الجمعة، 19 ديسمبر 2014

أيديولوجيا النظام الحالي

 ( هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة).

  هناك كثيرون يصعب عليهم تفسير سياسات النظام الحالي التي تبدو لهم متناقضة و لا تنتمي لأيدولوجيا واضحة. يحاولون أن يضعوا تعريفًا يصف هذا النظام فيفشلون؛ لأنهم لا يجدون له نمطًا محددًا، و مواقف ثابتة يمكن من خلالها قراءة توجهه الفكري. الخطأ الذي يرتكب هو تحليل هذا النظام من خلال نظرة علوم سياسية تحلل أنظمة الحكم المختلفة. تحليل هذا النظام  يتطلب ما هو أكثر تعقيدًا و بساطة. تحليل الأفكار الاجتماعية خلفه.
     وصف هذا النظام بالمتناقض ينبع من حرصه علي التضييق علي الحريات الدينية مثل منعه لكثير من الدروس الدينية، و في ذات الوقت التربص بكل من يمثلون خروجًا علي أفكار الدين و العرف مثل المثليين و الملحدين بل و التعامل معهم بأقصي درجات العنف و اللاإنسانية. في البداية وقف بجواره كثير من من يدعون الليبرالية و اليسارية ثم فوجئوا بأنه لا يستهدف القضاء علي الإخوان و محاربة الفكر الإسلامي، و لكنه يستهدف كل ما يمثل خروجًا عن فكره، أو حتي تبني أيديولوجيا واضحة.
        نظام عبد الناصر عرف عنه قمعه للفكر الإسلامي و اليساري و تضييقه الخناق علي كل ما هو "إسلامي". لكن عرف عنه كذلك كونه مدنيًا، و مرونته في التعامل مع الاختلافات العقائدية و الاجتماعية. لم يعرف عنه مثلاً قمع الملحدين كملحدين (و إن عرف عنه الفتك بالشيوعيين) و عرف عنه تقبل بعض الأوضاع المنبوذة اجتماعيًا مثل وجود نوادٍ للمثليين.
          نظام مبارك ربما يعد الأقرب لنظام السيسي؛ لأنه تبني ذات الاّلية في مهاجمة "الكل". و يعني بذلك مهاجمة كل ما يمثل خروجًا عن قواعد المجتمع أو السلطة السياسية مثل الإلحاد أو المثلية أو تغيير العقيدة أو الإشتراك في النشاط السياسي الطلابي أو حضور الدروس الدينية أو الذهاب للمساجد بانتظام.
           أزمة هذه الاّلية أنها تعجز الكثيرين عن فهم العقيدة التي تقبع خلف القمع. هي ليست عقيدة دينية؛ لأنه يهاجم الحريات الدينية. و ليست عقيدة مدنية؛ لأنه يعتدي علي حريات الأشخاص، لكنها عقيدة فكرية أكثر تعقيدًا. إنها عقيدة اجتماعية بالدرجة الأولي. بمعني اّخر القمع مصدره فكر اجتماعي لا سياسي، و العقيدة التي تحدد ما يقبله النظام هي أفكار المجتمع و العادات و التقاليد المقبولة لغالبية أعضائه.
           النظام السياسي الديكتاتوري في مصر الاّن هو أقرب لصورة مكبرة للمجتمع. القبول بالحكم المطلق للحاكم و تقديسه و حتي خطابه العاطفي يرتبط بصورة الأب الاجتماعية ببعدها العنيف و العاطفي في اّن واحد. صورة الدولة البوليسية تشبه عصا الأب عندما يتعامل مع أبنائه الخارجين عن قواعده في الأسرة المصرية التقليدية. الأب في الأسرة المصرية التقليدية لا يخطأ و لا يسمح لأحد بأن يعصاه أو أن يناقشه حتي و إلا يدفع الثمن بالعصا.
             السلوكيات التي يرفضها المجتمع مثل الخروج عن الدين بتغيير العقيدة أو بالإلحاد تتعامل معها الأسرة إما بمحاولة إعادة الطفل الضال –الذي تؤمن الأسرة بأنه تم التلاعب بعقله أو أنه يعاني من حالة نفسية- للتقوي بعرضه علي شيخ أو طبيب نفسي أو تضربه أو تطرده أو تحبسه. و هذه استراتيجية مشابهة لما فعلته الدولة عندما بدأت حربها علي الملحدين بتنظيم مجموعة لمحاربة الإلحاد بين أعضائها طبيب نفسي ثم أخذت خطوة أكثر عدائية عندما بدأت تتربص بأماكن تجمعهم و تغلقها.
             المثلية مشاعر و ميول يرفضها المجتمع بقسوة و يؤمن بضرورة إفناء أصحابها، و هذا هو موقف الدولة تمامًا، فهي تعمل علي الترصد بالمثليين و مطاردتهم و حتي البحث عنهم بوضع مخبرين علي مواقع تجمعهم الالكترونية. ثم عند القبض عليهم تعطيهم أسرع أحكام قضائية و تعرضهم لأبشع أنواع التعذيب البدني و الاعتداء الجنسي الذي قد يصل للاغتصاب.
               مجتمعنا ليس مدعيًا للتعصب، بل يدعي تمسكه بالدين المعتدل و رفضه لكل صور التشدد. و الدولة ترفض كل صور التشدد كذلك (بتعريفها هي للتشدد) و لا تخنق علي أي مظهر ديني مقبول اجتماعيًا مثل الحجاب، لكن تخنق علي المنتقبات مثلاً.  بمعني اّخر تقبل من التدين الدرجة التي تتبعها الأغلبية، و تعتبر كل تجاوز لذلك الحد تعصبًا و علامة علي السير في طريق التطرف.
                باختصار هي دولة أقرب في أيديولوجيتها للأسرة المصرية التقليدية، و يمكن قياس ما تقبله و ترفضه و طريقة تعاملها معه بالنظر للأسرة المصرية التقليدية و هيكلها الديكتاتوري القمعي. و أقرب نموذج للأسرة المصرية التقليدية التي ينبع منها النظام السياسي القمعي الحالي هي أسر ضباط الشرطة. أسر ضباط الشرطة تتراوح حرية الملبس فيها بين النصف كم و تناورات أسفل الركبة إلي الحجاب "المعتدل". و أفرادها يحرصون علي الصلاة أحيانًا، لكن صلاة الجمعة فرض أساسي أسري بالدرجة الأولي. أغلب الأسر الشرطية مسلمة لكن توجد أقلية مسيحية. و الأب غالبًا له سلطة مطلقة علي الأسرة، و يتمتع بقدر كبير من العنف، و يحرص كثيرًا علي الإيذاء البدني للأطفال (الذكور بالذات) لتعليمهم الإلتزام بكل القواعد التي يضعها هو.  و لا يمكن في هذه الأسرة خروج فرد ليعلن رأيًا سياسيًا أو دينيًا أو اجتماعيًا معارضًا للأسرة. و بالنسبة للحرية الجنسية فهي أصلاً كلمة لا تسمع أبدًا في تاريخ الأسرة، رغم التكرار اليومي للألفاظ الجنسية الخارجة من جانب الأب (الذي يبرر له ذلك بتعامله مع مجرمين طوال الوقت).
                    بنيان هذه الأسرة و فكرها فيه شيء من شفرة بنيان النظام الديكتاتوري المصري و أيديولوجيته، و تحليله يحمل معه تحليل هذا النظام. و لكن أكبر خطأ قد يرتكب أن ينظر لهذا النظام كأي نظام ديكتاتوري اّخر؛ لأن هذا النظام يكتسب هويته من النظام الاجتماعي المصري، و سر وجوده و مفتاح فنائه في هذا المجتمع.

               

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق