الثلاثاء، 23 أكتوبر 2012

كيف نختار نموذج نهضتنا ؟


    ( هذا المقال بقلمي لا بقلم الطفلة ).

   أبهر الكثيرون بمشروع مرسي الشهير للنهضة الذي وضعه المهندس (خيرت الشاطر) و ظنوا أنه سينطر مصر فجأة نحو أعلي السماوات خاصة عندما أشيع أنه مقتبس من النموذج الصيني الذي جعل الصين مستقلة اقتصاديًا و تسير بخطوات هادئة و واثقة نحو قيادة العالم اقتصاديًا.و لكني ربما من القليلين الذين حزنوا و غضبوا و استشاطوا عندما سمعة كلمة ( النموذج الصيني) ، لأسباب سأذكرها لاحقًا في المقال.
      عندما أخذ مبارك روشتة (البنك الدولي الشهيرة) التي أخذتها بذاتها أغلب دول العالم في ذلك الوقت (و هي بالأساس نموذج اقتصادي منقول بالحرف من النموذج الأمريكي ببعض الاستثناءات الصغيرة) ،طبق مبارك هذا النموذج الأمريكي و هو نموذج اقتصادي يعد المرحلة اللاحقة علي النموذج الرأسمالي الطفيلي الذي تبناه السادات.أوهم الشعب مرة اّخري أن النموذج الرأسمالي الحر هو النموذج الذي سيصنع النهضة و الرخاء فكفاه فخرًا أن أمريكا رئيسة العالم تطبقه ! هذا النموذج الذي بدأه عبيد ثم استكمله نظيف لم يكن من الناحية الرقمية نموذجًا فاشلاً فهو للانصاف أحدث معدلات تنمية هي الأعلي منذ السنوات التالية للخطة الخمسية التي نفذها عبد الناصر ،فقد وصل نظيف بالبلاد لمعدلات تنمية من الأعلي بين الدول النامية 7% ، و استطاع أن يخرج بالبلاد من الأزمة المالية العالمية بأقل خسائر ممكنة."و لكن ماذا كان الثمن ؟ " شعب ما يربو علي 40% منه تحت خط الفقر ،بطالة تقارب ال12% ، عشوائيات غير اّدمية تخرج مجرمين و بلطجية يقطنها 20 مليون مواطن، ظهور أمراض اجتماعية هي نتيجة تلقائية لكل ذلك مثل التحرش و الاغتصاب و الفساد الاخلاقي و زنا المحارم و دولة البلطجية التي ظهرت بعد الثورة ، و غيرها الكثير.
        جزًء كبيرًا من ذلك كله كان يعود الي نقل النموذج الأمريكي أو الرأسمالي الحر الذي لم يكن مناسبًا بالمرة لمصر اجتماعيًا ، فالاقتصاد ليس مجرد أرقام ، الاقتصاد علم اجتماعي بكل ما تحمله "اجتماعي من معني".و الاّن نحو نريد تكرار ذات الخطأ بالتطلع الي الصين ؛لأنها تتجه لترأس العالم ، و لأنها تحققت من تحقيق نهضة برأسمال وطني.نحن ننظر لهذا الجانب فقط من النموذج الصيني ،غير مراعين لحقيقة أن الصين تعاني من نسب بطالة مرتفعة و نسب فقر بشعة ، و يمكن وصف نموذجها بالاحتلال الذاتي، فرؤوس الأعمال الضخمة بها صينية ولكنها أيضًا رؤوس أعمال تسيطر علي الاقتصاد بتوحش ، و تحقق ذات مبدأ الاقتصاد الأمريكي أقلية تعيش في النعيم و أغلبية لها الجحيم.الصين نقلت هي الاّخري روشتة البنك الدولي و لكن في الوقت الذي وجدته مناسبًا لها.
           أنا لست اقتصادية ، و لا يحق لي أن أقف ضد نموذج اقتصادي معين ، و لكني علي الأقل أريد أن أذكر القواعد التي علي أساسها يجب أن نختار نموذج نهضتنا.الأسس التي يجب ألا نتجاهلها حتي لا نكرره ذات الخطأ للمرة الثالثة أو الرابعة .يجب أن نضع دائمًا نصب أعيننا البعد الاجتماعي للنموذج الاقتصادي ،فالتنمية وسيلة للرخاء ، و لا يجب أن نضحي بالغاية لأجل الوسيلة. أي أننا لا يجب أن نختار نموذجًا جديدًا للنهضة يحقق النهضة علي حساب فقر و بطالة و عوز أغلب الشعب.و لا يجب أبدًا أن نتبع نموذجًا لمجرد أنه ناجح و حسب ، و حقق تنمية أسطورية في دولة ما ، فهناك قاعدة بدائية في الاقتصاد أن ما ينطبق علي الجزء ليس بالضرورة منطبقًا علي الكل. مهاتيرمحمد عندما بدأ مشروعه في ماليزيا ليجعلها من أقوي عشرين اقتصادًا في العالم ، كان العالم كله  يلهث وراء النموذج الأمريكي ، و لكنه قرر أن النموذج الأمريكي و الأووربي أيضًا لا يصلحان لماليزيا فاختار أن يتبع النموذج الياباني و نجح.
                  و هناك أيضًا البعد الثقافي ، الذي يتعلق بثقافة الشعب و كيف سيتعامل مع النظام الاقتصادي المطبق. ان كان هناك من يظن/ تظن أنه لا علاقة بين النموذج الاقتصاد و الثقافة  علي خطأ في رأيي.لأن النموذج الياباني مثلاًَ نموذج لا تفرض فيه الدولة علي رؤؤس الأعمال توفير الدعم الاجتماعي للعاملين نو مع ذلك فان رؤؤس الأعمال يوفرون هذا الدعم و الخدمات الاجتماعية للعاملين لديهم ،ايمانًا بأن ذلك يزيد من كفاءة العمل ، و من جهة اّخري ؛لأنه في الثقافة الاجتماعية اليابانية القائد مسؤول عن المرؤوسين تمامًا ، و عليهم الولاء له ، و عليه توفير كل م يحتاجونه لهم . هذا بالقطع لا يصلح في مصر مثلاً ؛لأن أصحاب الأعمال هنا ، يحاولون بكل طاقتهم اختراع بنود في العقود لا تضمن للعاملين أي حق ،بل و يلجأون الي العمالة المؤقتة لهذا السبب . حتي دول النموذج الاسكندنافي ، ألزمت أصحاب الأعمال بالمسؤولية الاجتماعية عن العاملين ؛لأنها لم تضمن مثل اليابان أن تحمي حقوق العمال الثقافة الاجتماعية.
               العبرة ليست بالنموذج الذي نختاره ،فقد يكون النموذج الذي يناسبنا لم يطبق بعد في العالم ،قد يكون نموذج مصري خالص لا سابق له ، و ان اقتبس من بعض النماذج السابقة عليه، و قد يكون منقولاً من نماذج اّخري مثل النموذج الاسكندنافي ،أو الأمريكي ،أو الصيني ،أو الياباني ،أو البرازيلي ، لكن المهم ألا نغفل البعدين الاجتماعي و الثقافي في اختيارنا للنموذج الاقتصادي ؛لأن كل دولة –ومصر بالذات- لديها تركيبة اجتماعية و ثقافية معينة لا يناسبها كل شيء ، تحتاج نموذجًا علي مقاسها هي.
               

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق