الجمعة، 17 يناير 2014

تجار الدين ، تجار القومية و تجار الوطنية

    ( هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة ).   

    كثير من الشعوب لديها  انتماءات مقدسة ، هذه الانتماءات تختلف طبقًا لطبيعة المجتمع و تركيبته ، و تاريخ الدولة . الانتماءات المقدسة غالبًا تكون الدين أو القومية أو الوطنية، و أحيانًا مزيج من هذه الانتماءات.  هذه الانتماءات تشكل نقاط ضعف عاطفية للشعب. هناك شعوب تؤمن كثيرًا بالقومية و هناك شعوب تميل للانتماء الوطني و هناك شعوب متدينة بطابعها.
         الانتماء القومي أو الوطني أو الديني ليس في حد ذاته خاطئًا ، بل ربما اعتبر انعكاس لقيم الولاء و الإخلاص . و لكن الخطا أن هذا الانتماء غالبًا ما يقترن بشعور داخلي بالأفضيلة علي الاّخر، غالبًا ما يقترن بنوعٍ من أنواع الكبرياء ،بتضخيم للذات و تقذيم للاّخر. الشعوب المتدينة غالبًا ما تؤمن كل طائفة دينية فيها أنها تحتكر الحق و أن الطوائف الأخري علي باطل ، و حتمًا إلي هلاك ، خاصة إن كانت اللحظة التاريخية لحظة عصيبة كالفتنة الطائفية.  الشعوب التي يقوي فيها الشعور الوطني  تري وطنها و شعبه أفضل شعوب العالم بدون حتي أن تنظر بعمق و تقارن بينها و بين شعوب أخري ، و بين وطنها و أوطان أخري. الشعوب التي يقوي فيها الشعور القومي تري قوميتها التي تنتمي إليها أفضل قوميات العالم و بها صفات ليست بأي قومية أخري. الشعور بالكبر بينه و بين العنصرية خطوة واحدة. الشعور بالأفضيلة شعور داخلي و لكن إن تم توظيفه في إطار محدد و مع مقارنة باّخر و ازدرائه ، و تعظيم الجهل به يمكن أن يتحول هذا الشعور المتعجرف إلي نظرة عنصرية ربما تتطور لأفعال عنصرية ضد الاّخر المزدري.
              و هذا هو بالضبط ما يستغله السياسيون و رجال الدين عندما يريدون من الشعب الفتك بأهل دينٍ أو قومية أو وطن مختلف. يلعبون علي المشاعر الوطنية أو القومية أو الدينية لكسب الشارع لصفهم، ثم يبدأون بتضخيم الذات (الدينية أو الوطنية أو القومية) أكثر و تتفيه الاّخر و إظهاره بمظهر الشرير الخطر. الاّخر ليس مجرد خصم لهؤلاء السياسيين إنه وسيلة للسيطرة علي الشعب و جعله يتغاضي أحيانًا عن فشلهم ، قمعهم أو جرائمهم ، إنه الأسطورة التي تصنع لتوجيه كل البغض ، و السخط ضدها، و الرعب في ذات الوقت منها.
             الأمثلة علي ذلك كثيرة جدًا. نجاح هتلر السياسي الساحق اعتمد علي  تلاعبه بنقطة ضعف الألمان الرئيسية. الألمان بوجه عام شعب ميال بشدة للشعور القومي و الوطني ، إنها سمة من سمات الشعب. نجاح هتلر اعتمد علي تلاعبه بتلك الصفة ، تغذيته لشعور الألمان بالتفوق علي كل القوميات و الأعراق الأخري ، شحنه لكبرياء الألمان . ثم تدريجيًا صنع العدو الحقير الخطر الذي تسبب في هزيمة ألمانيا الدولة العظمي "اليهود" . عرف جيدًا كيف يستغل مشاعر الوطنية و القومية ، كيف يضخمها ، كيف يوجهها ناحية ازدراء الاّخر ، و أخيرًا كيف يجعل ازدراء الاّخر وسيلة لتأجيج الكراهية ضده و توجيه كل إتهامات الفشل نحوه ، كيف يتم التغاضي عن جرائمه ضد الاّخر و ضد شعبه ، كيف يتم التسامح مع قمعه.
            مجزرة رواندا نموذج علي استغلال الشعور القومي العرقي في تأجيج الكراهية. أفريقيا تتميز بتألق الانتماءات العرقية و القبيلية . في رواندا الهوتو الأكثرية عندما حصلوا علي السلطة بانقلاب ، سياسيوهم حولوا التوتسي إلي العدو الخطر الشرير المحتقر الذي يجب القضاء عليه، و أكبر تعبير عن كم احتقار الهوتو لتوتسي و شعورهم بأفضليتهم عليهم هو الرمز الإعلامي للتوتسي " الصراصير". مجزرة رواندا خلفت ما بين نصف مليون و مليون قتيل في ثلاثة أشهر و أسبوع من التوتسي و حتي الهوتو الذين رفضوا أن يقتلوا و يشاركوا في المجزرة ضد التوتسي. كيف تمكن سياسيون من توجيه شعبٍ بأكمله لإبادة عرقية بهذه البشاعة ؟ كيف يقتل حتي من يأبي القتل ؟
        و الأّن نتحدث عن وطننا ، ما شهدناه بأعيننا. نحن شعب متدين وطني ومائل إلي القومية ، باختصار لدينا كل نقاط الضعف الممكنة. أحد وسائل عبد الناصر للتلاعب بمشاعر هذا الشعب كانت لتلاعب بالشعور القومي. عبد الناصر تلاعب علي شعور المصريين القومي و ضخم الإيمان الشعبي المصري بفكرة القومية العربية ، و ضخم العدو الإسرائيلي حتي صار هو الخطر ، هو التافه ، هو كلب الغرب للتحكم بالشرق . هذا العدو الذي عمل عبد الناصر علي ضخيمه هوما كان أحد حجج  النظام الناصري للقمع و الديكتاتورية ،الفكرة العروبية ذاتها أخذت طابعًا ديكتاتوريًا.

       السادات تلاعب بنقطة ضعفٍ أخري تلاعب بالدين ،و ذكاؤه أنه أدرك أن الميل للفكر الإسلامي بدأ يقوي بعد هزيمة 1967. و ربما كانت واجهته الدينية جزًء من سبل تجميل وجهه  شعبيًا. مبارك لم يحتج بسبب الركود السياسي في عصره إلي اللجوء لتلاعب، و لكنه ربما بشكلٍ بسيط أثناء 25 يناير تم الترويج له بشكلٍ يمثل تلاعب علي المشاعر الوطنية ب"الضربة الجوية". مرسي و إخوانه طبعًا بسبب طابعهم الايدولوجي وجدوا نقطة الضعف الدينية مدخلاً نموذجيًا لحماية نظامهم و لضرب معارضيهم الغير إسلاميين بتصويرهم كعدو كافر مصيره إلي النار (الازداء)  ، و عدو خطر علي الأمة الإسلامية عميل للغرب الفاجر المنحل ، و بذلك تمكن من التغطية علي فشله في إدارة الدولة ، و تبرير مختلف الاعتداءات التي تتم علي معارضيه. النظام الحالي في مصر  يلعب علي نقطة الضعف الوطنية . إنه يلعب علي مشاعر الانتماء الوطني لتعظيم النظام بواجهته العسكرية "السيسي" ، و لإظهار الإخوان بل ربما أي تيار معارض كمعدوم وطنية و عدو لأمن الوطن و سلامته و خائن ينتمي لوطن اّخر (عميل للغرب) بل لا يتنمي لأي وطن سوي الجماعات الدينية ، بذلك يتم ازدراء الاّخر و تبرير أي انتهاك يتم في حقه أيًا كان ، بل يتم تبرير القمع و التشريعات و الإجراءات المعادية لقيم الحرية و العدالة بحجة الحماية من هذا الخطر الموجه إلي أمن الوطن ، الاّخر المسمي " الإرهاب".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق