السبت، 25 يناير 2014

لماذا لا للسيسي رئيسًا ؟ (لديكتاتورية بدعم الأغلبية)

    ( هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة ).

    أحد الحجج ضد تولي رئيس إسلامي للرئاسة في الانتخابات الرئاسية الماضية كانت كون الإسلاميين يكتسحون كل سلطات الدولة فقد سيطروا حينها علي السلطية التشريعية بمجلسيها ، و تمكنوا من احتكار صياغة الدستور، و كانوا من قبل مسيطرين علي النقابات و حتي النوادي الرياضية ، علاوة علي امتلاكهم لخبرة طويلة في الحشد ، و رصيد مالي ضخم قد يستخدم في الضغط السياسي أو الاقتصادي ،كما أنهم يملكون الضغط بورقة الدين و الخطابة الدينية في مجتمع شديد التمسك بالمظاهر الدينية ، و يملكون اللعب بورقة العدو الذي يهدد الثورة "الفلول" أو العدو الذي يهدد الدين "الليبراليين و العلمانيين". بمعني اّخر كانوا يملكون القدرة علي الهيمنة علي الوضع السياسي بشكل ديكتاتوري ، و بدون فرصة معارضة إن تملكوا منصب الرئاسة أيضًا.
         برغم ذلك بقي هناك قوي كثيرة معارضة لهيمنة الإسلاميين. فالإعلام كان جزء منه معهم ، لكن السواد الأعظم من القنوات و الإعلاميين ذوي نسب المشاهدة العالية كانت ضدهم ، و سلطة الإعلام في المجتمعات الأمية و قليلة القراءة سلطة قادرة تحت ظروفٍ محددة أن تحرك بل و تتحكم في الرأي العام . السلطة القضائية تصدت لجنوح النظام الإخواني ، بل و أسقطت سلطته التشريعية . قطعات عريضة من المجتمع كانت ساخطة علي حكم الإسلاميين مثل المسيحيين و الإتحادات النسائية و الجيش و  الشرطة. الإسلاميون لم يتمكنوا من فرض نظام ديكتاتوري بألية ديمقراطية في نهاية المطاف ؛لأن نقطة هامة محددة لمدي ديكتاتورية النظام و فساده هي مدي هيمنته ، مدي سيطرته، هل هناك معارضة قوية تستطيع أن تتصدي له و تفرمله أم لا ؟
           الوضع مع السيسي مرعب.
         أولاً لا توجد قوة منظمة واحدة تستطيع أن تقف أمام السيسي. الإعلام كله منحاز له ، بل تخطي مرحلة التأييد المتواري ، إلي التطبيل العلني قبل حتي توليه للسلطة. القوة الأكثر فاعلية علي الوعي الشعبي المصري في هذه الفترة تصفق للسيسي. و الأزمة أن الشعب يثق فيها الاّن. التاريخ الطويل من الإعلام الرسمي الشهير ب"المطبلاتي" جعل الشعب في فترة يفقد الثقة في الصحافة القومية و التليفزيون المصري ، و يتجه إلي الإعلام الخاص ، ولكن الاّن حتي  الإعلام الخاص يقف بجوار السيسي بسبب ميول فكرية و مصالح اقتصادية لمالكيه الرأسماليين. السلطة القضائية في مصر إن لم تدعم السيسي حتي الاّن بشكل مفضوح كالإعلام إلا أنها علي أقل تقدير ليست معارضة له ، و خاصة أنه قد يبدو مخلصها من نظام أصر علي مواجهة مباشرة معها ،و إتخاذ إجراءات توحشية ضد سيادتها.المسيحيون و الإتحادات النسائية و مدعو الليبرالية و العلمانية موقف كثير منهم و خاصة القيادات موالي تمامًا بل و عاشق لسيسي ربما بسبب الشعور الكامن بأنه المخلص و أنه الخيار الوحيد ضد القوي الإسلامية الممقوتة منهم، و التي تظهر بصورة الخانقة لحرياتهم و المهمشة لهم. حتي السلفيين لن يقفوا ضد السيسي ؛ربما لاقتناعهم بضرورة الخنوع للحاكم ، و ربما كذلك لرغبتهم في الفوز بضمان دائم لمحو الإخوان من الساحة السياسية و احتكارهم لأصوات الطائفة المنحازة للأفكار الإسلامية. لا توجد سلطة تشريعية منتخبة الاّن ، ولكنها ستؤول ملكيتها بشكلٍ رسمي إلي السيسي فور فوزه قبل الانتخابات التشريعية ، و أخيرًا الجيش و الشرطة هما الدراع الأمنية القمعية الموالية للسيسي.
       ثانيًا   :  أما التصدي للسيسي بحرية الرأي و التعبير و التظاهر السلمي فستكون شبه منعدمة إلا عن طريق الفضاء الافتراضي . فقانون التظاهر لن يسقط –حسب دستور 2013- إلا إذا تمت الموافقة علي إسقاطه من البرلمان القادم الذي غالبًا ستكون تشكيلته بعد القضاء علي الوجود الإخواني من قوي كثيرة إما لا يعنيها مثل تلك الحقوق أو لا تريدها أو لا تؤمن بها أصلاً ؛لأنها تعوق قدرة السيسي علي التوسع الديكتاتوري ، و طبعًا هذه القوي موالية للسيسي بل هي من جاءت به. و قانون التظاهر بالفعل قانون قادر عمليًا علي التخنيق علي حرية التظاهر و تجريم حق الاعتصام السلمي. أما عن حرية الرأي و التعبير فهي بالفعل مقيدة بل مسجونة بسبب سيطرة رجال الأعمال الداعمين للسيسي علي كل وسائل الإعلام المقروءة و المسموعة و المرئية.  " لا " ستكون كلمة ممنوعة بسلطة القوانين القمعية و الإعلام المسيس المنحاز "المطبلاتي".
            ثالثًا: السيسي يمتلك كلمة السر لصمود الحكم الديكتاتوري الفردي لما يزيد عن 7000 عام بمصر ،" كاريزما القائد ، الإله". السيسي ليس لديه لغة الجسد الكاريزمية المميزة لعبد الناصر مثلاً ، و لكنه يعرف جيدًا كيف يخاطب الجماهير سياسيًا بمهارة عاطفية تناسب الشخصية المصرية. هو ماهر في اختيار مرادفاته لتظهر قوية و حميمة في ذات الوقت ، يعرف طبيعة المجتمع المصري ، يعرف كيف يظهر بقراراته و خطاباته بصفات الأب و القائد. يعرف كيف يبدو حنونًا ، حميمًا، حاميًا ، حازمًا ،قويًا،قاسيًا مع المخطيء ،لا يتراجع في كلمته ، و مضحيًا وطنيًا. يعرف كيف يكون أبًا للرجال و فارسًا للنساء.
             مهاراته الكاريزمية قد تبدو ذكاًء مطلوبًا لدي البعض ، و لكنها مكر خطر للحاكم الذي لا معارضة له و بالذات في مصر حيث لم يمضٍ وقت كافٍ بعد لتسقط فكرة الحاكم الأب الإله المترسخة داخل الوعي الجمعي. الكاريزما تستطيع أن تتلاعب بالألية الديمقراطية لتصنع أقذرو أخبث أنواع الديكتاتورية ، الديكتاتورية بدعم الأغلبية ، ديكتاتورية تدهس قيم المساواة و الحرية بينما تصفق الجماهير.
            الكاريزما قد تكون درعًا واقية للحاكم من سهام أي معارضة ،و تخمر خطاياه و فشله عن أعين مسحورة بتأليه الحاكم الأب.الكاريزما قد تتخطي مرحلة خمر الخطايا إلي مرحلة التبرير و التحريض ، و تكون أشرس عندما تكون الخطايا ضد العدو . السيسي لا يلعب فقط دور الأب بل يلعب دور البطل الوطني كذلك ، و يعمل علي تحويل كل معارضيه إلي أعداء للوطن ، و خونة إما يؤثرون الدين علي الوطن (الإخوان) أو يؤثرون الثورة و الثروة علي الوطن (النشطاء ).
            رابعًا : السيسي يملك ورقة "الوطنية" مقابل ورقة "الدين" التي امتلكها الإسلاميون. ورقة الوطنية ورقة قاسية ؛لأنها تحول صاحبها إلي قائد وطني و أعداءه إلي أعداء للوطن . بمعني اّخر إن كان معارضو مرسي و الإخوان فيما مضي معرضين لتهمة الكفر ،فإن أعداء السيسي  سيكونون خونة و عملاء. أي أن السيسي يملك القدرة علي إخراس أي معارضة له فقط بفزاعة "أمن الوطن" و لا يجب تجاهل الفزاعة الشهيرة "الإرهاب".
            باختصار اختيار السيسي رئيسًا هو اختيار كامل الإرادة للحكم الفردي المطلق المتقنع بألية ديمقراطية نزيهة. الحكم الفردي المطلق ليس فقط مخل بروح الديمقراطية و منتهك لغايتيها الأسمي "الحرية " و "المساواة" بل هو طريق مختصرة للفساد المطلق.
            القول بأن الحرية و المساواة أحلام وهمية يحال أن تتحقق في شعب متخلف أمي ، و أن السيسي هو وحده المتاح للمرحلة قول –بغض النظر عن ما يحمله من نظرة عنصرية – إلا أنه يتجاهل حقيقة أننا تاريخيًا وضعنا هذه الحجة للدفاع عن حاكم مستبد تلو الاّخر ، و لم نستطع أن نصنع بديلاً لاستبداده ؛لأن الحكم الاستبدادي يعمل علي تجريف الدولة من أي رمز يمكن أن يحل محله ذات يوم. فلنعلم أننا إن اخترنا السيسي اليوم كحاكم قمعي مؤقت فلن نستطيع أن نصنع بديلاً له ، و ربما نظل لعقود و قرون أخري عبيدًا عاجزين عن التخلص من الحكم القمعي الفردي المطلق.
                أما القول أننا نحتاج لمن يحفظ الأمن و الاستقرار و لذلك نحتاج لحاكمٍ عسكري حازم (برتبة رئيس جمهورية) قول يفتقر إلي استيعاب حقيقة أزمتنا الأمنية و يفاقم تعقيدها. أزمتنا الأمنية يكمن جزء كبير منها في التعامل الأمني مع ما يعتبر جريمة سياسية أو اجتماعية. انهيار منظومة الأمن بعد 25 يناير يرجع إلي كون البلاد معانية بالفعل من غياب تام للعدالة الاجتماعية ، بطالة ، إحباط ، عشوائيات ، أوضاع معيشية غير اّدمية لنسبة شاسعة من المجتمع المصري ، هذه القضايا تحتاج إلي حل مدني اجتماعي اقتصادي سياسي و مهما اشتدت القبضة الأمنية ستصير غير مجدية بل و مزيدة للطين بلة طالما لم تحل هذه القضايا مدنيًا. الدولة الأمنية لا تحمي المجتمع الظالم. الحاكم العسكري الذي ننتخبه علي أساس قدراته الأمنية ليس  حلاً علي الإطلاق بل هو خطيئة جديدة في التعامل مع أزمة انهيار الأمن.
                  إن كنا نريد أبدًا أن نحيا عبيدًا لحاكمٍ  يملك هيمنة مطلقة علي زمام بلادنا و لا يملك أحد حق الاعتراض عليه حتي ،إن كنا نؤمن أننا عبيدًا لا يحق لنا أن نحيا في حرية أو مساواة تحق لنا أن نؤمن بما نشاء و نعبر عما نؤمن به ، إن كنا لا نبالي كثيرًا بخسارة حريتنا لأجل أمنٍ كاذب هش ، فلنذهب و لنفوض للسيسي ثانية و نحن نعلم تمام العلم أننا لن نستطيع أن نقول له "لا" أبدًا بعد ذلك ، و لنعش استقرارًا هشًا قائمًا علي الظلم و القمع.

                      لنعش الديكتاتورية بدعم الأغلبية.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق