(هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة).
يحب معارضي النظام الحاكم انتقاد ومواجهة الديكتاتورية القائمة، وقمع الحقوق والحريات، وهرس حقوق الأقليات مدعين أنهم يدافعون عن العدل والمساواة والحرية. ويحب الإسلاميون منهم الإدعاء بأنهم يدافعون عن الحق، وحكم الله، ويحب الليبراليون، واليساريون الإدعاء بأنهم يدافعون عن المساواة و الحرية.
لكن إذا ناقشت أكثر أفكارك إن كنت يساريا أو ليبراليا فقد تجد ميلا للانقلاب علي هذه الأفكار في حالتين؛ الحالة الأولي إذا كان هذه بخصوص حقوق مجموعة تؤمن أنها مخطئة مثل العاملات في الجنس مثلا، والحالة الثانية إذا افترضت وجودك في السلطة وتتعامل مع حقوق أفراد النظام القائم أو حقوق الإسلاميين. وقد تجد لديك ميلا للإعجاب بأفكار نتشه أو لينن أو شميت أو أتاتورك أو إعجابا داخليا بنموذج الإتحاد السوفيتي أو ألمانيا الشرقية، وقد تري أن أفكار نتشه أو لينن أو شميت أسيء تطبيقها لكنها يمكن أن تطبق بصورة صحيحة لا تجعلها تحيد عن طريقها المستقيم.
وإذا واجهك أحد بأن هذه الشخصيات والنظم والأفكار تتعارض مع قيم الحرية، والمساواة التي تدافع عنها، فسترد أن قيم الحرية والمساواة تحتاج لنظم تحميها وتفرضها. وإذا ضغط عليك محاورك في النقاش، فستخرج ما بداخلك ويكمن خلف دفاعك عن هذه الأفكار. ستواجه محاورك بالسبب الحقيقي خلف إنقلابك الداخلي علي هذه الافكار. ستخبر محاورك عن الفشل الذي تعرضت له هذه الأفكار في الثورة أو عن الظلم الشخصي الذي تعرضت له وتعرض له من تعرفهم وأمنوا بهذه الأفكار حتي النهاية.
يؤلمني أن أغلب من يدعون مهاجمة هذا النظام إما يؤمنون بالحكم الإسلامي القمعي لكل ما هو مناقض للإسلام أو يؤمنون بالحكم اليساري القمعي. كثير من اليسار والليبراليون لا يؤمنون حقا بمبادئهم. هم مثل النظام يؤمنون بالحقوق لأنفسهم فقط. خاصة بعد انتصار النظام الديكتاتوري القمعي. ولا يدرك معارضو النظام أن نصر النظام الأكبر هو إجبارهم علي تبني أفكاره والانقلاب علي مبادئهم. النصر الأصغر للنظام هو الاستحواذ علي الدولة والتنكيل بمعارضيه لكن النصر الأكبر للنظام هو قهر أفكار معارضيه؛ هو جعلهم يحملون داخلهم أفكاره. وهذا هو النصر الحقيقي الذي حققه النظلم الحالي؛ فكثير من معارضيه يؤمنون بأن المنتصر علي صواب داخلهم، ولذلك داخلهم يؤمنون بأن النصر من نصيب أفكار هذا النظام وليس أفكارهم، ولذلك أيضا داخلهم بدأوا يعجبون بالأفكار القمعية لنتشه وشميت ولينن وأتاتورك.
يجرحني أننا حتي وإن تخلصنا من هذا النظام، سنتخلص من لاعبين سياسيين معينين، ولن نتخلص من القمع أو القهر أو الظلم أو الاضطهاد. يجرحني أننا سنظل في دائرة ظلم وقمع لا تنتهي إنما يتبدل فيها الظالمون والقامعون فيها. يعذبني أننا لن نستطيع أن نرنقي كبشر ذات يوم في هذا المجتمع. وسأظل أتعذب داخل هذه الدائرة للأبد؛ لأنني أدرك أنني حتي وإن صار أمثالي الذين يمثلون الأقلية الان أغلبية فسأظل أتألم لأن من سيصير أقلية سيقهر؛ فأنا ضد ألم الإنسان بالظلم والقمع ولست ضد ألمي الشخصي لأنه ألمي.
وكل من لا يؤمن بالحرية والمساواة للمختلف عنه وحتي خصمه لا يؤمن بهم حقا. ولا يحق له أن يدعي الدفاع عنهم؛ فهو يدافع عن حقوقه وحرياته، لا يدافع عن العدل، ولا الحرية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق