السبت، 15 أغسطس 2015

بالأمس كانت ذكري خيانتنا -متي نكسر الدائرة؟

(هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة).

      منذ ما يزيد عن عامين، كتبت هذا المقال وقت فض ميداني رابعة و النهضة تحت عنوان "الاّن ثبتت خيانتنا":

"       الاّن ثبتت خيانتنا. الاّن أثبتنا أننا خنا القيم التي قاتلنا لأجلها ، و قبلنا الضرب بها عرض الحائط لأجل التخلص من ما تبقي من صداع الإخوان. الاّن لا تعنينا حرية ، و لا عدالة ، و لا ديمقراطية ، و لا حتي إنسانية ، لا نأبه لأي منهم ،لا نهتم.
     نري فض الاعتصام أمام أعيننا علي الشاشات داخل بيوتنا فنبرره بل و نصفق له بكل حرارة. لا نتذكر أبدًا أننا كنا منذ أقل من شهرين مستعدين لقلب وطننا رأسًَا علي عقب إن هوجمت مظاهرة أو اعتصام واحد لنا ضد نظام مرسي .نسينا بل تناسينا بسرعة كل ما وقفنا ضده بصلابة،تغاضينا بسهولة عن ما فتحنا صدورنا للنيران لأجله.
     كاذبون. نحن الكاذبون.
     مجددًا أطرح السؤال ، هل كنا سنقبل بفض اعتصامنا ضد مرسي أو المجلس العسكري أو مبارك من قبل ؟ هل كنا سنتعاطف مع الفض و نعتبره قانوني؟ لماذا لم نعتبر الاعتصام لأشهر في التحرير ضد المجلس العسكري ثم مرسي جريمة أو وقف لحال سكان عقارات التحرير ؟
     هل نقول الاّن أننا مختلفون ؟ هل نقول أنهم إرهابيون يحملون السلاح و نحن سلميون حقًا ؟
    إن كنا نقول ذلك فلنتذكر ماذا كان يقال عنا من قبل .
   ألم يقل نظام مبارك أن الثوار أصحاب أجندات خاصة و أجنبية أي خونة ؟
  ألم يقل المجلس العسكري "خونة" بتدريب خارجي علي معارضيه ؟   
ألم يقل إخوان مرسي علي كل من ضدهم فلول و منحلون كفرة ؟      
الأّن يقال علي أنصار مرسي إرهابيون.
   كل نظامٍ لديه تهمة للمعارضين تبرر له القمع، بدونها سيعري عن حقيقته ، سيكشف الستر عن الوجه القبيح ، عن عمامة السلطان الجائر ، عن اليدين الملطختين بالدم.
     لا أعلم إن كان هناك سلاح في يد المتظاهرين فعلاً أم لا مع أن معي شهادة أحد أقربائي داخل رابعة العدوية برؤيته للسلاح بعينيه. لا أعرف إن كان السلاح ملك أغلب المتظاهرين أم عناصر بينهم. لكني أعرف أن هذا يلزم بإلقاء القبض علي المسلحين و التصدي لهم إن لزم الأمر بالسلاح، لكنه لا يبيح أبدًا قتل المدنيين العزل الذين يدافعون عن أرائهم و أفكارهم أيًا كانت. في 25 يناير ، و المظاهرات ضد المجلس العسكري ثم المظاهرات ضد مرسي ، في كل الأوقات كانت هناك شبهة عناصر مسلحة بين المتظاهرين لكن ذلك لم يكن شفيعًا لدينا ضد ما تعرض له المتظاهرون السلميون ، فسيكون ازدوجًا أن يشفع الاّن.
        أقولها ثانية ، لنكن صادقين قليلاً مع أنفسنا و نقف ضد ما يحدث الاّن كما وقفنا ضد ما شابهه في الماضي ، حتي لا نكون كاذبين ، حتي لا نحمل دم أحد ، حتي لا تدور علينا الدائرة ثانية ذات يوم و نجد التهم توجه إلينا ، نجد غيرنا يصفق و دماؤنا تسيل،تضيع وسط صوت التصفيق."

         لم أنشر ذلك المقال حينها، لكن تأكد لي كل يوم أنني كنت محقة. كل يوم حمل لي إيمانًا يقينيًا أن كل ما مررنا به من قمع هو ثمن لحظة خيانة مبادئنا، و قبولنا بالظلم، و القمع لمن نراه خطأ. تلك اللحظة، كانت لحظة حاسمة؛ لأنها حملت إشارة لشكل مصر ما بعد فض ميداني رابعة و النهضة، ليست مصر الظلم، و القمع فقط، لكن مصر الفاشية، مصر التي يقبل كل فرد فيها إضطهاد الاّخر/ي، بل يصفق، و يطبل له، مصر التي تدهس فيها كل أقلية؛ لأن الأغلبية تراها خطأ.

         اليسار دفع ثمن خيانته لمبادئه، و الغالبية الكاسحة من نشطائه يقبعون خلف القضبان الاّن. اليسار دفع ثمن أنه في لحظة وافق أن يبيع إيمانه بالحرية، و العدالة للتخلص من اّخر يرفضه، و يريد الانتقام منه. و كل أقلية في مصر وجدت نفسها تدفع ثمن كونها أقلية، و ربما كذلك ثمن قبول الكثيرين فيها باضطهاد الاّخر/ي. الإخوان دفعوا ثمن ما فعلوه قبل و أثناء بقائهم في السلطة، و عانوا الظلم و القمع، و القتل،  القانوني و غير القانوني، و بدأ كثيرون منهم يؤمن بالحل العنيف. الملحدون و مختلفي الميول الجنسية و الجندرية بدأت حملة قاسية ضدهم، بل أقسي من أس حملة حدثت في عصر ميارك أو مرسي. جميع الثوريين الحقيقيين بغض النظر عن توجههم السياسي لقوا حتفهم أو أعتقلوا أو هربوا خارج مصر أو اضطروا لقبول الأمر الواقع القمعي و تغيير أسلوبهم أو أحبطوا و اّمنوا ألا أمل من قضية التغيير في مصر.

          كل ظلم خلفه لحظة تنازل عن المباديء، لحظة يقبل فيها بظلم الاّخر/ي، و سلبه/ا لحقه/ا. الظلم دائرة، و نحن ندفع ثمن دعمنا للظلم. كما قبلنا بظلم الاّخر، يقبل غيرنا ظلمنا. لن نحيا في وطن عدل أو حرية أو أمان بصدق حتي يكسر أحد الدائرة، حتي يرفض أحد الظلم للاّخر/ي مهما راّه خطأ.

          لن نتحرر حتي نكسر الدائرة.
      
            

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق