التشيك-براج
سأكتب الان عن واحدة من أجمل مدن أوروبا، وعن شعب من
أسوأ شعوب العالم علي الإطلاق. سأبدأ بالجميل؛ سأبدأ بالمدينة.
براج من أجمل مدن أوروبا؛ وجمالها يكمن في معمارها
وتاريخها، وثقافتها الثرية للغاية من مختلف العصور التي مرت بأوروبا وبشكل خاص
خلال القرون الوسطي، وخلال القرن التاسع عشر. تسمي براج بالمدينة الملونة؛ وإنها
لتستحق هذا الوصف بصدق؛ لأن بها المباني كلها بألوان فاتحة، زاهية، جذابة،
ومتناسقة. يصعب أن توجد مدينة ملونة بهذه الدرجة، وألوانها متناسقة وجذابة، وغير
منفرة. وتحافظ مدينة براج علي مظهرها الحضاري التاريخي، وأسلوب البناء فيها، وهذا
ما يجعلها مدينة تراثية محمية من اليونسكو. ورغم أن المباني القديمة مازالت
مستغلة، ويسمح ببيعها إلا أنها قاعدة في أوروبا ضرورة الحفاظ علي المظهر التاريخي
للمباني، ومنع التغيير فيها. وأنواع الطرز المعمارية في براج متنوعة بتنوع تاريخيها،
وميراثها الحضاري؛ فهناك مبان بمعمار جوثيك، وهناك مبان بمعمار القرن التاسع عشر،
وتم الحفاظ علي أسلوب ترميز المنازل في القرن التاسع عشر. فقبل اختراع الأرقام
كنظام لتمييز البيوت كانت البيوت في التشيك يوجد عليها رسومات لتمييز العقارات من
بعضها البعض. ومازالت بعض هذه الرسومات موجودة مثل الأسد، والمفتاح، والثلاثة
كمانات.
والمعمار الجوثيك منتشر في التشيك، وأكبر نموذج له هو
كنيسة قلعة براج الضخمة التي بدأ إنشاؤها في القرن الرابع عشر، ومازال يضاف إليها
حتي الاّن، وبها طرز معمارية عدة، ولكن نظرًا للفساد داخل التشيك فقد تم بيعها
للفاتيكان، وهي ملكية خاصة للفاتيكان. ورغم أن الفاتيكان اشتراها إلا أن الذي يدفع
لترميمها هو الحكومة التشيكية! وهي الكنيسة الكاثوليكية الوحيدة التي دخلتها ولم
يفرض علي أحد إرتداء ملابس تحت الركبة أو تغطي الكتف. وهي الكنيسة الكاثوليكية
الوحيدة كذلك التي زرتها، وبها شموع إلكترونية تعمل بالنقود المعدنية (والجدير
بالذكر أنني عندما حاولت إشعالها لم تعمل!).
من هنا سنبدأ الحديث عن الشعب التشيكي. أول تعامل بيني
وبين التشيكيين كانت بمجرد بلوغي محطات الحافلات في براج، حيث ركبت سيارة أجرة،
ونصب علي سائق الأجرة في التغيير من الدولارات للكرونا التشيكية (لم أكن أدرك
قبلاً أن التشيك لا تقبل اليورو)، وتذكرت مشهد عسل أسود عندما نصب سائق الأجرة
المصري علي أحمد حلمي في التغيير له من الدولار للجنيه المصري. وفي المساء ذهبت
إلي جولة مهمة نهرية لرؤية معالم التشيك، حجزتها عن طريق الإنترنت (حتي لا ينصب
علي مرة أخري)، ورأيت فيها روعة المعمار التشيكي، ورأيت ما يشبه شلالات القناطر في
التشيك لكن بها ألعاب مائية وبيدالو بأشكال بط، ويستمتع بها الشعب التشيكي
والسياح. وفي نهاية الرحلة دفعت حساب المشروبات، وهممت بالخروج مع قرابة ال300
سائح؛ فإذا بالعاملين بالسفينة يمنعون الركاب من الخروج! بخبرتي كمصرية أصيلة خمنت
السبب، وجاء تخميني في محله، فقد هربت ثلاثة طاولات من دفع حسابها، ولا يعرف من
كانوا يجلسزن عليها لمغادرة الجميع لأماكنهم خلال الرحلة. أراد الطاقم احتجاز
الجميع حتي تدفع الطاولات الثلاثة حسابها! إلا أن بعض الركاب تشاجروا مع الطاقم،
وخرجوا من السفينة بالقوة. صدمت لأن موقفًا كهذا لا يمكن أن يحدث في مصر حتي!
وأثناء مغادرتي للسفينة السياحية الأنيقة الغالية، رعبت من رؤية عشرات بيوت
العنكبوت علي الأماكن غير المستخدمة من السفية، وبها أنواع من العشرات والعناكب
الكبيرة التي لم أر مثلها من قبل!
وبعد مغادرتي للسفينة ركبت سيارة أجرة، وعرفت أن سائقها
تلاعب بالعداد لأن الرقم الذي دفعناه في مسافة أقصر صباحًا كان أقل كثيرًا من
الرقم الموجود علي العداد (وصلوا في النصب لمرحلة اللعب في العداد!). في اليوم
التالي حاولت حدز رحلة عن طريق الفندق في معالم التشيك، لكن موظفة الفنادق وجدت
صعوبة شديدة في إيجاد حجوزات لأن شركات السياحية تشك أننا سنغير رأينا إذا لم ندفع
النقود مقدمًا. التشيك هي البلد الوحيد الأوروبي الذي زرته لا يثق فيه أحد بالاخر!
رغم كل ذلك فالخدمة بالفنادق وشركات السياحية في التشيك احترافية للغاية.
تحتفظ التشيك بميراثها الحضاري الشعبي الممثل في فن
الماريونت، ومسرح الماريونت فيها، والعرائس التي تباع في محلات الهدايا من الأفضل
في العالم. والميراث الشعبي القصصصي التشيكي ممتليء بقصص الرعب، وقصص الساحرات
الشريرات، وهناك جولة سياحية مشهورة بالتشيك تسمي بجولة مدينة الأشباح؛ حيث يسرد
فيها الميراث القصصي المخيف في التشيك. وللأمانة، فقدت شعرت بالرعب وأنا أراقب
مباني التشيك الجوثيك ليلاً، وحولها الطيور، علاوة علي الحشرات السوداء والبيضاء
الضخمة المرعبة، وعرائس الماريونت المخيفة!
ككل الدول التي كانت شيوعية ذات يوم، فالأسعار بالتسيك
ليست مرتفعة وتقارب الأسعار في مصر أو تدنوها لكن المشكلة الحقيقية هو صعوبة بلوغ
السعر العادل للسلعة نتيجة لمحاولات النصب المستمرة في كل مكان علي السائحين. وأشهر
مركز تجاري في براج هو البلاديم. ويوجد في أعلي دور منه محلات لبيع أهم إنتاج مميز
للتشيك، وهو الكريستال البوهيمي. فالتشيك هي البلد الأم للكريستال البوهيمي،
وأسعار الكريستال البوهيمي بها تعد منخفضة جدًا مقارنة ببقية أوروبا، ومنخفضة
نسبيًا مقارنة بمصر؛ فسعر الكريستال البوهيمي يصل في بعض الحالات في مصر لأربعة
أضعاف أو خمسة أضعاف سعره في التشيك. كما أن محلات الكريستال البوهيمي في التشيك
تقدم أيضًا منتجات الزجاج المورانو الذي تشتهر به جزيرة المورانو في إيطاليا لكن
بسعر منخفض قد يبلغ عشر سعر إيطاليا.
الثقافة في التشيك ثقافة عشوائية للغاية، ولا بوجد بها
نظام حتي في محطات الحافلات، وظللت أنا وأمي عاجزتان عن إيجاد أي لافتة توضح مكان
حافلتنا إلي سلوفاكيا لأكثر من ساعة، وفي النهاية، وجدنا أننا سنركب حافلة إلي
المجر ستقف في سلوفاكيا، ولم يخبرنا أحد بذلك، والشعب التسيكي لا يحب مساعدة أحد،
ولا يتحدث الإنجليزية كثيرًا، وأسلوبه خالٍ تمامًا من الذوق. ولا يوجد حتي نقطة
معلومات في محطات الحافلات أو شاشة إلكترونية بالمواعيد، ولا يتم تجديد محتوي
اللافتات الورقية القديمة. ووجدنا أن حالة الضياع ليست من نصيبنا وحدنا إنما هي من
نصيب بقية السياح كذلك؛ فقل قلقي.