الثلاثاء، 10 فبراير 2015

شيء من يومي أمس

 ( هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة.)


انا كويس يا جماعه شكرا للاهتمام
نركز مع الناس الماتت و ال بيزيد عددهم ل ٢٨ لحد دلوقتی 
انا قدام مستشفی القاهرة الجديدو الجثث طلعت علي مشرحة زينهم انا متجة علی هناك
   
٢خرجوا حتی الان #‏مشرحة_زينهم
            قررت أن أحصل علي رقم "ب" من إحدي الصديقات المشتركات بيننا "أ" لأطمئن عليه، و أعزيه، و لكنها عندما لم ترد، إتصلت ب"م" صديقتي بالمدرسة التي كان يفترض أن تخرج معي أمس.
            "ما علش يا يسرا، واحد زميلنا في المدرسة مات إمبارح في الماتش."
        لم استطع تذكر وجه الزميل، أحرجت أن أتصل ب"م" ثانية و أخبرها أنني لا أتذكره، فاتصلت ب"و"، و هو زملكاوي و رفيق ثوري.
                " مات لكَ حد إمبارح؟"
               "خايف أبص علي الأسماء."
         سألته أن يرسل لي صورة الزميل و معلومات عنه، لكنه أخبرني أن أتصل برفيق اّخر ليساعدني.
           "البقاء لله، عشان لما تعرف إن حد مات لك أكون عزيتك."
         أجريت عدة إتصالات و جمعت معلومات عن مجزرة الدفاع الجوي، و عن إنعدام الإحساس و الإنسانية لدي الناس؛ حيث استأنفوا المباراة و كأن ذبابًا قتل لا بشر. إتصلت ب "أ" و بكيت و أنا أتحدث بصوت مرتفع وسط حوش الجامعة، و خلفي فتاتان تتحدثان و تضحكان. وجدت "ر" تتجه نحوي، احتضنتني.
          "الماتش كمل،و الناس إتفرجت و احتفلت بالأجوان، و لا كأن دبان مات جنبهم... بيقولوا ما دفعوش تذاكر!"
          أغلقت الخط مع "أ" و جاءت إليَ حيث أقف في الجامعة. أخبرتني أن صديقتنا "س .ق" كانت مع "ب" البارحة في المشرحة حتي الصباح و لم تنم و منهارة تمامًا، و أنها تريد أن تشتري "زانكس" لها، و أن "ي" كان بالمباراة أمس و رأي الموتي بجواره. أخبرتني أن هناك عزاء في الجامعة الألمانية للطلاب الذين ماتوا منها. أردت أن أعزي "ب"؛ لأنني أعرف أنه خريج الجامعة الألمانية، لكنني أخبرتها أن لدي عزاء لأحد زملائي بالمدرسة، إن استطعت أن أحضر الاثنين سأحضرهما، إن لم استطع فسأختار عزاء زميلي.  و ظللت أصرخ أنني الاّن عليَ الاختيار بين أي العزائين أحضر. كنت متعجة أنني في موقف الاختيار بين العزاءات، و أنني بدأت يومي بدلاً من "صباح الخير" ب "مات لك حد إمبارح؟" استغربت جدًا هذه العيشة التي فرضت علينا، التي يصير الموت و ما حوله فيها هو عيشتنا اليومية و ضمن جدول الأعمال اليومية الذي يجب أن ينظم.
           إتصلت بأمي لأخبرها بأنني سأحضر عزائين، فصاحت بي أنني لن أذهب لأيهما، و رددت العبارة الشهيرة: "إيه اللي وداهم هناك؟"، قلت لها أنني لن أحتملها هي أيضًا، فكفاني ما أنا فيه. و أغلقت الخط و قررت الذهاب لهما بغض النظر عن رأيها، لكن "أ" أخذت مني الهاتف و هدأت أمي و طمأنتها، و جعلت أمي توافق علي ذهابي.
           بعد أن هدأت، ذهبت لبعض صديقاتي و ضحكت قليلاً ثم عدت ل"أ" و "ر" و جلست معهما قليلاً ثم ذهبت لفصل "الفلسفة القديمة" قرأت قبل بداية الفصل واجب القراءة لفصل "الفلسفة الحديثة" ثم بدأ الفصل، فدرست أرسطو و مفهوم السعادة لديه و وجهت بعض الانتقادات له في المناقشة. ثم ذهبت لفصل "الفلسفة و الفن" و حضرت محاضرة و مناقشة عن المذهب الحديث و ما بعد الحديث في الفن، كل ذلك و كأن شيئًا لم يحدث.
            خرجت من المحاضرة إتصلت ب"س.ق" و وجدتها في حالة انهيار و صدمة من تجربة المشرحة.
            "هو إحنا ليه رخاص أوي كده؟"
             "كان بينادوا علي الأسماء كأنهم بينادوا علي ورقة حضور."
               بعد قليل وجدت "ي" يقترب من بعيد، فذهبت له "س.ق" و احتضنته. احتضنتهما.
               "طب إحنا ناس مش محترمة، لكن الستات و الأطفال اللي معانا، دول كمان مش محترمين؟"
                "إحنا وقفنا الباص و اللعيبة و وريناهم صور الناس. عملنا كل حاجة ممكن تتعمل، وقفنا الشارع. دول ناس جايين يشجعوكوا."
                  إتصلت ب "ب" و عزيته، و سألته عن ميعاد عزاء الجامعة الألمانية فأخبرني أنه لا يعرف، و عندما يعرف سيخبرنا. "س.ق" كانت منهارة تمامًا و صممت رغم ذلك أن تذهب ل"ب" و ترافقه إلي القسم، لتشارك في ملف المعتقلين علي خلفية مجزرة الدفاع الجوي. حاولت أن أثنيها عن ذلك؛ لأنني خفت أن تنهار مجددًا، و ألا تحتمل تجربة القسم بعد تجربة المشرحة، لكنني طبعًا لم أنجح.
                  تركتها بعد أن إتفقنا أن نذهب سويًا للعزاء و ذهبت لإحدي صديقاتي لأحدثها في موضوع هام. و إتجهت إلي الحافلة. قبل أن أركبها إتصلت ب"م" و أخبرتني بمكان العزاء فعرفت أنه نفسه مكان عزاء طالب الجامعة الألمانية، سألتها إن كان زميلنا درس بعد مدرستنا بالجامعة الألمانية فأكدت لي ذلك. إتصلت ب"أ" و أخبرتها بالأمر.
               "الحمد لله إنه طلع واحد مش اتنين... إيه اللي بأقوله ده؟ أنا بقيت بأقول الحمد لله إن اللي مات واحد مش اتنين!"
               عدت إلي المنزل، تناولت غدائي و غيرت ملابسي و إتصلت ب"س.ق" و إتفقنا علي نقطة لقاء و غيرناها عدة مرات بسبب ازدحام الطرق لأجل زيارة بوتين. و بعد مجهود إلتقينا قرب الأوبرا (لكن لم يسمح لي الضابط أن أسير علي رصيف الأوبرا، فإجتزت الشارع و وقفت علي الرصيف الذي يقسم الطريق لذاهب و عائد).   
               تأخرنا قليلاًُ علي العزاء. عندما وصلنا، قابلت "م" و حكيت لها ما مرت به "س.ق"، و تحدثنا قليلاً، و أنا واقفة مع "س.ق" و "ك" في أحد صفين طويلين ننتظر أن نعزي والدته. وصلت "س.ق" إلي والدته قبلي، و وجدتها تقبل والدته و تحتضنها و تنحني لتقبل يديها و لم تتركها بسرعة. عندما وصلت أنا إلي والدته أخبرتها أنني كنت في مدرسته، و أن الجميع يمدحونه.
            "بيقولوا كان راجل مش كده؟"
             جلست بجوار "ك":
            "سمعتي أمه قالت لي إيه؟... بأقولها : "هنجيب لكِ حقه"، بتقول لي: "لأ، ما تحرقيش قلب أم." "
            كلمات "ك" اّلمتني بقسوة من داخلي، جعلتني أعود للانهيار و أنا أردد داخلي ثم بصوت مسموع: "القهر وحش قوي." ما دار داخلي أن والدته تدرك أن دماءنا تسيل دون جدوي، موت و ألم دون طائل. القهر أننا نموت و تتعذب أمهاتنا و لا يغير ذلك شيئًا.  تذكرت أمي و كيف أتعذب داخلي؛ لأنني أعلم أن قتالي سيقتلها، أنها ستموت بسببي إن حدث لي شيء. شعرت بالقهر. نري القهر و القتل أمامنا و لا نستطيع حتي أن نقاوم. ثمن مقاومتنا مزيد من الدماء، مزيد من عذاب الأمهات (حتي كلمة عذاب عاجزة عن التعبير) و لا ثمن للدماء.
          شعرت بطاقة غضب عارمة داخلي. شعرت أنني أريد أن أضرب أي شيء، سيطرت علي نفسي حتي لا أوجه ضربة لشجرة أو إلي خشب الصوان. "ب" حاول تهدئتي و قال لي أن نضرب بعضنا بعد العزاء لا حينها.
           "أنا فضلت أضرب في الفنون القتالية عشر سنوات، لحد ما رفضت العنف. لكن دلوقتي عايزة أضرب... للأسف لا العنف و لا السلمية و لا أي حاجة بتجيب نتيجة."
             "س.ق" ظلت جالسة بجوار والدته ترفض أن تقوم رغم إلحاحنا حتي النهاية - رغم أنها لا تعرفها و لا تعرف ابنها-. تمكنا من تعزية أخيه. جلسنا معًا خارج العزاء قليلاً، فأخبرني "ب" أن ماهينور المصري أخذت حكمًا بالسجن خمس سنوات، و أجهز عليَ بخبر "ضرب" عزاء في المعادي. هذه المرة لم استطع أن أتحمل فلطمت خدي.
              قابلت "س.ق" صديقة لها كانت زميلة القتيل في الجامعة و أصرت أن توصلها معنا في السيارة. ركبنا سبعة في سيارة واحدة و بعد أن وصلت المنزل، قرأت واجب قراءة لمادة "الفلسفة القديمة" عن "السياسة" لأرسطو و شاهدت حلقة رسومًا متحركة!
              لقد حذفت كثيرًا من أحداث اليوم لأسباب تتعلق بخصوصيتي و خصوصية أفراد اّخرين و الأمن و لأسبابٍ أخري.
              هذا اليوم علمني الكثير عن نفسي و من و ما حولي، كثير عن الإنسانية و اللا إنسانية.
 
            
            
           
 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق