(هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة).
أزمة قبول الاّخر/ الأخري ترتبط بعدم وجود تعامل
إنساني معه/ا. نحن نعيش في مجتمع تفضل كل مجموعة فيه الحياة بعزلة عن من حولها في صورة
مجتمع مغلق خاص بها و هذا ما يزيد من سهولة تجسيدها في صورة فكرة مرفوضة لا بشر من
لحم و دم ، ما يؤذيهم يؤذي بشرًا لا أفكارًا و حسب.
أنا لم أعش هذه الحياة.
اخترت أن أتعرف علي ناس مختلفين من مجتمعات مختلفة مغلقة علي نفسها و أدخلها جميعًا
باختلافها، و أعرفها جميعًا كمجتمعات بشرية لا كأفكار. تعرفت علي مجتمع الإخوان و الإسلاميين
و مجتمع اليبسار و الحركات الثورية و المجتمع المسيحي، و مجتمع ذوي الميول الجنسية
الغير غيرية و مجتمع الطبقة الأكثر ثراًء و مجتمع عائلات ضباط
الشرطة و مجتمع الجامعة الأمريكية (مجتمع الجامعات الأجنبية) و المجتمع الملون لجامعة
القاهرة و حاولت أن أدخل مجتمع أولاد الشوارع و لكني أجلت التعمق في هذه التجربة قليلاً
للمستقبل.
كل مجتمع دخلت (سواء كنت جزء منه أو زائرة) كنت
أبدأ باستغرابه أو رؤية مدي احتلافه عني (حتي و أنا جزء منه) ثم أعرفه و أعرف كم
هو قريب مني رغم اختلافه. كل مجتمع كنت أحبه تدريجيًا و أعرف كم جميلون من هم جزء
منه. كنت أعرف كيف أحبهم كبشر، و ينتهي بي الأمر و قد ارتبطت بهم من داخلي. و
الدرس الذي أود أن أعلمه لكل فرد أن الأفكار النمطية عن كل مجتمع مختلفة جزريًا عن
حقيقته و تصديقها ظلم.
مجتمع الإخوان محافظ،
لكنه ليس متعصبًا كله كما يروج عنه، و هو مجتمع مصري بسيط و دافيء، و طيب، و مائل للمصرية
أكثر من الخليجية. مجتمع اليسار و الحركات الثورية مجتمع فيه بعض العيوب مثل
الإقصاء و النزاع علي الثورية و الفخر بالمقاومة، لكنه كذلك مجتمع شجاع، و أفراده
يواجهون أحيانًا ضغطًا اجتماعيًا قبل الضغط السياسي، خاصة بناته. مجتمع طابعه يشبه
أسماء أفراده "رفاق"؛ و علاقاتهم تشبه هذه الصفة. و يوصف بالانفتاح؛ لأن مرجعيات أفراده المختلفة
تجعلهم يختلطون بمختلفين عنهم، و يتعلمون أن يقاتلوا بجوار مختلفين عنهم الظلم، و
مع القتال سويًا يعرفون بعضهم و يقبلون اختلاف بعضهم.
المجتمع المسيحي
مجتمع يتصف بالمحافظة، و لكنه (خاصة البروتستنتي) بدأ في كثير من الجوانب ينفتح
أكثر و يتقبل الحوار في التابوهات. هو ليس مجتمعًا مختلفًا جدًا عن المجتمع
الإسلامي، و المتشددون فيه ليسوا مختلفين كثيرًا عن المتشددين الإسلاميين. مجتمع
ذوي الميول الجنسية المختلفة، مجتمع مختلف كثيرًا عن الصورة الذهنية له. المجتمع
يراه فاسقًا و فاجرًا و منحلاً و يري ذكوره "خولات" لكن حقيقة هذا
المجتمع مختلفة. أفراده جزء من المجتمع الكبير بكل اختلافاتهم، و منهم متدينون. و
ذكوره ليسوا "خولات" كما يقول عنهم المجتمع بل منهم من هم أكبر من مجرد
"رجال"، من هم بشر، يشعرون و لديهم مشاعر إنسانية راقية، و منهم من
يتمتعون بقوة و صلابة أمام المجتمع لا يملكها أغلب الذكور الذين قابلتهم في حياتي.
مجتمع الطبقة الأكثر
ثراًء و مجتمع الجامعة الأمريكية (الجامعات الخاصة) مجتمع مصري يظهر بمظهر منفتح و
لكن لمن يعرفونه بعمق، يعرفون أنه مجتمع مصري محافظ، و لكن يظهر بمظهر غربي من
الخارج، و لكن اختلاط أفراده بالفكر الغربي يجعل بعضهم (لا الغالبية) ينفتحون علي
قبول قدر من الاختلاف، لا الاختلاف الكامل عنهم.
المجتمع الملون
لجامعة القاهرة يستحيل وصفه؛ لأنه ملون جدًا، و ليس بالضرورة أقل انفتاحًا من
مجتمع الجامعات الأجنبية –كما يظن الكثيرون-. مجتمع عائلات ضباط الشرطة هو أيضًا
مجتمع محافظ، و مجتمع بشري مختلف تمامًا عن الصورة الذهنية لجبروت و قوة ضابط
الشرطة.
المشترك
بين علاقتي بكل تلك المجتمعات أنه يستحيل علي بعد معرفتي بها ألا أحب أفرادها كبشر
أو أن أري أيًا منهم مستحقًًا لأي اضطهاد يمارسه المجتمع ضده. علاقتي البشرية بهم
علمتني أن أحبهم كبشر و أن أري الجمال فيهم باختلافهم. أود لو يأتي يوم تنفتح فيه
هذه المجتمعات علي بعضها، و تعرف و تحب بعضها، و لا تري أن أيًا منها يستحق القتل
أو الرجم أو السجن لمجرد كونه جزء من مجتمع مختلف. حينها لن نكون بلدًا فاشيًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق