الاثنين، 24 مارس 2014

غدًا ندفع ثمن الدماء

"إحالة أوراق 529 متهما للمفتي وبراءة 16 آخرين في أحداث عنف المنيا عقب فض رابعة والنهضة

نشر فى : الإثنين 24 مارس 2014 - 10:32 ص | آخر تحديث : الإثنين 24 مارس 2014 - 12:03 م
أرشيفيةأرشيفية
المنيا – ماهر عبد الصبور 

أصدرت، اليوم الاثنين، الدائرة السابعة بمحكمة جنايات المنيا، قرارها بإحالة أوراق 529 متهما لمفتى الجمهورية، وبراءة 16 آخرين في أحداث العنف التي وقعت عقب فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة بمركز مطاي.
عقدت الجلسة برئاسة المستشار سعيد يوسف صبري، ودون حضور المتهمين والمحامين، فضلا عن منع دخول الاعلاميين والصحفيين.
وشددت قوات الأمن من إجراءاتها في ميادين المحافظة المختلفة وخاصة محيط مجمع المحاكم؛ استعدادا لجلسة إصدار الحكم، حيث تم نشر أكثر من 22 فرقة وتشكيل من قوات الأمن المركزى المكافحة للشغب وفرق قتالية، وعدد كبير من المدرعات والمصفحات تم نشرها بجميع الشوارع المحيطة بالمجمع.
ومن المقرر، أن تبدأ غدا الثلاثاء محاكمة 683 متهما في أحداث العنف بمركز العدوة، بينهم الدكتور محمد بديع، المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، والتي تستمر حتى الخميس المقبل."نقلاً عن بوابة الشروق

عن بحار الدماء:
أريد أن أبكي و أصرخ. أريد أن يسمع صوتي وسط وطن لا يسمع فيه سوي صوت أوحد صوت القائد ،صوت الخوف ، . وصوت الكراهية.
أريد أن أسمع صوتي للجبناء، للجهلاء، للكارهين، للمصفقين. أريد أن أسمع صوتي لكل من يتعطشون للدماء ، أريد أن أسمع صوتي لعشاق العبودية ، أريد أن أسمع صوتي لكل من لا يرون،لا  يبصرون بسبب حبهم ، خوفهم ، أو كراهيتهم. 
أريد أن أسمع صوتي. 
أربد أن يسمعوا صوتي قبل فوات الأوان ، قبل أن نغرق في برك الدماء، قبل أن نكرر الجيلوتين ، قبل أن ندفع ثمن رخص الروح البشرية لدينا ، قبل نجد أنفسن جزارين، قبل أن نجدنا نغرق في بحار الدماء شققنا مجراها بصمتنا ،بأصواتنا.

كيف نحكم بسلب البشر حياتهم بهذا اليسر؟

كيف لا يمنح لبشر حتي فرصة حضور جلسة جكم قد تسلبهم حياتهم ؟ كيف نسلب البشر حتي فرصة حضور محامي لجلسة حكم يترتب عليها الحكم بسلب الحياة ؟

كيف لا ندرك أنهم بشر و حولهم بشر يحتاجونهم؟

لماذا الحياة رخيصة عندنا هكذا ؟

لماذا ؟

نحن نصنع الإرهاب

نحن نصنع الدماء
ها نحن نغرق في الدماء 
اليوم نصمت بل و ربما نصفق، حبًا ،خوفًا أو كراهية 
لكن غدًا  نعلم أن الدولة التي تظن أنها تأمن بالدماء لا تعرف يومًا معني السلام ، لا تفهم إلا لغة الدماء، تغرق يومًا تلو الاّخر أعمق  و أعمق في الدماء
 غدًا نعلم أن أيدينا التي تلطخت بالدماء لن يطهرها ، و لن يزيل شيء منها رائحة الدماء 
غدًا ندرك  ثمن خطايانا ، 
غدًا ندفع جميعًا ثمن الدماء  

الجمعة، 21 مارس 2014

يستأهلوا

      (هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة).

    واحد من أكبر أعداء الإنسانية قيمًا و مشاعر هي كلمة " يستأهلوا". هذه الكلمة ليست محض كلمة غيظ تخرج لحظة غضب ،لكنها مفهوم عام يترسخ داخلنا وأحيانًا داخل لاوعينا الجمعي يحولنا دون أن ندرك لوحوش ، يسلبنا إنسانيتنا.
        "يستأهلوا" للأسف مفهوم منغرس داخل ثقافتنا كشعب ، يظهر في أفكارٍ و عبارات و عادات عدة في حياتنا الاجتماعية العادية ، ولكن ترسباته طفحت بعد 25 يناير و صارت تري أكثر وضوحًًا . دفعتنا الظروف ، و المواقف علي إجلاء حقيقة المفاهيم المغروسة داخلنا. وجدناها تطفح للسطح طفح عفن وأبصرنا حقيقيتها."يستأهلوا" باتت الشعار المردد في كل مذبحة لتبرير الاعتداء اللا إنساني علي الضحية بإدانتها والتشويش علي خطيئة المجرم.
          عندما يمسك بالسارق يضرب من العشرات دون رحمة ، و يبرر ضربه بأنه سارق "يستأهل". عندما يتحرش بفتاة يبرر التحرش بها بثيابها فيتكالب قمع المجتمع و نظرته لجسد المرأة مع شعار" يستأهلوا" ليبرر التحرش الإجرامي بها ؛لأنها في نظر المجتمع منحلة "تستأهل". عندما يهمل إنقاذ مجموعة شباب ماتوا متجمدين ، يبرر التقصير مع الحياة البشرية بأنهم مجموعة منحلين "يستأهلوا". عندما يترك مريض/ة إيدز للموت يردد المجتمع "يستأهل/تستأهل" ؛لأنه/ا في نظر المجتمع فاسق/ة.
        و عندما وضعت السياسة في بؤرة الضوء تشكل حولها مفهوم "يستأهلوا". صار كل فصيل سياسي في فترة "يستأهل"، أولاً كان الفلول ثم الثوار ثم العلمانيين ثم صار الإخوان –وفوق البيعة- الثوار. بعد 25 يناير مباشرة صار الفلول أول الضحايا "يستأهلوا"و صار/ت أي فضيحة أو إهانة لهم في الجرائد و المجلات مصدر تسلية للمجتمع. علاوة علي الفلول كانت الشرطة ضحية يبرر كل اعتداء علي أحد أفرادها بأنه جزء من مؤسسة إجرامية تحمي النظام و تهين المواطن/ة ،يبرر الاعتداء عليه ؛لأنه "يستأهل". أيام المجلس الأعلي للقوات المسلحة الأول كان الثوار في نظرالمجتمع يعطلون عجلة الإنتاج ، و يوقفون حال البلد و شبهة عملاء للغرب و خونة لذلك "يستأهلوا" ما يفعل بهم حتي التعذيب و التحرش و القتل. ثم صار العلمانيون هم من "يستأهلوا" ؛لأنهم عملاء للغرب كفرة يريدون نشر إنحلال الغرب بمصر ولذلك أي خوض في أعراضهم أو تعذيب لهم أو تنكيل بهم أو حتي قتل مبرر. ثم صار الإخوان في نظر المجتمع إرهابيين عملاء لأمريكا خونة و لذلك يجوز سجنهم ، تعذيبهم ، قتلهم حتي الأطفال منهم فهم "يستأهلوا". ثم أضيف علي الإخوان كل من وقف/ت ضد النظام الحالي من الثوار و الطلبة و صار/ت إرهابي/ة أو خائن/ة عميل/ة لأمريكا لذلك يجوز تطبيق عليه/ا ما يطبق علي الإخوان من اعتقال و تعذيب و قتل ؛لأنه/ا هو/هي أيضًا "يستأهل/تستأهل".
        لو فكرنا للحظة لوجدنا الجميع ضحية لذات المفهوم. كل فصيل نطق "يستأهلوا" دارت الأيام لينطق ضده "يستأهلوا" .  هذا المفهوم ممتد في كل أنحاء حياتنا الاجتماعية و السياسية، نحن داخلنا كلمة "يستأهلوا" بجذور عميقة. ندفع جميعًا ثمنها ؛لأن أيًا منا معرض/ة أن يكون/تكون في نظر المجتمع  "مستأهل/ة" مهما أنكرنا ذلك و أدعينا أن الاّخر/ي فقط علي خطأ و لأننا علي صواب لذلك لن نكون أبدًا "نستأهل".
        الإنسانية تتطلب منا أن نؤمن أن الإنسان/ة له/ا حق في احترام إنسانيته/ا وحقوقه/ا مهما كانت جرائمه/ا. الإنصاف يقتضي ألا نتغاضي عن جريمة ارتكبت في حق إنسان/ة أيًا كان/ت و مهما كانت خطاياه/ا. إقامة دولة القانون قوامها التفرقة بين مشاعرنا ضد فرد و منحه/ا كامل الحقوق القانونية.

         لحظة ننطق "يستأهلوا" نختار خيارين و يجب أن نكون مدركين تمامًا لأبعادهما. القرار الأول هو تعريض أنفسنا يومًا لظلم يبرر بأننا أيضًا "نستأهل" . أما القرارالثاني فهو الأبهظ ثمنًا ، نحن نقرر حينها أن نتنازل بكامل إرادتنا عن إنسانيتنا.  

عمو إكرامي

    ماما قالت لي أنها لن تستطيع أن توصلني إلي البيت من المدرسة في هذا الفصل الدراسي لذلك ستجعلني أركب باص المدرسة. أنا كنت متحمسة ؛لأنني لأول مرة سأركب باص المدرسة لكني كنت متضايقة ؛لأنني أعرف أن مرنا و كريستين و سارة تركبن باصًا اّخر بينما أمير و سامي و أية يركبون نفس الباص.
      أمير و سامي ورائي  حتي في الباص ، واااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااء! 
     عندما ركبت الباص وجدت أمير و سامي و لم يتوقفوا عن مضايقتي و السخرية مني حتي ضربتهم وسط الباص ودادة حبيبة (دادة الباص) تضحك علينا مثل دادة دلال تمامًا ! عمو مينا سائق الباص ظل يصيح فينا أن نهدأ بينما دادة حبيبة تقول له أننا نلعب و حسب.
        أنا اغتاظ فعلاً من أمير و سامي ،أوووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووف!
      تضايقت جدًا من عمو مينا لأنه يصيح فينا كثيرًا و يقول لنا أن نهدأ و ينادينا :"يا عيال !"، و لكن عمو إكرامي (المسؤول عن الباصات) شخصية ظريفة و مضحكة جدًا. عمو إكرامي يسميه أمير و سامي "بكار" ؛لأنه يشبه "بكار" فعلاً و لكنه أنحف كثيرًا منه. في البداية صرخت في أمير و سامي ألا يقولوا ذلك ، و جريت وراءهما مرة أخري لأضربهما ، و لكن عمو إكرامي ضحك و قال لي أنه لا يتضايق منهما و أنهما صديقاه و لو تضايق منهما سيضربهما هو بنفسه ، لن يحتاجني أن أدافع عنه، عمو إكرامي شجاع ما دام مستعد أن يواجه أمير و سامي معًا !
        أحببت عمو إكرامي كثيرًا ؛لأنه يمزح معنا كثيرًا و قال لي أمير و سامي أنه من أسوان. أنا أحب أسوان جدًا ؛لأن بها اّثار رواة زرعتي القدماء الذين رووها حتي كبرت و صارت أعلي زروع العالم. سألت عمو إكرامي أن يحكي لي عن أسوان و أحببت قصصه جدًا جدًا جدًا. قال لي أنه يكتب أشياء كثيرة عن أسوان و يحاول أن ينشرها و لكنه يواجه مشاكل كثيرة ؛لأنه من أسوان فيرفضون أن ينشروا له.
       أنا لم أفهم لماذا ، و استغربت جدًا كلام عمو إكرامي و لكنني اغتظت جدًا جدًا جدًا ، لماذا لا يستطيع عمو إكرامي أن ينشر شيئًا عن جزء من زرعتي ؟  لماذا لا يستطيع عمو إكرامي أن يجعل كثيرين في زرعتي يقرأون عن أسوان و يعرفون أكثرعن مدينة رواة زرعتي القدماء؟ أنا فعلاً اغتظت جدًا جدًا جدًا و سأقاتل مع عمو إكرامي حتي نروي زرعتنا معًا بقلمنا ، سأقاتل حتي ينشر عمو إكرامي قصصه عن أسوان حتي تقرأها دائرتي كلها و تصير أقرب لزرعتي و لمدينة رواة زرعتي القدماء.
          أنا متشوقة جدًا لقراءة قصص عمو إكرامي عن أسوان، فهو وعدني أن يحضر لي شيئًا قصصه عن أسوان لأقرأها. عمو إكرامي يشاركني حلمي هو أيضًا يكتب لأجل زرعتي  ، هو أيضًا يروي زرعتي بقلمه. عمو إكرامي في دائرتي ،يقاتل و يروي زرعتي معي.
.

       كم أحب عمو إكرامي !









الجمعة، 14 مارس 2014

العقلية الأمنية

      ( هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة).     

     العقلية الأمنية جزء من نسيجنا الاجتماعي الثقافي الذي انعكس تاريخيًا علي رؤيتنا لدور الدولة و الذي أدي في صورته الأشد تطرفًا للدكتاتورية السياسية و للدولة الأمنية.
      نادرًا ما نفكر في العقلية الأمنية بعيدًا عن نقد الديكتاتورية العسكرية التي عشنا فيها عقودًا طويلة بل مازلنا نعيش فيها ليومنا هذا و لا أحد يعلم متي يأتي اليوم الذي نتحرر فيه منها. لكن حقيقة هذه العقلية الأمنية تكمن في وجداننا الشعبي. نحن كمجتمع منغرس داخلنا في لاوعينا الجمعي الإيمان الراسخ بالحل الأمني. نحن نؤمن أن الحل لكل التحديات و الأزمات التي قد نواجهها هو "المنع". القمع بالنسبة لنا ليس مجرد لذة ممارسة السلطة ، و التجبر علي الأضعف بل هو كذلك أداة نؤمن أنها وحدها فعالة لإفناء كل ما نراه نحن خاطئًا.
       النماذج علي ذلك موجودة في كل تفصيلة صغيرة من حياتنا الاجتماعية و الثقافية نراها حولنا. الأب و الأم غالبًا يعملان علي منع الطفل من فعل ما يرونه خطأ بتخويف الطفل من العقوبة أيًا كانت. نادرًا في مجتمعنا ما يعمل الأبوان علي مخاطبة الطفل و إقناعه بأفكارهما. يعملان غالبًا علي تخويفه من العقوبة و علي المستوي الديني تخويفه من عذاب النار. المدرس/ة في أغلب مدارسنا يستخدم / تستخدم التخويف طريقة لإجبار الطالب/ة للالتزام بقواعد المدرسة و أداء الواجبات الدراسية، التخويف لا يعني به الضرب فقط ، حتي مجرد التهديد بإنقاص الدرجات هو صورة من صور التخويف. نادرًا ما يعمل المدرس/ة علي تحبيب الطالب/ة في المادة و الاستمتاع بالدراسة.
     المجتمع في تعامله مع قضية الجنس –و التي تشكل كابوسه و شاغله الشاغل- يستخدم التخويف لفرض أفكاره علي الأفراد (خاصة المرأة) . المجتمع يلجأ للمنع و الحجب لضمان فرض هذه الأفكار ، منع الاختلاط  و فرض زي محدد علي المرأة و التركيز علي ترديد قصص المصائب التي نتجت عن الجنس خارج الحدود التي يقرها المجتمع حتي في الأدب و الفن و تقديس غشاء البكارة ، هذه كلها أنواع من التخويف و المنع و الحجب الذين يعتبرون أدوات العقلية الأمنية.
      نماذج أخري تظهر في فكرة الرقابة. الرقابة تعمل علي قص بل و منع أفلام و روايات و كتب و رسوم لأنها تعرض صورًا أو أفكارًا سياسية أو اجتماعية أو دينية مرفوضة. و الرقابة تمارس من كل سلطة ، من ممثلي الدولة علي الإنتاج الثقافي ، و من الأهل علي أبنائهم . هذه الرقابة مهمتها هي حماية المجتمع و الدين و السياسة بالطريقة الأمنية" القمع" و بأداتها "المنع".
         التشريع لدينا يظهر فيه إيماننا الراسخ النابع من عقليتنا الأمنية أن كل شيء يحل بالتخويف من العقوبة. فنحن كلما حدثت مجموعة جرائم جديدة نسرع للضغط بتشديد العقوبات عليها. مثلاً عندما أفقنا من سباتنا الطويل علي إدراك أن جرائم الاغتصاب بلغت أرقامًا مرعبة أول اقتراح للمواجهة كان تغليظ عقوبة الاغتصاب للإعدام.  
       ثم تأتي السياسة و طريقة حكم الدولة الأمنية لتمثل النموذج الأكثر وضوحًا لنا عن تجليات العقلية الأمنية. فالحكم الديكتاتوري العسكري لنا تاريخيًا اعتمد علي استخدام كميات مهولة مضحكة من رجال الأمن و المجندين للسيطرةعلي كل منطقة تظن السلطة أنها قد تشكل بؤرة قلق مثل الجامعة أو أي منشأة تقصدها المظاهرات. التعامل الأمني مع المظاهرات ،  الاعتقالات العشوائية ، الرقابة علي الفن ،  الهجمة علي الصحفيين و المثقفين ، زيادة القوي الأمنية في مناطق بعينها في أوقات القلق –كالانتخابات أو التظاهرات أوالتفجيرات-، إقامة الجدر الأسمنتية حول المنشأت الحيوية ، إغلاق شوارع و ميادين رئيسية ،و تشديد العقوبات علي ما يسمي "الجرائم السياسية". كل هذه وغيرها مظاهر ل"المنع" كأداة  قمع  تعكس العقلية الأمنية في الدولة الديكتاتورية العسكرية الأمنية .
      بعد استعراض كل هذه النماذج لانعكاسات العقلية الأمنية علي كافة جوانب حياتنا الاجتماعية و السياسية و الثقافية ، يجب أن نفكر هل أدوات العقلية الأمنية حقًا مجدية ؟ هل المنع و القمع قادران علي تحقيق الأمن ؟ هل هما كفيلان بتحقيق الأغراض الكامنة وراءهم ؟
       لنعود لتحليل هذه النماذج بهدوء،
       أولا نموذج الأبوين و الأبناء، هل يكفل التخويف من العقوبة ضمان امتثال الأبناء أو فعلهم لما يراه الأبوان صوابًا ؟ تعتمد إجابة هذا السؤال علي تجربة كل شخص العائلية، لكن يمكن القول أنها غالبًا طريقة غير مجدية ؛لأن الأبناء بدلاً من الامتثال للأهل غالبًا يفعلون ما يريدونه سرًا و يتعلمون بذلك الكذب و النفاق و الجبن و عدم المواجهة علاوة علي كل الأخطاء الأخري التي يفعلونها سرًا. التخويف من عذاب النار أحيانًا يؤدي بالأطفال لكراهية الدين منذ الصغر ، و لكن حتي و إن لم يكرهوا الدين فيحتمل أن يتحول كل تدينهم إلي مجرد خوف من العذاب لا إيمان حقيقي بالدين و لا حب للإله. النموذج الثاني للمدرس/ة أكثر وضوحًا ، فنحن نعرف جيدًا أي تعليم يؤدي إليه التخويف ، نحن جربنا ذلك التعليم و نعرف أنه لا يجدي ؛لأننا لا نحب ما ندرس ، لا نرغب حقيقة في التعلم ، لا نتعطش للمزيد من العلم بل مجرد نفعل الواجب خوفًا من المدرس/ة أو الأبوين. الغرض الحقيقي لمنظومة التعليم ليس تعلم أشياء محددة مطلوبة  و لكن إشعال شغف الطالب/ة للمزيد ، و إعطاء الطالب/ة فرصة اختيار ما يحب/ تحب دراسته و تعلمه مستقبلاً. تخويف المدرس/ة للتلاميذ يؤدي إلي التضحية بالهدف الرئيسي للتعليم لتحقيق نتائج تافهة قريبة.
         نموذج تعامل المجتمع مع الجنس نموذج صارخ نكتم عليه دائمًا. صحيح أننا نمنع الاختلاط بطرق كثيرة، صحيح أننا نغطي جسد المرأة قهرًا ، صحيح أننا نرعب الفتيات قبل غيرهن من الجنس بأساطير العذرية ، صحيح أننا نرعب الشباب بالحديث عن عذاب كبيرة الزنا ، لكن الحقيقة التي نأبي رؤيتها وهي كرة لهب أمام أعيننا أننا فاشلون تمامًا في إيقاف الزنا بصوره المختلفة. لدينا اّلاف قضايا إثبات النسب ، لدينا قري بأكملها أسواق لزواج الصيف للبنات، لدينا أرقام مرعبة لجرائم الاغتصاب و التي ندرك جيدًا أن غالبيتها الكاسحة لا يبلغ عنها أصلاً. لدينا عيادات متخصصة في الإجهاض و ترقيع غشاء البكارة.
        الرقابة أجدها نموذجًا من اليسير جدًا إظهار عجزه التام. الرقابة لم تستطع فعليًا منع أي فيلم أو كتاب أو رواية أو فكرة من الوصول إلي الجمهور ، و اليوم مع الشبكة العنكبوتية هذا العجز تفاقم أكثر من أي وقتٍ مضي. الرقابة في كثير من الأوقات كان مردودها عكسيًا فقد ساعدت في الترويج لكثير من الأعمال الفنية أكثر بمنعها. غالبًا الجمهور يستطيع الوصول لهذه الأعمال عن طريق مشاهدتها أو قرأتها علي الشبكة العنكبوتية و فيما مضي عن طريق الحصول عليها من دولة أخري.
         التشريع أثبت عجزه مهما بلغت قسوته في إيقاف الجريمة أو حتي حدها. عقوبة الإعدام لجرائم القتل مازالت موجودة في قوانيننا المصرية وعلي كثير من التهم ، لكن مازالت جرائم القتل و الاغتصاب في تفاقم عام وراء الاّخر.
         الدولة الأمنية فشلها يتحدث عن نفسه. عجزت تلك الدولة عقودًا عن توفير الأمن للمواطن و غدا ينجط من سيء لأسوأ. لكن حتي و إن افترضنا أنها لا تهدف أصلاً لأمن المواطن و لكنها تهدف لأمن الأنظمة فإنها من هذه الزاوية أيضًا عاجزة. 25 يناير –بغض النظر عن أي وجهة نظر سياسية ضدها أو معها-  هي نموذج لكيف يمكن في ساعات إسقاط الدولة الأمنية. لم تستطع أي دولة أمنية حتي في أوج عنفوانها التحكم في الفن و الفكر الشعبي، فللغرابة كل من قمعتهم تلك الدولة بقسوة صاروا الأقوي تأثيرًا في العقل الشعبي الثوري المصري و صاروا وقودًا لإشعال الثورة مثل أحمد فؤاد نجم.
         كل هذه النماذج تثبت عجز المنع و القمع ، كلها تثبت أن العقلية الأمنية لا توصل للغايات. و تجعلنا نشك ،و نفكر في بدائل أكثر فاعلية منها. بدلاً من المنع و القمع ، لماذا لا نجرب الحرية و التحبيب ؟ لماذا لا نجرب الإقناع بدل التخويف ؟ لماذا لا نجرب الحرية و العدالة بدل التأمين ؟     
            

          

الجمعة، 7 مارس 2014

رسالة إلي ماما

ماما أنا أحبكِ
أحبكِ ؛لأني أعلم أنكِ تحبينني ، صحيح أنكِ تضايقنني أحيانًا عندما تعتذرين لخالتو أو للأشرار الذين يقتلون الحيوانات أو لمن يسبون زرعتي ؛لأنني لا أعتذر علي صيحاي فيهم ( هم طبعًا يستحقون ذلك) ، و  صحيح أنكِ تخافين علي جدًا و لا تسمحين لي أن اّكل الحمص أو القصب قبل أن أتناول طنًا من حبوب المعدة ! ، و صحيح أنني أحيانًا أتضايق جدًا من خوفكِ علي خاصة عندما تبعدينني عن أصدقائي مثل دادة دلال و عمو إلهامي ، لكنني أحبكِ جدًا جدًا جدًا.
مرنا تقول أنكِ تحبينني لذلك تخافين علي ، أنا لا أفهم ذلك . أنا أحبكِ و أحب زرعتي و لوفي و أصدقائي و دائرتي كثيرًا جدًا جدًا جدًا و لكني لا أخاف عليهم ، أعمل لأجلهم معهم . أنا أحب زرعتي و لا أخاف عليها ، خوفي عليها لن يساعدها ، لن يحررها ، زرعتي تحتاج أن تكون حرة ، لتكبر ، لتنمو و لتصير أعلي زروع العالم . أنا أعمل لأجل زرعتي ، أرويها ،  و لكني لا أقيدها ، قيد لها سيخنقها ، سيجعلها تفقد الهواء الذي تحتاج لتنمو ، لتحيا ، سيجعلها تفطس. زرعتي تحتاج حبًا لا خوف ، حبًا يرويها ، يجعلها تكبر ، و تعلو ، لا يقيدها ، يجعلها تعلو بحرية .
لوفي مثلي يحب أصدقاءه جدًا ، و بدافع عنهم بتصميم و إصرار كبطل حقيقي ، مهما حدث ، لكنه لا يخاف عليهم ، لا يجبرهم علي شيء ، يتركهم كما هم منطلقون ، متهورون ، مجانين (و لكن طبعًا لن يرقوا أبدًا لمستوي جنونه) ، و يوقعون أنفسهم في المصائب ( و لكن طبعًا أقل منه!) . لوفي لا يجبر أصدقاءه أن يتخلوا عن أصدقائهم أو أن يبتعدوا عنهم بل يقف بجوارهم ، و بجوار أصدقائهم .
ربما أنا لا أفهم لماذا تخافين عليَ ، و أتضايق كثيرًا و أغضب ، و لكنني أنسي بسرعة غضبي، و أعود أتذكر حبي لكِ.
أنا أحبكِ جدًا جدًا جدًا يا ماما . أحبكِ ؛لأنني أعلم أنكِ تحبينني ، أحبكِ ؛لأنك تساعدينني و تكونين بقربي دائمًا و تعبين كثيرًا لأجلي. أحبكِ ؛لأنكِ قريبة جدًا من قلبي.

                                                   أحبكِ يا ماما.....