( هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة ).
قالت لي :" بابا يقول
لي أن ارتدي ما أشاء في الجامعة الأمريكية .......................أنا لن أكذب
عليكِ فأنا لا أطيق صبرًا حتي أغادر مصر"
كلماتها لم تغضبني عكس عادتي ، ربما أكون قد
اعتدت عليها و لكنني أيضًا صرت أؤمن أن الوطن ككل إيمان يلزمه الحب ، و إن لم يكن
الحب و الإيمان موجودًا بقلب الإنسان/ة فلا يمكن غرسه قسرًا. حب الوطن و الانتماء
له حرية حقيقية ، إيمان ربما غريزي و لكنه اختيار حر للقلب و العقل معًُا و ليس
أبدًا اجبارًا.
كنت حينها أتحدث معها عن الملابس ، كنت
أقول كما قلت دائمًا أنني ألبس ما أشاء في الشارع و لا يعنيني كيف ينظر الناس إليه
و لا ما اتعرض له من النساء قبل الرجال.كانت هي تقول أنها ترتدي ملابس محتشمة في
الشارع ، بينما ترتدي ما تشاء بالجامعة .
هذا الحوار خضته كثيرًا في أماكن و
أوقات و مع شخوص متعددة ، أحيانًا كان جدليًا و أحيانًا لم يكن .كل مرة كنت أقول
أن هذه حريتي و أنا اختار ما ارتدي بحرية و لن يستطيع أحد أيًا من كان/ت أن
يسلبني/تسلبني هذه الحرية.لكني هذه المرة قلت أنها بلادي.
نحن نعيش في بلادٍ مقسمة ، كل فصيلٍ أو طبقة
تعيش في الجيتو الخاص بها تحمي نفسها داخل أسوار أقاليمها (أقاليم حكمها الذاتي)
تخاف الباقين ، تكرههم تزدريهم. البلطجية يعيشون بقوانينهم ، و أولاد الشوارع كذلك
و لا تتدخل الدولة إلا عندما تلطم خدها علي الدماء التي تسيل عندما يقرر البلطجية
و أولاد الشوارع إخراج حقدهم بالدم الذي يعيشون وسطه و يرضعون منه منذ ولادتهم.
الأغنياء درجات كل درجة تعيش داخل إقليمها و منطقة سيادتها و تخشي الأثري منها كما
تخاف الأفقر.المسيحيون يعيشون داخل كنائسهم معًا ك(شعب الكنيسة) ،و يخافون أيضًا
أن يعيشوا بدينهم خارجها. المتشددون يعيشون داخل مناطق سيادتهم هم أيضًا و يسيطرون
عليها بسيادة الدين و يخافون هم أيضًا و إن أنكروا ذلك من يعيشون خارج نطاق
مفهومهم للدين و منطقتهم.
الكل يخاف ، الكل يعيش في الجيتو
الخاص به ، و لكن تعيسو الحظ من الأقليات ، الثرية و المسيحية و المتحررة حظها
أعسر قليلاً ، فهي أيضًا مضطرة أن تنصاع للأغلبيات الفقيرة ، المسلمة ،
المتشددة في الشارع الذي يسير بقانون
الأغلبية ، الأقوي ، شريعة الغاب.
هذه الأقليات تعيش حياتها بحرية ترتدي ما
تشاء ، تتصرف بثقافتها فقط داخل الجيتو الخاص بها.داخل الكنيسة ،داخل الفنادق ،
داخل مارينا ، داخل الجامعات الخاصة و الأجنبية، داخل شرم الشيخ ، داخل الغردقة،
داخل سجون حريتها الخاصة.
الكل يخاف.
و لأن الكل يخاف ينصاع .
لكن لماذا ؟ لماذا يجب أن نبقي أسري
سجوننا ، سجونٍ نجد فيها من يشبهوننا ، في
الدين أو الثقافة أو طريقة العيش ؟ لماذا لا نكون أحرارًا لنحيا داخل كل شبرٍ من
وطننا أحرارًا كما نحن؟
لماذا لا نحيا معًا ؟ لماذا يحكمنا الخوف
؟ نخاف أن ننفتح علي بعضنا ، نخاف بعضنا ، لا نفهم بعضنا ، مع أننا واحد ، كلنا في
بلادٍ واحدةٍ.
كلها بلادنا نحن . الأغنياء و الأكثر
تحررًا يخافون أن يفتحوا جيتوهاتهم للفقراء أو الأكثر تشددًا ؛لأنهم يعلمون ماذا
سيكون رد فعل هؤلاء علي طريقة عيشهم في هذه الجيتوهات.لأننا بكل بساطة لا نعترف
أننا وطن واحد ، و أننا بجب أن نحترم اختلافاتنا و لا نخاف بعضنا و لا نزدري بعضنا
و لا ندعي أننا نمتلك الحق أو الإيمان أو الثقافة و بعضنا الاّخر منحلون أو كفرة
أو جهلاء.
لماذا نتكبر علي بعضنا و ندعي التدين أو
العلم و نحن أبدًا لا نمتلك العلم المطلق ، و لن نعرف أبدًا ما في قلوب بعضنا؟
لماذا لا نكون كلنا مصريين حقًا مهما اختلفنا و
نتفهم و نقدر اختلافاتنا و نحترمها ؟
لماذا لا يكون كل ركنٍ في بلادنا حقًا لنا
جميعًا نحيا فيه بحرية كما نحن ؟
لماذا لا نكون كلنا واحدٍ لا نقسم أنفسنا
لأغلبيات و أقليات ، أقوياء و ضعفاء؟
أنا قررت
أن هذه بلادي بكل شبرٍ فيها. أنا اخترت بكل حرية عشق تراب هذه الأرض ، و الإيمان بها
حتي النبض الأخير ، اخترت ذلك بعقلي و بقلبي ، و لأنني اخترت هذا الوطن ، سأحيا
فيه كما أنا بحريتي ، بشخصيتي ، بهويتي .سأحيا فيه خارج الأسوار ، خارج سجون
الحرية الزائفة ، خارج حدود كل فكرٍ لا أؤمن به ، بدون حماية أسوارٍ تأسرني ، و
حوائط اسمنتية تحصنني زيفًا و تحول بيني و بين بلادي. لن احتمي بعلمٍ غير علمها ،
لن أخاف أن أخرج إلي شوارعها كما أنا ، بهويتي ، بإيماني ، بفكري ، بملابسي التي
تعبر عنهم و بتصرفاتي التي تعكسهم.
لن أخاف أحدًا ؛لأنها بلادي ، كما هي بلد
كل من اختارها /اختارتها أحبها/أحبتها ،و حق كل من كن/ت هذا الحب و الإيمان بها أن
تحيا/يحيا فيها بحرية ، بحقيقة ، كما هي /هو ، بدون خوف.
حقي أن أكون نفسي في كل بلادي ، حقي أن
أحيا فيها بحرية كما أنا ، حقي أن تكون لي كما هي لغيري ، حقي أن تقبلني كما أنا و
تحبني كما أنا كما تحب غيري ، حقي ألا تفرض عليَ طريقة حياة غيري فقط ؛لأنهم أكثر
مني.حقي ؛لأنها بلادي ، حقي لأنها لي و أنا لها .هذا حقي فيها ؛و لأنها أعشق
ترابها لن أتنازل عن حقي فيها ؛لأني أعشقها لن أتركها ؛و لأني أعشقها أيضًا لن
أسجن نفسي في جيتو الحرية الزائفة داخلها ؛لأني أحبها سأكون حرة في كل ركنٍ فيها ،
لا احتمي إلا بالله –عز و جل- و بحقي فيها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق