الجمعة، 29 أغسطس 2014

رحيل ميرهام

    أشعر أن كثيرين يرحلون و يتركون زرعتي وحيدة. وحيد مازال يقول أنه يكره زرعتي و يريد أن يرحل عندما يكبر، و لكن زاد علي كلامه الذي يضايقني، شعوري ان من حولي يريدون الرحيل و أن كثيرين يرحلون بالفعل.
    أحلم لزرعتي أن تصير أعلي زروع العالم، و لكنها لن تنمو وحدها، تحتاج رينا لها. أنا أرويها و سأظل أقاتل لأجلها، و أعلم أن دائرتي التي تقاتل لأجلها و ترويها، ستظل تقاتل معي، و ترويها معي. لكنني أري من حولي يتراجعون و ييأسون، و يريدون الرحيل، و يرحلون.
     عمتو نازك أم ميرهام ليست قريبة جدًا مني. هي قريبة ماما من بعيد، و لم أرها سوي مرتين قبل الأمس.لكنها كانت صديقتي و كنت ألعب معها عندما كنت أصغر. عمتو نازك قررت أن تترك زرعتي و ترحل، وستأخذ معها ميرهام. طلبت أن ترانا جميعًا قبل أن ترحل، و رأيت ميرهام، و بكيت، عندما قالت لي أننا قد لا نلتقي ثانية، و لكننا حتمًا سنتصل ببعضنا البعض.
       صحيح أن ميرهام ليست قريبة جدًا مني، لكنها صديقتي، و جزء من دائرتي و الاّن تبتعد عني، و تترك زرعتي، و لن تروويها ثانية معي.  عندما أدركت ذلك تألمت.تألم لأجل بعدي عن ميرهام و أيضًا لأجل زرعتي.
        كيف شعورها و هي تري الجميع يرحلون و يتركونها خلفهم؟ بماذا تشعر و رواتها يرحلون ويذهبون ليرووا زرعة أخري، لا يرونها هي؟ أعلم أنها تتألم، تتألم؛لأنهم لا يحبونها، و حتي و إن أحبوها، لا يريدون أن يبقوا فيها، لا يريدون أن يقاتلوا لأجلها أو يروونها.
         حتمًا تتألم.
          أدرك أنها تعلم أنني لن أرحل و أتركها، أنني سأظل أقاتل لأجلها و أروويها، لكنها حتمًا ستحزن إن كنت وحدي أقاتل و أروي.
          لا أريد لها أن تحزن، لا أريد لدائرتي أن تضيق، و لا أريد أن يرحل رواة زرعتي.
          و لكنهم حتي إن رحلوا، و حتي و إن ضاقت دائرتي، سأظل أنا و دائرتي نقاتل لأجلها و نروويها. 

الخميس، 14 أغسطس 2014

ثمن الخيانة

( هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة ).

    عام علي الخيانة.
   عام مضي و أيدينا ملطخة بالدماء، عام مضي و نحن نحمل دم الشهداء.
    عام مضي دفعنا فيه ثمن شيء من دمائهم، و سندفع المزيد.
 
     منذ عام بدأنا طريق الوحشية.
   
      خنا مبادئنا و قبلنا بالقمع، و القتل و التمثيل و السجن و التعذيب لمن نراهم علي خطيئة سياسية.  لم يعنينا دماء من لا ننتمي لهم، من نراهم مختلفين يستحقون السحق.  قبلنا بازدواج المعايير و قبول الوحشية تجاه المختلف/ة؛ لكونه/ا مختلف/ة.  رأينا المئات يقتلون أمام أعيننا و وقفنا نعين القاتل، نصفق للدماء. طبلنا للقمع، و القتل.  صرنا وحوشًا متجردة من الإنسانية، حينها حفرنا بأيدينا مجري الدماء، بنينا أسوار الزنازين، و صنعنا أكبال الصوت.
       
     
       و ندفع الثمن.
       
        الأحد و أربعون ألف معتقل، و مئات القتلي ، و الطلاب المفصلون، و سياسات التضييق علي حرية الإعلام و الممارسة السياسية الطلابية و التجمع و التظاهر، و كافة صور التعبير عن الرأي، و الحريات الدينية بل حتي التضييق علي حقوق الأقليات الدينية و الجنسية هو ثمن مبدأي للخيانة و الأسوأ قادم.

          ثمن الدماء و الخيانة ليس ضئيلاً. لا يمكن أن نعيش بحرية أو بعدالة و نحن نحمل دماء بررناها و صفقنا لسفحها. لا يمكن أن نترك دون أن ندفع ثمن صمتنا علي الظلم و القمع بل تطبيلنا له. يجب أن يأتي الدور علينا. كل من صفق/ت، صمت/ت يدفع/تدفع الثمن بالدور. سندفعه جميعًا.
         
          ربما يملك/تملك كل من طبل/ت فرصة للتوبة، لكن حتي التوبة لن تعيد من فقد لمن تعذب.

           ربما نملك فرصة التوبة قبل أن يصير الثمن أبهظ، و  لكننا حتمًا سندفقع الثمن. صعب أن ينجوأحد، فأغلبنا ملطخ/ة بالدماء. أغلبنا لحظة صفق أو صمت.

           ليس السفاحون من قتلوا و حسب. السفاحون من صفقوا للدماء، و القتلة بالتواطؤ الصامتون.
   
           و كل قاتل/ة مصيره/ا دفع الثمن،
             ثمن الخيانة
             ثمن الدماء.
     

تسنيم تبكي

   رأيت تسنيم تبكي.  إتفقت معها أن نلتقي و نخرج،  لكننا عندما خرجنا، لم تكن تسنيم سعيدة. تسنيم تبتسم و لم أرها تبكي من قبل و لكنها لم تكن سعيدة اليوم، و عندما سألتها وجدتها تبكي.

    تسنيم أخبرتني أنها تذكرت صديقتها أسماء. تقول تسنيم أن أسماء ماتت اليوم و لذلك هي حزينة.  تشعر أنها تركتها وحيدة ورحلت. أخبرتني أنها أحبت أسماء جدًا و تربتا معًا منذ صغرهما، و تشعر بالذنب أنها لم تستطع أن تحمي أسماء، لم تستطع أن تنقذها.
تسنيم ظلت تبكي طويلاً وتذكرت مشاعر لوفي عندما عجزعن إنقاذ أخيه، عندما شعر أنه ضعيف لذلك فقده. أردت ألا أري تسنيم تبكي وددت لو كان معي أمير أو فيكتور أو سامي، كان يمكن أن يساعدونني و يجعلونها تضحك، شعرت لأول مرة أنني أحتاجهم.

      تسنيم ظلت تبكي طويلاً، لم أعرف ماذا أفعل ولكني حاولت أن أساعدها، أخبرها أنني معها و لن أتركها.  أخبرتها أن ربي يحبنا و يحبها و حتمًا سيجعلنا نلقاها في الاّخرة. قلت لها أنني سأظل بقربها و سأدافع عنها، و سنقاتل معًا و سنحمي أصدقاءنا و لن نتركهم. تسنيم ظلت تبكي و أخبرتني أنها رأت أسماء تموت و اّخرون و لكنها لم تستطع أن تفعل شيئًا لأجلهم. تسنيم تشعر بالذنب، و أنا أيضًا أشعر بالذنب؛ لأنني لم أكن مع تسنيم و لم أعرف أسماء و لم أحميها أو أحمي أصدقاء تسنيم الأخرين.لم استطع ألا أجعل تسنيم تبكي الاّن.

      لكني لن أترك تسنيم مجددًا، لن أجعلها تفقد أصدقاءها و تبكي. سأعرفها و أعرف أصدقاءها و أدافع عنهم.  أود لو تسامحني تسنيم، أود لو استطيع أن أعرف أسماء و لكنها رحلت. و أود لو دافعت عنها و أنقذتها.

      أود لو تصدقني تسنيم عندما أخبرها أنني لن أتركها وحيدة لتفقد من تحب و تبكي مجددًا أبدًا.
     
      

الجمعة، 8 أغسطس 2014

أسطورة المستبد العادل

     (هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة).

    النظام الديكتاتوري أقوي من مجرد كونه نظامًا سياسيًا لديه اّليات أمنية و اقتصادية و قاعدة شعبية. النظام الديكتاتوري هو فكر، إيمان منغرس داخل الوعي الجمعي بفكرة الديكتاتور. إسقاط الديكتاتور لا يكفل إسقاط النظام الديكتاتوري ما لم يوازي إسقاط الفكرة في الوعي الجمعي. لذلك يحرص كل نظام ديكتاتوري علي التوريج لأفكار قمعية عبر الإعلام و غرسها داخل وعي الشعب، بتكرار الكذبة حتي تصدق.
      الفكرة التي تربينا عليها في المجتمعات العربية منذ عصر عبد الناصر لتحصين كرسي الديكتاتور هي "المستبد العادل"، ربيت أجيال علي التصديق في هذه الأسطورة. الأسطورة تقول أن هناك زعيم بطل يستطيع إنقاذ العرب من كل نكباتهم، و يستطيع تحقيق العدالة الغائبة، و لكن كل ما يحتاجه هو تسليم الشعب له، المعادلة الشهيرة العيش مقابل الحرية. "المستبد العادل" أسطورة القامع الذي يحقق العدل للشعب.
        صدقت أجيال تلك الأسطورة و انتظرت البطل "المستبد العادل" المنتظر، و لم تحاول أن تنقد تلك الفكرة أو تحللها للحظات قبل التصديق الأعمي بها. و ككل الأفكار الاجتماعية و السياسية و الدينية في مجتمع ضد الفكر الحر، ضد النقد، ضد الحرية قبلت دون نقاش أو تفكير حتي. و لو حللت تلك الفكرة لفترة قصيرة جدًا لثبت كذبها بل سخفها.
       كلمة "استبداد" أصلاً صورة من صور الظلم ؛ هي فرض رأي واحد علي الأغلبية حتي و إن لم تؤمن به. الاستبداد استئثار بحق السلطة و سلب للاّخرين حقهم فيها. الاستبداد يناقض تمامًا فكرة المساواة. كيف يمكن للاستبداد ألا يكون ظلمًا؟ إنه صورة من أبشع صور الظلم؛ حيث يمتلك فرد كل السلطة و لا يسمح لأحد أن يأخذ جزًء منها، و الأزمة في السلطة أنها امتلاك لحرية، فكأن المستبد يسلب الحرية من الجميع و يضعها في خزائنه هو. لماذا لا نعامل السلطة كالمال؟ الاثنان ملكيتان و من يأخذ/تأخذ الملكية العامة نعتبره/ا مغتصبًا/ةً، مختلسًا/ةً و لا نصفه/ا أبدًا بالعدل. لماذا نصف من يأخذ/تأخذ حرية الجميع غصبًا أو نصبًا بالعدل؟
      و حتي إن قبلنا الفكرة نظريًا، و قلنا أن الاستبداد ظلم مقبول و أنه لا خطأ في "المستبد العادل" أو ما يجب أن يسمي "الظالم العادل". فلننظر إلي الواقع، هل يحقق/تحقق المستبد/ة العدل؟ كيف؟ ليضمن المستبد/ة الاستبداد، ليضمن/تضمن سلب حرية الجميع يجب أن يظلم/تظلم، ليس أمامه /اخيار اّخر، حتي و إلم يشأ/تشأ ذلك. هل هناك نظام ديكتاتوري في العالم لديه نظام قضائي لا يتدخل في القضايا السياسية؟ لا يوجد. القضايا السياسية يجب أن يحلها القضاء و بما أن مقاومة الاستبداد و استرجاع الحق في الحرية يجب أن يواجهه الحاكم/ة المستبد/ة بالقمع لتحصين كرسيه/ا، فيلجأ/تلجأ المستبد/ة إلي القضاء لمعاقبة أولئك الذين طلبوا استعادة حريتهم المغتصبة. يعاقبهم القضاء علي سؤال حقهم في حريتهم التي يضعها المستبد/ة في خزائنه/ا. أين العدالة في محاكمة المسروق/ة عندما يسأل/تسأل استعادة ما أخذ منه/ا ؟
         القضاء يتحول تحت الحكم المستبد لسلاح في يد المستبد/ة ضد من يسألون حقهم في الحرية. القضاء يحمي الحق، و لكنه يغدو تحت الحكم الديكتاتوري درعًا لمغتصب/ة الحق، و بمقدار الاستبداد و الشر يتحدد مدي الظلم الذي سيقع علي السائل/ة لحقه/ا في الحرية عقوبة علي دفاعه/ا عن حقه/ا. هناك مستبد/ة يعاقب/تعاقب بالسجن، بالفصل، بالإقصاء، بالتعذيب، و هناك من يصل في طغيانه للإعدام. لكن مهما بلغت طيبة المستبد/ة يظل ظالمًا/ةً يعاقب/ تعاقب من يدافع/تدافع عن حقه/ا؛ لأنه/ا جسر/ت سؤاله.
         كيف يمكن بعد ذلك للمستبد/ة تحقيق العدل؟
      لا أظن والدان فقدا ابنتهما تحت حكم مستبد سيشعران بأن ذلك النظام عادل. لا أظن طفلاً مسجونًا؛ لأنه جرأ الاحتجاج سيدعي أن النظام عادل. لا أظن طالبة مجدة فصلت من دراستها بسبب معارضتها للنظام السياسي ستري النظام عادل. لا أظن أي مدافع/ة عن حريته/ا دفع/ت ثمنًا باهظًا للدفاع عن حقه/ا سيري/ستري العدل المدعي للنظام المستبد.
      المؤمنون ب"المستبد العادل" لم يحيوا أبدًا الإدراك لظلمه، لم يفرق معهم أن يسلبهم حقهم في الحرية، و لم يجربوا بطشه؛ لأنهم دافعواعن الحق. المؤمنون بالأسطورة لم يعرفوا كيف يشعرون بصدق بعذاب المظلوم الذي خضع لطغيان المغتصب؛لأنه دافع عن حقه. المؤمنون بالأكذوبة لم يحيوا الوجه الاّخر لها، يرون جانبًًا وحيدًا أسطوريًا.

      و يحيا النظام المستبد و يمارس طغيانه بحرية و خلفه يصفق هؤلاء المؤمنين بالأسطورة. يعلم أنه لولا الأساطير ما استطاع يومًا أن يغتصب الحق في الحرية و يملأ بها خزائن سلطته. لولاها ما استطاع أن يملأ سجونه بالمظلومين الذين بجحوا و سألوا جزًء من الحرية المسجونة داخل الخزائن أسفل الكرسي.

الجمعة، 1 أغسطس 2014

ميداني أريد أن أهتف لأجلهم

          عندما أرتنا استاذة بسمة قليل من الصور من فلسطين، صدمت جدًا. استاذة بسمة قالت أنها لن ترينا إلا صورًا قليلة، هي التي ستختارها، و سألتنا أن نكتب عنها مقالاً اليوم. تذكرت حينها عندما طلبت مني كتابة المقال عن زرعتي،عندما بحثت عن زرعتي، وحاولت أن أعرف هل هي غالية و مهمة حقًا أم لا. حينها احترت بسبب من ماتوا لأجلها، و من ماتوا لأجل زرعتهم في فلسطين.
          الصور التي أرتها لنا صدمتني، حتي الأشرار الذين واجهوا أبطالي ليسوا بهذا الشر. ربما فقط حكومة العالم التي يتصدي لها لوفي ارتكبت جريمة كتلك التي يرتكبها هؤلاء الأشرار. لوفي لو كان هنا لذهب ليدافع عن الأطفال الأصغر مني الذين تقتلهم إسرائيل الشريرة. لوفي لو كان هنا لأنقذهم. لكن حتي لو أنقذهم لوفي، ستعود إسرائيل الشريرة لتقتلهم من جديد لاحقًا كما فعلت من قبل.
          أنا فرحت عندما رأيت صور دائرة الكبيرة التي تسع العالم كله و هي تقاتل و تدافع عن فلسطين. فرحت عندما شعرت أنها مازالت معي، مازالت تتصدي للأشرار، حتي و إن لم تستطع أن تنتصر، لكنها علي الأقل لم تتركهم و توليهم ظهرها بل قاتلت، قاتلت مثل لوفي. لم تقل إنهم غريبون عنها، لم تقل أنهم لا يعنونها بل قالت أنهم جزء من دائرتها و يجب أن تدافع عنهم، و تقاتل لأجلهم.
         أريد أن أقاتل. أريد أن أعود إلي دائرتي و ميداني و أقاتل، أقاتل لأجل زرعتي، لأجل أصدقائي، لأجل دائرتي الكبيرة الواسعة، و لأجل فلسطين. أريد أن أقاتل الشر، كل شر، لوفي لم يكن ليترك أصدقاءه يموتون أمام عينيه، لم يكن ليصمت. أريد أن أنقذ دائرتي، أريد أن أدافع عنهم كما دافعت عن دائرتي، من ميداني أريد أن أهتف لأجلهم. زرعتي ستفرح بي هكذا.
       أعلم أنها تحبهم.