الخميس، 25 ديسمبر 2014

كيف يصير الدم يسيراً؟

(هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة).

 يسهل علي اساتذة العلوم السياسية أن يبنوا نظريات تبدو عميقة و معقدة عن سيادة الدولة و احتكارها لاستعمال القوة، و ردعها للإرهاب. يسهل عليهم أن يبرروا قمع الأقليات و اضطهادها، و الترويج لأفكار فاشية مادامت تبدو ضامنة لحماية مفاهيم مثل "الدولة" و "الأمن العام" و "النظام العام" و "الكرامة الوطنية" و "السيادة". يسهل عليهم حتي الدفاع عن أعتي الجرائم بينما يتم التصفيق لهم و تبجيلهم و اعتبارهم المصدر الوحيد المعترف به للحقيقة في مجال السياسة "المصدر الأكاديمي".

و يسهل أكثر علي من يسمون "رجال الدولة" و "رجال السياسة" و "رجال الأمن" استخدام تبريرات اساتذة العلوم السياسية كغطاء فكري سياسي لجرائمهم. و يسهل عليهم الإيمان بأن المختلفين عنهم، و الذين يهددون سلطتهم "خونة" و يجوز التعامل معهم بكل صور الإجرام ضد إنسانيتهم لأجل حماية المفاهيم البراقة مثل "الوطن" و "الدولة" و "الأمن العام" و "النظام العام" و "السيادة".

يسهل عليهم جميعًا ذلك؛ لأنهم لا يتعاملون مع السياسة كحياة بشر. اساتذة السياسة كثير منهم لم يجربوا قط الحياة مع بشر ممن يصفون ب"مهددين لأمن الدولة" و "متحدين لسيادتها" و "إرهابيين". و "رجال الدولة" و "رجال السياسة" و "رجال الأمن" لم يعيشوا مع من يعتبرونهم "خونة" و "عملاء" و "إرهابيين". إن رأووهم بشرًا لا مجرد أفكار دنسة لن يستطيعوا أن يرتكبوا ذات الجرائم اللإنسانية ضدهم بدم بارد. 

المعتقلون بشر، لهم علاقاتهم بأهلهم، بأصدقائهم، بناس عاديين أخرين. الشهداء بشر لهم من يتألمون عليهم، و لا يستطيعوا أن يتخطوا صدمة فقدهم. إنهم ليسوا مفاهيم و عبارات جافة، و لا الكياينات -التي يدعي علماء السياسة من مكاتبهم المكيفة أنهم يهددونها - هي الأخري مفاهيم و عبارات جافة كذلك. "الوطن" هو مجموع أفراده بكل اختلافاتهم، و أفراده هم كل قاطنيه بلا استثناء. "الأمن" هو أمن هؤلاء البشر و لا أمن أي مؤسسة. بل حتي المؤسسة عبارة عن بشر من لحم و دم لا مجرد مفهوم.

من مصلحة كل نظام فاشي و قمعي أن يتحول البشر و الكيانات لمفاهيم، هكذا يصير أسهل عليه الإجرام بحقهم بدم بارد. "باومن" له تفسير جيد لتلك الفكرة في كتابه "الهولوكوست و الحداثة"، و يرصد فيه كيف يمكن التغاضي عن الإجرام ضد الإنسانية إن حولنا البشر لمفاهيم، و لكن ما قد ينقص "باومن" أن حماية النظم الديكتاتورية تحتاج تحويل الكيانات كذلك لمجرد مفاهيم، لا كبشر متحدين. حينها يصير اللامنطقي منطقيًا، حينها تصير عبارة "مصر فوق الجميع" منطقية، و لا يخطر لأحد أن ينقدها و يهتف "مصر هي الجميع".


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق