( هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة).
ما
سيحدث اليوم ربما سيستحق أن يدونه التاريخ كتفويضٍ من شعبٍ كاملٍ لحكامه بالقمع . اليوم سينزل
الملايين ليقولوا كلمتهم ، ليقولوا أنهم يدعمون السيسي زعيمهم الجديد ، ليقولوا
أنهم يدعمون القمع لكل ما هو إخواني باسم " محاربة الإرهاب" ، اليوم
سيقولون كلمتهم ، سيفضون لإغراق الشوارع بالدماء.
مصطلح
" مقاومة الإرهاب" مصطلح مستهلك ، مصطلح نعرف جميعًا كيف يستخدم لتبرير
القتل و التنكيل بالأطفال في سوريا. نعرف كيف استعمل لتبرير جرائم أمريكا في
العراق و أفغانستان و باكستان. نعرف كيف استخدم لسنوات طوال في تبرير كل صور القمع
و سلب الحريات باسم الطوارئ في مصر. كلنا نعلم أن "مقاومة الإرهاب" حجة
مكررة و مملة لكافة صور القهر ، و القمع و إرهاب الدول. نعرف و بكل إصرار نمضي خلف
الحجة ، و نبدأ طريقًا سلكناه و سلكه غيرنا من قبل نحو القمع و الظلم و الدم باسم " مقاومة الإرهاب".
السيسي لا يدعو لدعمٍ في مقاومة الإرهاب ،
فالجيش يحاربه منذ أعوام في سيناء ، و الدولة كانت تحاربه قبلاً في كل ربوع الوطن
، في التسعينات. الدولة لا تحتاج تفويضًا من الشعب لمقاومة الإرهاب ، هذا عملها. و
لكن ربما يكون ما يطلبه السيسي هو تفويض بالقمع ( و مبدئيًا قمع الإخوان) من الشعب
، تفويض بقتل المعارضين السياسين.إنه يطالب بشرعية لما يصفه ب(التصدي للإرهاب) و الذي
لا نعرف بالضبط ما وصفه. هو لم يقل كيف سيتصدي ، هل سيفتح النار ؟ هل سيضع الدولة
تحت أحكامٍ عرفية ؟ و إن كان ذلك صحيحًا، فما هي الأحكام العرفية التي سيخضعنا لها
؟ هل سيفتح السجون علي مصرعيها لمن يسميهم
"الإرهابيين" ؟ و لم يقل ما تعريفه لكلمة "إرهاب" . هل هو شهر
السلاح في وجه المدنيين ؟ هل هو القتل لفرض نظام سياسي معين ؟ هل هو ترويع الشعب ؟
أم أنه حتي مجرد التظاهر و الحشد لدعم مرسي و الإخوان ؟ أم أنه مجرد الهجوم علي
الإطاحة بمرسي ؟
لم
يحدد أي شيء ، عوم كلامه ، و استخدم مرادفات شديدة الخطورة تحتاج لتعريفٍ دقيق حتي
لا تتسع لتشمل كل صور القمع ضد المعارضين ، لكي لا تجيز بحار الدم . و مع ذلك
كثيرون أيدوه ، و اعتبروه بطلاً ، و الإعلام سواًء العام أو الخاص وقف في ظهره
بقوة يعبيء الجماهير لتنزل و تعطي التفويض الأعمي ، لتمضي علي عقد لا تعرف بنوده ،
كل ما تعرفه عنوان عريض في أعلي الورقة يسمي " التصدي للإرهاب". و ربما
قريبًا جدًا ستكتشف الجماهير أنه نصب عليها ، و أن العقد يبيعها أغلي ما تملك ، ما دفعت كل شيء حتي الدماء لأجله،
يبيعها "الحرية".
كل ذلك
يتم الاّن و هناك زعيم ، موثوق فيه ، مبجل ، معشوق في أعلي الصورة. كل ذلك يتم و
السيسي بطل مضمون ، يمضي علي العقد ؛لأن اسمه ينور الورقة. و لا أحد يتعظ أن النية
الحسنة لا توجد في السياسة ، و أن إحسان الظن فيها مفتاح لبابٍ تقبع خلفه الجرائم
، الخسائر ، و الدماء. لا نتعظ من إحسان الظن بناصر (الزعيم الثوري العسكري) ، و
لا حتي بمرسي الذي أطيح به للتو ، و الذي ظل أنصاره يقولون للجماهير أن تحسن الظن
به عندما استحوذ أو أخضع كل السلطات له ، و الذي حاول أن يبدو زعيمًا ثوريًا
أيضًا. القمع يحتاج لشيء من اثنين إما الزعيم أو الأغلبية ، و الاّن السيسي يملك
الزعامة، و يطلب اليوم الأغلبية.
لا أريد أن أشكك بأحد ، و لا أن ألقي
التهم جزافًا ، و لكني فقط أريد لحظة وقوف مع الذات و تأمل للخطوة التي سترتكب
اليوم . أريد لحظة تفكير ، تأني ، إدراك لحقيقة التوقيع الذي سيوقعه الشعب اليوم.
أريد تأملاً لمعني ذلك التوقيع ، لحدود ذلك التفويض و الجهة الموجه ضدها .أريد
مراجعة أخيرة للذات قبل ألا يفيد الندم ، قبل أن نكون نحن من وقعنا عقدًا نبيع فيه
حريتنا للقمع بحسن نية ، و نشتري فيه الوهم بالدماء و الحرية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق