(هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة).
كثيرًا ما يشوش نظرنا بالواقع فلا نفكر فيما يكمن خلفه، كثيرًا ما نخضع لفكرة أو حتي نحاربها أو نسخر منها بدون أن نفكر في الأسس التي تقوم عليها. كل فكرة مرتبطة بأفكار أخري تريد حمايتها أو تقوم عليها. كثيرًا ما يحارب الثائرون الاجتماعيون أو السياسيون ضد قمع سياسي أو اجتماعي، لكن أحيانًا يفوتهم محاولة فهم الدوافع التي تكمن خلف القمع، و الأسس التي يقوم عليها، و يقوم عليها تأييد الغالبية له. لكن ربما يكون الطريق الضروري لإحداث التغيير هو فهم القواعد و الدوافع التي يقوم عليها القمع الاجتماعي أو السياسي، و محاولة إيجاد حل لها أو مقاومتها، لأجل إنهاء القمع. فإذا زالت الأسس و الدوافع التي يترسخ عليها القمع، صار أكثر هشاشة، و ربما اختفي من تلقاء نفسه.
القمع الاجتماعي المرتبط بالجنس له هو أيضًا أسس و دوافع. خوف المجتمعات من الجنس هو السبب الرئيسي لمحاولتها لتقييده، و إخضاعه، و وضع ضوابط قاسية عليه يتم التنكيل بدرجات متفاوتة بمن يحاول كسرها. هذا الخوف هو أيضًا قائم علي أسباب و دوافع. المجتمعات تريد حماية مؤسسات اجتماعية و سياسية و اقتصادية معينة، و الجنس يمثل لهذه المؤسسات مصدر تهديد. بعض هذه المؤسسات هي أصلاً مؤسسات قمعية، و إذا أطلقت الحريات الجنسية أو اعترف بها، قد تتأثر هذه المؤسسات، و قد يعاد هيكلتها. و المجتمعات تحاول أن تبقي علي المؤسسات بأي طريقة، و لا تتردد في استخدام أي سلاح مهما بلغت قسوته أو أحيانًا حتي دمويته لحمايتها.
الجنس مرتبط بأكثر من مؤسسة؛ يرتبط الجنس بمؤسسة "المال". المال هنا ليس بالضرورة رأس المال بمعناه الحديث، المال هنا يقصد به كل ملكية يمتلكها مجموعة من البشر. الأسرة، و القبيلة، و العشيرة نماذج مصغرة لمجموعات بشرية تمتلك مالاً، قد يكون في صورة أرض أو أموال سائلة أو غيرها. هذه المجموعات البشرية كثيرًا ما أبت أن تخرج الملكية من نطاق أفرادها، لذلك رفضت كثير منها الزواج خارج نطاق المجموعة، و جعلته بعضها بمثابة الخيانة، خاصة إن كان من جانب امرأة من المجموعة لرجل من خارجها؛ لأن ذلك يهدد انتقال المال من حيازة هذه المجموعات لخارجها. و لأن الزواج ليس قرارًا حرًا في كثير من المجتمعات، فقد يلجأ الرجل و المرأة لجنس خارج نطاق الزواج، و ينتج عنه طفل يحقق انتقال الملكية، لذلك اعتبر ابن "السفاح" محرومًا من الميراث و النسب لدي تلك المجتمعات. فهذه الطريقة تكفل حماية الملكية، و تكفل كذلك إرهاب الأفراد حتي لا يخرجون عن قواعد المجتمع، و يهددون مؤسسة الملكية، و مؤسسات أخري فيه.
الجنس مرتبط بمؤسسة "السلطة"، لذلك في الأسر الحاكمة قديمًا، لم يعترف بالجنس خارج نطاق الزواج بين أفراد الأسرة الحاكمة. و في مصر الفرعونية، شاع الزواج بين الإخوة، و قبل بين الأب و البنت (مثل حالة إخناتون و ابنته)؛ لأنه يكفل حماية السلطة، و عدم انتقالها خارج الأسرة الحاكمة في مصر الفرعونية، و أيضًا لم يكن يعترف بكل زوجات الفراعنة كزوجات رسميات. و هنا تأتي إجابة سؤال اّخر عن تحليل الجنس للرجل أكثر من المرأة. السبب أن الرجل في المجتمعات القديمة يستطيع التبرأ من الأبناء و ضمان عدم توريثهم الحكم أو المال، لكن المرأة لا تستطيع ذلك لأنها تلد أمام الجميع. و بالتالي فعند قيام الرجل بعلاقة جنسية خارج الأسرة الحاكمة
أو خارج نطاق القبيلة، فتستطيع الأسرة أو القبيلة التنصل من الأبناء خارجها، و حفظ الممتلكات، و الحكم لأفرادها، لكن الأمر ليس كذلك من جهة المرأة؛ لأن المرأة لا تستطيع إنكار من أنجبت أمام الجميع.
الجنس مرتبط بمؤسسة "الجندر" و "السيادة الذكورية". فسيادة الرجل علي المرأة في العلاقة هو جزء رئيسي من دور الرجل اجتماعيًا أو جندر "الرجل". السماح بالمثلية مثلاً يعني بالنسبة للمجتمع ألا يكون هناك طرف أضعف في العلاقة يتم استغلاله، و إخضاعه، و التلذذ به. فكرة إعطاء المرأة لجسدها لرجل (لا العكس)، و فكرة أن جسد المرأة هو الشيء المثير هي أفكار جندرية أساسية يقوم علي نظام الجندر في المجتمع. مثلاً فرض ارتداء المرأة لملابس محتشمة أو تشجيعها علي ارتداء ملابس مثيرة خلفه فكرة أنها هي الطرف المثير. فكرة تمثيل المرأة للضعف و الرقة مرتبطان بكونها الأضعف في العلاقة ببن الرجل و المرأة. هذه الأفكار كلها ستتحطم أو علي الأقل قد تترنح إذا قبلت المثلية كطريقة حياة. المثلية تعني ألا يكون هناك طرف أضعف أو طرف يعطي الأخر جسده أو طرف مثير، و الأخر فقط يتمتع بالإثارة. المثلية تعني ألا يكون لكثير من الأدوار الجندرية معني. المثلية –في وجهة نظر المجتمع- تهدد مؤسسة "الجندر".
الجنس مرتبط بمؤسسة "الدين". قد يكون الدين نفسه مؤسسة تحمي مؤسسات سياسية و اجتماعية و اقتصادية أخري من خطر الجنس، لكن الدين أيضًا مؤسسة يهددها الجنس أو علي الأقل يهدد بعض أفكارها. قبول الدعارة أو المثلية أو الجنس خارج نطاق الزواج أو الزواج بين أفراد العائلة أو التعدد أو الزواج بين أفراد دين و أفراد دين اّخر يصطدم بالأفكار الفقهية لأديان متعددة في رأي غالبية أتباع هذه الديانات. مثلاً الزواج بين أتباع الديانات المختلفة يهدد "عدد" أتباع الدين. فمن يضمن دين الأبناء؟ الدين هنا يتأثر بالتفكير القبلي، حيث يصير الدين قبيلة كلما زاد أتباعها، كلما قويت.
الجنس كذلك مرتبط ب "الهوية القومية"، لذلك كثير من الدول تجعل للزواج بين مختلفي الجنسية إجراءات خاصة، و تراقب عدده، و تضع ضوابط لمنح حق الجنسية للأبناء فيه. و مصر لعقود طويلة، كانت ترفض منح الجنسية لأبناء الأم المصرية، و الأب الأجنبي حتي صدور قانون رقم 154 لعام 2004.
هذه المؤسسات تختلف من مجتمع لأخر، و من وقت لأخر من حيث القوة. لذلك المجتمعات الأوروبية في العصور الحديثة عندما ضعف عندها مؤسسة الدين ثم تدريجيًا قلت قوة مؤسسة "الجندر"بدأت تقبل بالزواج بين أتباع الديانات المختلفة ثم زواج المثليين. و إن كان فيما مضي، يحرص في كثير من المجتمعات (مثل مصر الفرعونية) علي الزواج بين الإخوة للحفاظ علي الملك، فإن "الدين" كمؤسسة تغلب علي "السلطة" و "الملك" ليصبح -في أغلب المجتمعات- الزواج بين الإخوة خطيئة كبري.
إذا أراد أحد تغيير وضع معين، يراه/تراه قمعًا للحريات الجنسية أو قمع لحقوق أخري قوامها قمع الحريات الجنسية (مثل سلب الأبناء حق النسب نتيجة لعدم الاعتراف قانونًا بالعلاقة الجنسية خارج نطاق الزواج)، فعليه/ا أولاً محاربة المؤسسات الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية التي يهدف قمع الحريات الجنسية لحمايتها. علي سبيل المثال، إذا أراد أحد محاربة منع الزواج خارج نطاق القبيلة، فعليه/ا أولاً محاربة مفهوم القبيلة أو الملكية داخل حدود القبيلة.