الأحد، 9 سبتمبر 2018

سلسلة خبرات السفر- أمريكا-ميتشجن


أمريكا-ولاية ميتشجن

       أول مرة أسافر فيها خارج مصر كانت في المؤتمر السادس لجامعة شرق ميتشجن لأبحاث الطلبة في الفلسفة. قدمت بنفسي للمؤتمر، ثم طلبت من الجامعة أن تدفع لي ثمن تذكرة الطيران لولاية ميتشجن في أمريكا عندما تم قبول مشاركتي في المؤتمر. ولحظي فإن أول سفر لي خارج مصر كان وحدي، ولبلد تبعد عن مصر 17 ساعة في أسرع طيران ممكن. أمي حاولت الحصول علي الفيزا لترافقني، ولكنها فشلت. تجربة الفيزا وفساد العاملين المصريين في السفارة الذين يجبرون المتقدمين بالتصوير برقم فلكس في الاستديو المجاور للسفارة من خلال إظهار أخطاء وهمية في الصور والورق موضوع يحتاج مني قصة مطولة لأحكيه.المهم أنني نجحت في الحصول علي الفيزا لنفسي، والسفر وحدي للمؤتمر في مارس 2016، وأبديت بلاءًا حسنًا في أول مشاركة لي في مؤتمر بحثي، وحصلت علي جائزة تسمي "روح المؤتمر" بسبب مشاركاتي القوية في إلقاء بحثي، وفي النقاشات الفلسية للأبحاث المقدمة للمؤتمر.
          علي عكس الكثيرين؛ فإنني حزنت لأني أول فرصي للسفر كانت لأمريكا؛ فأمريكا ليست أبدًا بلدًا أحب زيارتها أو أجد فيها ما يستحق أن يري أو يدرس علي الإطلاق لكنني نجحت وحدي في تنظيم السفر، والتجول داخل ولاية ميتشجن المغمورة نسبيًا، ودخول بعض المتاحف بأن أربور عاصمة شرق ميتشجن، ومعرفة بعض الأمور عن الولاية وعن الثقافة الأمريكية ككل. أولاً فإن أمريكا كما هو معروف مجتمع مختلط لكنها مجتمع عنصري؛ لأنه صحيح أن العرب والأفارقة ينتشرون في كل مكان، ويعملون إلا أنهم يشكلون الطبقات الأفقر، ويعملون في وظائف خدمية مثل سيارة الأجرة، ومحطات البنزين حتي من استطاعوا أن ينالوا منهم قسطًا من التعليم. وهذا أمر ليس حكمي عليه مجحفًا لأنني زرت ولاية واحدة صغيرة في أمريكية؛ لأن ميتشجن بها أكبر تركز للعرب خارج العالم العربي في مدينة ديربورن. ومدينة ديربورن مدينة شبه عربية بالكامل؛ والأسعار بها منخفضة عن بقية الولاية. ومدارس العرب عامة مستواها الدراسي أدني من مدارس الأوروبيين.
         هناك ملحوظة عن أمريكا؛ فرغم أنها نسبيًا بلد بلا حضارة أو بحضارة مسروقة فإنها تحرص علي شراء الفن والحضارة من غيرها، وبها عشق عميق للمتاحف. أمريكا حتي في أماكنها المهمشة هناك متاحف بها أعمال فنية مهمة خاصة في الفن الحديث والمعاصر، ورأيت بمدينة أن أربور وهي مدينة صغيرة وغير مهمة نسبيا مجموعة من الأعمال الفنية الهامة التي درستها في فلسفة الفن من الأعمال الفنية الحديثة والمعاصرة.
           طبيعة ميتشجن شديدة الجمال، والجاذبية، وتكاد أن تكون المكان الوحيد الذي شعرت فيه بمعني أن تجعلك الطبيعة تشعر بروحك تسبح، وترغب في السجود. طبيعتها تصلح جدًا للعبادة، والرهبنة، والتصوف حقًا.
            بوجه عام أمريكا مشهورة بالبيع، وبالتخفيضات؛ فالتخفيضات خارج المواسم تصل ل50% وداخل المواسم قد تصل ل90%. أجل تصل التخفيضات في مواسم التسوق ل 90%. والأسعار بأمريكا تعتبر منخفضة نسبيًا مقارنة بالدول الغنية لكنها ليست بوجه عام منخفضة إذا ما قورنت ببعض الدول الرخيصة في أوروبا الشرقية مثلاً. والجودة بوجه عام بأمريكا مرتفعة.
             لم أجد في أمريكا ما يجذبن أو يؤثر فيّ لأحمله داخلي عنها أو يجذبني للذهاب مرة أخري.
            إلا أنني لن أنسي موقفًا عميقًا أثر فيّ في أمريكا. بمجرد نزولي من المطار، ركبت سيارة أجرة، وسألني السائق عن بلدي، فأخبرته أنني مصرية، ولسوء حظي، فقد كان هو الاّخر مصريًا. وبدأ يسألني ككل مصري حشري عن سبب سفري لأمريكا، ومن دفع لي السفر سواءًا الجامعة أو أهلي، وأخذ يحكي لي عن عائلته وأبنائه. شعرت أنني أنظر للثلج (في درجة حرارة -5) في حاسوب؛ لا أنني سافرت، وغادرت مصر؛ شعرت أنني حملت مصر معي! وعندما وصلنا للفندق صمم أن يدخل معي، ويسأل عن سعر الفندق! في اليوم التالي؛ هروباً منه طلبت من الفندق أجرة أوصلتني لمعالم أن أربور، وبعد أن درت بالمعالم حاولت العودة للفندق لكنني وجدت أمريكا لا توجد بها شبكة مواصلات داخلية لأن أمريكا التفكير فيها أن يكون لكل شخص سيارته؛ وهي علي عكس أوروبا لا تحترم الطبقات الاجتماعية الأدني أو مفهوم التكافي، ولا تحترم مفهوم العام. لم أعرف كيف أعود إلي الفندق؛ فأتصلت بسائق الأجرة المصري؛ فقال لي أنه مشغول؛ فقلت له أنني لن استطيع العودة وحدي، وهذا أول يوم لي في حياتي خارج مصر؛ فقال لي: "خلي اللي وصلك، يرجعك!"
            صدمت من نذالته المصرية الأصيلة، وسرت علي قدمي لأكثر من ساعة علي طريق سريع حتي محطة بنزين، وكدت أبكي، ولكنني دخلت لشراء شيء اّكله، وللسؤال عن موقف سيارات أجرة، وأنا أسأل رجل في المحطة عن سيارة أجرة سألني عن جنسيتي، فقلت له أنني مصري، ولحسن الحظ كان لبنانيًا، وكان يعمل معه في المحطة زوجين سوريين. فصمم أن يوصلني زميلاه السوريين إلي فندقي بسيارتهما لأننا عرب. جدعان الشوام. وركبت مع الزوجين السوريين، وأوصلاني للفندق، كما دعتني الزوجة السورية لزيارتها في منزلها في أخر يوم لي في أمريكا (التي لم أمضٍ بها سوي أربعة أيام) علي العشاء عندها بأكل سوري، وحكت لي كثيرًا عنها، وهي من أطيب وأجمل الناس الذين قابلتهم في حياتي، وأحمد الله علي رحلة امريكا لأنها عرفتني بها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق