(هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة).
في البداية ظننت أن الأزمة في حقوق فئة
بعينها. حاربت، عرضت نفسي للألم، شارفت علي دخول السجن أكثر من مرة، و الأسوأ أنني
عذبت نفسي من الداخل، و تحملت جرح الأقربين إليَ، كل ذلك دفاعًا عن حقوق كل من
اّمنت أنهم أقلية أو مظلومون. دخلت مجتمعات كثيرة لأقليات مختلفة، و لمدافعين عن
الحقوق و الحريات، حملت داخلي ألمهم؛ حملت داخلي ألم كل من شعرت بظلم المجتمع أو
الدولة أو الدين أو جميعهم أو بعضهم له/ا. حاربت بحماسة، و ألم، و صدق مشاعر
حقيقيين. دهست الخوف، و مررت بلحظات سحقني الألم.
كل ذلك كان حتي عرفت الضياع، ضعت لما أدركت
أنني لم أحارب لأجل الجميع حقًا. تعذبت لما عرفت أن الظلم لا يشمل فئة بعينها أو
مجموعة فئات، بل إنه يشمل غالبية، إلم يكن جميع البشر. أمر بأزمة وجودية، و أنا
أشعر بالعجز عن محاربة كل ظلم. لكن الدرس المؤلم الذي أكتب عنه الاّن هو أن
الغالبية لا تعترف إلا بما يناسب أفكارها من حقوق، و تنكرالحقوق علي ما لا تؤمن
به. الألم العميق أن المدافعين عن الحقوق و الحريات كثيرًا (إلم يكن غالبًا) ما
يدافعون عن حقوق ما يؤمنون به، و يرفضون حقوق من يرونهم مجرمين، مذنبين أو حتي
مخطئين.
كثير
من المسيحيين (بل و بعض المسلمين) يدافعون عن المسيحيين، لكنهم يرفضون حقوق
الملحدين. كثير من الملحدين و المتشكيين الدينيين، و حتي بعض المسلمين اليسار
يؤمنون بحقوق الملحدين، و اللادينيين، و البهائيين، لكنهم يرفضون حقوق الإخوان، و
يؤيدون أي جريمة ترتكب مهما بلغت دمويتها ضد الإخوان. و غني عن القول أن كثيرًا من
الإخوان ينادون كثيرًا بحقوقهم كبشر في المؤتمرات خارج مصر، لكنهم يرفضون حقوق
معينة للملحدين أو اللادينيين أو المتحولين الدينيين أو طبعًا المثليين. كثير من
اليسار يدافع عن حقوق الأقليات الدينية كلها، و الفقراء، و العمال، و الطلاب، و
حتي الإخوان، لكنهم يرفضون بشدة حقوق المثليين، و المتحولين الجنسيين. كثير من
المثليين، و المتحولين الجنسيين يقبلون بحقوقهم و حقوق الأقليات الدينية المختلفة،
لكنهم يرفضون حقوق المعارضين السياسيين، و طبعًا الإسلاميين. حتي أولئك الذين
يقبلون حقوق كل ما سبق، و يؤمنون بمفهوم شبه غربي للحقوق و الحريات، و يرون
المجتمع قامعًا و متخلفًا، و الدولة مجرمة، يحتقرون النساء اللاتي تقبلن تعدد الزوجات،
أو المحافظين اجتماعيًا، و يرونهم متخلفين، و يبصقون علي الداعرات، و الذين يتناولون
المخدرات و يرونهم مجرمين يستحقون السجن.
القليل
حقًا يتبني مفهوم حرية الاّخر مهما أخطأ ما دام لا يؤذي أحدًا؛ الغالبية تريد فرض
ما تظنه الحق. و السبب خلف ذلك أن كل فرد لديه/ا مفهوم ثابت للصواب و الخطأ، و يري/تري
أن من يرتكب/ترتكب الخطأ أو الإثم أو الخطيئة أو الجريمة يجب أن يمنع/تمنع منها، و
يحاكم/تحاكم، و ينكل به/ا. كثير ممن يؤمنون بالإسلام لا يعترفون إلا بالديانات
الإبراهيمية، و يرفضون تمامًا حرية كل من يؤمنون بغير هذه الديانات. كثير ممن
يؤمنون بالإسلام أو المسيحية يرفضون حقوق المثليين، و المتحولين الجنسيين، و الداعرات؛ لأنهم بالنسبة إليهم اّثمين مصيرهم
الجحيم. كثير من اليسار يرفضون حقوق الإسلاميين؛ لأنهم يرونهم يرفضون الحقوق، و
الحريات، و يريدون الدولة الدينية. كثير
من مؤيدي النظام يرون أن المعارضين يستحقون القتل؛ لأنهم لا يتمتعون بالوطنية
الكافية. و ربما الهزلي، أن كثيرًا من المثليين يرفضون حقوق الداعرات لأنهن تبعن
أجسادهن، و بعض المتحوليين الجنسيين يرفضون حقوق المثليين؛ لأنهم يرون التحول
الجنسي ليس حرامًا؛ لأنهم يؤدي لعلاقة غيرية، بينما المثلية هي الحرام.
السبب خلف كل ذلك هو وهم الكثيرين أن
معهم الحق، و أن الاّخرين هم الباطل. و السبب العميق خلف ذلك أن المظلومين لا يرون
سوي ظلمهم، لا يرون الظلم الواقع علي الاّخرين. المسيحية قد تري الحقوق المنقوصة
منها لكونها مسيحية و امرأة، و قد تحارب لتمنح حق الطلاق من زوجها القاهر، لكنها
لا تعرف وجع ملحدة طردت من بيتها، عذبتها أسرتها، و كادت تلقي في السجن بسبب رفضها
للدين. قد تعرف إخوانية وجع أن يقتل والدها، و تلقي أسرتها كلها في السجن، و يتعرض
بيتها للتدمير، لكنها لن تعرف وجع مثلي حاول أقصي ما في وسعه أن يغير نفسه ليرضي
المجتمع، تعذب، عاش في الظلام، و ربما ألقي بفضيحة في السجن.
كنت أحاكم الناس، و أدينهم؛ لأنهم يرفضون حقوق
الاّخر، و يريدون حقوقًا لأنفسهم فقط، لكنني تعلمت أن من لم يجربوا وجع الاّخر/ي،
يصعب عليهم فهم عذابه/ا، أو قبول حقه/ا. تعلمت أن من يعيشون وسط مجتمع معين أو
مجموعة واحدة مشابهة لهم، يسهل عليهم الحكم علي الاّخرين، و يعسر عليهم تخيل أي
حياة أخري خيرة غير الحياة التي تربوا عليها.
أحيانًا أشعر أنني أريد أن أصرخ، أريد
أن أقول للجميع أن يتركوا الاّخرين، و شأنهم، يرحمونهم. أشعر بالعجز لأنني لا أعرف
كيف أتحدي العالم أجمع؛ لا أعرف كيف أعيد الحق للجميع. أعلم عجزي، و يؤلمني بقسوة.
و بعد اكتئاب، إحباط، و أزمة وجودية، قررت أن أكتب هذا المقال؛ لأظهر لك أنك قد
تظن/ين أنك تؤمن/ين بحقوق الاخرين، بينما الحقيقة أنك قد لا تؤمن/ين إلا بحقوق ما
يتفق مع إيمانك. من يؤمنون بالحقوق، و الحريات يجب أن يؤمنوا بها لمن يختلفون
معهم، فلا معني أن تؤمن/ي بحرية لرأيك وحده. هذا هو النفاق. هناك أيديولوجيات
سياسية أرفضها بشدة، و مؤسسات اجتماعية أعاديها، لكنني أؤمن بحرية الأفراد أن
يكونوا جزءًا مما أرفضه، و أعاديه، و الدفاع عن حقهم في أن يكونوا جزءًا مما
يريدون، و أن يدافعوا عما يؤمنون به مبدأ أساسي لي. أنا لم أبدأ هنا؛ لوقت طويل،
كنت قومية متعصبة، تؤمن أن من يحمل جنسية مختلفة خائنًا يستحق الاحتقار! يندر أن
نبدأ بالحب، و القبول، و احترام الاّخرين، و حقوقهم، لكن إن بقينا حيث بدأنا،
فحتمًا سيأتي يوم، و نحمل إثم ظلم أحد، و نحن نحسب أننا نمتلك الحق.
أظن أنني داخلي، ما زال هناك الكثير من
الازدواج في مكان ما، لكنني أريد أن أراقبه دومًا، و أسيطر عليه؛ حتي لا أظلم
أحدًا.
ربما عليك أن تتساءل/ي أيضًا :
"بحقوق من تؤمن/ين؟"، "لماذا؟"، "ألأن حقه/ا يتفق مع
معتقداتك؟ أم لأنه/ا إنسان/ة؟"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق