الجمعة، 3 أبريل 2015

كيف تصنع مواطنًا متنحًأ؟

(هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة).

ملحوظة: عنوان المقال من اقتراح : أمنية فرج (محررة بالقسم العربي من مجلة الجامعة الأمريكية AUC Times)

كيف تصنع مواطنًا متنحًا؟
لماذا يموت ضمير الشعب؟
من قاتل/ة الإنسانية؟
عندما نبحث عن الفاعل/ة في العلوم الشرطية نبحث عن المستفيد/ة، و كثيرًا ما تكون الدولة الديكتاتورية هي المنتفعة الرئيسة في جريمة قتل الإنسانية، لذلك كثيرًا ما يتم توجيه أصابع الإتهام إليها، لكنها ليست وحدها المنتفعة، بل ربما هي ليست إلا أداة في يد الفاعل الرئيسي، المجتمع. المجتمع هو الذي يخلق الدولة، تركيبة الدولة ذاتها تنبع من التكوين الاجتماعي، لا توجد دولة ديكتاتورية لمجتمع تكوينه ديمقراطي. لا توجد دولة أبوية في مجتمع أسقطت فيه صورة الأب. لا توجد دولة فاشية في مجتمع متقبل للاختلاف. الدولة ما هي إلا انعكاس المجتمع، و أداته في تطبيق مبادئه، و عندما تتواجد جريمة المتهم الأول فيها الدولة، يجب العلم أن الدولة هي في أحسن الحالات هي المنفذ، لكن صاحب الإرادة الحقيقة في الفعل هو المجتمع.
و رغم ذلك، فعلاقة المجتمع بالدولة شديدة التعقيد، فكما يصنع المجتمع الدولة، تروض الدولة المجتمع، و عندما ينتشر شعور أو مبدأ في المجتمع فخلفه تتواجد مؤسسات للمجتمع و الدولة تغذيه، إلم تكن هي صانعته. فإن كان الفاعل الدولة أو المجتمع فأداة تنفيذ الفعل هي هذه المؤسسات. إن كان الفعل هو قتل الإنسانية، و المجرم الدولة أو المجتمع، فإن أداة تنفيذ الجريمة هي مؤسسات غرس أو اجتثاث الوعي، هذه المؤسسات هي سلاح الجريمة.
يمكن استخدام السلاح بطرق مختلفة لتنفيذ ذات الجريمة، و الطريقتان اللتان استخدمهما المجتمع و الدولة في قتل إنسانية المجتمع هما "تغييب الوعي" و "نشر الإيمان بمبدأ يستأهلوا".
واحدة من أشهر عبارات ماركس أن الدين أفيون الشعوب. ما قصده ماركس بهذه العبارة مباشر، أن الدين يستغل في تغييب الشعب، بجعله يفكر في الحياة الأخري، فلا يهتم بواقعه المأساوي و لا يثور قط. ماركس تحدث عن مجتمع سادت فيه قراءة للدين المسيحي تزيد الإهتمام بالأخرة و تتجاهل أهمية الدنيا، تواجد في مجتمع الدين فيه ربما يكون المؤسسة الأكثر أهمية في تزييف الوعي. العلماء الماركسيين عاشوا في حقبة تاريخية مختلفة لم يعد فيها الدين المؤسسة الوحيدة التي تملك سلطانًا علي الوعي. لذلك طوروا فكرة ماركس، فضموا للمؤسسات التي تملك القدرة علي تغييب الوعي "الإعلام"، و مؤسسات أخري مثل "الرياضة".
هذا ليس توجه العلماء الماركسيين وحدهم، بل كثير من علماء الإعلام و المثقفين. علم كامل للنظرية الإعلامية نشأ في النصف الثاني من القرن العشرين لدراسة الإعلام و الرأي العام، بعد ظهور دوره في خلق شعبية عالمية لهتلر علي يد وزارة البرباجندا التي رأسها جوبلز، حيث بلغت تلك الشعبية حدًا مرعبًا جعل للفاشية مؤيدين حتي داخل دول الحلفاء.  خرجت نظريات إعلامية كثيرة بعضها يبالغ لدرجة تصوير الإعلام بطلقة سحرية يمكنها تغيير وعي الشعب مباشرة و تمامًا.
كيف يتم تغييب الوعي و نشر الإيمان بفكرة "يستأهلوا":
1-الإعلام:
في مجزرة رواندا، لعب الإعلام دورًا محوريًا في غرس الكراهية. مذبحة رواندا حدثت للتيتسو الأقلية العرقية علي يد الأغلبية العرقية الهوتو.  ما بين نصف المليون و المليون  من التيتسو و الهوتو الذين رفضوا قتل التيتسو ماتوا خلال مائة يوم.  خلال هذه الفترة حرض  الإعلام علي قتل التيتسو و أشار إليهم بكلمة رمزية هي "الصراصير". هذه الواقعة كانت وراء سابقة قانونية بمحاكمة أفراد مؤسسة إعلامية أمام القضاء الجنائي الدولي.
الإعلام المصري يلعب دورًا مشابهًا حيث يرسم صورًا ذهنية عن الأقليات السياسية و العرقية و الدينية و الجنسية تجعل كل جريمة ترتكب ضدهم مقبولة بل مصفقًا لها.  هذا ليس جديدًا بل هناك كثير من الأقلام التي كتبت من قبل عن دور الإعلام في إذكاء الكراهية بين المسلمين و المسيحيين. الجديد هو تطور دور الإعلام ليصير مؤسسة منوطًا بها زرع الكراهية ضد كل ما هو مختلف بغض النظر عن نوع الاختلاف. الدولة تستغل ذلك لمصلحتها، والمجتمع كذلك يستغله ليبرر لنفسه الفتك بكل أقلية.
نماذج ذلك كثيرة منها تحول الأجندة الإعلامية لتغطية قضايا المثليين و الملحدين و مضطربي الهوية الجنسية خاصة قصص القبض عليهم، و تصويرهم كمجرمين مستحقين لكل بطش، و كل إمتهان لإنسانيتهم. حتي في تغطية قصص المثليين و الملحدين، يتغاضي الإعلام عن نقل القصة كاملة و ينقل منها فقط الجزء الخاص باعتقالهم، لا ينقل أي أخبار عن الانتهاكات التي يتعرضون لها بعد القبض عليهم و لا يحاول من حيث الحيادية نقل الصورة من جهتهم كما ينقلها من جهة الدولة و المجتمع.   و ربما أشهر تلك القصص واقعة مني العراقي الشهيرة، لكنها مجرد واحدة من عشرات. الإهتمام المفاجيء بقصص إلقاء القبض علي المثليين و مضطربي الهوية الجنسية و الملحدين ليس سببه مجرد إذكاء مشاعر الكراهية ضدهم، و دفع المجتمع لتقبل كل الانتهاكات التي يتعرضون لها حتي التعذيب و الاغتصاب، بل خلفه أيضًا قتل الوعي، و في بعض التحليلات الإعلامية، التغطية علي ملفات سياسية أخري.
نموذج أخر سياسي بالدرجة الأولي هو دور الإعلام في صياغة صورة الأقليات العرقية كأهل النوبة و سيناء، و دوره في صياغة صورة الأقليات السياسية كالإخوان، و اليسار  بل و حتي الأقليات المنظمة ذات الطبيعة الشبه سياسية سياسية مثل الألتراس. صياغة صورة الأقليات العرقية كخونة و عملاء يريدون تقسيم مصر (كأهل النوبة) أو كخونة  و متطرفين و إرهابيين (أهل سيناء) يجعل أي جريمة ترتكبها الدولة ضدهم مبررة، لا تهميشهم وحده و يبرر استراتيجية الدولة العنيفة التي أثبتت فشلها معهم. دور الإعلام في صياغة صورة الإخوان كإرهابيين و خونة و عملاء لا يحتاج إلي التدليل عليه، لكن دوره في صياغة صورة اليسار يحتاج إلي حديث أكثر تطويلاً. فمن ناحية رسمت صورة الخونة لكثير من النشطاء لكن في حالات استثنائية يتم الهجوم علي الدولة لطريقة تعاملها مع بعضهم كقضية شيماء الصباغ. ربما يرجع ذلك لرغبة بعض المؤسسات الإعلامية في إشعار الدولة بقوتها، و قدرتها علي شحذ الرأي العام ضدها وقتما تريد. و ربما بسبب كون ممتلكي رؤوس أموال المؤسسات الإعلامية أقرب شكلاً لفكر اليسار عنهم لفكر الإخوان. أما الألتراس كمنظمة ذات طبيعة شبه سياسية، فتم تشويه صورتهم ليبدوا مجرمين و بلطجية؛ لتبرير كل جريمة قد ترتكبها الدولة لإخراسهم خوفًا من قوتهم و قدرتهم علي تكديرها في الشارع بلعبة القط و الفأر.
2- لقمة العيش:
ماركس رأي أن الطبقة الدنيا هي الأكثر مقاومة للتغيير، و أن النظام يحتاجها لتأمينه. ما يمكن أخذه و تطبيقه علي واقعنا من نظرية ماركس هو أن فكرة الاستقرار و تأمين لقمة العيش هي أداة هامة لإلهاء المجتمع عن الشعور بالأقليات أو من يقاومون النظام، و ورقة كذلك لجعله يقتنع بأنهم "يستأهلوا".  تغييب المجتمع الدائم بالاحتياج للقمة العيش، و تخويفه من فقدانها يجعله متقبلاً لكل إجراء تتخذه الدولة لتأمين الاستقرار، خاصة و أن جزءًا كبيرًا من عمل هذه الطبقة هو نشاطات تعتمد عليه أساسًا كالسياحة.
3-  الدين:
الدين ليس بالضرورة مؤسسة لتأمين النظام أو تبرير الجرائم ضد الأقليات. الدين يمكن أن يلعب دورًا في الثورة أو لنصرة أقليات معينة، لكن الطريقة التي يتم بها توظيف الدين في مصر تذكي فكرة "يستأهلوا"، سواء من جانب الدولة أو المعارضة الإسلامية. فالدين يلعب دورًا في تبرير الفتك بالأقليات التي تعد خارجة عن أحكامه كالملحدين، و اللادينيين و المثليين و مضطربي الهوية الجنسية و حتي الإخوان (في القراءة الأزهرية الدينية السياسية).
4- التعليم:
دور النظام التعليمي في تغييب الوعي ليس غرس أفكار سياسية أو دينية محددة بفرضها في عبارات ملقنة فقط بل بطريقة التفكير التي يروض النشء عليها، التي تقبل كل ما يقال دون نقد، و لا تعرف التفكير المستقل. ما يغرس بنظام التعليم أن الحقيقة واحدة، و أن المختلف/ة عن الرأي الواحد علي خطأ. تلك الطريقة مرتبطة برفض الجدال ضد السلطة، و مرتبطة كذلك برفض الأقليات؛ لأنهم يمثلون المختلف عن الشكل الأوحد المقبول، عن "الإجابة النموذجية".

            الحل لأزمة الأقليات و موت الإنسانية لدي المجتمع يكمن في توجيه ذات المؤسسات لتنتصر لحق الأقليات و لتغرس قيم الإنسانية و الحرية. الحل في غرس فكرة النقد و تعدد الرأي في التعليم لا الرأي الأوحد. الحل باستغلال الإعلام لطرح قضايا الأقليات من زاوية الأقليات لا من زاوية الأغلبية وحدها. الدين مؤسسة أخيرة تتأثر بالتغيير الذي يحدث في مؤسسات المجتمع الأخري، و يتغير التفسير الشائع فيها بتغير تركيبة المجتمع.  و نقطة شديدة الأهمية هي ضرورة أن يجد معارضوا النظام مشروعًا اقتصاديًا بديلاً للنظام الحالي قادر علي حماية "لقمة العيش"؛ فالمجتمع لن يتقبل تهديده اقتصاديًا مهما بدي الثمن مبدئيًا. 

هناك تعليق واحد: