجة فاجرة أن يجهر بأن البلد و من فيها حتي حياتهم ملك لفرد واحد لا يشاركه أحد.
          معني أن يصير لفرد يلقب ب"رئيس الجمهورية" الحق في إعلان الحروب دون الرجوع لمجلس الشعب أن يصير هذا الفرد مالكًا لحياة الشعب، مالكًا وحده لحق تعريض حياة كل المواطنيين للخطر حتي لمجرد رغبة منه. التجنيد إجباري، يعني أن الرئيس يملك الحق في إجبار الشعب علي وضع حياته علي المحك حتي شبابه الصغير.
         لا يمكن التفكير بحجة منطقية واحدة لجعل حياة شعب بأكمله معلقة بيد فرد أيًا كان حجم التأييد الشعبي له، و أيًا كان الظرف التاريخي.  لكن لماذا البحث ؟ المنطق ضد حياة الدولة الديكتاتورية، المنطق قاتل لها. لو فكرنا بالمنطق للحظة دون مشاعر مخادعة يزرعونها داخلنا مثل الخوف، و عشق العبودية، و تأليه القائد، لوجدنا أن كل قانون قامع و كل جريمة ارتكبت ضد المنطق، خطأ بل أقذر خطيئة، لوجدنا أن الفرد لا يملك ذرة من الحق الذي نمنحه إياه في امتلاكنا، في استرقاقنا.
        أعلم أن الأمر سيمضي، و سنخطو خطوة واسعة نحو الهاوية. أعلم أنهم سيحققون مرادهم  -ربما أيسر مما خططوا بمراحل-. أعلم أنه سيملكنا رسميًا وحده، كما امتلك مالك العبيد العبيد بقوة القانون، بل بحصانة الدستور لقرون في الغرب.
         أعلم و أعيش العذاب و نحن نسير بسرعة نحو العبودية الكاملة، و لكني أكتب كي أؤدي واجبي، و انتظر. انتظر و أتفرج.
         انتظر متي يؤلم العبيد العبودية، متي لا تمتعهم أكثر.
         و ربما يتساؤل كثيرون:
         هل سيأتي أصلاً يوم يؤلم العبيد العبودية؟