الجمعة، 8 أغسطس 2014

أسطورة المستبد العادل

     (هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة).

    النظام الديكتاتوري أقوي من مجرد كونه نظامًا سياسيًا لديه اّليات أمنية و اقتصادية و قاعدة شعبية. النظام الديكتاتوري هو فكر، إيمان منغرس داخل الوعي الجمعي بفكرة الديكتاتور. إسقاط الديكتاتور لا يكفل إسقاط النظام الديكتاتوري ما لم يوازي إسقاط الفكرة في الوعي الجمعي. لذلك يحرص كل نظام ديكتاتوري علي التوريج لأفكار قمعية عبر الإعلام و غرسها داخل وعي الشعب، بتكرار الكذبة حتي تصدق.
      الفكرة التي تربينا عليها في المجتمعات العربية منذ عصر عبد الناصر لتحصين كرسي الديكتاتور هي "المستبد العادل"، ربيت أجيال علي التصديق في هذه الأسطورة. الأسطورة تقول أن هناك زعيم بطل يستطيع إنقاذ العرب من كل نكباتهم، و يستطيع تحقيق العدالة الغائبة، و لكن كل ما يحتاجه هو تسليم الشعب له، المعادلة الشهيرة العيش مقابل الحرية. "المستبد العادل" أسطورة القامع الذي يحقق العدل للشعب.
        صدقت أجيال تلك الأسطورة و انتظرت البطل "المستبد العادل" المنتظر، و لم تحاول أن تنقد تلك الفكرة أو تحللها للحظات قبل التصديق الأعمي بها. و ككل الأفكار الاجتماعية و السياسية و الدينية في مجتمع ضد الفكر الحر، ضد النقد، ضد الحرية قبلت دون نقاش أو تفكير حتي. و لو حللت تلك الفكرة لفترة قصيرة جدًا لثبت كذبها بل سخفها.
       كلمة "استبداد" أصلاً صورة من صور الظلم ؛ هي فرض رأي واحد علي الأغلبية حتي و إن لم تؤمن به. الاستبداد استئثار بحق السلطة و سلب للاّخرين حقهم فيها. الاستبداد يناقض تمامًا فكرة المساواة. كيف يمكن للاستبداد ألا يكون ظلمًا؟ إنه صورة من أبشع صور الظلم؛ حيث يمتلك فرد كل السلطة و لا يسمح لأحد أن يأخذ جزًء منها، و الأزمة في السلطة أنها امتلاك لحرية، فكأن المستبد يسلب الحرية من الجميع و يضعها في خزائنه هو. لماذا لا نعامل السلطة كالمال؟ الاثنان ملكيتان و من يأخذ/تأخذ الملكية العامة نعتبره/ا مغتصبًا/ةً، مختلسًا/ةً و لا نصفه/ا أبدًا بالعدل. لماذا نصف من يأخذ/تأخذ حرية الجميع غصبًا أو نصبًا بالعدل؟
      و حتي إن قبلنا الفكرة نظريًا، و قلنا أن الاستبداد ظلم مقبول و أنه لا خطأ في "المستبد العادل" أو ما يجب أن يسمي "الظالم العادل". فلننظر إلي الواقع، هل يحقق/تحقق المستبد/ة العدل؟ كيف؟ ليضمن المستبد/ة الاستبداد، ليضمن/تضمن سلب حرية الجميع يجب أن يظلم/تظلم، ليس أمامه /اخيار اّخر، حتي و إلم يشأ/تشأ ذلك. هل هناك نظام ديكتاتوري في العالم لديه نظام قضائي لا يتدخل في القضايا السياسية؟ لا يوجد. القضايا السياسية يجب أن يحلها القضاء و بما أن مقاومة الاستبداد و استرجاع الحق في الحرية يجب أن يواجهه الحاكم/ة المستبد/ة بالقمع لتحصين كرسيه/ا، فيلجأ/تلجأ المستبد/ة إلي القضاء لمعاقبة أولئك الذين طلبوا استعادة حريتهم المغتصبة. يعاقبهم القضاء علي سؤال حقهم في حريتهم التي يضعها المستبد/ة في خزائنه/ا. أين العدالة في محاكمة المسروق/ة عندما يسأل/تسأل استعادة ما أخذ منه/ا ؟
         القضاء يتحول تحت الحكم المستبد لسلاح في يد المستبد/ة ضد من يسألون حقهم في الحرية. القضاء يحمي الحق، و لكنه يغدو تحت الحكم الديكتاتوري درعًا لمغتصب/ة الحق، و بمقدار الاستبداد و الشر يتحدد مدي الظلم الذي سيقع علي السائل/ة لحقه/ا في الحرية عقوبة علي دفاعه/ا عن حقه/ا. هناك مستبد/ة يعاقب/تعاقب بالسجن، بالفصل، بالإقصاء، بالتعذيب، و هناك من يصل في طغيانه للإعدام. لكن مهما بلغت طيبة المستبد/ة يظل ظالمًا/ةً يعاقب/ تعاقب من يدافع/تدافع عن حقه/ا؛ لأنه/ا جسر/ت سؤاله.
         كيف يمكن بعد ذلك للمستبد/ة تحقيق العدل؟
      لا أظن والدان فقدا ابنتهما تحت حكم مستبد سيشعران بأن ذلك النظام عادل. لا أظن طفلاً مسجونًا؛ لأنه جرأ الاحتجاج سيدعي أن النظام عادل. لا أظن طالبة مجدة فصلت من دراستها بسبب معارضتها للنظام السياسي ستري النظام عادل. لا أظن أي مدافع/ة عن حريته/ا دفع/ت ثمنًا باهظًا للدفاع عن حقه/ا سيري/ستري العدل المدعي للنظام المستبد.
      المؤمنون ب"المستبد العادل" لم يحيوا أبدًا الإدراك لظلمه، لم يفرق معهم أن يسلبهم حقهم في الحرية، و لم يجربوا بطشه؛ لأنهم دافعواعن الحق. المؤمنون بالأسطورة لم يعرفوا كيف يشعرون بصدق بعذاب المظلوم الذي خضع لطغيان المغتصب؛لأنه دافع عن حقه. المؤمنون بالأكذوبة لم يحيوا الوجه الاّخر لها، يرون جانبًًا وحيدًا أسطوريًا.

      و يحيا النظام المستبد و يمارس طغيانه بحرية و خلفه يصفق هؤلاء المؤمنين بالأسطورة. يعلم أنه لولا الأساطير ما استطاع يومًا أن يغتصب الحق في الحرية و يملأ بها خزائن سلطته. لولاها ما استطاع أن يملأ سجونه بالمظلومين الذين بجحوا و سألوا جزًء من الحرية المسجونة داخل الخزائن أسفل الكرسي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق