الأربعاء، 29 أغسطس 2018

سلسلة خبرات السفر- ألمانيا-ميونخ



لم أكن أتوقع أن تعجبني ألمانيا، ولم يكن ضمن خططي للسفر أن أزورها يومًا، ولكن علي عكس توقعاتي؛ فإن ميونخ تعد من أكثر المدن التي أعجبتني. كنت خائفة من الصور النمطية السائدة عن الشعب الألماني كشعب عنصري وبارد، رغم أن أكثر من أحببتهم من أساتذة أثروا علي في حياتي، ومنهم أبي الروحي الذي أدخلني الفلسفة هم ألمان. ورغم أن ألمانيا بالنسبة إلي هي الفلسفة، هي أفضل وأهم بقاع العالم في الفلسفة.
لكنني وجدت الشعب الألماني لا يوصف أبدًا بالبرودة بل علي العكس هو شعب لديه مشاعر، وتجارب إنسانية عميقة جدًا بسبب ميراثه الحضاري المؤلم لكنه شعب يضع مسافات محددة، وكل شيء بالنسبة إليه يجب أن يكون محدد المعالم، وعملي. هو شعب كامل من المهندسين! ليس لأن المباني الخرسانية في ألمانيا تكاد تكون من أكثر وأضخم المباني الهندسية في العالم، ولا لتميز ألمانيا في مجال الهندسة إنما لعقلية وشخصية الشعب. الشعب عملي للغاية، ولا يكاد يهتم بأي مظاهر تذكر، كل ما يهمه هو الجودة والعملية، ويظهر ذلك في كل تفصيلة صغيرة سواءًا في المباني أو الملابس أو الأطعمة أو حتي استخدام اللغة. وهو مقارنة حتي بشعوب أوروبا الأخري أقل اهتماما بالإنفاق علي المظاهر، وأعلي اهتماما بالجودة والعملية في كل شيء. طبعا معروف أن الشعب الألماني يهتم بالدقة في كل شيء لكن هناك مبالغة في الصورة النمطية عنه، فالشعب الألماني ليس ماكينات كما يشاع عنه. وهو ليس شعبًا كارهًا للحياة أو للمرح، قد لا يوصف بأنه من الشعوب المرحة لكن لديه بعض الجوانب والعادات المرحة خاصة في مدينة كميونخ.
كل شخص في المجتمع الألماني له وظيفة محددة جدًا، يتقنها بشدة لكنه لا يقوم بسواها أبدًا فمثلاً النادل المسؤول عن مجموعة طاولات محددة في مقهي لا يقبل خدمة أي طاولة أخري مهما طلب منه لكنه سيؤدي وظيفته تجاه طاولاته علي أكمل وجه. الثقافة المجتمعية هي ثقافة عمل لكنها ليست ثقافة عبودية للعمل علي الإطلاق. ومن الأمور الثقافية المميزة في ألمانيا هي ثقافة العام والخاص. فبوجه عام ألمانيا تميل لتكون دولة فيه كثير من الخدمات المجانية أو شبه المجانية، وأسعارها ليست منخفضة لكنها من الأدني في أوروبا الغربية. حتي المواصلات العامة يمكن أوقات أن تركب الحافلة وتنزل دون أن تسأل عن التذكرة. الشعب لا يميل للإنفاق إلا في الضروري، وكثير من العادات الاجتماعية تقلل درجة الإنفاق مثل الاكتفاء في أماكن الشرب والأكل بطلب كأس بيرة واحد وإحضار الشخص لطعامه من المنزل كل أجازة أخر الأسبوع. وتقبل هذه الأماكن أن يبقي الفرد بها اليوم بطوله بعد طلب كأس واحد وإحضار طعامه معه.
أماكن شرب البيرة في ميونخ هي جزء كبير من الثقافة الشعبية حيث يجلس الجميع فيها ويتحدثون، وهي شعبية إلي حد كبير. الغالبية الكاسحة من المجتمع تنتمي للطبقة المتوسطة، وتتشارك نفس الأنشطة. عكس الشائع تماما، ألمانيا ليست دولة عنصرية علي الإطلاق بل هي من أكثر المجتمعات اختلاطًا وعدم تمييز. هناك نسبة كبيرة للغاية من العرب في كل مكان بألمانيا، ونسبة كبيرة أيضًا من جنسيات أخري كثيرة. العنصر الأبيض ليس هو المسيطر والأهم أن العنصر الأبيض لا يوجد فقط في المهن المرتفعة، والعناصر الأخري في المهن المنخفضة (مثل كثير من دول أوروبا وكذلك الولايات المتحدة) بل يوجد نوع من الاختلاط في سوق العمل.
البيرة في ميونخ هي أهم ما يميز المدينة وهي من أهم مدن إنتاج البيرة في العالم، وبهم واحدة من أهم ماركات البيرة عالميًا التي تصدر حول أوروبا وخارجها. وفي أكتوبر من كل عام يقام أكبر مهرجان للبيرة في العالم، ويقصده السياح من جميع أنحاء العالم. شرب البيرة في ميونخ له تقاليد، وله أشكال مختلفة من الأكواب يشرب فيها. ونادلات محلات الشرب والأطعمة ترتدين الزي التقليدي الألماني. يوزع قبل تناول البيرة أوراق دائرية مخصصة لوضع أكواب البيرة عليها حتي لا تبذل النادلات جهدًا في تنظيف الطاولات، وتناول البيرة خارج ذه الأوراق يعتبر عدم احترام. هناك رحلات مخصصة بمرشد تقام لشرب البيرة، ويتم اختيار مرشد لديه عائلة تعمل في مجال إنتاج البيرة مثلاً، ويسبق تناول البيرة شرح معلوماتي من المرشد لتاريخ البيرة في ألمانيا، ومعلومات إحصائية عنها. وهناك كثير من القصص الحقيقية والأساطير، والطرافات مرتبطة بالبيرة في ميونخ، ويحرص المرشدين السياحيين حتي في الجولات التاريخية حول المدينة علي ذكر بعض هذه القصص.
من أشهر تماثيل المدينة أسود يتم الإمساك بها لجلب المال، وتمثال لجوليت صدره مطلي بالذهبي، ولمس الصدر يتم لأجل الحصول علي حبيب، وعامود أعلاه تمثال ذهبي للعذراء مريم. ومن أشهر معالم ميونخ ساعة ضخمة محاطة بتماثيل لصناع بيرة يرقصون، وترقص هذه التماثيل بالفعل ثلاثة مرات في اليوم. ومن أهم جولات المدينة الجولة التي تحكي قصة صعود  هتلر والنازية في ألمانيا؛ لأن هتلر بدأ هو ورايخه الثالث من ميونخ لا من برلين. وفي أثناء هذه الجولة يحكي عن واحدة من أكثر الليالي دموية في تاريخ ألمانيا، والتي حدثت في ميونخ "ليلة الزجاج المكسور" والتي أنصح الجميع بالقراءة تاريخيا عنها. ومن أهم معالم ميونخ الأوبرا المنحوسة التي أحترفت ثلاثة مرات تقريبا، والتي أنشأها هتلر. وواحدة من القصص الحقيقية عن البيرة أنه يوم احترقت الأوبرا، حاول الألمان إطفاءها ببراميل البيرة التي أعطت لهم مجانا لإطفاء الأوبرا لكنهم فشلوا لأنهم شربوا البيرة المجانية بدلاً من إطفاء الأوبرا.  أسدأسأ لأأأH



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق