( هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة ).
نحن نعاني من الغزو الثقافي و الاحتلال
الخالي من الأسلحة .احتلال و استعمار يقلعنا من جذورنا و حضارتنا تدريجياً ، و
ربما ان استمر الوضع علي نفس المنوال سنفقد خلال الجيلين القادمين-علي أحسن
تقدير-هويتنا الوطنية و الحضارية.أجيال كاملة اجثت من جذورها ووجدت نفسها ضائعة
داخل دوامة الصراع بين هويتها الأم و هوية المستعمر الذي تعشق ثقافته عشقاً
.البناطيل الجينز ، الأفلام الأجنبية ، المسلسلات التركية ، الرسوم المتحركة
الأمريكية و اليابانية، المطاعم الأمريكية ، المياه الغازية الأمريكية ، المدارس و
الجامعات و الدبلومات الأمريكية و الفرنسية والانجليزية ، العباءة الخليجية و
البرامج الدينية الوهابية و الجلباب الخليجي،هوية ثقافية مشوهة و ضائعة بين المشرق
و المغرب و دوامات صراع ما بين الهوية المصرية و الخليجية و الغربية و الاّسيوية
.تكاتف من كل الجهات علي هويتنا و المصيبة أننا نستسلم و نسلم عقولنا و قلوبنا
فرحين لهم جميعاً تارة بحجة التدين و تارة بحجة التمدن. مقدمة طويلة ضد قواعد المقال ،لا يهم ،مقال
عبارة عن أفكار للردع الهجومي،نحن غزونا الاّخر و مسح و مسخ ثقافتنا و يجب علينا
أن نرد عن طريق أفكار و أسلحة غزو ثقافي مصري للعالم .
أولاً و كعادتي أبدأ بالنشء بالبراعم الصغيرة التي ستحمل الهوية ذات يوم و
ان لم تغرس فيها ستظل ضائعة متخبطة أبد الدهر.لماذا جميع رسومنا المتحركة عاجزة و
متخلفة و تسخر من عقول الأطفال؟ لماذا لا توجد شخصية رسوم متحركة واحدة قوية و
شهيرة مصرية ذات صدي عالمي؟لماذا لا نصنع رسوماً متحركة أبطالها مصريون من عصور
القدماء المصريين و العصر القبطي و الاسلامي؟ لماذا لا نستغل الأساطير المصرية
السخية العبقرية المشوقة في تصميم رسوم متحركة تأسر ألباب الأطفال في جميع أنحاء
العالم كما تفعل اليابان ؟هناك تحذير يطلقه اليمين في أمريكا الاّن من تأثير
الرسوم المتحركة اليابانية المستمدة من التراث الياباني التاريخي علي عقيدة و قيم
النشء الأمريكي ،لماذا لا يأتي اليوم الذي يحذر فيه اليمين الأمريكي من تأثير
رسومنا المتحركة علي عقيدة و قيم و ثقافة
النشء؟نحن نملك تراث سخي و متعدد و أساطير عبقرية ،لماذا لا نبتكر منها الرسوم
المتحركة التي تغزو أفئدة أطفال العالم؟لماذا لا يكون مسرح العرائس و الأراجوز
الذي هو من أصيل ثقاتنا موجوداً بقوة في جميع أنحاء العالم و خاصة لمرحلة الأطفال
دون العاشرة ،و هو أكثر جاذبية من العرائس
الضخمة المخيفة الأمريكية.
ثانياً الملابس المصرية و الاكسسوارات و العطور،و هو موضوع كتبت عنه من قبل
، و فكرتي تتلخص في اقامة بيوت أزياء مصرية تصنع ملابس و اكسسوارات بتصميمات مصرية
فرعونيةو اسلامية و فلاحية و سيناوية و بحرية و نوبية تشكل كافة ثقافات مصر و تكون الأزياء ملائمة
لجميع الأذواق الرسمية و غير الرسمية و منها جلاليب تناسب المحجبات و ملابس بحر
عليها رسومات فرعونية و أشكال اسلامية لغير المحجبات ، و تناسب كل الثقافات حتي
أننا بامكاننا تزين الملابس الهندية نفسها بأشكال مصرية.و نفس الأمر بالنسبة
للاكسسوارات ، محال بيع الذهب يكون لديها تشكيلة رائعة من الحلي الفرعونية ،لماذا
لا نصدر هذه التشكيلات ؟ و لماذا لا نصدر الاكسسوارات الرخيصة مثل الحلقان الضخمة
الفلاحي الي العالم ؟يمكننا حتي ابتكار أشكال جديدة من الاكسسوارت الرخيصة من
تراثنا المتنوع تناسب كافة الأذواق.أما العطور ، فنحن لسنا متميذين فيها
كالخليجيين و لكننا نملك مجموعات متنوعة من العطور المصرية المميزة الفريدة مثل
(سر الصحراء)و (عايدة) و يمكننا ابتكار عطور جديدة مصرية و تصديرها .
ثالثاً المطاعم، أكثرنا الاّن أدمن الوجبات السريعة ليس بسبب عدم وجود وقت
للطهي وحسب و لكن أيضاً لجاذبية الوجبات السريعة و التعود عليها و في أغلب بلدان
العالم الاّن الوجبات السريعة تشكل شكلاً غذائياً اّسراً و لا قبل لأحد بالاستغناء
عنه. الصين استغلت ذلك و بدلاً من ترك الهامبورجر يغزوها صدرت هي السوتشي كوجبة
سريعة صينية لجميع أنحاء العالم .نحن نستطيع تصدير أكلات كالكشري و المحشي و
الملوخية و الفول و الطعمية و البصارة و غيرها ، و كما تدعم أمريكا المطاعم
الأمريكية في شتي الدول و تدفع معونات اقتصادية لتسهيل الفرص للمطاعم الأمريكية
،يجب أن تدعم الحكومة المصرية المطاعم المصرية الشهيرة و تيسر لها افتتاح فروع في
شتي بلدان المعمورة.و قد فكرت من قبل في أننا لا نطهي مأكولات من التراث الفرعوني
و نسينا أكلات كثيرة مصرية خالصة لم تعد تطهي في أي بيت مصري حتي في مواسمها.لماذا
لا نفتتح مطعماً للمأكولات الفرعونية في مصر بفروع في جميع أنحاء العالم؟ أعتقد أن
هذا المشروع سيحقق عائد هائل لمن سيقوم به ، و ان كان يحتاج لرأس مال ضخم.و لا
ننسي الحلويات المصرية كالعشوراء و المهلبية و أم علي و الأرز بلبن .
رابعاً أزمة بشعة يعاني منها النشء و هي المدارس و الدبلومات الأجنبية التي
تمحو الهوية المصرية باهتمامها الأساسي بلغتها الأم سواء انجليزية أو فرنسية أو
ألمانية أو –مؤخراَ- صينينة و اهمالها التام للغة العربية ، لدرجة خروج أجيال
كاملة عاجزة تماماً عن كتابة قطعة 100 كلمة باللغة العربية.أنا أتمني أن يتطور
التعليم في مصر و حينها ننشيء شهادة موازية للدبلومة الانجليزية و الفرنسية و
الأمريكية تكون عربية .و لا مانع أن نشرك الدول العربية الاّخري في وضع قواعد
الشهادة و تمويلها ، حتي ننشر اللغة العربية في جميع أنحاء العالم ،و لننشأ مدارس
مصرية في دول أفريقيا تدرس العربية بجوار اللغات المحلية و لنبدأ ببعث معلمين
مصريين لتدريب المدرسين المحليين علي تدريس الدبلومة المصرية أو العربية.
خامساً
الفن ، كنا فيما مضي هوليود الشرق ، نقدم أفلاماً مستواها راقِ تصدر ناشرة لهجتنا
المصرية و هويتنا و تأهلت منها أفلام لأهم جوائز العالم .أنا لا أحتاج لذكر
المستوي المنحط الذي بلغته السينما في مصر ، و لكن تطوريها يجب أن يكون أيضاً
اّخذاً في الاعتبار أنها قوتنا الناعمة التي سنغزو بها عقول العالم ،مثلما فعلت
السينما الهندية و الأمريكية و الدراما التركية .انها سلاحنا لنشر ثقافتنا،و لذلك
أري أنه من الضروري انتاج دراما و سينما تاريخية حتي ترسل تراثنا الي العالم .
الأدب الاّن حاله ليست شديدة السوء و لكن ينقصه الكثير ، ربما هناك كتاب
كبار كالأسواني و الغيطاني و القعيد لهم انتشار عالمي و لكن يقتصر انتشارهم علي
طبقة المثقفين ،نحتاج كتاباً يستهدفون الأطفال و الشباب نحتاج كتاب رسوم متحركة و
قصص مصورة و جرائم و خيال علمي و أساطير و اثارة. مثلاً رولينج و أجاثا كريستي
أكثر كاتبات العالم انتشاراً ، كريستي رقم 2 في أكثر الكتاب مبيعاً لكتبهم علي مر
التاريخ بعد شكسبير و الجزء السابع من هاري بوتر من أعلي الكتب مبيعاً علي مر
التاريخ و كريستي هي أكثر الكتاب التي ترجمت أعمالهم الي شتي لغات العالم. ما أريد
قوله أن الأدب الذي يحقق انتشاراً حقيقياً و يصل الي الشعوب لا النخب هو أدب
الاثارة و التشويق و الرعب و الخيال و الأساطير و الرسوم المتحركة الذي ينظر له
باحتقار بين مثقفينا ، و لكنه المفتاح الحقيقي لنشر أدبنا و ثقافتنا لشعوب و نشء
العالم .و لذلك نحتاج أدب اثارة و تشويق و خيال يعتمد علي ثقافتنا و أساطيرنا
المتوارثة و تاريخنا الفرعوني و الاسلامي و القبطي .و معلومة قد تبدو مفاجئة و
مضحكة ، مسلسل الرسوم المتحركة العالمي الذي حقق انتشاراً مليونياً و عائدات
مليارية لما يقارب عقدين من الزمن الاّن (يوجي اّو)الياباني مستمد كلية من التراث
الفرعوني ، حتي أبطاله!و لا ننسي الأدب الساخر الذي يميز ثقافتنا الأم و شخصيتنا
الحضارية الساخرة بطبعها من كل شيء بذكاء فريد.
وطبعاً لا قيمة اطلاقاً للأدب و السينما ان لم يكن لدينا مؤسسة قوية
للترجمة تقوم بترجمة الأعمال المصرية الي شتي لغات العالم ،لتنشر ثقافتنا لدي
الجميع.
الموسيقي
و الرقص ضلع أساسي من ضلوع الحضارة ، و أنا أعرف كثيرين لا يسمعون اطلاقاً أغانٍ
مصرية و يعكفون علي سماع أغانٍ يابانية و أمريكية ،و فتيات لا يعرفن كيف يرقصن
رقصاً مصرياً و يتقنون رقصات أمريكية .نحن نملك تراث رقصات متنوع شرقي و نوبي و
بدوي و فلاحي و بحري و لكنه ثلاشي تماماً ، حتي لم يعد الرقص الشرقي موجوداَ الا
في المقاهي الليلية لمتعة السائحين العرب ، و حتي لم نعد نعرف ما هو الرقص الفلاحي
أو النوبي الا من الأفلام.و معلومة هامة،الرقص عند النوبيين جزء أساسي من الثقافة
و من الحياة اليومية الذي لم يتغير أبداً .نحن أهملنا فرقة رضا ،لماذا لا نعيد لها
رومقها و قوتها و ننشأ فرق رقص شعبي اّخري ؟لماذا لا نعزف موسيقي راققية من تراثنا
الشرقي و تنسجم مع ايقاعات الرقص؟لماذا لا نعيد الرقص الشعبي لرونقه بدلاً من
العنب و حتحنتر؟أنا لا أريد فرق رقص شعبي نخبوية للأوبؤا ،أنا أريد رقصات موازية
للرقصات الأمريكية تناسب حفلات المدارس و أعياد الميلاد و الأفراح و ترقي بالذوق
الشعبي بدلاً من القرف (أريد كلمة أقوي)الذي نسمعه في سيارات الأجرة و في مراكب
النيل.الموسيقي الشرقية أفضل نموذج لها (عمر خيرت) ،أريد نماذج مثله تمذج موسيقانا
الشرقية بالغربية بدلاً من التسليم التام للموسيقي الغربية مثل ما يفعله معنيو
الراب الاّن. و عبد الوهاب أول من تمكن من تحقيق المعادلة الصعبة في مزج الموسيقي
الشرقية و الغربية.
سادساً مشروع شديد الضخامة و ميزانيته هائلة و هو مشروع قرية فرعونية في كل
عاصمة من عواصم العالم.زرت القرية الفرعونية من قبل و خطر في بالي أننا نحتاج
لانشاء شبيه لها في كافة عواصم العالم لتعطي فكرة عامة لدي كل فرد في العالم عن مصر
و تاريخها و تراثها و هذا-بلا شك- سيزيد من انبهار الكثيرين بمصر و رغبتهم في
زيارتها و هذا سيعزز السياحة ، علاوة علي لعب دور هام في نشر الثقافة المصرية ،و
سيعرف أولئك الذين لا يعرفون عن مصر سوي أنها صحراء فيها جمال ،أننا لدينا ثقافة
هامة و متطورة و متنوعة و ثرية،باختصار سيغير الصورة
النمطية عن مصر في العالم.
ما
أريده هو أن ننشر ثقافتنا و نؤثر في الاّخر كما يؤثر فينا ،ونعرفه الجميع بحقيقتنا
و ثقافتنا و نزيل الصور النمطية المتخلفة عنا ،و نحقق قوة ناعمة منقطعة النظير لنا
ننافس بها حتي الدول العظمي و نغزوها ثقافينا كما فعلت بنا، و أهم شيء أننا سنجد
هويتنا المفقودة.