الأحد، 14 أغسطس 2016

عن جروح الرجل الشرقي

      (هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة).

      كامرأة شرقية حسبت الرجل مجرد كائن جنسي متحرش متكبر متعجرف عنيف قاسٍ، و معدوم المشاعر. لم أحسب أن الرجل إنسان بعواطف، و مشاعر، و احتياجات إنسانية رقيقة. هذه النظرة لم تتكون بسبب ما يقوله المجتمع وحسب، بل بسبب أمي كذلك، و ما كانت تقوله عن الرجال. جعلتني أؤمن أن كل رجل يريد جسدي، و أنها تريدني أن أمنحه لمن يدفع ثمنه في إطار شرعي "الزواج". لم أقبل أن أباع؛ كرامتي أغلي من ذلك، و تحديت فكرة ارتباطي بأي رجل. تحرش الرجال بي، و كلام المجتمع، و دفاعه عن قمع المرأة بحجة رغبة الرجل، و غياب العواطف لديه؛ هم أيضًا جعلوني أصدق الأسطورة  الشريرة "الرجل" التي يصدرها المجتمع.
          بقيت كذلك سنوات طويلة؛ حتي قابلت رجلاً غير مفهومي عن الرجال. كان غربيًا؛ فلم يبالٍ أن يظهر مشاعره، و يبكي أمامي. دافع عن حقوق كل فئة مضطهدة، و مظلومة؛ لأنه شعر بألمها؛ و بكي لأجلها، و أظهر لي الحنان، و الحب، و الرقة، و الاحترام. كانت المرة الأولي التي أبدأ فيها في رؤية مفهوم جديد عن الرجل "الرجل كإنسان". هذا الرجل علمني أشياء كثيرة عن الجندر، و علمني أن فكرة "الرجل"، و "المرأة" هي مجرد أفكار يخلقها المجتمع، و مجرد صور يجبرنا أن نمثلها. ما علمه لي رأيته لاحقًا في رجال اّخرين؛ بعده استطعت أن أغير منظوري للرجل، و دفاعي عن حقوق المرأة؛ لم أعد أري المرأة مضطهدة وحدها في المجتمع الذكوري.
           عندما فتحت ذراعي للرجال، و اّلأمهم، بدأت أري وجهًا اّخر؛ جعلني أغير منظوري للرجل؛ بدأت أري جروح الرجل الشرقي. أصدقائي الرجال الشرقيون جعلوني أري ما يعانيه الرجل الشرقي من الداخل؛ و أشعر بألمه، و جرحه. الرجل الشرقي يحرم مشاعر كثيرة رقيقة؛ يحرم حنان أمه، و رقتها، و يفرض عليه أن ينظر لأبيه، و حتي علاقته بأبيه تكون جافة. الرجل الشرقي يجبر أن يقمع مشاعره الإنسانية، و يحرم حق الدموع، و التعبير عن مشاعره؛ إنه يجبر أن يفطس مشاعره حتي تموت. احتياجاته العاطفية لا يعترف بها؛ لأنه ينظر لها كضعف؛ مشاعر الحتياج الوحيدة التي يسمح للرجل الشرقي أن يشعر بها هي الرغبة الجنسية؛ بل و يجبر أن تكون مهمة عنده، و يظهر اشتعالها؛ ليثبت ذكورته. بعض الرجال يحولون كل احتياجاتهم العاطفية نحو الجنس أو الألم الجسماني؛ لأنهما الشعوران الوحيدان المسموح للرجل أن يصرخ بهما. حتي في الحزن، لا يسمح للرجل أن يتألم من داخله؛ و يجبر الرجل أن يخفي أي مشاعر حب أو احتياج لحنان أو دفء أو أمان. هذه المشاعر مسموح بها للنساء و الأطفال الصغار فقط؛ و الرجل الشرقي يجب أن يكون "رجلاً". الرجل الشرقي يمنع حق الطفولة؛ يطلب منه أن يتحمل المسؤولية صغيرًا جدًا، و لا يسمح له أن يمرح أو يلعب أو يذهب لحضن ينام فيه. طفولة الرجل تعتبر جريمة، و أي مشاعر قريبة من الطفولة كالاحتياج العاطفي، و الرغبة في الاهتمام، و غياب المسؤولية، و التعبير عن المشاعر بعفوية، و بساطة تعتبر خطيئة كبري للرجل؛ تنقص من رجولته. و عندما يصير الرجل ناضجًا و أبًا يفرض عليه ألا يعبر عن مشاعره لأبنائه و بناته، و يحرم حق إعطاء الحنان، و الحب، و الأمان مثلما حرم حق أخذهم.
            كل ذلك يخلق إنسانًا مشوهًا بلا إحساس أو مشاعر؛ لأنه أجبر علي قتلهم. كل ذلك يخلق حيوانًا مفترسًا يعشق الجنس، و العنف؛ لأنه لم يجد غيرهما مشاعر تمنح له أو يسمح له بها؛ و لأنه لا يسمح له بالتعبير بغيرهما. الرجل الشرقي ليس كائنًا جنسيًا متحرشا متكبرًا متعجرفًا عنيفًا قاسيًا بالفطرة؛ الرجل الشرقي تفرض عليه هذه الأدوار، و يري نفسه فيها وحدها؛ لأن أدوارًا كثيرة أخري يحرم عليه مجرد الدنو منها؛ و إذا تجاسر، و خالف الأدوار المفروضة عليه حكم عليه باحتقار المجتمع. يكفي لحرمان الرجل أي احترام أو كرامة أن تلصق فيه تهمة القرب من الأنوثة أو الرقة أو الاحتياج؛ يقال عنه "مش راجل"، "منسون"، "خول"، و كلها مرادفات كفيلة بالقضاء علي أي احترام له اجتماعيًا، و حرمانه من كرامته الإنسانية.
          و إن كان حظ ذلك الرجل الشرقي أنه مثلي أو حتي غيري لكن به شيء من الأنوثة أو منعدم الميل الجنسي أو عاجز جنسيًا فألمه سيصير أعنف؛ و جرحه أعمق؛ لأنه سيمنع حق أن يكون نفسه؛ سيحكم عليه بالعيش في الظلام، و قتل نفسه، و جزء من روحه. كل ذلك؛ لأن المجتمع مصر أن الرجل شرط رئيسي لاحترامه هو اختراق قضيبه لمهبل المرأة، و تركيعه لها في العلاقة الجنسية أثناء الإيلاج. الرجل يربي علي كون رجولته في استغلاله، و تركيعه لجسد المرأة.

         كيف بعد كل ذلك يمكن أن نطلب من الرجل الشرقي أن يبقي سويًا؟! كيف نجرد إنسانًا من عواطفه الإنسانية، و نطلب منه أن يبقي إنسانًا؟! كيف نسلبه روحه، و نطلب منه ألا يدمن الجسد؟! الرجل الشرقي مجرم، و ضحية لمجتمع مريض برجاله و نسائه؛ الرجل الشرقي ضحية سلبه أغلي ما يحتاجه الإنسان. الرجل الشرقي ضحية جروح عميقة جدًا من سلب المشاعر، و تفطيس كل احتياج إنساني. الرجل الشرقي ضحية قمع المجتمع الذكوري.    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق