الجمعة، 16 ديسمبر 2016

سجن السلوفانة -منشور ب"نسوية" مجلة أسرة هي لدعم حقوق المرأة في الجامعة الأمريكية

(هذا المقال بقملي لا بقلم الطفلة).

سجن السوفانة
   "بلغتِ يا يسرا!"
    قالتها أمي مصدومة، عندما ناديتها من الحمام لأخبرها أنني بلغت. حسبت الأمر مداعاة فخر ودليلاً على أنني صرت كبيرة. كانت طريقة تفكير طفلة في التاسعة تريد دائمًا أن تفخر بأنها تكبر.
    لم أعرف حينها أن لحظتها سيبدأ جرح طويل مؤلم، سيتضخم مع السنوات، ولن يشفي إلا بمواجهة، وحرب طويلة داخلي.

   بدأت جدتي تشرح لي معني "غشاء البكارة"، والعذرية. كنت طفلة صغيرة، لا تفهم كثيرًا، لكنني فهمت أنه شيء داخلي يجب أن أحافظ عليه بأي ثمن. لم أكن أبالي بتهديدات أمي ألا أتزوج إن فقدته، لكنني خفت عليه؛ لأنني ربما حسبته يحدد قيمتي. في البداية أصبت بوسواس للحفاظ عليه؛ خفت من الدراجة، من الشطافة، من المياه، حتى من الهواء عليه!  
لم أكن بطابعي طفلة جبانة، لكنه علمني الخوف، الخوف العميق الذي نعيش به، ويشكل أفكارنا العميقة غصبًا.
   في وقت ما، لم أرد أن أتزوج؛ لأنني رفضت أن أمنحه لأحد. ذلك كان الوقت الذي صدقت فيه بقيمته، و تحديده لقيمتي.
   مضت سنوات وأنا أخاف حتى جاءت الثورة.
  عندما نثور، نريد التدمير، يحطم غيظنا ووجعنا خوفنا، وهذا بالضبط ما مررت به. داخلي تنامي شعور بالإهانة، وبالجرح من كوني جسدًا يريد رجل أن يكون أول من جرب مذاقه. داخلي تنامت قسوة الجرح من كلام أمي عن قيمة العذرية، وعن قراءتي عن "الدخلة البلدي" والجنون ب "فض غشاء البكارة"، و "عمليات الترقيع". كل شيء حولي كان يذكرني، و يؤكد لي كم يحدد ذلك الغشاء التافه (الذي يشبه السلوفانة للحلوى) قيمتي.
        شعرت أن كل القيود الموضوعة على المرأة حجتها هذا الغشاء. لماذا المرأة التي لم تتزوج يضيق عليها أكثر من المتزوجة؟ لماذا يخنق على المرأة في العودة مبكرًا، وارتداء ملابس محتشمة، ولا يخنق على الرجل؟ لماذا يرفض المجتمع الاختلاط في "المرحلة الخطرة" بين الذكور والإناث؟ لماذا تلام المرأة على علاقاتها، ويفخر بها الرجل؟
أفكار المجتمع مثل "العذرية" و "غشاء البكارة" مجرد طريقة يتحكم بها المجتمع فينا، ويفرض بها أفكارًا غير علمية ولا منطقية علينا (غشاء البكارة ليس طبيًا قرينة على العلاقة الجنسية أو عدمها). إنها أفكار يضمن بها أن نفضل خاضعين لما يريد أن يفرضه علينا، ونخاف أن نتمرد عليه. إنها أفكار تحمي بقاء النظم القمعية، وتحمي غياب العدالة، إنها أفكار نبقي بها التمييز بين البشر، وقمع الأضعف (في هذه الحالة؛ المرأة).
المجتمع يضخم من غشاء البكارة يجعله شبحًا يرعب به كل امرأة ليفرض عليها قوانينه. المجتمع يحول العذرية لمعيار يحاكم به المرأة، و "السلوفانة" لدليله في المحاكمة. يزرع داخل المرأة منذ صغرها الخوف علي "السلوفانة" يجعلها ترتعد من فكرة خسارة دليل براءتها أمام محكمته.  هذه "السلوفانة" لا توفر له الدليل، و طريقة تخويف المرأة، و حسب بل و حجة قمعها.
خوف المرأة علي "السلوفانة" يجعلها مستعدة لقبول تحكم الرجل بحجة حماية دليل "براءتها". الأب أو الأخ بإمكانه أن يمنع ابنته من الخروج ليلاً أو السفر أو ارتداء ملابس معينة أو الاقتراب من أحد الذكور بحجة حمايتها من الاعتداء أو حفظها من الفاحشة. هذه الحجة لا تكفي لإقناع المجتمع فحسب بل أحيانًا حتي المرأة ذاتها. "الاعتداء" و "الفاحشة" في النهاية ما هما إلا كلمتان تستتر خلفهما "السلوفانة". لهذا السبب هذه الحماية تقتصر علي المرأة دون الرجل، و تزيد علي غير المتزوجة عن المتزوجة.  

كل هذا القمع حجته الحفاظ على "السلوفانة"، ليتأكد الرجل الذي يشتريني أنه أول من ذاقني، ليتأكد أنه أول من لعق الحلوى.
       شعوري بالإهانة جعلني أثور، جعلني أود تحطيم كل ما يقدسونه لهذه الدرجة. أردت ألا أمنح "الحلوى" لأي رجل. لم أرد أن يشعر رجل بزهو أنه أول من فتح السلوفانة، أردت أن أمزقها بيدي. تمنيت لسنوات أن أقطع غشاء البكارة بنفسي، لكنني كنت أقول لنفسي أنني سأكون قد هزمت من المجتمع. سيكون المجتمع قد أجبرني أن أؤذي نفسي وأجرحها؛ لأجل الانتقام منه.
      سنوات وأحاول أن أتخطي سجن وجع "غشاء البكارة" لي. سنوات و أحاول أن أتناسي أفكار المجتمع، وأتحداها كما يحلو لي، لكن داخلي الوجع مستمر حتى جاء ما أعاد إيقاظ جرحي الدفين.
الدولة إنعكاس للمجتمع، ليست بعيدة أو مفروضة عليه كما يدعي البعض، الدولة تنفذ و تستغل ما يؤمن به المجتمع، إنها تستغل قمعه لكل أقلية (و بالتأكيد المرأة). لأن الدولة تعرف أن المجتمع يقدس و يأله "السلوفانة" فإنها تدهس المرأة المعارضة بسلاح "العذرية"؛ لأنها تعرف أن ذلك ما سيكسرها.  أسوأ أن يقال عن امرأة أنها بدون "سلوفانة" "شرموطة" علي أن يقال عنها أنها "خائنة".
      "كشوف العذرية"،
       رعبي الأكبر،
       كناشطة سياسية، توقعت أن أعتقل وأواجه الاغتصاب، وكشوف العذرية، لكن كشوف العذرية أرعبتني أكثر من الاغتصاب.  أرعبتني فكرة أن يعلم أحد أدق ما أحميه بروحي. في هذه اللحظة، داخلي فضلت الموت على أن يعلم أحد إن كان رجل قد ذاقني أم لا.  قدسية ملكيتي لجسدي، وحقي عليه، كانا أهم عندي من حياتي. فضلت الموت على أن أعطي المجتمع الحق أن يعرف شيئًا عن جسدي. أكبر ألم كان أن يقهرني المجتمع، ويأخذ مني حقي وحدي أن أمتلك جسدي، وأن أعطيه لمن أشاء.
      لم أخبر أحدًا إجابة سؤال إن كنت عذراء أم لا. هذا السؤال بالنسبة إليَ كان أقيم من حياتي. و أكثر من رفضت أن يعلموا إجابته، هم من اهتموا أن يعرفوها؛ لأنهم أعطوها قيمة.  
      مرة تشاجرت مع أمي، ودخل في شجارنا كلام عن العذرية بطريقة ما، وقالت لي أن كل ما يريده أي رجل أن يأخذ جسدي. وسط وجعي، وجرحي، جذبت سكينا من المطبخ، وكدت أغرسه في عائني؛ لأدمره لولا أن أسرعت إليَ، وأطارت السكين من يدي.
     يومها صدمت من نفسي، وعلمت أن الألم العميق الذي غرسه المجتمع داخلي جعلني مستعدة أن أدمر نفسي. وكنت حينها أقرر أن أحرر نفسي من هذا الجرح بأي ثمن.
أحببت أستاذًا بعمق، وكان أول رجل أراه يحترمني كإنسانة، ولا يراني جسدًا.  طلبت منه أن أقابله، ليساعدني في أمر مهم بالنسبة إليَ. وحكيت له كل ما مررت به، وكم أكره ازدواج المجتمع، وكيف يسجنني في "السلوفانة". وقلت له أنني سأقول له إجابة السؤال الذي لم أقله لأحد قبله "إن كنت عذراء أم لا". لم تهمه الإجابة، لكنها أهمتني أنا. أردت أن أكسر داخلي شعوري بقدسية "السلوفانة"، كنت أريد أن أكسر ذلك لأتحرر بصدق منها.
المجتمع يحطمنا من داخلنا يجعلنا عاجزين عن الحرية. الحرية لا تعني تحدي المجتمع؛ بل تعني ألا يكون المجتمع في بالنا أصلاً. الحرية تعني الفعل لا رد الفعل. المرأة تجبر حتي عندما تقاوم أن تظل سجينة "السلوفانة"، أن تظل تقاتل ضدها أو تدمرها أو تدمر نفسها لتقاومها حتي. المرأة تظل مجبرة أن تدافع سواءًا عنها أو ضدها. لا تملك أن تتناساها. يصعب أن يتناسي العبد السيد مهما أدعي الحرية.      
    أخبرته، وبعدها خطوة خطوة، وجدتني أتحرر. أخذت بعدها فترة حتى صار سجن "السلوفانة" جزءًا من الماضي. لم يعد يهمني "كشف العذرية"؛ لأنه أصلاً ليس دليلاً أو حتى قرينة على العذرية. لم أعد داخلي أضع أهمية لفكرة العذرية، وتحدي أفكار المجتمع عنها. صرت أراها مثل فكرة أول مرة يذوق أحد الأيس كريم. لم يعد الجنس فكرة مهمة أو مهينة بالنسبة إليَ كما كانت.
   اّمنت من داخلي أكثر من أي وقت مضي أن "السلوفانة" ليست مهمة، لا تدميرها، ولا الحفاظ عليها. اّمنت من داخلي أن المجتمع غير مهم، وأفكاره لا تعنيني، وحتى عندما أقاتلها لا يتملكني القتال.
    صرت أؤمن أن جسدي ملكي بصدق.

جسدي ملكي هذه هي كلمة السر للحرية.  طالما بقت المرأة تؤمن أن جسدها ملكًا للمجتمع أو لأي أحد سواها، ستظل عبدة "السلوفانة" مهما قاومت. إيمانها أنجسدها ملكها هي العقيدة الحقيقة التي تحميها داخلها من كثير من قمع "السلوفانة". جسدي ملكي تعني ألا أحد يملك الحق علي أن يحاسبني أو يعلم أو حتي يسأل عن أي شيء يخصه. جسدي ملكي تعني بطلان المحاكمة قبل الحكم، بل تعني عدم اختصاص المحكمة بل تعني بطلان القانون. المجتمع لا يملك حقًا في جسد المرأة ليملك حقًا في وضع قانون يخصه، و لا في أي محاكمةاعتمادًا علي هذا القانون الباطل. المجتمع يغتصب حق المرأة، حق مشرويته في "جسدي ملكي".

لماذا نحيا؟-منشور بمجلة الجامعة الأمريكية AUC TIMES عدد ديسمبر 2016

(هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة).
     
        قبل أن نستطيع سؤال أنفسنا: "لماذا نحن هنا؟"، نجد المجتمع يلقي أمامنا الإجابات التي تعجبه عن واجبات، وإنجازات يجب أن نصل إليها في حياتنا ليكون لها معني، وليكون لنا قيمة. قبل أن نفكر أو نشعر نجد أمامنا فروض جاهزة، وصورًا نقارن أنفسنا وحياتنا بها، ونخضع، ونخضع أنفسنا لها، ونحاكم أنفسنا بها. المجتمع يقول لنا دائمًا أن قيمتنا في الإنجازات التي نحققها، وأن استحقاقنا للحياة يكمن في مقدار ما نصل إليه من الصورة التي يرسمها للنجاح. عندما نعجز عن الإنجاز، ونفشل في الوصول إلى هذه الصورة أو حتى جزء منها، نحاكم أنفسنا، نقارنها بمن وصلوا، نكرهها، ننكر عليها قيمتها، نحكم على حياتنا بغياب المعني، وأحيانًا نقرر أن نسلب أنفسنا حق الحياة.
          نموذج على ما أعنيه هو الفرد الذي يقرر مجتمعه أن النجاح في التفوق الدراسي، والرياضي، ولاحقًا في رئاسة شركة متعددة الجنسيات، والزواج بامرأة من مستوي اجتماعي محدد، واقتناء سيارة ومنزل غاليين، وتعليم الأبناء في مدارس دولية. هذا الفرد إن فشل في هذه الجوانب، سيحاكم نفسه، ويقارنها بمن وصوا، وسيكرهها، وينكر عليها قيمتها؛ لأنها تدنو صورة النجاح، وسيحكم أن حياته بلا معني، وقد يقرر أن ينهيها؛ لأنها لا تستحق. هذا النموذج ليس حكرًا على مجتمع ذا فكر معين. هذا النموذج مجرد مثال علي ما تفعله شتي المجتمعات بشتى اختلافاتها، ومعاييرها للنجاح في الأفراد. إنها تجعل قيمة الفرد في إنجازاته -بغض النظر عما تعرفه كإنجازات-، وتجعل معني حياته فيما تزنه بميزان أفكارها عن النجاح من إنجازات.
لسنوات طويلة كنت خاضعة لتلك المنظومة، ولا أظنني أستطيع القول بثقة وفخر أنني تحررت مما غرس داخلي عميقًا جدًا من قهرها. لسنوات طويلة، هرست نفسي –وما أزال-لأحقق أكبر قدر من الإنجازات بمعايير المجتمع. حاولت الحصول علي أكبر عدد من الجوائز الأدبية، والعديد من الشهادات الدراسية في وقت واحد، والتفوق فيها جميعًا بدراجات لا يستطيع إلا القليل جدًا المنافسة معها، علاوة علي نجاح مبهر في شبكة علاقاتي الاجتماعية. كنت وما زلت أعاني من إدمان العمل الذي شجعني عليه المجتمع على حساب تدمير نفسي لأرضي معاييره عن النجاح. وفي أوقات معينة كانت رغبتي في النجاح مرتبطة بمحاولتي لمواراة "فشلي" بمعايير المجتمع لأنني ضمن أقلياته التي ينظر إليها باحتقار. وكنت أسقط في اكتئاب قاسٍ عندما أفشل في أي شيء حتى بمقدار صغير. لم أدرك إلا متأخرًا جدًا أنني داخلي غرس المجتمع فكرة أن قيمتي كإنسانة تكمن في إنجازاتي، وأن معني حياتي يوزن بهذه الإنجازات.
              كنت أسقط في أزمة وجودية كلما خف ضغط العمل على أو كلما وجدت وقتي فارغًا؛ لأنني كنت أشعر أنني لا أنجز، وبذلك لا قيمة لي، وحياتي بلا معني. وقابلت بشرًاينظرون لأنفسهم باحتقار، وكراهية، ويرفضون فكرة استحقاقها للحياة؛ لأنهميحكمون على أنفسهم بأنهم فشلة في علاقاتهم الاجتماعية أو العاطفية أو في العمل أو في دراستهم أو في كل ذلك معًا. في وقت ما بدأت أقترب من فكر مسيحي يقول إن قيمة الإنسان مستقلة عن أعماله، وأن قيمته في ذاته. هذه الأفكار ساعدتني كثيرًا رغم أنني وجدت اختلافات عميقة بيني،وبينها؛ لأنها تبني قيمة الإنسان على أنه مخلوق من مخلوقات الله؛ وهذا يعني أن من لا يؤمن بالله لن يجد قيمة له أو معني لحياته، ورفضت ذلك بشدة، لكن رغم اختلافي مع هذه الأفكار، جعلتني أفكر في قيمتي لأول مرة كشيء مستقل عما أنجزه.
بدأت أفكر أن المعني مرتبط بوجود الحياة. بدأت أفكر أن كل إنسان/ة لحياته/ا معني بمجرد الوجود. فكرت أن ما خلق ألم اضطهاد الأقليات داخل المجتمع هو قيام كل فرد باضطهاد الأقليات في حياته. عندما تقوم تلميذة في المدرسة برفض اللعب مع زميلتها بسبب اختلاف دينها، فهي تخلق معني الاضطهاد بهذا الفعل الصغير. الاضطهاد هو مجموع أفعال صغيرة وكبيرة ضد الأقلية المضطهدة. فكرة مثل فرض نموذج محدد للجمال الشكلي هي نتاج أفعال صغيرة مثل تعليقات الزملاء، والعائلة، والأصدقاء على سمنة المرأة مثلاً، وفرضهم بتعليقاتهم العابرة لفكرة معينة لدي المرأة -أو الرجل-للجمال الشكلي. عندما تلقي/ن بنظرة جارحة لشخص ما بسبب منظره أو ميله الجنسي أو فقره أو عجزه، فأنت تؤكد/ين معني عميق جدًا هو رفض لهذا الشخص، ولما يمثله. على صعيد اّخر، عندما تقترب/ين من شخص مختلف، وتصادقه/تصادقينه، وتتحدث/ين معه حديثًا عاديًا جدًا، فأنت تقاوم/ين منظومة كاملة من رفض الاَخر يفرضها المجتمع.
        مجرد وجود ابن/ة أو صديق/ة أو أخ أو أخت في حياة الأب أو الأم أو الصديقة/ة أو الأخ أو الأخت يخلق معني. مجرد الوجود في حياة الاّخرين يخلق معني مضاد للوحدة. حتى الابنة التي تعاني من العجز التام جسديًا تستطيع أن تمنح والديها بمجرد وجودها معني هو أنهما ليسا وحدهما. مجرد وجودك في حياة من حولك هو معني يدفعهم للحياة، ويملأ الوجود حولهم من الفراغ، ويحميهم من الوحدة.
       كل فعل أو حتى امتناع عن الفعل منك كإنسان/ة هو معني، وتأثير، وأبدي.
كيف يكون المعني أبديًا؟
المعني أبدي؛ لأنه يستمر بغض النظر عن صاحبه/صاحبته. لنعود إلى نموذج التلميذة التي تجرح زميلتها برفضها للعب معها بسبب اختلاف دينها. هذا الفعل الذي قد يظهر صغيرًا أو تافهًا حتمًا سيؤثر في زميلتها، وسيوصل لزميلتها رسالة كراهية من الاّخر. هذه الرسالة قد تدفع زميلتها لترد بالمثل على المختلفين عنها. إذا كانت مسيحية، قد ترفض الاقتراب من طفلة مسلمة أخري تطلب منها اللعب معها. وهذه الطفلة المسلمة التي ستجد نفسها مرفوضة بسبب دينها، قد تعود هي الأخرى، وترفضعندما تكبر التعامل مع مسيحيين. بهذه الطريقة، ينمو، ويكبر، ويستمر رفض الاّخر داخل المجتمع. بهذه الطريقة، يستمر المعني الذي زرعته التلميذة الأولي، ولا يموت حتى مع موتها.
فيالنموذج المعاكس الذي تقوم/ين فيه بمصادقة شخص مرفوض اجتماعيًا بسبب دينه أو جنسه أو عرقه أو ميله الجنسي أو مظهره أو أي تمييز اّخر، فأنت تزرع/ين معني أبديًا؛ لأن هذا الشخص سيجد من يحبه رغم اختلافه عنه، وقد يحاول هو أن يحب، ويصادق اّخرين مختلفين عنه، وهؤلاء الاّخرون قد يحاولون بدورهم مصادقة اّخرين مختلفين عنهم، حتى يترسب في مجموعة معينة فكرة القرب من المختلفين. هنا المعني الصغير الذي زرعته/زرعتيه في المجتمع لا يموت.
         كل ما نفعله حولنا هو معني صغير، وكبير، لكن الواقع هو مجموعة من المعاني الصغيرة، والكبيرة. هناك أوقات يسود فعل إيجابي من الغالبية، فتكون غالبية الواقع إيجابية، وفي أوقات أخري يسود فعل سلبي من الأغلبية، فتصير أغلبية الواقع سلبية، لكن لا يوجد وقت أبدًا ينتهي فيه أثر المعني. مهما كانت غالبية الواقع سلبية، وخلقت أنت معني إيجابيًا، فإن هذا المعني يبقي. ومهما ظننت المعني تافهًا، وصغيرًا، فإنه يبقي، ويؤثر؛ لأن المعني لا يوزن على أي ميزان كالإنجازات التي توزن على ميزان المجتمع. المعني معني، والتأثير تأثير، وكلاهما باقٍ، وأبدي مهما صغر.
بغض النظر عن وزن "إنجازاتك" على ميزان المجتمع، لك قيمة، ولحياتك معني؛المعني ملاصق لوجودك، لمجرد وجودك معني، ومعني وجودك أبدي،
   لك قيمة،
            لحياتك معني،
            لمعناك أبدية،
             استمر/ي في خلق المعني،
             استمر/ي في الوجود،
             استمر/ي في الحياة.


الثلاثاء، 6 ديسمبر 2016

عنها و عن مشروعي

(هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة).

لما بأفكر في الحملة دي بأفتكرها؛ مش عارفة هي كانت جزء من تفكيري في الحملة دي و لا لأ بس مش عارفة أفكر في الحملة من غير ما أفكر أهديها ليها.
هي كانت حد شجاع أوي، و قوي أوي، و حر أوي؛ و علمتني حاجات كتير أوي. كان نفسي أشاركها حاجات كتيرة وصلت لها دلوقتي، منها الحملة دي؛ بس برضه حاجات جوايا أوي شخصية. كان نفسي الحاجات اللي هي ساعدتني أوصلها تكون معايا و تشاركني و أنا واصلة لها.
أنا عرفتها بالصدفة علي الفيسبوك. أنا عمري ما بأضيف حد ما أعرفوش؛ بس بعت لها عشان أبدي إعجابي بيها، و بشجاعتها، كانت بتكتب عن حاجات المجتمع لا يمكن يدافع عنها؛ و بتقبل إن المجتمع كله يهاجمها، و الناس تشتمها علي الفيسبوك، و تطعنها. ما كنتش بتخاف من الناس أبدًأ في دفاعها عن أي حاجة مؤمنة بيها.
بعد فترة طويلة عرفت إنها من متحدي الإعاقة الحركية. إتصدمت. كل معرفتي بيها كانت إنها حد بيتحدي أفكار المجتمع في تابوهاته، و ما بتخفش من أي حاحة تتقال عليها، و بتعترف بحاجات في حياتها قدام الناس كلها من غير خوف، تخلي المجتمع يعلق لها المشنقة. لكن لما كمان إكتشفت إنها من متحدي الإعاقة كنت مصدومة أوي. إزاي؟!
مع الوقت عرفت إنها كاتبة، و مدرسة، و مصممة أزياء، و رسامة. كان رسمها جميل أوي أوي أوي، و تصميماتها كانت مميزة، و كتابتها كمان. أكتر حاجة مهمة فيهم إنهم كانوا حقيقيين؛ حقيقيين أوي، و بينبضوا بروحها الحرة. أنا ما كنتش عارفة أحرر نفسي قدام نفسي بحرية زيها؛ كنت لسه أسيرة سجن حاجات كتيرة جوايا؛ رباني عليها المجتمع حتي لو مثلت إني إتحررت منها، و إتحديت المجتمع. كانت حرة قدامي، و أنا مقيدة؛ كانت بتوريني عجزي أنا، و قدرتها هي، سجني أنا، و حريتها هي.
كان نفسي نتقابل؛ بس عرفت قهر تاني. كانت يتيمة، و خالها هو المسؤول قانونًا عنها عشان إعاقتها؛ و كان بيتحكم فيها، و ما بيسمحلهاش تخرج أو حد ما يعرفهوش يزورها. عرفت إن المجتمع و الدولة ما رحموهاش للمرة المليون، و فرضوا عليها إنها تعيش تحت حكم حد عشان يتمها، و إعاقتها. عرفت إنهم لا يمكن يسمحوا إنها تكون حرة.
بس برضه كانت حرة لاّخر لحظة؛ و فضلت تكتب، و تقاوم، و تتحدي المجتمع المريض ده لحد اّخر نبض فيها برسمها، بتصميماتها، بكتاباتها، بلسانها الطويل؛ بكل حاجة.
لحد اّخر نفس فضلت حرة. ماتت عندها 22 سنة باكتشاف متأخر لسرطان القولون.
عارفين الناس اللي كانوا بيشوفوني بأعيط، كانوا بيقولوا لي إيه؟
"إترحمت"
أنا إتجرحت أوي ساعتها؛ كأن المفروض إنها تموت، و ده أقصي طموحها عشان تكون سعيدة في حياة ما لهاش أمل فيها بسبب نظام إجتماعي و سياسي و قانوني مضطهد لكل حاجة فيها. كأن مش حقها تحلم، كأن مش حقها تعيش سعيدة أو حتي تحقق اللي تستحقه بموهبتها و فنها. كأن كل حقها إنها تترحم بالموت من قهر، و ظلم مجتمع قذر زي ده.
نفسي أصرخ، و لسه جوايا هي عايشة بعد سنة من موتها، و سنتين علي معرفتي بيها. نفسي الوجع يفضل عايش جوايا. بمكن الوجع مش عايش؛ بس نورها لسه عايش جوايا. لسه عايشة حرة جوايا؛ و كل حاجة بطلع فيها لقدام بأفتكرها؛ بأفتكرها، و بأقول هي جوايا.
و النهارده و أنا بأصرخ، بأصرخ و هي جوايا.
هي صرخة نور هيكمل العمر كله جوايا؛
نور بيعملني دايمًا الحرية،
بيخليني أمشي و هو معايا و أكمل.


https://www.facebook.com/Special-Abilities-609366989242525/?fref=nf