( هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة).
تنويه:" هذا الرأي الرافض للدستور هو
رأي شخصي لي ، و أنا لست خبيرة دستورية ، و لكنه سيكون بمثابة رأي معين لمن
يريد/تريد إتخاذ موقف من الدستور."
بغض النظر
عن كون مشروع الدستور-كما هو معلوم للجميع- مشروع صادر من جمعية تأسيسية كانت
مطعون في شرعيتها ، و بغض النظر عن كونه قد صدر رغم استقالة ممثلي طائفة دينية
كبيرة هي الكنيسة االمصرية بطوائفها الثلاثة، و طائفة سياسية تمثل نسبة ليست
بالهينة مثل من يسمون ب(القوي المدنية). و رغم أنه مشروع دستور فعلاً"
مسلوق" تم إصداره في ستة أشهر ، و الدعاية له في أسبوع واحد! بينما أغلب
دساتير العالم الديمقراطي أخذت سنوات في الإعداد و الدعاية ، ( دستور جنوب أفريقيا
أخذ ثلاث سنوات في إعداده و تعريف المواطنين به و إصداره)،فأنا لدي أسباب أخري في
رفض هذا الدستور الذي طبع بصيغة إسلامية بحكم الأغلبية البرلمانية ، أسباب تتعلق
برفض كثير من مواده .
هناك
من ينادون بقبول الدستور بعيوبه لتمر الفترة الانتقالية ثم تعدليه فيما بعد ، و
هذا فعلاً هراء؛لأن الدساتير ليست مجلس شعب أو شوري أو رئيس وزراء أو جمهورية أو
مجرد مجموعة قوانين ، بل هي السلطة الأعلي في الدولة التي تحدد كل الأسس التي توضع
علي أساسها قوانين الدولة و سياساتها ، و حدود كل سلطة من السلطات إنها أعلي من
سلطة أي مؤسسة أو سلطة في الدولة ،و لذلك لا يمكن التعامل معها كمجرد وثيقة مؤقتة
نمررها بسرعة لتنتهي الفترة الانتقالية كما فعلنا في استفتاء 19 مارس أو انتخابات
مجلسي الشعب و الشوري و الرئاسة .الدستور أهم كثيرًا من انتهاء المرحلة الانتقالية
، ليس ؛لأنه سيستمر ربما لعقود بل ؛لأنه السلطة الأعلي في الدولة ، و القانون الأسمي
الذي تخضع له كل السلطات ، و لا تخالفه أي قوانين.
الأزمة
الأكبر في هذا الدستور – من وجهة نظري – أنه يكرس لدرجة من درجات الدولة الدينية.فالدستور
رغم إبقائه علي المادة الثانية بدون تغيير ،إلا أنه أضاف مادتين أخرتين تغرسان
قواعد الدولة الدينية و هما المادتين الرابعة و التاسعة عشرة و مائتان .فالمادة
الرابعة المختصة بالأزهر وجودها ذاته يدعو للاستفهام ، لماذا تكون المادة الخاصة
باستقلال الأزهر موجودة بالدستور لا القانون ؟ و لماذا إن كانت موجودة لا توجد
مادة أخري عن استقلال الكنيسة ؟ و الأهم أنها تحدثت عن اختصاص الأزهربالشئون
المتعلقة بالشريعة الإسلامية كمصدر وحيد ، و جاءت المادة التاسعة عشرة و المائتان
لتنص علي تفسير مبادئ الشريعة الإسلامية علي أنها "أدلتها الكلية ن و قواعدها
الأصولية، و الفقهية ، و مصادرها المعتبرة ، في مذاهب أهل السنة و الجماعة".
الأزمة
الحقيقية هي أن هذه المواد مجتمعة تشكل أركان للدولة الدينية ، حيث هناك دين تستمد
من أحكامه الفقهية قوانين الدولة ، و هناك جهة وحيدة في الدولة تختص بتفسير هذا
الدين ، و تفرض أحكام هذا الدين الفقهية بتفسير هذه الجهة الوحيدة علي جميع أفراد
الدولة حتي غير المؤمنين بهذا الدين !
الأزمة هنا أن الأزهر يمثل جهة وحيدة تتحكم و تسيطر علي الدولة باسم الدين
؛لأنها هي التي تتحكم بشريعة القوانين دينيًَا و أيضًا دستوريًا ، و هي بذلك تتقمص
دور السلطة الدينية المهيمنة و المتفردة بالحكم في الدولة الدينية . ليس هذا و حسب
بل إن هذه القوانين ذات المرجعية الدينية الإسلامية ستكون ملزمة جبرًا لكل أفراد
الدولة باسم الدين ( و بذلك يكفر من يرفض قانونًا من الأزهر ) ،و أيضًا باسم
الدستور الذي يحدد فقه الإسلام بالمصدر الرئيسي للتشريع. هذا يحول الأزهر بكل
بساطة لدولة فوق الدولة تحتمي من النقد و من رفض قوانينها بدرع الدين.
و هذا طبعًا يخسف من جهة أخري بقيمة العدالة لغير المسلمين ؛ لأنهم مجبرون
علي الإنصياع لقوانين تكتسب شرعيتها و أحكامها من الإسلام الذي لا يؤمنون به ، أنا
أرفض هذا الظلم و أتحدي أنه لو كان أي من الإسلامين أو حتي من المسلمين العاديين
الذين يؤيدون هذه المواد مكان المسيحيين و كنا في دولة مسيحية ، قرر فيها الدستور
أن تختص فيها الكنيسة الأم بتفسير أحكام المسيحية و تلزم جميع أفراد الدولة بما
فيهم نحن – المسلمين- بقوانين شرعيتها و أحكامها من المسيحية ، و تفسرها الكنيسة
أننا كنا سنقبل بهذا الدستور و نشعر أنه يمثلنا.
و نحن أيضًا هنا كاذبون ؛لأننا من جهة ندعي أمام الغرب أننا وطن واحد لا
يوجد به ما يسمي أقلية و أغلبية ، وثم نعود لنصيغ دستورًا يفرض أحكام و فقه ديننا
نحن -لأننا الأغلبية- ، علي من لا يؤمنون بديننا فقط ؛لأنهم الأقلية و نحن داخلنا
نؤمن بأنهم الأقلية لذلك يجب أن يخضعوا لنا و لديننا الذي نراه نحن الحق .
و في ذات السيق هناك مادة ( حرية العقيدة ) و التي تمنح أصحاب الديانات
السماوية فقط حق ممارسة شعائرهم الدينية و أيضًا (في الإطار الذي ينظمه القانون).
و هذه المادة كنت قد ناقشتها أصلاً في مقال سابق ؛ و لكني سأقول هنا اختصارًا أن
هذه المادة بكل بساطة تنكر حق مصريين في ممارسة شعائرهم ( مثل البهائيين) فقط
؛لأننا لا نؤمن بدياناتهم ، و نري –نحن المسلمون الأغلبية- أن دينهم لم ينزله الله
–عز و جل- ؛و لأننا –نحن الأغلبية- لا نؤمن بدينهم لا يحق لهم أبدًا أن يمارسوا
شعائرهم الدينية ؛لأننا نؤمن و (يجب أن نخضعهم لإيماننا) أن دينهم مفتري و أنهم
كفرة ، و لذلك سنمنعهم لا بالقانون بل بالدستور من أن يمارسوا هذا الكفر ، و هذه
هي حقيقة هذه المادة . إننا بالدستور نعلن كفرنا بالحرية ، و نعلن أننا سنعطي
الحرية الدينية لمن نؤمن بكتبهم و حسب. و لكن لدي سؤال واحد ، لماذا نلوم الغرب
علي تقويضه لحرية ممارسة المسلمين لشعائرهم الدينية ، و نعلن العداء له و الجهاد
عليه ؟ أليس هو أيضًَا بأغلبية مسيحية لا تعترف بالإسلام و تعتبره دين مفتري ، و
بذلك يحق له مثلنا أن ينكر علي معتنقي الدين الذي لا تؤمن به أغلبيته من ممارسة
شعائرهم الدينية ؟
رغم أن الحرية الشخصية " مصونة لا تمس" ، و بعد مواد كثيرة تتحدث
عن حصانة الحريات تأتي المادة الحادية و الثمانين لتنص في اّخرها علي عبارة "
و تمارس الحقوق و الحريات بما لا يتعارض مع المقومات الواردة في باب الدولة وو
المجتمع بهذا الدستور" بما يعني " بما لا يخالف مبادئ الشريعة
الإسلامية" كما كان يفضل السلفيين .و هذه المادة فوق الكارثية. بكل بساطة هذه
المادة تعني أن الدولة الدينية المكونة بأركانها الدستورية تستطيع أن تقيد حرية أي
إنسان/ة في أي لحظة طبقًا لتقدير ديني . مما يعني بكل بساطة أنني شخصيًا كأديبة
يمكن أن يمنع كتاب لي بحجة أنه يخالف الشريعة الإسلامية بأمر الأزهر كما حدث مع
(أولاد حارتنا) قبل فوزه بجائزة نوبل . أو يمكن أن تفرض قيود علي حرية الإعلام و
الصحافة أو الإبداع بحجة أن طريقة تناول الموضوعات فيهم تخالف مبادئ الشريعة
الإسلامية . و يمكن أيضًا أن يتم التدخل في الحريات الشخصية للأفراد بإصدار قوانين
مقوضة لها بحجة أنها تخالف مقومات الدولة و المجتمع.و الأسوأ من كل هذا أنها قد
تصير سيفًا في يد الأزهر إن تحالف مع الحكام يسلط علي رقاب المعارضين و لا أريد
كلامًا ورديًا عن استقلال الأزهر ، و نزاهة رجاله وعدم خضوعهم لحاكم ؛السياسة ليس
فيها حسن نية، رجال الأزهر سيتحولون إلي رجال سياسة يفسرون أحكام الشريعة لتصير
سندًا دستوريًا و ليس بعيدًا عليهم أبدًا ؛لأنهم بشر أن ينحازوا لحاكم ؛لأنهم
يرونه ينصر الدين حتي و لو علي حساب معارضيه ، و لا نحتاج أن ننظر بعيدًا في
التاريخ لنري مأساة (ابن المقفع) و لكن يمكننا أن ننظر فقط إلي بلد ليست بعيدة عنا
كثيرًا تسمي (إيران)، أو ننظر إلي السعودية أو حتي البحرين ، حيث كفر من خرج في
المظاهرات ؛لأنها حرية من الحريات و لكنها في نظر رجال الدين تصير مخالفة لقواعد
الإسلام ‘ن تضمنت خروجًا علي الحاكم.
فيما يخص حرية الإعلام هناك المادتين الخامسة عشرة و المائتان و السادسة عشرة
و المائتان و اللتان تنصان علي حرية الإعلام و لكن تحددان جهتين منوط بهما الإشراف
عليه هما "المجلس الوطني للإعلام "و " الهيئة الوطنية للصحافة و
الإعلام" و لم ينص الدستور أبدًا علي إلغاء عقوبة الحبس في جرائم النشر. و
هذا لا يعد أي تطور يذكر ، فقد تم استبدال مجلس الإعلام السابق بالمجلس الوطني
للإعلام" كرقابة حقيقية علي مضمونه ، و استمر الصحفيون مهددون دائمًا
بالتشريف في السجن ،و بذلك لا عزاء لحرية الإعلام حقًا ، بل كما كانت ،حرية نظرية مراقبة
مهددة.
أما عن وضع المرأة و الطفل و
المعاقين في الدستور ،فهو وضع مخزي ينكر عليهم حقوقهم كمصريين ، فالدستور لا يكاد
يشير للمرأة إلا في المادة العاشرة و التي تتحدث عن رعاية الدولة للأسرة المصرية و
تكتفي للإشارة لدور الدولة في مساعدة المرأة العاملة علي التوفيق بين عملها و
بيتها و حقوق المرأة الأرملة و المعيلة و المطلقة في الرعاية ، و كأن هذا هو كل حق
المرأة علي الدولة ، مع إغفال تام لحقيقة أن مسؤولية ضخمة تقع علي عاتق الدولة
فيما يخص تمكين المرأة و إعطائها حقها في تولي جميع مناصب الدولة ، و هناك من
دافعوا عن إغفال حقوق المرأة في الدستور بأنها مواطنة و لها ذات الحقوق التي نص
عليها الدستور للمواطن ،و لكن هذا غير صحيح ؛لأنه لو كان الوضع كذلك لما أصر
واضعوا الدستور علي عدم مساواتها بالرجل ، و علي ذكرها في موضع وحيد هو دورها في
الأسرة. كما أنه بتناقض استمرت كوتة ( العمال و الفلاحين ) و التي تبلغ الخمسين
بالمائة و رفضت كوتة المرأة.
أما عن الطفل فقد تم ذكر حقوقه في
مادة يتيمة ضعيفة هي المادة السبعين ، و فيها تم تجاهل ذكر حقه في الجنسية و
الترفيه و التقدير و حمايته من الإيذاء البدني و العقلي و حقوق أطفال الشوارع و التزم
الدولة تجاههم ،و تم تحديد عمالة الطفل بعبارة مطاطة هي "في أعمال لا تناسب
عمره أو تمنع استمراره في التعليم " و هي قابلة للتأويل ،فكثيرون قد يرون أن
أعمالاً كثيرة تناسب عمر الطفل و لا تعوقه عن التعليم و هي ليست كذلك.
حقوق المعاقين ذكرت في المادة
الثانية والسبعين و تغاضت عن حقهم في نسبة لائقة من الأماكن في العمل و الدراسة و
المناصب و حقوقهم المساوية لباقي المواطنين في جميع نواحي الحياة و المشاركة
السياسية .
المواد (الأربعة و الثلاثين و المائة ) و (الستة و الخمسين و المائة) و
اللتان تتحدثان عن شروط اختيار رئيس الجمهورية و رئيس الوزراء تنكران حق ملايين
المصريين في مباشرة حقهم السياسي في السعي للوصول إلي المناصب العليا في الدولة
فقط لكونهم ولدوا ليجدوا والديهم قد اختارا حيازة جنسية دولة أجنبية ، أو ؛لأنهم
أحبوا ذات يوم طرف اّخر و اقترنوا به/ا و هو /هي ليس/ت مصري/ة. هل نؤمن أن كل
مصري/ة أباه أو أمه يحمل/تحمل جنسية دولة أخري لا يحمل/تحمل الانتماء و الولاء
الحقيقي لمصر ؟ هل كل من أحب/ت غير مصري/ة و قرر/ت إكمال حياته/ا معه/ا لا يحمل
/تحمل انتماًء حقيقيًا لمصر يعطيه/ا الحق في الترشح لرئاستها ؟ من قال أن من لم
يستطع لا هو و لا أبواه الحصول علي جنسية أخري مهما حاولوا أكثر انتماًء ممن عاش
في مصر و أحبها و هام بها عشقًا و لكن والده/والدته فضل/ت الحصول علي جنسية بلد
أخري؟ هل استطيع أنا أن أتحكم في والدي و منعهما من الحصول علي جنسية بلد أخري
قسرًا بسبب طموحي السياسي إن وجد ؟ هل سيكون من النبل أن أرفض رجلاً ليس مصريًا نبيلاً
يحبني و أحبه لمجرد طموحي أنا السياسي ؟ إن فعلت ذلك سأكون امرأة نذلة تفضل
طموحاتها السياسية علي من يحبها و حينها لن أصلح لرئاسة شركة لا لرئاسة مصر. و لكن
للأسف واضعوا هذه المادة من أؤلئك الذين يفضلون أن يحكم مصر مصري/ة لا يحمل/ لا
تحمل انتماًء حقيقيًا لمصر و لكنهم لم تسمح له/ا الفرصة لا هي/هو و لا أهلهم في
اقتناء جنسية دولة أخري ، و إنكار حق مواطنين مصريين اّخرين قد يكونون أكثر تيمًا
بمصر لمجرد أنهم ولدوا ليجدوا أهلهم يحملون جنسية أخري .(ملحوظة : أنا ليس لدي هذا
الطموح السياسية ، و ليس لدي خاطب أجنبي!)
لدي اعتراض
ليس شديدًا علي المادة الثامنة و العشرين و المائة التي تتحدث عن حق الرئيس في تعيين
عشر عدد الأعضاء المنتخبين في مجلس الشوري ؛لأنني أري ذلك تدخلاً في أعمال السلطة
التشريعية من رئيس السلطة التنفيذية حتي و إن كان محدودًا.و لكن أزمتي الحقيقية في
إعطاء الرئيس و هو رئيس السلطة التنفيذية و المخطط الرئيس للسياسية العامة لها صفة
( الحكم بين السلطات) ، فكيف يكون هذا ؟ فهل لو اصطدمت السلطة القضائية بالسلطة
التنفيذية سينحاز الرئيس للسلطة التنفيذية التي يترأسها علي حساب السلطة القضائية
؟ و لو اصطدمت السلطة القضائية بالتشريعية ،و كان يتبع حزب الأغلبية البرلمانية
،هل سينحاز ضد السلطة القضائية ؟ و إن حدث تصادم بين الرئيس والأغلبية البرلمانية
في السلطة التشريعية إن كان كل منهما من توجه سياسي مختلف ، هل سيستطيع دعم السلطة
القضائية ضد السلطة التشريعية ويزج بالقضاء في السياسة بصفته ( الحكم بين السلطات
)؟
و أيضًا هناك المادة التاسعة و الأربعين و
المائة و التي أرفضها جملة و تفصيلاً.و هي المادة التي تتحدث عن حق الرئيس في
" العفو عن العقوبة أو تخفيفها "و هي مادة تعد بالنسبة لي تدخلاً صارخًا
خطرًا في سير العدالة و السلطة القضائية. فهذا يعني أن الرئيس سيكون لديه الحق في
العفو عن من يشاء ، و خاصة أن مسألة "العفو الشامل " تركت للقانون ، أي
أن الرئيس يمكن في حالة وضع قانون يسمح له بذلك أن يعفو بشكل شامل عن من يشاء في
أي جريمة كانت ، و أنا أؤمن أن الركن الراسخ الأهم في العدالة كقيمة ألا يكون لشخص
أيًا كان الحق في العفو عن مجرم/ة أو حتي تخفيف عقوبته/ا إلا القضاء ، و أن وجود
إنسان/ة ( حتي و إن كان يحمل لقب الرئيس) لديه/ا هذه السلطة هو وضع سلطة بشرية
عليا ترتفع عن مرتبة العدالة .هذا من ناحية القيم ، أما من الناحية العملية فرئيس
الجمهورية يبقي بشرًا و من غير المعقول تأمين بشر علي مثل هذه السلطة و نحن
متيقنون أنه لن يسئ استخدامها ليعفو عن من يشاء لمجرد ميل شخصي أو سياسي.
هناك شعور عام يعطيه
هذا الدستور بأنه دستور مؤقت أو انتقالي ، فمن ناحية هناك دعوي خرقاء لتمريره بشكل
مؤقت ثم تعديله فيما بعد و من ناحية أخري هناك باب كامل عن الأحكام الانتقالية
فيه. رغم اعتراضي علي صبغ الدستور بالصفة الانتقالية أو المؤقتة ،إلا أنني مجددًا
كنت سأتغاضي عن هذا الأمر إلا أنني استوقفتني مادة كارثية جديدة ترتدي عباءة
المادة الانتقالية.
المادة الثانية و الثلاثين و المائتان و التي تتحدث عن ما يعرف بالعزل
السياسي لرموز الحزب الوطني ربما تبدو مادة ثورية براقة تحمي البلاد من فزاعة
" الثورة المضادة" و لكنها مادة خطرة ؛لأنها تحصن قانونًا غير دستوري و
تصبغه شكلاً دستوريًا و هو قانون يتعارض مع كل مواثيق حقوق الإنسان و قوانين
العالم الديمقراطي لسبب بسيط ؛لأنها تمنع مواطنين مصريين من ممارسة حقوقهم
السياسية غصبًا بدون صدور أي حكم جنائي يدينهم فقط ؛لانتمائهم لحزب سياسي أو نظام
سياسي مخلوع ،بدون حتي إثبات أي جرم عليهم.أنا لن أدافع عن نفسي و أقول أنني لست
فلة ، و لكني سأقول أنني أدافع ليس عن رموز سياسية أرفضها و لن أرشحها ، أو قد
تكون متحملةً ضميريًا مسؤولية ما اّل إليه حال مصر ، و لكن عن مبادئ دولة القانون
و الحقوق. ربما يكون رموز الحزب الوطني أشخاص فاشلون و ربما متحملون لوزر ضخم يشمل
كل ما أوصلوا مصر إليه ، و لكنهم إن لم يثبت جرمهم الجنائي لديهم الحق كمواطنين
مصريين في مباشرة جميع حقوقهم السياسية و منعهم هذا لحق بمادة دستورية هو إعطاء
شرعية دستورية لما هو غير شرعي و يسلب
مواطنين مصريين حقوقهم بدون مساءلة قانونية . و هي سابقة خطيرة في حد ذاتها ؛فإن
سمحنا اليوم بسلب حقوق من ينتمون للنظام السابق ممن لم يثبت القضاء فسادهم ؛لأنهم
كانوا جزًء من نظام رفضناه و أسقطناه ، فسيأتي اليوم الذي تنتهك فيه الحقوق
السياسية لمواطنين اّخرين لمجرد انتمائهم أو فكرهم السياسي.هذا سيحدث ؛لأننا سنكون
قد وضعنا حجر الأساس لصبغ الشرعية و الدستورية علي انتهاك الحقوق السياسية
للمصريين حتي و إن كانوا من رموز النظام السابق.
و نحن نتشدق كثيرًا بالديمقراطية و وعي الشعب و يتهم المثقفون دومًا بفرض
الوصاية علي الشعب من كثيرين علي رأسهم الإسلاميين ، فلماذا الاّن بالذات نكفر
بالديمقراطية و وعي الشعب و نقرر أن نمنع رموز النظام السابق من مباشرة حقوقهم
السياسية لخوفنا من اختيار الشعب لهم بالمسار الديمقراطي؟
المادة الثالثة و العشرين و المائيتان تنص علي أنه يجوز " في غير
المواد الجنائية و الضريبة " النص علي أن تسري أحكام القوانين علي ما يقع
قبلها بموافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب.هذه المادة شديدة الخبث ؛ فهي –في رأيي-
تقصد ( الجرائم السياسية) وإن كان الأمر كذلك فهي مادة شديدة الخطر و لم ينتبه لها
أحد ، فهي تخل بجميع الأعراف الدستورية و القانونية في العالم و تسمح بمحاكمة
المتهمين بأثر رجعي في الجرائم السياسية ، أي أن يصدر قانون جديد عن الجرائم
السياسية يطبق علي من تثبت عليهم الجرائم السياسية في السابق ، و هذا هو منبع
الفساد التشريعي و السياسي فهو يفتح الباب لتفصيل القوانين التي تحاكم كل سياسي
بأثر رجعي ، و هذا القانون قد يستخدم الاّن لتصفية رموز النظام السابق و محاكمتهم
سياسيًا و لكنها ستكون مستقبلاً وسيلة مثلي لتهديد و ترهيب و ربما تصفية الرموز
السياسين بتفصيل قوانين يتهمون بالفساد السياسي و يحاكمون علي أساسها بأثر رجعي.
هذه المواد هي السبب الرئيسي لرفضي لهذا الدستور
؛فأنا لن أصوت ب "نعم" أبدًا لدستور ينتهك حرية العقيدة ، و يغرش أعمدة
الدولة الدينية ، و يمنع المصريات و الأطفال و المعاقين حقوقهم ،و يدعي إعطاء
الحريات للإعلام و للإبداع و للإنسان ثم يعود ليقيدها بطرق ملتفة و باسم الدولة
الدينية، و يعطي الرئيس صلاحيات أنكرها له ، و يكرس لإصباغ الشرعية لانتهاك حقوق
المواطنين ( حتي و إن كانوا من النظام السابق) بدون إدانة جنائية ، و ينص علي
سابقة خطرة و هي المحاكمات بأثر رجعي.لذلك سأقول "لا".