(هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة).
واحد من أكبر أعداء الإنسانية قيمًا و
مشاعر هي كلمة " يستأهلوا". هذه الكلمة ليست محض كلمة غيظ تخرج لحظة غضب
،لكنها مفهوم عام يترسخ داخلنا وأحيانًا داخل لاوعينا الجمعي يحولنا دون أن ندرك
لوحوش ، يسلبنا إنسانيتنا.
"يستأهلوا"
للأسف مفهوم منغرس داخل ثقافتنا كشعب ، يظهر في أفكارٍ و عبارات و عادات عدة في
حياتنا الاجتماعية العادية ، ولكن ترسباته طفحت بعد 25 يناير و صارت تري أكثر
وضوحًًا . دفعتنا الظروف ، و المواقف علي إجلاء حقيقة المفاهيم المغروسة داخلنا.
وجدناها تطفح للسطح طفح عفن وأبصرنا حقيقيتها."يستأهلوا" باتت الشعار
المردد في كل مذبحة لتبرير الاعتداء اللا إنساني علي الضحية بإدانتها والتشويش علي
خطيئة المجرم.
عندما
يمسك بالسارق يضرب من العشرات دون رحمة ، و يبرر ضربه بأنه سارق
"يستأهل". عندما يتحرش بفتاة يبرر التحرش بها بثيابها فيتكالب قمع
المجتمع و نظرته لجسد المرأة مع شعار" يستأهلوا" ليبرر التحرش الإجرامي
بها ؛لأنها في نظر المجتمع منحلة "تستأهل". عندما يهمل إنقاذ مجموعة
شباب ماتوا متجمدين ، يبرر التقصير مع الحياة البشرية بأنهم مجموعة منحلين
"يستأهلوا". عندما يترك مريض/ة إيدز للموت يردد المجتمع "يستأهل/تستأهل"
؛لأنه/ا في نظر المجتمع فاسق/ة.
و عندما
وضعت السياسة في بؤرة الضوء تشكل حولها مفهوم "يستأهلوا". صار كل فصيل
سياسي في فترة "يستأهل"، أولاً كان الفلول ثم الثوار ثم العلمانيين ثم
صار الإخوان –وفوق البيعة- الثوار. بعد 25 يناير مباشرة صار الفلول أول الضحايا "يستأهلوا"و
صار/ت أي فضيحة أو إهانة لهم في الجرائد و المجلات مصدر تسلية للمجتمع. علاوة علي
الفلول كانت الشرطة ضحية يبرر كل اعتداء علي أحد أفرادها بأنه جزء من مؤسسة
إجرامية تحمي النظام و تهين المواطن/ة ،يبرر الاعتداء عليه ؛لأنه
"يستأهل". أيام المجلس الأعلي للقوات المسلحة الأول كان الثوار في
نظرالمجتمع يعطلون عجلة الإنتاج ، و يوقفون حال البلد و شبهة عملاء للغرب و خونة
لذلك "يستأهلوا" ما يفعل بهم حتي التعذيب و التحرش و القتل. ثم صار
العلمانيون هم من "يستأهلوا" ؛لأنهم عملاء للغرب كفرة يريدون نشر إنحلال
الغرب بمصر ولذلك أي خوض في أعراضهم أو تعذيب لهم أو تنكيل بهم أو حتي قتل مبرر.
ثم صار الإخوان في نظر المجتمع إرهابيين عملاء لأمريكا خونة و لذلك يجوز سجنهم ،
تعذيبهم ، قتلهم حتي الأطفال منهم فهم "يستأهلوا". ثم أضيف علي الإخوان
كل من وقف/ت ضد النظام الحالي من الثوار و الطلبة و صار/ت إرهابي/ة أو خائن/ة عميل/ة
لأمريكا لذلك يجوز تطبيق عليه/ا ما يطبق علي الإخوان من اعتقال و تعذيب و قتل
؛لأنه/ا هو/هي أيضًا "يستأهل/تستأهل".
لو فكرنا
للحظة لوجدنا الجميع ضحية لذات المفهوم. كل فصيل نطق "يستأهلوا" دارت
الأيام لينطق ضده "يستأهلوا" . هذا المفهوم ممتد في كل أنحاء حياتنا الاجتماعية
و السياسية، نحن داخلنا كلمة "يستأهلوا" بجذور عميقة. ندفع جميعًا ثمنها
؛لأن أيًا منا معرض/ة أن يكون/تكون في نظر المجتمع "مستأهل/ة" مهما أنكرنا ذلك و أدعينا
أن الاّخر/ي فقط علي خطأ و لأننا علي صواب لذلك لن نكون أبدًا "نستأهل".
الإنسانية تتطلب منا أن نؤمن أن الإنسان/ة له/ا حق في احترام إنسانيته/ا
وحقوقه/ا مهما كانت جرائمه/ا. الإنصاف يقتضي ألا نتغاضي عن جريمة ارتكبت في حق
إنسان/ة أيًا كان/ت و مهما كانت خطاياه/ا. إقامة دولة القانون قوامها التفرقة بين
مشاعرنا ضد فرد و منحه/ا كامل الحقوق القانونية.
لحظة
ننطق "يستأهلوا" نختار خيارين و يجب أن نكون مدركين تمامًا لأبعادهما.
القرار الأول هو تعريض أنفسنا يومًا لظلم يبرر بأننا أيضًا "نستأهل" .
أما القرارالثاني فهو الأبهظ ثمنًا ، نحن نقرر حينها أن نتنازل بكامل إرادتنا عن
إنسانيتنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق