الأحد، 9 سبتمبر 2018

سلسلة خبرات السفر- أمريكا-ميتشجن


أمريكا-ولاية ميتشجن

       أول مرة أسافر فيها خارج مصر كانت في المؤتمر السادس لجامعة شرق ميتشجن لأبحاث الطلبة في الفلسفة. قدمت بنفسي للمؤتمر، ثم طلبت من الجامعة أن تدفع لي ثمن تذكرة الطيران لولاية ميتشجن في أمريكا عندما تم قبول مشاركتي في المؤتمر. ولحظي فإن أول سفر لي خارج مصر كان وحدي، ولبلد تبعد عن مصر 17 ساعة في أسرع طيران ممكن. أمي حاولت الحصول علي الفيزا لترافقني، ولكنها فشلت. تجربة الفيزا وفساد العاملين المصريين في السفارة الذين يجبرون المتقدمين بالتصوير برقم فلكس في الاستديو المجاور للسفارة من خلال إظهار أخطاء وهمية في الصور والورق موضوع يحتاج مني قصة مطولة لأحكيه.المهم أنني نجحت في الحصول علي الفيزا لنفسي، والسفر وحدي للمؤتمر في مارس 2016، وأبديت بلاءًا حسنًا في أول مشاركة لي في مؤتمر بحثي، وحصلت علي جائزة تسمي "روح المؤتمر" بسبب مشاركاتي القوية في إلقاء بحثي، وفي النقاشات الفلسية للأبحاث المقدمة للمؤتمر.
          علي عكس الكثيرين؛ فإنني حزنت لأني أول فرصي للسفر كانت لأمريكا؛ فأمريكا ليست أبدًا بلدًا أحب زيارتها أو أجد فيها ما يستحق أن يري أو يدرس علي الإطلاق لكنني نجحت وحدي في تنظيم السفر، والتجول داخل ولاية ميتشجن المغمورة نسبيًا، ودخول بعض المتاحف بأن أربور عاصمة شرق ميتشجن، ومعرفة بعض الأمور عن الولاية وعن الثقافة الأمريكية ككل. أولاً فإن أمريكا كما هو معروف مجتمع مختلط لكنها مجتمع عنصري؛ لأنه صحيح أن العرب والأفارقة ينتشرون في كل مكان، ويعملون إلا أنهم يشكلون الطبقات الأفقر، ويعملون في وظائف خدمية مثل سيارة الأجرة، ومحطات البنزين حتي من استطاعوا أن ينالوا منهم قسطًا من التعليم. وهذا أمر ليس حكمي عليه مجحفًا لأنني زرت ولاية واحدة صغيرة في أمريكية؛ لأن ميتشجن بها أكبر تركز للعرب خارج العالم العربي في مدينة ديربورن. ومدينة ديربورن مدينة شبه عربية بالكامل؛ والأسعار بها منخفضة عن بقية الولاية. ومدارس العرب عامة مستواها الدراسي أدني من مدارس الأوروبيين.
         هناك ملحوظة عن أمريكا؛ فرغم أنها نسبيًا بلد بلا حضارة أو بحضارة مسروقة فإنها تحرص علي شراء الفن والحضارة من غيرها، وبها عشق عميق للمتاحف. أمريكا حتي في أماكنها المهمشة هناك متاحف بها أعمال فنية مهمة خاصة في الفن الحديث والمعاصر، ورأيت بمدينة أن أربور وهي مدينة صغيرة وغير مهمة نسبيا مجموعة من الأعمال الفنية الهامة التي درستها في فلسفة الفن من الأعمال الفنية الحديثة والمعاصرة.
           طبيعة ميتشجن شديدة الجمال، والجاذبية، وتكاد أن تكون المكان الوحيد الذي شعرت فيه بمعني أن تجعلك الطبيعة تشعر بروحك تسبح، وترغب في السجود. طبيعتها تصلح جدًا للعبادة، والرهبنة، والتصوف حقًا.
            بوجه عام أمريكا مشهورة بالبيع، وبالتخفيضات؛ فالتخفيضات خارج المواسم تصل ل50% وداخل المواسم قد تصل ل90%. أجل تصل التخفيضات في مواسم التسوق ل 90%. والأسعار بأمريكا تعتبر منخفضة نسبيًا مقارنة بالدول الغنية لكنها ليست بوجه عام منخفضة إذا ما قورنت ببعض الدول الرخيصة في أوروبا الشرقية مثلاً. والجودة بوجه عام بأمريكا مرتفعة.
             لم أجد في أمريكا ما يجذبن أو يؤثر فيّ لأحمله داخلي عنها أو يجذبني للذهاب مرة أخري.
            إلا أنني لن أنسي موقفًا عميقًا أثر فيّ في أمريكا. بمجرد نزولي من المطار، ركبت سيارة أجرة، وسألني السائق عن بلدي، فأخبرته أنني مصرية، ولسوء حظي، فقد كان هو الاّخر مصريًا. وبدأ يسألني ككل مصري حشري عن سبب سفري لأمريكا، ومن دفع لي السفر سواءًا الجامعة أو أهلي، وأخذ يحكي لي عن عائلته وأبنائه. شعرت أنني أنظر للثلج (في درجة حرارة -5) في حاسوب؛ لا أنني سافرت، وغادرت مصر؛ شعرت أنني حملت مصر معي! وعندما وصلنا للفندق صمم أن يدخل معي، ويسأل عن سعر الفندق! في اليوم التالي؛ هروباً منه طلبت من الفندق أجرة أوصلتني لمعالم أن أربور، وبعد أن درت بالمعالم حاولت العودة للفندق لكنني وجدت أمريكا لا توجد بها شبكة مواصلات داخلية لأن أمريكا التفكير فيها أن يكون لكل شخص سيارته؛ وهي علي عكس أوروبا لا تحترم الطبقات الاجتماعية الأدني أو مفهوم التكافي، ولا تحترم مفهوم العام. لم أعرف كيف أعود إلي الفندق؛ فأتصلت بسائق الأجرة المصري؛ فقال لي أنه مشغول؛ فقلت له أنني لن استطيع العودة وحدي، وهذا أول يوم لي في حياتي خارج مصر؛ فقال لي: "خلي اللي وصلك، يرجعك!"
            صدمت من نذالته المصرية الأصيلة، وسرت علي قدمي لأكثر من ساعة علي طريق سريع حتي محطة بنزين، وكدت أبكي، ولكنني دخلت لشراء شيء اّكله، وللسؤال عن موقف سيارات أجرة، وأنا أسأل رجل في المحطة عن سيارة أجرة سألني عن جنسيتي، فقلت له أنني مصري، ولحسن الحظ كان لبنانيًا، وكان يعمل معه في المحطة زوجين سوريين. فصمم أن يوصلني زميلاه السوريين إلي فندقي بسيارتهما لأننا عرب. جدعان الشوام. وركبت مع الزوجين السوريين، وأوصلاني للفندق، كما دعتني الزوجة السورية لزيارتها في منزلها في أخر يوم لي في أمريكا (التي لم أمضٍ بها سوي أربعة أيام) علي العشاء عندها بأكل سوري، وحكت لي كثيرًا عنها، وهي من أطيب وأجمل الناس الذين قابلتهم في حياتي، وأحمد الله علي رحلة امريكا لأنها عرفتني بها.

الخميس، 6 سبتمبر 2018

سلسلة خبرات السفر- الفاتيكان-بازليك القديس بطرس


دولة الفاتيكان-بازليك القديس بطرس

دولة الفاتيكان هي أصغر دولة في العالم، وهي دولة مستقلة تتمتع بصفة دولة مراقب في الأمم المتحدة، وهي موجودة داخل حدود دولة إيطالها، وتحديدًا داخل مدينة روما. ودولة الفاتيكان يوجد بها جزء يسمح للسائحين بدخوله، وأجزاء أخري مخصصة للبابا، وشعب الفاتيكان، ومن يحصلون علي فيزا خاصة لمقابلة البابا. يوجد نوعان من الأمن داخل دولة الفاتيكان؛ النوع الأول هو ضباط الشرطة وهم تقريبًا من الشرطة الإيطالية، وحرس البابا المميزين. حرس البابا لديهم وظيفتان؛ الوظيفة الأولي هي وظيفة شكلية؛ حيث يجب عليهم أن يقفوا وقفات محددة، ويرتدون ملابس محددة تشبه ملابس المهرجين؛ أما وظيفتهم الثانية فهي تأمين البابا، وهم من أكفأ عناصر الأمن في العالم. وبسبب وظيفتهم الشكلية فهناك قواعد لاختيارهم؛ فهم يجب أن يكونوا ذكورًا أقل من 35 عامًا، من سويسرا، وغير متزوجين.
بازليك القديس بطرس من أجمل الأعمال الفنية في العالم، وهي مبنية وسط ساحة بطرس، ومذبحها بقرب مكان استشهاده صلبًا مقلوبًا، وبها جثمان القديس بطرس، وكل من سبقوا البابا الفاتيكان منذ إنشائها. هي شديدة الضخامة، وبها أهم أعمال الفنان مايكل أنجلو "لا بياتا" في مدخلها، وهو تمثال للعذراء مريم، وهي تمسك المسيح بعد إنزاله من الصليب. وداخل متاحف الفاتيكان يوجد أهم الأعمال الفنية في العالم من مختلف العصور والحضارات من جميع أنحاء العالم. وتوجد غرف ضخمة كاملة جدرانها وأسقفها ممتلئة بأعمال محددة لفنانيين بعينهم مثل ليوناردو دافنشي، ورافييل. ومن أهم هذه الأعمال مثلاُ "مدرسة أثينا" لرافييل، والتي شعرت بسعادة غامرة، وفخر كعاشقة للفلسفة عندما نلت شرف إلتقاء صورة بجوارها. ومن أهم الأعمال الفنية بالفاتيكان كذلك "سيستين شابل" التي عمل مايكل أنجلو أغلب عمره عليها، وتكاد أن تكون أفضل وأهم أعماله علي الإطلاق، ويمنع التصوير داخلها. وهي تحكي قصة الخلق في العهد القديم، وتاريخ العالم، ويوم الحساب، والسماء، والجحيم؛ ويوجد بها رسومات لمجموعة ضخمة من الشخصيات في تاريخ المسيحية، وتصف الجحيم والسماء، ومن سيصل إليهم. وبها تصوير نادر للمسيح وهو رجل قوي، وجسده ممتليء بالعضلات في يوم الحساب عكس الصورة السائدة للمسيح بجسده النحيل علي الصليب. ويذكر أن "سيستين شابل" يمنع دخولها إلا بتغطية الركبة والكتفين" فهي تعتبر مكانًا مقدسًا في دولة الفاتيكان.


الأربعاء، 5 سبتمبر 2018

سلسلة خبرات السفر-فرنسا باريس


فرنسا-باريس

أنا أعلم الصورة الذهنية المتكونة لدي الغالبية الكاسحة من سكان العالم الراغبين في السفر عن فرنسا؛ وخاصة "مدينة النور" باريس. أعلم صورة مدينة الحب، والرومانسية، والقبلات أسفل برج إيفل، والمدينة البيضاء الشاعرية الممتلئة بالفن، والعلم، والأدب، والحضارة، والفكر. أعلم صورة بلد الأناقة، وبيوت الأزياء، والاهتمام بالجمال. أعلم صورة منشأ الثورة، والحرية، والتغيير الاجتماعي، والسياسي، والعلمانية، وتأسيس الدولة. أعلم صورة المدينة التي تحتل أولويات أي سائح في السفر حول العالم. أعلم كل ذلك؛ لأنني عشت هذا الوهم طويلاً، وأعلم أن كل ذلك محض صورة إعلانية مزيفة، وشبه مناقضة تمامًا للواقع!
عندما زرت باريس أحبطت إحباطًا شديدًا للغاية، جعلني أرغب منذ يومي الأول فيها للعودة لمصر! أجل، العودة لمصر، تخيلوا! باريس أولاً ليست مدينة بيضاء علي الإطلاق، بل هي من أكثر المدن التي زرتها إمتلاءًا بالعناصر العرقية، والدينية، والثقافية المختلفة؛ ففي الكثير من العرب، وبخاصة من المغرب العربي، وفيها الكثير من الاّسيويين، والكثير جدًا من الأفارقة. وهي حتي الاّن تصنف المدينة الأكثر عنصرية التي زرتها علي الإطلاق! فرغم أن الجنس الأبيض يتجه تدريجيًا نحو التحول لأقلية في باريس إلا أنه يسيطر علي كل الأعمال "الراقية"، ويدفع العرب، والأفارقة والأسيويين إلي كل الأعمال المنخفضة اجتماعيًا، وتعد باريس نموذجًا للفشل الذريع في احتواء الاختلافات، وتحقيق المساواة علي النقيض من ألمانيا، والنمسا مثلاً. فالأمر لا يتعلق فقط بالأعمال التي يقوم بها الجميع عدا الجنس الأبيض بل إنه أيضًا يرتبط بمستوي الحياة وجودتها التي يتمتع بها من ينتمون إلي هذه العناصر. فالأحياء التي يقطنها العرب، والأفارقة، والأسيويون قذرة نسبيًا، ويمكن أن تري فيها القمامة بالشوارع (يحدث في باريس) علاوة علي أنها ليست واسعة، وأماكن الأفراد فيها ضيقة للغاية حتي تصميمها العمراني ضيق. أما الأماكن التي يعيش فيها البيض؛ فهي ثرية، ونظيفة، ومخططة معماريًا بوسع، وفيها أماكن لممارسة الرياضة، وقيادة العجل، والاستلقاء علي ضفاف الراين بملابس السباحة للحصول علي حمام شمس! فروق الطبقات يبدو قاسيًا جدًا في باريس ليست كالثقافة السائدة في كثير من بقاع أوروبا (حتي قبرص الغلبانة) حيث يوجد ر قدر من العدالة الاجتماعية، وأغلب المجتمع في الطبقة الاجتماعية المتوسطة.
كما أن باريس ليست كما يشاع عنها مدينة الحرية، والرومانسية، وقبلات برج إيفيل، علي النقيض تمامًا باريس مدينة باردة! المجتمع الفرنسي ليس مجتمعًا مرحبًا أو عاطفيًا علي الإطلاق. ولا تجد الناس يقبلون ويحضنون بعضًا في الشارع كما يشاع. أصلاً هذه الصورة غير موجودة في أي مجتمع أوروبي؛ لأن الأوروبيين لا يحبون بوجه عام كسر المسافات والحدود مع الاّخرين بسهولة، ولا يحبون إبداء المشاعر، والدفء كما يشاع في المحيط العام. إنهم ليسوا بلا مشاعر، ولكن مفهومهم وتعاملهم مع المشاعر، والمسافات مختلف للغاية عن الشعوب الشرقية. وبالذات باريس ذات الشعب العنصري البارد.
باريس هي مهد المدينة والحضارة فعلاً؛ لأنها فعلاً المكان الذي يفهم فيه الفرد معني كلمة "مدينة"، ويستطيع أن يستوعب بعمق المفهوم الثقافي والحضاري للمدنية منها. إنه أمر يصعب شرحه؛ إنما تجربة يجب علي الفرد القيام به؛ يجب علي الفرد أن يذهب إلي باريس، ويعيش تجربة السير وسط مدينة باريس، ووسط منشاءاتها العملاقة الحديدية الذي يعد برج إيفل جزءًا صغيرة منها، ويمضي وسط الشوارع، ويشاهد التخطيط المعماري الضخم المنظم الذي يحمل ف كل تفصيلة فيها أفكارًا عميقة عن الحداثة، ومفهوم المدينة حتي يستطيع الفرد أن يفهم معني أن باريس هي المدينة بحق، والمدينة هي باريس. أي مدينة أخري في أوروبا زرتها تقترب كثيرًا من مفهوم المدينة والمدنية، والحداثة، وربما تفوق باريس كثيرًا في الجمال، وحتي في روعة نحت التماثيل الضخمة المميزة لباريس لكن ستبقي تقترب فقط من مفهوم المدينة الحديثة. ستبقي باريس بكل قبحها وجمالها المدينة في صورتها النموذجية، وغيرها -مهما حاول- فقط يقترب.
أشهر جولات باريس هي متحف اللوفر وهو متحف لا يمكنني الحديث عنه، وعن مجموعاته، هو أيضًا تجربة عميقة كبيرة في المفهوم الحقيقي للمتحف؛ مثلما باريس هي المفهوم الحقيقي للمدينة. متحف اللوفر يحتاج تجربة شخصيًا من تخصيص أربعة أيام علي الأقل للنظر الخاطف علي مقتنياته من كل العصور، والثقافات، والبلدان. متحف اللوفر هو الشيء الحقيقي الذي يستحق أن تشد الرحال إلي باريس لأجله. باريس بدون متحف اللوفر ومفهوم المدينة عادية للغاية بل ربما أقل من عادية! سواءًا قوس النصر أو شارع الشنزلزيه أو القصر الرئاسي أو برج إيفل أو حتي حي الرسامين؛ كل ذلك لما سافر كثيرًا أو حتي قليلاً لا يرقي ليجعل من باريس أفضل من براج مثلاً بل ربما يجعلها أقل!
من أهم أجزاء تجربي في باريس كان "المولان روج" وهو ملهي ليلي مازال يحتفظ بالأسلوب التقليدي للملاهي الليلية في بدايات القرن العشرين، وكان فرصة مميزة لي لأحضر عرضًا حيًا يشابه التياترو القديم في مصر، ويشابه ما أريد أن أعيد أحياءه لكن أقولها بثقة وبلا تردد؛ فرغم روعة عروض المولان روج خاصة عروض لاعب الخفة إلا أنه لا يساوي شيئًا علي الإطلاق إذا ما قورن بأقل عرض قدمه أقل ممثل أو مطرب أو راقصة في فيلم عربي من داخل تياترو مصري منذ بدايات القرن العشرين، وحتي أوائل السبعينات.
الشنزلزيه شارع عادي؛ ما يستحق أن يشاهد فيه فقط هو السيارات المميزة، والجديدة، والمختلفة غير ذلك فإذهبوا إلي شارع جزيرة لتجدوا نفس الماركات، وبنفس الأسعار؛ فباريس فعلاً من أغلي مدن العالم بلا أدني سبب مقنع، وبلا جودة تستحقها علي الإطلاق!

الثلاثاء، 4 سبتمبر 2018

سلسلة خبرات السفر-بلجيكا-بروج


بلجيكا-بروج

بروج من أجمل المدن التي زرتها علي الإطلاق؛ ليس فقط بسبب عماراتها الجميلة الملونة الموحدة علي ضفاف النهر، ولا بسبب جمال الطبيعة الخلاب، وأمان البط في النهر ومحبته للبشر فقط، إنما أيضًا بسبب شعبها. شعب بروج لطيف، ومحب للأخرين، وليس عنصريًا، وهو مبتسم، وهاديء غالبًا، ومتحضر رغم أن السائد في فرنسا الملاصقة له أنه شعب دون المستوي. الحقيقة أن بلجيكا أفضل كثيرًا من فرنسا المتعجرفة عليها؛ لأن غالبية المجتمع في الطبقة المتوسطة، ولا يوجد التمييز ضد الأقليات العرقية، والدينية السائد في فرنسا. والشعب ميال لمساعدة الأخرين، وتقديم العون لهم، وهو شعب محب للطبيعة والمتنزهات.
أهم وأشهر إنتاجات بلجيكا هما البيرة والشيكولاتة، وهناك منافسة قوية بين الشيكولاتة البلجيكية، والشيكولاتة السويسرية في أيهما الأفضل؛ وتمتلأ بروج بمحلات الشيكولاتة التي يوجد فيها أحلي شيكولاتة ذقتها في حياتها، وأجمل علب الشيكولاتة المصنوعة من الصاج الملون والمشكل علي شكل عربات، وبيوت بروج الملونة. وأنواع الشيكولاتة مختلفة، وكثير منها به نسبة من الكحول الخفيفة التي تعطيه طعمًا مميزًا. ومن إنتاجات بلجيكا المميزة كذلك الدمي الخشبية التي يمكن تحريك فمها، والمشكلة علي أشكال الجنود البلجيكيين ذوي الملابس العسكرية الحمراء.
ضمن أهم معالم بروج كنيسة النوتردام التي يجاوز إرتفاعها الثمانين مترًا، وبيت سلفادور دالي ذا الشكل المعماري المميز، والساحة المواجهة له، والبركة المحاطة بالبط الأبيض، ومدينة بروج مدينة صغيرة، ويمكن لفها بأكملها خلال ساعة، والتنقل داخلها غالبًا يتم بدراجة.

الاثنين، 3 سبتمبر 2018

سلسلة خبرات السفر-المجر-بودابست


المجر-بودابست

يكاد يكون شعبي المفضل الذي زرته حتي الان هو الشعب المجري؛ فطباعه شديدة القرب من الشعب المصري، ومن شعوب البحر المتوسط بوجه عام. هو شعب يحب الحياة والفكاهة جدًا، ويعرف كيف يسخر من كل شيء، وكيف يضحك، وكيف يعيش. المجريون ليسوا نصابين علي الإطلاق كالتشيك؛ وهم شعب محترم للغاية، ودافيء عن بقية شعوب أوروبا. هو من الشعوب الغربية القليلة التي تبتسم في وجه الغرباء، ويمكن أن يفتح أفرادها حوارًا مع الغرباء، ويضحكون معهم. المجريون كذلك يحب الرقص، والموسيقي جدًا؛ وفنونهم تعبر عن شخصيتهم، وتنبض بالحياة، والمرح. فمثلاً رقصهم مليء بالحركة، والصراخ، والصخيب من الالفتيات الصغيرات أما الشبان فرقصهم عبارة عن خبط لكعوبهم بأيديهم. هم يأخذون من كل بلد فنها وموسيقاها، ويضيفون إليها أسلوبهم الصارخ، ويحولوها لنسخة مجرية تنبض بالضحك، والحركة حتي الكمان الذي يعد ألة تستخدم في الموسيقي الهادئة والنخبوية؛ فإنهم يستخدمونه في إخراج أصوات ديك، وعصافير، وحيوانات متعددة! وجزء أساسي من فن عزف الكمان عندهم هو الشجار بالكمان بين عازفيه المحترفيه وكأنه جيتار إلكتروني أو طبلة لا كمان!
هم شعب فوضوي كذلك، ولا يفضلون الالتزام بالقواعد، ولا حتي قواعد السلامة علي متن الطائرات! والعرف العام المروري هو مرور الأفراد وتوقف السيارات لهم لا إلتزام الأفراد بإشارات المرور. ونسبيًا تعتبر حماماتهم من الأقل نظافة في أوروبا، ويتم إغلاقها من عاملاتها عند مغادرتهن للحمام حتي لا يدخل أحد الحمام دون دفع رسوم! ولكن المجر رغم ذلك دولة نظيفة، وفيها اهتمام كبير بالعمارة، والحفاظ علي المظهر الجمالي للمباني القديمة، والتراث.
من أهم الجولات في بودابست هي جولة نهر الدانوب الذي يمكن خلالها مشاهدة كل معالم بودابست، وأبرزها الكباري السبعة الشهيرة. وأهم معلم في بودابست، وهو الأكثر تأمينًا علي الإطلاق في المجر "البرلمان المجري"؛ ويتم حجز جولته التي تبلغ نصف الساعة قبلها بيوم علي الأقل، ويسبق دخوله تفتيش طويل. وسقف البرلمان المجري مغطي ب47 كيلو من الذهب الخالص، وهو ثاني أكبر برلمان بأوروبا، وواحد من أجمل الأعمال المعمارية والفنية في أوروبا علي الإطلاق، ويحتفظ داخله بتاج الملوك الذهبي في غرفة خاصة يمنع التصوير فيها، ويجاوره من اليمين واليسار حارسان يمسكان بالسيوف، ويتم تغييرهم كل ساعة ببروتكول عسكري محدد.
يوجد ببودابست أيضًا واحدة من أهم الجولات عن تاريخ اليهود بأوروبا والهولوكست. وهذه الجولة تتم في المعبد اليهودي، ومحيطه حيث يوجد مقبرة لليهود، ونصب تذكارية، والمتحف اليهودي. والمعبد اليهودي ببودابست هو ثالث أكبر معبد يهودي في العالم ويعود للقرن التاسع عشر، وطرازه المعماري به لمحات من الطراز الكنسي والطراز الإسلامي. والمعبد اليهودي هو أيضًا مكان ميلاد هيرتزل مؤسس الحركة الصهيونية العالمية. وخلال الجولة اليهودية يتم سرد تاريخ اليهود في المجر، وكيف وقفوا بجوار الشعب المجري لينال استقلاله، ومع ذلك كيف تنامت الكراهية نحوهم بعد هزيمة المجر، وخسارتها لأراضيها بعد الحرب العالمية الأولي، وكيف تحالفت المجر مع هتلر، ودفعت الثمن شعبها اليهودي؛ حيث قدمت المجر وحدها 600000 ألف يهودي للهولوكست، وقتل كل يهود القري في المجر علي يد المجريين، وتم تجويع يهود الجيتو اليهودي في بودابست حتي وجدت 3000 جثة ليهود ماتوا من الجوع والبرد بجوار المعبد اليهودي، وتم دفنهم في مقبرة بجوار المعبد علي عكس الأحكام المعتادة لليهودية. ويحكي أيضًا كيف سبق قتل اليهود أربع سنوات من استعبادهم في مخيمات عمالة إجبارية قهرية. رغم أن اليهود هم من بنوا بودابست الحديثة.
وحول المتحف اليهودي توجد أنصبة تذكارية كثيرة باسم الديلوماسيين السويسريين الذين أنقذوا اّلاف اليهود من الهولوكست عن طريق التفاوض مع النظام النازي، وإعطائهم الجنسية السويسرية وأبرزهم "كستنر". وتنتشر النصب التذكارية للهولوكست في بودابست، وواحد من أهم هذه النصب "الأحذية"؛ وهو عبارة عن صف من الأحذية المعدنية السوداء مجاور لنهر الدانوب رمز لحادثة تم فيها إجبار مجموعة من اليهود أن يخلعوا أحذيتهم، وملابسهم علي ضفاف الدانوب ثم تم إلقاؤهم فيه.
المجر تعتبر دولة رخيصة، وتصل الأسعار فيها لنصف الأسعار في مصر سواءًا في الشرائح المتوسطة أو في الشرائح الثرية. ويوجد بالمجر محلات لبيع الملابس بالبالة، ويصل سعر قطعة الملابس في التخفيضات من البالة إلي 350 فرونت مجري أو ما يوازي 28 جنيه مصري فقط! أما بالنسبة للشرائح المرتفعة، فأغلي عقار في بودابست علي نهر الدانوب مباشرة يصل سعره لما يوازي 23 مليون جنيه مصري، وهو رقم يقل عن أسعار أغلي عقارات مصر المواجهة للنيل. والجودة المقدمة بوجه عام في المجر هي جودة متوسطة إلي مرتفعة، وليست متدنية علي الإطلاق.  

الأحد، 2 سبتمبر 2018

سلسلة خبرات السفر-سلوفاكيا- براتسلافا


سلوفاكيا-براتسلافا

رغم أن سلوفاكيا يفترض أن تكون الجزء الفقير الذي أنقسم من التشيكسلوفاكيا إلا أن شعبها أكثر تحضرًا من الشعب التشيكي. فالشعب في سلوفاكيا ليس أبدًا مخادعًا أو نصابًا، وحتي سائقي الأجرة لا يستغلون السياح. صحيح أن الشعب في سلوفاكيا لديه درجة من البرودة، والجفاء، وفرض الحدود في التعامل إلا أنه لا يوصف أبدًا بقلة الذوق كالشعب التشيكي، والخدمة بوجه عام في سلوفاكيا مرتفعة المستوي.
أول شيء سأذكره في سلوفاكيا هو الطعام؛ لأنني شعرت بسعادة غامرة بعد حرمان عندما ذقت الأكل السلوفاكي؛ فيكاد يكون السلوفاك هم الشعب الوحيد بعد الإيطاليين الذي أحببت طعامهم في أوروبا؛ وهم مشهورون بالجبنة المقلية وأقراص البطاطس المقلية الدائرية، وشربة قرع العسل الذين لم أذق في جمالهم من قبل. وهذا شيء مميز لأن ألمانيا والنمسا والتشيك لا يوجد بهم طعام شهي مطلقًا، وربما يبرر ذلك شهرة المطعم الإيطالي في أوروبا (نظرًا لضعف مهارات الشعوب الأوروبية الأخري في الطبخ الشهي). لكن  للأمانة فالطعام في دولة مثل ألمانيا قد لا يكون شهيًا إلا أنه عملي مثل كل شيء بألمانيا، فهو مليء بالدهون التي يحتاجها الألمان في جوهم البارد.
سلوفاكيا يوجد بها ميراث قوي من أدب الطفل، والفنون الشعبية المرتبطة بقصص الأطفال. يوجد بسلوفاكيا مثل التشيك عرائس ماريونت، وكثير منها مرعب إلا أنه كذلك يوجد بها عرائس وأشكال قصصية أكثر طيبة، وبراءة، وبشكل خاص يوجد الكثير من التماثيل، والأجراس بهيئة فئران كارتونية. أقول بثقة أن براتسلافا هي مدينة أدب الطفل الحديث والقديم، وشعرت وأنا في أحد محلات الهدايا فيها أن الطفلة داخلي تقف وسط جنتها التي تبتسم فيها، وتلعب، وترغب في شراء كل جزء منها. وتشتهر سلوفاكيا بنوع معين من العرائس مصنوعة من أوراق الذرة بأشكال تقليدية.
براتسلافا من أصغر المدن، ويمكن لفها بأكملها لكل معالمها خلال ساعتين، أكبر كنائسها هي كنيسة سان مارتن، وبها كنائس أخري جميلة ومميزة منها كنيسة الفرانسيسكان التي يزيد عمرها عن السبعمائة سنة، ويوجد بها قلعة، وقصر رئاسي بسيط، ومعبد يهودي، وجسر شهير يسمي بجسر اليو إف أو شكله مثل مركبة فضائية. وغالبًا ما تكون الجولة حول براتسلافا مجانية، وكثيرًا ما يختار السياح أن يقوموا بهذه الرحلة بأنفسهم بدون مرشد، مع الاستعانة بمساعدة كشك المعلومات. وأهم ما يميز شوارع براتسلافا هو إنتشار التماثيل المختلفة المتميز شكلها في كل مكان، ويقوم السياح بنشاط يسمي "صيد التماثيل" حيث يبحثون عن تماثيل مميزة للتصوير بجانبها.
براتسلافا هي مدينة رخيصة جدًا، وأسعارها موازية أو أقل من مصر حتي رغم أنها تستعمل اليورو كعملة. وتصل أسعار الملابس فيها في بعض المحلات الأنيقة وقت التخفيضات إلي ما بين ثلاثة وسبعة يورو للقطعة أي ما يوازي 70 و150 جنيه مصري. ويوجد في براتسلافا كثير ممن يعيشون في الشوارع، ويتجولون ممسكين بعلب البيرة وعارين الصدر في الصيف إلا أنهم أشخاص مسالمون ولا يتعرضون لأحد حتي أثناء سكرهم، والشعب بوجه عام أهدي من الشعب التشيكي وأقل ميلاً للخلافات. وتنتشر ذوات الشعر الأحمر في سلوفاكيا.