الثلاثاء، 16 أكتوبر 2012

نفسي أروح بلدي


    ( هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة ).

    وجدت نفسي متأثرة  و أنا أسمع أغنية (بلدي با بلدي) بنسخة (حمزة نمرة) ، الفنان الذي يمضي قدمًا نحن تقديم الفن الذي أتمناه الذي يحيي تراثنا الحضاري المصري برؤية جديدة ، و يلقي الضوء علي الانسانيات الغائبة تمامًا عن فننا. كنت أريد أن أجد فكرة أكتبها فإذا بي أجد أن هذه العبارة " نفسي أروح بلدي " تطرقني ، تعبر عن شيء دائمًا أردده بصيغ كثيرة في مقالاتي و كتبي و قصصي و رواياتي و نقاشاتي ،في كل ما أكتبه و أقوله ، في كل أفكاري حتي ،و جاءت هذه العبارة خير معبرة عنه، جاءت ملخصة لكل ما كتبت ،قلت و حتي فكرت بطريقة مباشرة ."نفسي أروح بلدي".
        أنا نفسي فعلاً أروح بلدي.أتمني عندما أسير في الشوارع أن أجد بلدي ، أن أراها ،أن ألمحها حتي.لا أجدها.أري نسخة مزيفة منها ،نسخة رديئة  ككل البضائع الصينية التي انتشرت فيها.أجد أني أسير في شوارع ، أحاور أناسًا ،اشتري بضائع ،اّكل ،أشرب ،ألبس،أسمع أغانِ ،أشاهد أفلامًا ،أري جدرانًا،منازل ،مساجد،كنائس ،بيوت ،قصور،أسواق، مقاهٍ، مطاعم ، باعة، دكاكين ، ألقي بشرًا من كل لون و مع كل ذلك لا أجد سوي مسخ ، مسخ ربما مسخ لبلد ، و لكن ليست أبدًا بلدي.
      ما الذي في المسخ من بلدي ؟ الناس يرتدون ثيابًا ليست ثياب أهل بلدي.ربما مسخ من ثياب أهل الشرق أو الغرب ،و لكن ليست ثياب أهل بلدي.الشوارع و المبان مكعبات حمراء ضخمة متلاصقة .المكعبات لا شيء فيها من شكل مباني بلدي ،بعضها يشبه مبانٍ غربية ،وبعضها لا شيء فيه يعبر عن أي هوية مسوخ مبانٍ و حسب، قليل منها قديم و تراثي من مباني بلدي و لكنني لا أكاد أراه يشبه رجلاً عجوزًا هرمًا أنيقًا محاطًا باّلاف الشباب المنهك رث الثياب ،أشعث الشعر ،قذر الهيئة.المساجد و الكنائس الجديدة غدت كأنها بيوت غربية ،هي الاّخري مسوخ لا تبدو بيوتًا و لا تبدو دور عبادة ، و لا تبدو من بلدي .المقاهي و المطاعم صارت نسخًا من الغرب لا روح فيها لبلدي ،و حتي داخلها لا أشعر بروح الغرب إنها أيضًا مسخ و لكن أنيق.الأغاني و الأفلام ليست من بلدي ،حتي التي تدعي أنها من بلدي ليست سوي انعكاس للمسخ ،إنها فن المسخ لا فن بلدي.الباعة و الدكاكين مثل البشر كلهم في المسخ ،كلهم مختومون بختم المسخ.ليست ثيابهم وحدها مسوخًا من الغرب و الشرق ،و لكن شخصياتهم،روحهم ،قلوبهم ،تعاملهم ،كلامهم ،عقولهم، كل شيء فيهم مسخ من الغرب و الشرق.ليسوا من الشرق ،ليسوا من الغرب،لا أراهم من بلدي ،و لكنهم مسخ مختلط من كل هؤلاء .
       أين بلدي ؟ لا أجد بلدي.أين الدفء ؟أين العائلة؟ أين الحب ؟أين الصفاء؟ أين الاعتدال ؟ لا شيء من هذه الأشياء في أي شيء من المسخ ،الأماكن و البشر و الفن، الطعام ،الشراب ،المباني ،كل شيء يشعر و يحس ،كل شيء يعبر عن المشاعر، لذلك فلا شيء في المسخ يعبر عن بلدي ، لا شيء فيه روح ، لا شيء فيه دفء ، لا شيء فيه عائلة ، لا شيء فيه صفاء ، لا شيء فيه اعتدال ، و لا شيء فيه حب .لا شيء فيه بلدي.
        ربما أنا كاذبة ،ربما أجد ريح بلدي أحيانًا قليلة في المسخ ، أحيانًا أشمها سريعة ثم تمضي ، و لكني لا أريد ريح بلدي التي تزورني من حين إلي الاّخر في المسخ ، أنا أريد بلدي. أريدها ، قد لا أكون عرفتها في حياتي في المسخ ،إلا أيامًا معدودة في ثورة سريعة و أيام عابرة ، و لكني سأعرف بلدي عندما أجدها ، سأعرفها و لن أتوه عنها ، كما عرفتها ذات يومٍ في الميدان . سأعرفها. أريد أن أعود اليها ، أريدها أن تعود إليَ. نفسي أروح بلدي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق