الاثنين، 2 يوليو 2018

حكم القضيب وحكم الرحم


         "القضيب لو مش حديد؛ ما يشلش قطر."
        من اللافت للانتباه أن أحدًا لم ينتقد بجدية هذه العبارة التي جاءت في عمل درامي رمضاني لمحمد رمضان يشاهد من أفراد الأسرة كاملة، ولم يرفع أحد قضية علي محمد رمضان يتهمه فيها بخدش الحياء العام أو حتي الخاص علي غرار ما حدث مع الأديب أحمد ناجي عندما نشر فصلاً من روايته يتضمن وصفًا وعبارات جنسية؛ علمًا بأنه نشره في مجلة الأدب التي ليست مجلة للجمهور العام أو للأسرة، إنما هي مجلة مخصصة للجمهور الأدبي. لم ينتقد أحد محمد رمضان؛ لأن عبارته ترقي لتكوين النص المقدس الأول الذي يؤمن به بعمق النظام الاجتماعي، والسياسي المصري. هذا النص هو النص الأعمق داخل الوعي الجمعي المصري الذي يحرك كل معتقدات المجتمع، والدولة كالوجه السياسي للمجتمع. الحقيقة أن هناك نظامان لحكم المجتمع، والدولة؛ الأول هو "حكم القضيب"، والثاني هو "حكم الرحم"؛        والمجتمع المصري بشكل عميق يؤمن بحكم القضيب حتي وإن غضب في بعض اللحظات من إيلامه.
             حكم القضيب هو الإيمان الراسخ العميق بأن الحكم للأقوي. حكم القضيب هو الإٍيمان العميق بأن الأضعف يجب أن يخضع ويتألم، ويعلن خنوعه للأقوي حتي وإن فعل عكس ذلك في الخفاء. الإيمان بحكم القضيب هو الإيمان بأن القوة وحدها توفر الأمان، وأنها وحدها أيضًا هي مصدر الحق. هنا يكون الإيمان منصبًا علي الصورة القوية، والعنيفة، والمتجبرة من الإله. هنا يكون الإيمان منصبًا علي الصفات التي ترتبط بالذكورة في مفهومها الاجتماعي مثل الجلد، والعنف، والقسوة، والتحكم، والمراقبة، والتخويف، والإخضاع باسم توفير الحماية. هنا يحكم مفهوم محدد للأب ككائن مسؤول عن توفير الأمان في مقابل القهر والقمع، والمنع، والإخضاع، والسيطرة. الأب هنا رمز للسلطة؛ فالسلطة تكون للأقوي، والذي يحكم بالإخضاع، والتخويف والخداع بأنه وحده القادر علي توفير الحماية.
               حكم الرحم علي النقيد من ذلك يعتمد بشكل أساسي علي مفهوم الاحتواء، والحنان، والحماية، والرقة، والتضامن. حكم الرحم معتمد علي مبدأ حماية الأضعف، واللذوذ عنه تجاه تجبر الأقوي، وعدوانه. القوة في مفهوم حكم الرحم هي القدرة علي احتواء الجميع؛ هي القدرة علي توفير تضامن اجتماعي، وحماية لكل فرد مهما بلغ ضعفه، وعجزه في المنظومة الاجتماعية، والسياسية ككل. حكم الرحم يرفض أسلوب القسوة، والإرهاب، والعنف؛ وصورة الإله فيه هي صورة الإله المحب الحنون الرحيم الغفار، والمحتضن.
                   نادرًا ما يستأثر أحد الحكمين تمامًا بمجتمع ودولة؛ فغالبًا ما يندمج النظامين بدرجات متفاوتة داخل كل مجتمع أو دولة. الفارق الحقيقي يكون في مدي الميل نحو أحدهما كمنظومة مفضلة، ومحل إيمان عميق مترسخ داخل الوعي الجمعي. المجتمع المصري يميل أكثر وأكثر يومًا بعد يوم نحو الإيمان بحكم القضيب. المجتمع المصري يتشدد في محاولة لذوذه عن صورة القضيب القوي الحديدي القادر علي حمل المجتمع بأكمله في مقابل إيلامه في إيلاج قاسٍ. كل ما حدث في المجتمع والدولة خلال الأربع أعوامٍ الماضية (حتي التفاصيل الصغيرة) هي محاولة صناعة القضيب الحديدي المصري عن طريق التخلص من كل ما يمثل ميلاً نحو الرحم. التنكيل بكل أقلية سياسية بعنف وسجن بلغ 45000 معتقل هو محاولة فرض صورة القضيب علي الميدان السياسي. إخراس كل من ينتقد الدين الإسلامي (دين الأغلبية)، وفرض التكتم علي كل من يترك هذا الدين هو محاولة لفرض القضيب في الميدان الاجتماعي؛ هي محاولة لفرض الإيمان الراسخ بأن الحكم للأغلبية؛ لأنها الأقوي. والدليل علي ذلك أن كثيرًا ممن يدعمون جبروت الدولة ضد الأقليات الدينية هم يؤمنون بقوة في ضرورة خضوعهم لعادات وتقاليد المجتمعات الغربية في الغرب؛ لأن عقيدة القضيب تقول لهم أنهم هناك أقلية، وأضعف، ويجب أن يقبلوا بحكم الأغلبية الأقوي.
             وبشكل خاص حدث ثلاثة أشياء في السنوات الأربع الماضية للتأكيد علي أهمية القضيب وصناعة حديديته. الشيء الأول هو محاولة القضاء تمامًا علي الأقليات الجنسية التي تهدد صورة الذكر كالمقتحم والمخضع المخيف. فنظر للمثليين علي أنهم من أبشع صور التهديد لهذه الصورة؛ لأنهم ذكور يقبلون أن يكونوا في موقع المخترق، الذي يتم إخضاعه، وكسره؛ وتعرضوا لأبشع صور السجن، والتجريس، والتعذيب الذي يصل لحد الاغتصاب (وهذا طبعًا تناقض). أما الشيء الثاني هو تشدد الدولة في ضرورة فرض التجنيد الإجباري علي كل ذكر باسم إعادة الوطنية المفقودة بين الشباب. والتجنيد يمكن أن يحمل فعلاً معني الوطنية، وكنت بشكل شخصي، وأنا طفلة أرغب أن يكون لي فرصة الإنضمام لصفوف الجيش. ولكن توقيت التشدد في التجنيد الإجباري توحي برغبة في إكساب الشباب دون الفتيات (لعدم السماح للمرأة بالالتحاق بالجيش إلا في الأدوار الأنثوية كالتمريض) وصف القضيب الحديدي، ومحاولة تحوليهم أكثر إلي التمسك بكل ما هو ذكوري، وعسكري، وليس أبدًا مدنيًا أو أنثويًا. الشيء الثالث هو محاولات القوي الذكورية لزيادة هيمنة الذكر في العلاقة الزوجية مثل مشروع قانون حزب الوفد الذي يحمل نصوصًا تجبر المرأة علي الخضوع لهيمنة القضيب عليها، وحماية فكرة الاغتصاب الزوجي؛ لأنه الحق المشتري للقضيب علي العائن الأنثوي. ويحمل مشروع القانون كذلك إلغاءًا للخلع، وإلغاءًا للنفقة في حالة عدم تسليم الذات في بيت الطاعة.
         وأخيرًا استيقظ المجتمع علي مفاجأة أن محدود الدخل أضعف، وأن الغني هو الأقوي، وهو في ميدان الاقتصاد صاحب القضيب. هذه المفاجأة حملت معها لأول مرة غضب الأغلبية؛ لأنها أدركت أنها أضعف ؛ لأن الميدان الاقتصادي طبيعته مختلفة، وصاحب القضيب فيه أقلية. من التناقض ونفاق الذات، والازدواج أن يغضب المجتمع الاّن؛ لأن من قبل بحكم القضيب يجب أن يقبل به عندما يكون الأضعف، لا عندما يكون الأقوي فقط. وإن أوجعك إيلام القضيب الحديدي؛ ففكر أنه ربما الحل ليس في الحديدي؛ ربما الحل

                               في الرحم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق