( هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة ).
وجدت نفسي متأثرة و أنا أسمع أغنية (بلدي با بلدي) بنسخة (حمزة
نمرة) ، الفنان الذي يمضي قدمًا نحن تقديم الفن الذي أتمناه الذي يحيي تراثنا
الحضاري المصري برؤية جديدة ، و يلقي الضوء علي الانسانيات الغائبة تمامًا عن فننا.
كنت أريد أن أجد فكرة أكتبها فإذا بي أجد أن هذه العبارة " نفسي أروح بلدي
" تطرقني ، تعبر عن شيء دائمًا أردده بصيغ كثيرة في مقالاتي و كتبي و قصصي و
رواياتي و نقاشاتي ،في كل ما أكتبه و أقوله ، في كل أفكاري حتي ،و جاءت هذه
العبارة خير معبرة عنه، جاءت ملخصة لكل ما كتبت ،قلت و حتي فكرت بطريقة مباشرة
."نفسي أروح بلدي".
أنا نفسي
فعلاً أروح بلدي.أتمني عندما أسير في الشوارع أن أجد بلدي ، أن أراها ،أن ألمحها
حتي.لا أجدها.أري نسخة مزيفة منها ،نسخة رديئة
ككل البضائع الصينية التي انتشرت فيها.أجد أني أسير في شوارع ، أحاور أناسًا
،اشتري بضائع ،اّكل ،أشرب ،ألبس،أسمع أغانِ ،أشاهد أفلامًا ،أري جدرانًا،منازل
،مساجد،كنائس ،بيوت ،قصور،أسواق، مقاهٍ، مطاعم ، باعة، دكاكين ، ألقي بشرًا من كل
لون و مع كل ذلك لا أجد سوي مسخ ، مسخ ربما مسخ لبلد ، و لكن ليست أبدًا بلدي.
ما الذي في
المسخ من بلدي ؟ الناس يرتدون ثيابًا ليست ثياب أهل بلدي.ربما مسخ من ثياب أهل
الشرق أو الغرب ،و لكن ليست ثياب أهل بلدي.الشوارع و المبان مكعبات حمراء ضخمة
متلاصقة .المكعبات لا شيء فيها من شكل مباني بلدي ،بعضها يشبه مبانٍ غربية ،وبعضها
لا شيء فيه يعبر عن أي هوية مسوخ مبانٍ و حسب، قليل منها قديم و تراثي من مباني
بلدي و لكنني لا أكاد أراه يشبه رجلاً عجوزًا هرمًا أنيقًا محاطًا باّلاف الشباب
المنهك رث الثياب ،أشعث الشعر ،قذر الهيئة.المساجد و الكنائس الجديدة غدت كأنها
بيوت غربية ،هي الاّخري مسوخ لا تبدو بيوتًا و لا تبدو دور عبادة ، و لا تبدو من
بلدي .المقاهي و المطاعم صارت نسخًا من الغرب لا روح فيها لبلدي ،و حتي داخلها لا
أشعر بروح الغرب إنها أيضًا مسخ و لكن أنيق.الأغاني و الأفلام ليست من بلدي ،حتي
التي تدعي أنها من بلدي ليست سوي انعكاس للمسخ ،إنها فن المسخ لا فن بلدي.الباعة و
الدكاكين مثل البشر كلهم في المسخ ،كلهم مختومون بختم المسخ.ليست ثيابهم وحدها
مسوخًا من الغرب و الشرق ،و لكن شخصياتهم،روحهم ،قلوبهم ،تعاملهم ،كلامهم ،عقولهم،
كل شيء فيهم مسخ من الغرب و الشرق.ليسوا من الشرق ،ليسوا من الغرب،لا أراهم من
بلدي ،و لكنهم مسخ مختلط من كل هؤلاء .
أين بلدي
؟ لا أجد بلدي.أين الدفء ؟أين العائلة؟ أين الحب ؟أين الصفاء؟ أين الاعتدال ؟ لا
شيء من هذه الأشياء في أي شيء من المسخ ،الأماكن و البشر و الفن، الطعام ،الشراب
،المباني ،كل شيء يشعر و يحس ،كل شيء يعبر عن المشاعر، لذلك فلا شيء في المسخ يعبر
عن بلدي ، لا شيء فيه روح ، لا شيء فيه دفء ، لا شيء فيه عائلة ، لا شيء فيه صفاء
، لا شيء فيه اعتدال ، و لا شيء فيه حب .لا شيء فيه بلدي.
ربما أنا
كاذبة ،ربما أجد ريح بلدي أحيانًا قليلة في المسخ ، أحيانًا أشمها سريعة ثم تمضي ،
و لكني لا أريد ريح بلدي التي تزورني من حين إلي الاّخر في المسخ ، أنا أريد بلدي.
أريدها ، قد لا أكون عرفتها في حياتي في المسخ ،إلا أيامًا معدودة في ثورة سريعة و
أيام عابرة ، و لكني سأعرف بلدي عندما أجدها ، سأعرفها و لن أتوه عنها ، كما
عرفتها ذات يومٍ في الميدان . سأعرفها. أريد أن أعود اليها ، أريدها أن تعود إليَ.
نفسي أروح بلدي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق